فقدان العاطفة والحنان من أسرنا

أحمد شريف النعسان

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ الأسرة أمانة 2/ سعادة الأسرة بارتباطها بربها 3/ من صور تمزّق أسرنا 4/ دور فقدان العاطفة والحنان في تفكيك الأسر 5/ ضبط العواطف وبسطها في الأسرة لإنقاذ أسرنا

اقتباس

مِنْ أَسْبَابِ انْهِيَارِ الأُسَرِ، وَتَمَزُّقِهَا، وَتَفَكُّكِهَا، فُقْدَانُ العَاطِفَةِ وَالحَنَانِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَبَيْنَ الآبَاءِ وَالأَبْنَاءِ، وَكُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ الإِنْسَانَ كُتْلَةٌ مِنَ المَشَاعِرِ، وَالعَاطِفَةُ وَالحَنَانُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَالإِنْسَانُ بِلَا عَاطِفَةٍ وَلَا حَنَانٍ جُثَّةٌ هَامِدَةٌ، وَيُقَالُ عَنْهُ: لَهُ قَلْبٌ أَقْسَى مِنَ الحَجَرِ.

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد: فَيَا عِبَادَ اللهِ، بما أن المُجْتَمَعَ لَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى الأُسْرَةِ؛ لِذَا فَقَد اهْتَمَّ الإِسْلَامُ بِالأُسْرَةِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهَا، لِكَيْ يُنْشِئَ مُجْتَمَعَاً صَالِحَاً وَسَلِيمَاً، وَحَذَّرَ مِنَ انْهِيَارِهَا، لِأَنَّ انهِيَارَ الأُسْرَةِ انْهَيَارٌ للمُجْتَمَعِ.

 

الأُسْرَةُ أَمَانَةٌ في عُنُقِ كُلِّ زَوْجٍ، وَفِي عُنُقِ كُلِّ زَوْجَةٍ، وَإِذَا لَمْ نَعُدْ عَوْدَةً صَادِقَةً لِدِينِنَا، فَإِنَّ أُسَرَنَا قَدْ تَصِلُ -لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى- إلى مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ الأُسَرُ في مُجْتَمَعَاتٍ مَا عَرَفَتِ الإِسْلَامَ، فَكَانَتْ مُتَفَكِّكَةً وَمُتَنَاحِرَةً.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: الأُسَرُ التي هِيَ مِحْضَنٌ لِتَرْبِيَةِ الأَبْنَاءِ، إِذَا لَمْ تَقُمْ عَلَى مَشَاعِرِ الحُبِّ وَالعَطْفِ وَالحَنَانِ وَالرَّحْمَةِ؛ فَإِنَّهَا تَعِيشُ في شَقَاءٍ وَضَنْكٍ وَتَعَاسَةٍ، وَالأُسَرُ لَا تَعِيشُ عَلَى مَشَاعِرِ الحُبِّ وَالعَطْفِ وَالحَنَانِ وَالرَّحْمَةِ إِلَّا إِذَا الْتَزَمَتْ شَرْعَ اللهِ -تعالى-، وَكَانَتْ مِمَّنْ قَالَ اللهُ -تعالى- فِيهِمْ: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبَاً وَرَهَبَاً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:90].

 

الأُسَرُ لَا تَعِيشُ عَيْشَ السُّعَدَاءِ إِلَّا إِذَا تَوَجَّهَتْ إلى عِبَادَةِ رَبِّهَا -عَزّ وجَلّ-، وَسَارَعَتْ في مَرْضَاتِهِ، وَتَوَجَّهَتْ إلى اللهِ -تعالى- في الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ، وَلَمْ تَنْصَرِفْ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهَا إلى عِبَادَةِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالشَّهَوَاتِ.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: لَو نَظَرْنَا إلى أُسَرِنَا بِشَكْلٍ عَامٍّ فَإِنَّا نَرَاهَا في خَطَرٍ شَدِيدٍ، في خَطَرِ التَّمَزُّقِ الأُسَرِيِّ، الذي صَارَ عَلَامَةً بَارِزَةً وَسِمَةً مِنْ سِمَاتِ المُجْتَمَعِ.

 

نَنْظُرُ إلى البُيُوتِ مِنْ خَارِجِهَا فَنَرَاهَا تَضُمُّ الآبَاءَ وَالأُمَّهَاتِ وَالأَبْنَاءَ، وَلَكِنَّنا إِذَا نَظَرنَا فِي دَاخِلِهَا فإننا  نَرَى كُلَّ وَاحِدٍ يَعِيشُ لِوَحْدِهِ، كُلُّ وَاحِدٍ لَهُ هُمُومُهُ وَأَحْزَانُهُ الخَاصَّةُ بِهِ، وَلَا يَرَى مَنْ يُقَاسِمُهُ تِلْكَ الهُمُومَ وَالأَحْزَانَ، الأُمُّ وَالأَبُ في حَالَةِ نِزَاعٍ وَخُصُومَاتٍ لَا يَعلَمُهَا إِلَّا اللهُ -تعالى-، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْغُولٌ بِأَهْوَائِهِ وَشَهَوَاتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَنَامُ في غُرْفَةٍ لِوَحْدِهِ، وَأَمَّا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتُ فَكُلٌّ مِنْهُمْ مَشْغُولٌ بِمَا شَغَلَهُ عَنِ اللهِ -تعالى- مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا وَزُخْرُفِهَا وَأَهْوَائِهَا وَشَهَوَاتِهَا.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَسْبَابِ انْهِيَارِ الأُسَرِ، وَتَمَزُّقِهَا، وَتَفَكُّكِهَا، فُقْدَانُ العَاطِفَةِ وَالحَنَانِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَبَيْنَ الآبَاءِ وَالأَبْنَاءِ، وَكُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ الإِنْسَانَ كُتْلَةٌ مِنَ المَشَاعِرِ، وَالعَاطِفَةُ وَالحَنَانُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَالإِنْسَانُ بِلَا عَاطِفَةٍ وَلَا حَنَانٍ جُثَّةٌ هَامِدَةٌ، وَيُقَالُ عَنْهُ: لَهُ قَلْبٌ أَقْسَى مِنَ الحَجَرِ.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا فَقَدَ الزَّوْجُ العَاطِفَةَ وَالحَنَانَ، وَفَقَدَتِ الزَّوْجَةُ العَاطِفَةَ وَالحَنَانَ، فَإِنَّ حَدِيثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الآخَرِ يَكُونُ أَقْسَى مِنَ الحَجَرِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلى انْهِيَارِ الأُسْرَةِ.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-؟ لَقَدْ كَانَتْ كَلِمَاتُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- كَأَنَّهَا غَيْثٌ للأَرْضِ الجَدْبَاءِ تُحْيِيهَا مِنْ جَدِيدٍ، روى الحاكم عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ. فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ؛ فَأَوْصِنَا. قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافَاً كَثِيرَاً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ! فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ".

 

أَيْنَ الأَزْوَاجُ الذينَ يَتَحَدَّثُونَ مَعَ زَوْجَاتِهِمْ بِكَلِمَاتٍ مِلْؤُهَا العَاطِفَةِ وَالحَنَانُ؟ وَأَيْنَ الزَّوْجَاتُ اللَّوَاتِي يَتَحَدَّثْنَ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ بِكَلِمَاتٍ مِلْؤُهَا العَاطِفَةِ وَالحَنَانُ؟.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: بِكُلِّ أَسَفٍ أَنْكَ تَرَى بَعْضَ الأَزْوَاجِ عِنْدَهُ العَاطِفَةُ الجَيَّاشَةُ وَالحَنَانُ الذي لَا حُدُودَ لَهُ، وَلَكِنْ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ يَتَّصِلُ بِهَا اتِّصَالَاً غَيْرَ مَشْرُوعٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ -تعالى-، وَلَكِنَّهُ مَعَ زَوْجَتِهِ يَكُونُ فَظَّاً غَلِيظَ القَلْبِ.

 

وَبِالمُقَابِلِ تَرَى بَعْضَ الزَّوْجَاتِ عِنْدَهَا العَاطِفَةُ الجَيَّاشَةُ وَالحَنَانُ الذي لَا مَثِيلَ لَهُ، وَالخُضُوعُ بِالقَوْلِ، وَلَكِنْ مَعَ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ تَتَّصِلُ بِهِ اتِّصَالَاً غَيْرَ شَرْعِيٍّ وَالعِيَاذُ بِاللهِ -تعالى-، وَلَكِنَّهَا مَعَ زَوْجِهَا تَكُونُ فَظَّةً غَلِيظَةَ القَلْبِ، كَلَامُهَا أَقْسَى مِنَ الحَجَرِ!.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: أُسَرُنَا عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، أُسَرُنَا مُهَدَّدَةٌ لِفُقْدَانِ العَاطِفَةِ وَالحَنَانِ فِيهَا، لِفُقْدَانِ الكَلِمَةِ المُؤَثِّرَةِ البَلِيغَةِ مِنْ قَلْبٍ امْتَلَأَ شَفَقَةً وَرَحْمَةً وَعَاطِفَةً وَحَنَانَاً؛ الزَّوْجُ أَقْسَى مِنَ الحَجَرِ، وَالزَّوْجَةُ أَشَدُّ قَسَاوَةً، وَالبَعْضُ اكْتَفَى بِالحَرَامِ مَعَ الجِنْسِ الآخَرِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ -تعالى-.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعَاً أَنْ نَذْكُرَ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.

 

وَمِنَ الخَيْرِيَّةِ أَنْ يَكُونَ العَطْفُ وَالحَنَانُ هُوَ رَائِدنَا في بُيُوتِنَا مَعَ نِسَائِنَا، وَأَنْ يَكُونَ رَائِدَاً لِنِسَائِنَا في بُيُوتِهِنَّ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ.

 

لَا تَجْعَلُوا عَوَاطِفَكُمْ وَحَنَانَكُمْ خَارِجَ بُيُوتِكُمْ فَقَطْ، وَتَحْرِمُوا مِنْهَا بُيُوتَكُمْ، فَأَهْلِ بُيُوتِكُمْ هُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ أَنْ تَجْعَلُوا عَوَاطِفَكُمْ وَحَنَانَكُمْ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، فَإِنَّهَا وَاللهِ لُعْبَةُ شَيْطَانٍ يُرِيدُ دَمَارَ بُيُوتِكُمْ.

 

يَا أَيُّهَا الرِّجَالُ: اتَّقُوا اللهَ في نِسَائِكُمْ، وَمِنْ تَقْوَى اللهِ -عَزّ وجَلّ- أَنْ تَكُونُوا عَطُوفِينَ رَحِيمِين شَفُوقِينَ بِأَهْلِ بُيُوتِكُمْ مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلَدٍ.

 

وَيَا أَيَّتُهَا النِّسَاءُ: اتَّقِينَ اللهَ في رِجَالِكُنَّ، وَمِنْ تَقْوَى اللهِ -عَزّ وجَلّ- أَنْ تَكُنَّ عَطُوفَاتٍ رَحِيمَاتٍ شَفُوقَاتٍ بِأَزْوَاجِكُنَّ وَأَبْنَائِكُنَّ.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا حَرِيصِينَ عَلَى أُسَرِكُمْ.

 

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

 

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

المرفقات

فقدان العاطفة والحنان من أسرنا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات