أهمية إنشاء حلقات تحفيظ الحديث النبوي في المساجد

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/وجوب لزوم سنة النبي الكريم 2/معرفة سنة النبي شرط لاتباعه 3/حرص السلف على تعليم كتاب الله وسنة رسوله 4/حث الإسلام على العلم وتبليغه للناس 5/دوافع الدعوة إلى إنشاء حلقات تحفيظ الحديث النبوي في المساجد.

اقتباس

لقد حث الإسلام على التزود من العلم وتبليغ العلم للناس, ومن العلم النافع حفظ الأحاديث النبوية واستخراج الفوائد العلمية منها, فمن علم علماً أو حفظ حديثاً؛ فليبلغه, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا؛ فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ..

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي جعلنا من أمة هي خير الأمم, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أكمل لنا الدين, وأتمم علينا نعمه, ورضي لنا الإسلام دينا, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله, وخيرته من خلقه, بلَّغ البلاغ المبين, ونصح أمته وأرشدها إلى الصراط المستقيم, -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً-, أما بعد:

 

فاتقوا الله -أيها المؤمنون- واعلموا أنَّ من خير ما يشتغل به المسلم, العناية بكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- دراسة وفقهاً وحفظاً وتعلُّماً وتعليماً وعملاً وتطبيقاً.

 

معاشر المسلمين: لقد أمر الله تعالى الناس باتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- والاهتداءِ بهديه, قال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158]، وقال تعالى:  (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7]؛ قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "هذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأنَّ ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذُ به واتباعه، ولا تَحِلُّ مخالفته، وأنَّ نصَّ الرسول على حكمِ الشيء كنصِّ الله تعالى، لا رخصة لأحدٍ ولا عذرَ له في تركه، ولا يجوز تقديم قولِ أحد على قوله".

 

أيها المسلمون: إنَّ طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- واتباعه, لا تكون إلا بمعرفة أقواله أمراً ونهياً وتوجيهاً وإرشاداً؛ لذلك اعتنى المسلمون بسنته؛ فالصحابة الكرام -رضي الله عنهم- حفظوها وبلَّغوها للناس, وحفَّاظ الحديث من الصحابة كثير, منهم: أبو هريرة وهو سيَّد الحفاظ, وعبدالله بن عمرو بن العاص ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبو عبيدة بن الجراح وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمر وعائشة وأم سلمة -رضي الله عنهم- ومن حفَّاظ التابعين سعيد بن المسيِّب والحسن البصري وابن سيرين وعكرمة وغيرهم ومن اتباع التابعين مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج والأوزاعي والأعمش وغيرهم -رحمهم الله-.

 

معاشر المسلمين: إنَّ سلف هذه الأمة كانوا يحرصون على تحفيظ أبنائهم لكلام الله ولكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فالإمام أحمد -رحمه الله- يحفظ ألفَ ألفِ حديث, قال أبو زرعة: "كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَحْفَظُ أَلْفَ أَلْفِ حَدِيثٍ، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ قَالَ: ذَاكَرْتُهُ، وَأَخَذْتُ عَلَيْهِ الأَبْوَابَ. وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل قَالَ لِي أَبِي: خُذْ أَيَّ كِتَابٍ شِئْتَ مِنْ كُتُبِ وَكِيعٍ، مِنَ الْمُصَنّفِ، فَإِنْ شِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْكَلامِ، حَتَّى أُخْبِرَكَ بِالإِسْنَادِ، وَإِنْ شِئْتَ بِالإِسْنَادِ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِالْكَلامِ"، وكان أحمد بن نصر -رحمه الله-: "يُذَاكِرُ بِمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ، ويدخل فيها الأحاديث المكررة وأقاويل الصحابة والتابعين".

 

معاشر المسلمين: لقد حث الإسلام على التزود من العلم وتبليغ العلم للناس, ومن العلم النافع حفظ الأحاديث النبوية واستخراج الفوائد العلمية منها, فمن علم علماً أو حفظ حديثاً؛ فليبلغه, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا؛ فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ"  (أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني)، وقِيلَ عن معنى نضَّر: "إِنَّهُ إِخْبَارٌ يَعْنِي جَعَلَهُ ذَا نَضْرَةٍ، وَقِيلَ: دُعَاءٌ لَهُ بِالنَّضْرَةِ وَهِيَ الْبَهْجَةُ وَالْبَهَاءُ فِي الْوَجْهِ مِنْ أَثَرِ النِّعْمَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ هُنَا النَّضْرَةُ مِنْ حَيْثُ الْجَاهِ وَالْقَدْرِ... ولَا مَنْعَ مِنَ الْجَمِيعِ وَالْإِخْبَارُ أَوْلَى مِنَ الدُّعَاءِ".

 

وقال الخطابي -رحمه الله-: "دعا له بالنضارة وهي النعمة، والمراد ألبسه الله النضرة وهي الحسنُ وخلوصُ اللون".

 

وقال ابن عيينة: "ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة لهذا الحديث".

وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "أوصيكم جميعاً أن تبلغوا ما سمعتم من الخير عن بصيرة وتثبت؛ فكل من سمع علماً وحفظه, يُبلِّغُ أهل بيته وإخوانه ومجالسيه ما يرى فيه الخير من ذلك, مع العناية بضبط ذلك وعدم التكلم بشيء لم يحفظه حتى يكون من المتواصين بالحق ومن الدعاة إلى الخير".

 

معاشر المسلمين: إنَّ تبليغ العلم من أعظم الدلالة على الخير؛ فمن دلَّ على خير كان له مثل أجر فاعله, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ"  (أخرجه مسلم).

 

قال النووي -رحمه الله-: "فِيهِ فَضِيلَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَالْمُسَاعَدَةِ لِفَاعِلِهِ, وفيه فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات, لاسيما لِمَنْ يَعْمَلُ بِهَا مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ وَغَيْرِهِمْ, وَالْمُرَادُ بِمِثْلِ أَجْرِ فَاعِلِهِ أَنَّ لَهُ ثَوَابًا بِذَلِكَ الفعل كما أنَّ لفاعله ثواباً ولا يلزم أَنْ يَكُونَ قَدْرُ ثَوَابِهِمَا سَوَاءً".

 

معاشر المسلمين: احرصوا على تحفيظ أبنائكم وبناتكم أحاديثَ النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنَّها خيرُ الهدي وهي مصدر من مصادر التشريع الإسلامي.

 

ومن فضل الله المتتابع علينا أن مَنَّ علينا بانتشار مسابقات حفظ الأحاديث النبوية مثل مسابقة الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- لحفظ الحديث النبوي, وغيرها من المسابقات التي تقام في بعض المساجد, وكم نتمنى أن تُنشأ حلقات تحفيظ الحديث النبوي في المساجد؛ ليكثر حفَّاظ الحديث النبوي.

 

معاشر المسلمين: لسائل أن يسأل, ما الدوافع إلى مقترح إنشاء حلقات تحفيظ الحديث النبوي في المساجد؟ والإجابة على ذلك بأنَّ الدوافع إلى ذلك كثيرة منها:

أولاً: تربية الناشئة من أولاد وبنات على حفظ كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به واتباع أوامره وإرشاداته -عليه الصلاة والسلام-.

ثانياً: غرس حبِّ الناشئة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وتعريفهم بسيد البشر وقدوة الناس أجمعين؛ فإذا حفظوا كلامه أحبَّوه؛ لأنَّه موافق للفطرة التي فطر الله الناس عليها, ولأنَّ كلامه -عليه الصلاة والسلام- كلُّه صدق لا يعتريه نقص ولا خلل, وكلُّه حقٌّ لا شكَّ ولا ريب فيه, قال تعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [النساء: 113]؛ فالله تعالى أنزل الكتاب على نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأنزل الحكمة التي هي السنة, قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وإما الْحِكْمَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالْكِتَابِ: فَهِيَ السُّنَّةُ. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ"، وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: (الحكمة هي السنة).

 

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ"  (أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني)؛ قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "يعني أنَّ اللهَ أعطاه وحياً آخر, وهو السنة التي تفسِّر القرآن وتبين معناه".

 

ثالثاً: أنَّ في حفظ الناشئة للحديث النبوي حُسنُ اتباعهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومن فضائل وثمرات ذلك, حصول الهداية والعزة والتمكين والقوة للمسلمين, قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "بحسب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية والنصرة، كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاة، فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته".

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ؛ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً-، أما بعد:

معاشر المسلمين: رابعاً من دوافع إنشاء حلقات تحفيظ الحديث النبوي بالمساجد؛ أنَّ نفع إنشائها عائد على الفرد والأسرة والمجتمع؛ فيكون الملتحق بها عضواً صالحاً مصلحاً ينفع نفسه وينفع أسرته وينفع مجتمعه بحسُن معاملة أفراد المجتمع والنصح والإرشاد لهم لاهتدائه بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- واستضاءته بما حفظ من كلامه -عليه الصلاة والسلام-.

 

خامساً: أنَّ حفظ الناشئة للحديث النبوي هو من طلب العلم النافع وحصولهم على فضائل طلبه, من تسهيل طريق الجنة وحُفوف الملائكة بأجنحتها لهم, قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ" ( أخرجه الإمام أحمد وحسنه الألباني).

 

سادساً: أنَّ في تحفيظ الناشئة للحديث النبوي حصانة لهم من الوقوع في شِراكِ الشُبَه والبدع والمحدثات والحزبيات وما أكثرَها في مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية, فبحفظ الناشئة للحديث النبوي حفظ لهم بإذن الله من الغلو والتنطع ومن الوقوع في عقيدة الخوارج والمرجئة وسلامة لهم من الوقوع في النفاق ومن الوقوع الفتن.

 

سابعاً: بتحفيظ الناشئة للحديث النبوي يعلمون حقوق ولاة أمرهم عليهم؛ فيحفظوا ذلك لهم فيحصل بذلك خير عظيم وتفويت للفرصة على الأعداء من الوقيعة بين المسلمين وولاة أمورهم, وليصبح المجتمع المسلم أكثر تماسكاً وترابطاً واجتماعاً ومحبَّة وألفة.

 

معاشر المسلمين: إنَّ فضائل وثمراتِ إنشاء حلقات تحفيظ الحديث النبوي في المساجد كثيرة, لا يسع الوقت لذكرها؛  نسأل الله أن يوفق جميع بلدان المسلمين لإنشائها.

 

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً، كما تحب وترضى.

عباد الله: قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شـأننا كله لا إله إلا أنت.

 

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان واحقن دماءهم, اللهم عليك بأعداء الإسلام المعتدين, مزقهم واهزمهم وصب عليهم عذابك وعقابك.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180 - 182].

 

المرفقات

أهمية إنشاء حلقات تحفيظ الحديث النبوي في المساجد

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات