نعمة الرحمن بالثبات على الإسلام

خالد بن عبدالرحمن الشايع

2022-10-08 - 1444/03/12
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/نعمة الثبات على الإسلام 2/فضل الثبات عند الموت 3/سؤال الله الثبات على الإسلام

اقتباس

إنَّ الثباتَ على هذا الدين نعمةٌ عظمى، ومنحةٌ كبرى؛ يهبها الله -جل وعلا- لكلِّ من صدقَ في إيمانِه وصدق في توجُّهه، وبذلَ الأسبابَ المعينةَ له على ذلك، فإن الله جوادٌ كريم يجزي بالإحسان إحسانًا، وبالإيمان أجرًا وثوابًا، ولا يزال المؤمن يبذل من الأسباب في الثباتِ على دين الله ما يبذله، حتى يوفِّقه اللهُ -جل وعلا-، ويكتبُ له رضوانه، ويختمَ له بهذا...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نَحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فيا أيها الإخوة المؤمنون: اتقوا الله -تعالى-، واستقيموا على شرعِه، وابذلوا الأسبابَ التي تعينكم على الثباتِ على دينه؛ فإنَّ الثباتَ على هذا الدين نعمةٌ عظمى، ومنحةٌ كبرى، يهبها الله -جل وعلا- لكلِّ من صدقَ في إيمانِه وصدق في توجُّهه، وبذلَ الأسبابَ المعينةَ له على ذلك، فإن الله جوادٌ كريم يجزي بالإحسان إحسانًا، وبالإيمان أجرًا وثوابًا، ولا يزال المؤمن يبذل من الأسباب في الثباتِ على دين الله ما يبذله، حتى يوفِّقه اللهُ -جل وعلا-، ويكتبُ له رضوانه، ويختمَ له بهذا الرضا.

 

وقد مضت سنة الله -جل وعلا- أنَّه لا يعلم من عبدٍ من عباده حرصًا وحبًّا للإيمان، إلا وفَّقه إليه وثبَّته عليه، وختمَ له به، فهذه نِعمٌ تترى، كلُّ نعمةٍ مرتبطةٌ بالأخرى، فليس كلُّ أحدٍ يُهدى لهذا الإيمان، ولكنه نعمة الرحمن كما قال سبحانه: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات: 17]، ويقول رب العزة -سبحانه-: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: 103].

 

ثمَّ تكون النعمةُ الأخرى بعد الهداية للإيمان بالتثبيت عليه فليس كلُّ أحد يُهدى للإيمان يكونُ له التثبيت على ذلك؛ لأنه قد يكون من الإنسان عدمُ شكرانٍ لهذه النعمة وانصرافٌ عن أداء حقوقها، فيُصرف بعد ذلك عن هذه النعمة العظمى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام: 110]، وقال رب العزة -سبحانه-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال: 24].

 

ثم بعد ذلك يكون تمام النعمة بأن يختم للإنسان في لحظاته الأخيرة من هذه الحياة بالتوحيد، فإنَّ "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة"، وهذه اللحظات التي حينها يغادرُ الإنسانُ الدنيا هي أعظمُ وأشدُّ لحظاتٍ تمرُّ عليه منذ ولدته أمه، فمن ثبَّته الرحمن إذ ذاك نال خيرًا عظيمًا، وآل إلى فضلٍ كبيرٍ، وإلى جنةٍ عرضها السموات والأرض.

 

ومن عُقِدَ لسانُه وانصرف جَنانُه عن الإقرار بالتوحيد للرحمن؛ فإنه يُخشى عليه من مغبَّة ذلك، ومن تسلُّط الشيطانِ في تلك اللحظات، فقد جاء في بعض الآثار: أنَّ الشيطانَ يقول لأعوانه إذا حضر ابنَ آدم أجلُه يقول: "دونكم فلان فإنه إن فاتكم لم تدركوه أبدًا".

 

ولذا بشَّر الله عباده المؤمنين بأنهم في تلكم اللحظات العظيمة يثبِّتهم بتثبيت من عنده؛ كما دلَّ عليه قول رب العزة -سبحانه-: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) [إبراهيم: 27]، وكما قال رب العزة -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت: 30 - 32].

 

فما أكرمَها من نعمة! وما أعظمَها من منحة! يوفَّق إليها من شاء اللهُ من عباده.

 

والمؤمن ينبغي أن يخفق فؤادُه بالوصول إلى هذه الغاية التي تقوده إلى رضا ربه -جل وعلا-، وإلى جنةٍ عرضها السموات والأرض، وإنما يكون ذلك إذا أدام الإنسان سؤال ربه أن يثبِّته على هذه النعمة.

 

وقد كان لنبينا -عليه الصلاة والسلام- من الهدي في هذا الباب العظيم ما ينبغي أن يكون أسوةً لكل مؤمنٍ ومؤمنة كان على هذا المسلك وهو الذي غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، وهو الذي له أعظمُ وأشرفُ وأعلى وأسمى منزلٍ ومُقامٍ من الخلائق جميعًا، وله المنزلةُ العالية في الجنةِ العالية، ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يُديم ويكثر سؤال ربه -جل وعلا- التثبيتَ على الإيمان، ولقد لحظت هذا أمُّ المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- فقالت: "يا رسول الله ما أكثر ما أسمعك تدعو: اللهم مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك؟! فقال عليه الصلاة والسلام: "يا عائشة إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، فإنْ شاء أقام قلب هذا، وإنْ شاء أزاغه".

 

فينبغي أن يُكثر المؤمن من دعاء: "اللهم مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك، اللهم مصرِّف القلوب، صرِّف قلبي على طاعتك".

 

وهذا الدعاء ينبغي أن يلازمه المؤمن حتى يُستجاب له عند ربه، فإن الله حييٌّ كريم.

 

والدعاء عنده له مقامٌ عظيم يستحيي ربنا -جل وعلا- وهو الحيي الكريم أن يرد يدي عبده صفرًا إذا دعاه بدعاء.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

المرفقات

نعمة الرحمن بالثبات على الإسلام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات