هجرة من المعصية الى التوبة الصادقة

محمد حسان

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ فشو المعاصي والذنوب 2/ وجوب الهجرة إلى الله والتوبة من المعاصي والآثام 3/ معاني الهجرة 4/فضل العبادة في الهرج.

اقتباس

عاهد ربك بصدق على الهجرة من المعاصي إلى التوبة، عاهد ربك على الهجرة بكل مفرداتها ومعانيها التي ذكرت، عاهد ربك الآن على الهجرة، واعلم بأن العبادة في زمن الفتن الذي نحن فيه أجرها، كأجر صحابي هاجر من مكة إلى المدينة لرسول الله؛ فلا تحرم نفسك من هذا الأجر العظيم من أجر الهجرة من مكة إلى المدينة إلى رسول الله بالعبادة في زمن الفتن الذي نعيش فيه...

الخطبة الأولى:

 

يقول الله -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الرُّومِ: 41]، وأنا أقول: ظهر الفساد -أيضا- في الجو بمبارزة الله بالمعاصي بشرب الخمور على متن الطائرات، وهي طائرات تعمل في دول مسلمة، ظهر الفساد في البر بالمعاصي وفي الجو بالمعاصي، وفي البحر بالمعاصي واتخذت المياه أماكن للزنا والخنا والخمر ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل والشواطئ الآن نبارز بعري نسائها ربنا الذي يسمع ويرى، خطايا، ذنوب، تراكمت الذنوب على الذنوب، وقل الخوف ورب الكعبة من علام الغيوب، اسمع للصادق، كما في مسند أحمد، سنن أبي داود بسند صحيح من حديث ثوبان: "يُوشِكُ -للقريب- الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى -إي ورب الكعبة صدق المصطفى، تداعت الأمم كلها علينا وصدق الصادق- عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا"، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ –أنتم مليار وثلث-، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ"، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ".

 

وفي مسند أحمد بسند صحيح من حديث ابن عمر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا تبايعتم بالعينة –نوع من أنواع البيوع الربوية ، وهذا النوع من البيوع الربوية المحرمة، ما صورته؟ يذهب رجل ليشتري سيارة مثلا من معرض، السيارة بمائة ألف، في نفس المعرض يقول للرجل صاحب المعرض: بعت لك السيارة، وأعطني ثمنها كاش؛ سبعين ألفا، هذا ما يعرف عندنا بـ "الحرق" نوع من أنواع البيوع الربوية المحرمة؛ العينة أن ترد عين السلعة مرة أخرى إلى صاحبها مع هذا الفارق في الثمن في نفس المجلس وفي نفس المكان، لكنه إذا اشترى هذه السيارة بالتقسيط مثلا وذهب إلى أي إنسان آخر وباعها نقدا أو كاشا بأي ثمن يتفق عليه فلا حرمة في ذلك ولا حرج، لكنه الحرام، جنبني الله وإياكم شر الحرام ونار الحرام، إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع وتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم".

وفي الحديث الذي رواه الحاكم والبيهقي بسند صحيح من حديث ابن عمر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خِصَالٌ خَمْسٌ إِنِ ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَنَزَلْنَ بِكُمْ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا"

 

اللهم اعصمني وإياكم من الفاحشة، أهل الفاحشة معرضون لأمراض لا دواء لها، لا دواء لها، لا تنخدع بأنك قد مارست الفاحشة مرارا وتكرارا ويتباهى البعض، لقد فعلت بامرأة كذا، وببنت فلان كذا وكذا، هذا لا يعفو الله عنه أبدا، وقد جاء في الصحيحين؛ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين" –أصل المجاهر مستخف بالله، انتبه إلى الحكمة في ذلك؛ لماذا؟ لأن المجاهر بالذنب مستخف بالله، ما صورة المجاهرة؟ كيف تكون؟ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المهاجرة أن يعمل الرجل بالليل ذنبا من الذنوب، يبيت يستره الله عليه، فيصبح فيقول: يا فلان، يا فلان، يا فلان، إني عملت البارحة كذا وكذا –أنا عملت مع فلانة كذا ومع بنت فلان كذا- اسمع ماذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يبيت يستره ربه؛ فيصبح يهتك ستر الله عليه" كل أمتي معافى إلا هذا الصنف الخبيث إلا إذا تاب إلى الله -عز وجل-؛ فالتوبة تجب ما قبلها ولو كانت من كافر أصلي، إن خلع رداء الشرك والكفر على عتبة التوحيد والإيمان.

 

اللهَ أسأل أن يسترني وإياكم في الدنيا والآخرة. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، إمام الغر الميامين اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

 

أما عن المستوى الفردي؛ فالذنوب سبب الفقر، وسبب الضنك، وسبب الضيق، انتبه معي: أنت تشكو من الفقر وتشكو من أخلاق الزوجة، وتشكو من ضيق الصدر والهم والغم ولا تدخل مشروعا إلا ويغلق أو يفشل إلى آخر هذه الاستفسارات، وأقول لك أخي الحبيب؛ فتش عن الذنوب؛ فتش عن المعاصي، يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "لا ينزل البلاء إلا بذنب، ولا يرفع البلاء إلا بتوبة" انتظر يا مولانا؛ أنت أعطيت الموضوع أكبر من حجمه، كأنه حُرِمَ رزقا بسبب ذنب؟ نعم. لو كان الله مقدرا لي رزقا أحرم منه بسبب معصية؟ نعم. روى أبو نعيم في الحلية بسند صحيح من حديث أبي أمامة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن روح القدس –يعني جبريل- نفث في روعي –يعني في قلبي- أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته" نعم يا مولانا؛ أنت الذي جنيت على نفسك؛ ماذا ستقول في الكفار الذين يتنعمون بألوان النعيم وهم كفار، ليسوا واقعين في المعاصي إنما هم واقعون في الكفر الأصلي، ما ردك؟

 

واسمع نبيك -صلى الله عليه وسلم-، كما في مسند أحمد بسند صحيح من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب أي من النعم وهو مقيم على معاصيه، فاعلم بأنه استدراج له من الله -عز وجل- اقرءوا إن شئتم قوله -تعالى-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الْأَنْعَامِ: 44-45].

 

فلا تغتر، -يا عبدالله- لا تنخدع؛ فكم من مستدرج بالنعم وهو لا يدري، وكم من مستدرج بستر الله عليه وحلم الله عليه الله سترك مرة ومرتين وعشر مرات ومائة مرة، يكفي ذلك، انته، الله يمهل ولكنه لا يهمل، "إن الله ليملي للظالم حتى –سيترك مرة واثنتين وعشر مرات وأنت لست منتبها، لا تريد أن تفيق لا تريد أن تترك الذنب والمعصية، إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، لم يفلته، اقرءوا قول ربنا: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هُودٍ: 102].

 

ولا تغتر بستر الله عليك وأنت على المعاصي، ولا تغتر بحلم الله عليك وأنت على المعاصي، لا تجاهر بالمعصية؛ فإن جاهرت؛ فأنت على خطر عظيم، فعد، تب إلى الله، واعلم أن الله سيقبل منك التوبة، في أي ساعة من ليل أو نهار، "المهاجر من هجر الخطايا والذنوب"، "المهاجر من هجر ما نهى الله -عز وجل- عنه".

 

فالتوبة هي الرجوع عن كل ما يكرهه الله ظاهرا وباطنا، إلى كل ما يحبه الله ظاهرا وباطنا، ومدار النجاة والفلاح والنجاح والسعادة في الدنيا والآخرة على التوبة الصادقة النصوح إلى الله -جل وعلا-، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النُّورِ: 31].

 

حبيبي في الله: هيا الآن، الآن عاهد ربك بصدق على التوبة، على الهجرة بكل مفرداتها ومعانيها التي ذكرت، عاهد ربك الآن على الهجرة، واعلم بأن العبادة في زمن الفتن الذي نحن فيه أجرها، كأجر صحابي هاجر من مكة إلى المدينة لرسول الله. يا شيخ، ما دليلك على هذه البشرى الكبيرة؟ وقد تعمدت أن أختم اللقاء بها، دليلي ما رواه الإمام مسلم من حديث معقل بن يسار أن النبي المختار -صلى الله عليه وسلم- قال: "العبادة في الهرج؛ أي في الفتن، كهجرة إلي" هيا لا تحرم نفسك من هذا الأجر العظيم من أجر الهجرة من مكة إلى المدينة إلى رسول الله بالعبادة في زمن الفتن الذي نعيش فيه.

 

أسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يعيننا على هذه الهجرة بحقيقتها وحقها، اللهم ارزقنا الهجرة إليك، وحقها، اللهم ارزقنا الهجرة إليك، اللهم تب علينا لنتوب إليك، اللهم لا تدع لأحد منا من إخواننا وأخواتنا وأولادنا في هذا الجمع الكريم المبارك ذنبا إلا غفرته ولا مريضا بيننا إلا شفتيه ولا دينا إلا قضيته، ولا ميتا لنا إلا رحمته ولا عاصيا إلا هديته ولا طائعا إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين، اللهم اجعل جمعنا هذا مرحوما، وتفرقنا من بعده معصوما، ولا تجعل اللهم فينا ولا من بيننا شقيا ولا محروما، يا رب اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى.

 

اللهم ارحم في الدنيا غربتنا، وعند الموت وحشتنا وارحم بين يديك ذل قيامنا، اللهم ارحم بين يديك ذل قيامنا، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، اللهم انصرنا على من عادانا، اللهم انصرنا على من عادانا، اللهم اكفنا شر الأشرار.

 

المرفقات

هجرة من المعصية الى التوبة الصادقة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات