غذاؤنا بين الصحة والمرض

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ عظم نعمة الطعام وارتباطه بالشكر 2/ خطر الإسراف في الطعام 3/ أهمية الاهتمام بالتغذية السليمة ونمط الغذاء 4/ سنن نبوية في الطعام 5/ شكر الجهات الصحية لتقديمها توعية في الغذاء.

اقتباس

الضرر -أيضاً- بتناولُ أطعمةٍ متعددّة الأصناف ومختلفة التركيب والإعداد مما يُسبّبُ عُسرَ الهضم، وإدخالُ طعامٍ على طعامٍ، وعدمُ الاهتمامُ بمصادره المفيدة ونوعيِّته الصحية مع تأثير قوة الدعايةِ والإعلان أو غلبة العادة والتقليد بالأكل والشرب؛ كإدمانِ النساء -مثلاً- الحلوى والقهوة يومياً بلا حركة، وأثّرت...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله أحلَّ الحلال وحرّم الحرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده الملك العلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله عالي المقام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأعلام وسلَّم تسليماً.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.

 

خرج -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فإذا هو بأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فقال: "ما أخرجكما هذه الساعة؟" قالا: الجوع، قال: "وأنا -والذي نفسي بيده- أخرجني الجوع" فذهبوا لرجلٍ من الأنصار، فلما رآهم قال: ما أحدٌ اليوم أكرمُ أضيافاً مني، فانطلق فجاء بعذق فيه بسر وتمر ورطب، ثم ذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن العذق، وشربوا، فلما شبعوا قال -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر: "والذي نفسي بيده لتُسألُنَّ عن هذا النعيم، أخرجكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى شبعتم" (رواه مسلم).

 

عباد الله: امتنَّ الله على العبادِ بنعمٍ كثيرةٍ أهمها الإسلام، ثم صحة العقل والجسم، والمال والولد، والأمن والسلام، ونعمةُ السعادة والطعام، وغير ذلك من نعمٍ لله لا تُعدُّ ولا تُحصى؛ فاللهم لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

 

الطعام نعمة وهو غذاءٌ للأبدان وتقويةٌ للأجسام، ولا يستطيعُ الإنسانُ عيشاً بدونه؛ لأنه ضرورة للحياة، والجميع مسؤولٌ عن غذائه وغذاء عياله، وأهمُّ مهمات الغذاء كونُه من مالٍ حلال؛ فهذا أصلٌ أكدّ الإسلام عليه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) [البقرة:168]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا سعد أطب مطعمك تكن مستجابَ الدعوة؛ والذي نفسُ محمد بيده إن العبد ليقذفُ اللقمةَ الحرام في جوفه ما يُتقبّلُ منه عمل أربعين يوما وأيُّما عبدٍ نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به"؛ فالضررُ في أكل الحرام أجارنا الله وإياكم منه.

 

والغذاء أيضاً مرتبطٌ بشكر نعمةِ الله عليه أن وفّره لك بينما حُرم منه غيرك من جوعى ملأوا العالم ونحنُ نتقلّبُ في نعمٍ يجبُ شكرها (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى:11]، ومعرفةُ قدْرها من شكرها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة:172]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليَرضى عن العبد يأكلُ الأَكلة، فيَحمده عليها، ويشرب الشَّربةَ فيحمدُه عليها" (رواه مسلم).

 

والشكرُ سببٌ لزيادتها ودوامها أما جحودها وكفرها فسببُ زوالٍ لها، والقرآنُ استعرضَ أمثلةَ أممٍ سابقةٍ كفروا النعم فعاقبهم الله بحرمانها.

 

الغذاء لا يُسرَفْ ولا يُباهى به، وهو ما نلاحظُهُ عندنا مؤخَّراً  كظاهرةٍ غريبةٍ على مجتمعٍ تاريخهُ فقرٌ وجوعٌ ومسغبةٌ، بينما أحفادُهم اليوم يُسرفون بالولائم بشكلٍ مبالغٍ فيه حتى أصبحنا بالإحصاء الأوائلَ عالميّاً بتبذيرِ وإسرافِ الطعام والله تعالى يقول: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31]، والله استخلفنا في نعمة المال والطعام (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد:7].

 

والقرآنُ ذمَّ الإسراف والمسرفين وجعل المبذرين إخوان الشياطين ومن الإسراف إكثارُ الأكل لحدِّ التخمة مما يضرُّ صحة الإنسان قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يُقمْنَ صُلبَه، فإن كان لابد فاعلاً فثلثٌ لطعامه وثلثٌ لشرابه وثلثٌ لنفسه" (رواه الترمذي).

 

والمعدةُ بيتُ الداء والحميةُ رأس الدواء، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع".

 

إنها قواعدُ نبويّة جعلت الطبَّ الحديث مذهولاً من عظمة نبينا وتعاليم ديننا فوضعَها قواعدَ صحيّةٍ للغذاء عالميّاً.

 

إنّ كثرةَ الأمراض مؤخَّراً جاءت -حسب البحوث- من سوء نمطٍ غذائي نمارسُه حتى صرنا نبحث عن تخفيفٍ وقصٍّ لمعدة أو حرمان وغير ذلك، إضافةً لخطأٍ نمارسه بقلةِ الحركة والرياضة.. نسأل الله أن يرزقنا خير الغذاء وشكره، ويكفينا ضرره وشرّ كفر النعمة.

 

الضرر -أيضاً- بتناولُ أطعمةٍ متعددّة الأصناف ومختلفة التركيب والإعداد مما يُسبّبُ عُسرَ الهضم، وإدخالُ طعامٍ على طعامٍ، وعدمُ الاهتمامُ بمصادره المفيدة ونوعيِّته الصحية مع تأثير قوة الدعايةِ والإعلان أو غلبة العادة والتقليد بالأكل والشرب؛ كإدمانِ النساء -مثلاً- الحلوى والقهوة يومياً بلا حركة، وأثّرت الدعاياتُ للغذاء على صحتنا وصحة أسرنا وأولادنا؛ لأن الصحةَ ترتبطُ بالعادات الغذائية.

 

والتغذيةُ السليمة أساسُ صحّةٍ سليمة؛ فالغذاء داءٌ ودواء، والإنسانُ يجبُ عليه الاهتمامُ بنوعيّة غذائه لصحته حتى المريض يُراعي غذاءه؛ من سُكَّرٍ بالدم أو ضغطٍ أو زيادةِ دهون وغيرها خاصةً الأطفال بتربيتهم على غذاءٍ سليم يُراعي صحَّتهم ويُجنِّبُهم الأمراضَ بترتيبِ وجباتهم ونوعيّةِ غذائِهم، وإهمالُ ذلك ضررٌ عظيم؛ فالحميَّةُ من طعامٍ مُضرٍّ دواءٌ، والحرصُ على غذاءٍ صحيٍّ شفاءٌ، وتنوّع الغذاء بفيتاميناته المتعددة مفيدٌ للإنسان مما يناسب صحته وقوامه، والأطفالُ بصغرهم ينشأون على ذلك التنوّع المفيد لصحتهم وأجسامهم كما أثبتت الأبحاث.

 

إنَّ مما نعاني منه مؤخراً -إخوتي- سيطرةُ أغذية -لا تُسمن ولا تُغني- على أسرنا بآثارٍ ضارة مع الاستمرارِ عليها؛ كحلوياتٍ وسكرياتٍ ودهونٍ وغازياتٍ تحوَّلت إلى عادات تعيش عليها البيوت، ومن هنا تولّدت الأمراضُ وتكاثرت بقدر الله؛ فالسرطانات أصبحت منتشرةً بشكلٍ مُخيف، ولاشك أن لنوعِ الأغذيةِ دورٌ فيما يصاحبها من سوء استخدام، وكثرة مبيداتِ الخضار، والتساهل بأكل الخلطات التي تسمى أدويةٍ وأعشابٍ وغيرها، ثم دهونٌ تراكمت في الأجسام وسمنةٌ ازدادت بشكل عام؛ بسبب سوء النمط الغذائي؛ فنسبةُ السمنة وزيادة الوزن للبالغين عندنا خمسةٌ وسبعون بالمائة.

 

وزاد موتُ الفجأة، والجلطات نتيجة لذلك ف90٪‏ من أمراض الشرايين وانسدادها من الدهون، والإعاقاتُ انتشرت بين الأطفال؛ لسوء غذاء الأم أثناء حملها، أو تناولها أدوية بشكل خاطئ؛ كل ذلك نؤمن أنه بقدرٍ من الله ولا شك، ولكن فعلَ السبب مطلوب [اعقلها وتوكل]؛ فمرضُ السكري -مثلاً- انتشرَ بشكلٍ مخيف مؤخراً حتى أصبحت نسبتَه إصابةُ ربعُ الناس به، ومن 60 إلى 80 % من نسبة الأمراض في المملكة مرتبطٌ بالغذاء وطريقته حتى بين الأطفال، واحذروا من نشر رسائل ومقاطع بيننا لا تمتُّ للصحة بصلة بل تبثُّ معلوماتٍ مغلوطة ونحن ننشرها!!

 

عباد الله: إننا مسؤولون عن صحتنا ومرضنا -نحن وأسرنا- بما نأكلُه ونشربُه؛ فلنهتمَّ بنوع الغذاء وطريقته ومصدره؛ فليس من المعقول أن تكون الدعايات وكثرة المطاعم وانتشارها بهذه الطريقة هي من تختار لنا ولبيوتنا ما نأكله ونشربه؛ فأولادُنا يعافون أفضلَ الأطعمة وأغناها صحةً في بيوتهم ليعيشوا على أكلٍ لا يُعرفُ مصدرهُ ولا كيفيةُ صنعهِ؛ فما بالكم بضرره.

 

العجيب أنه في أحد شوارعنا أكثرُ من 80 مطعم بما لا يتعدى 500 متر طولي فقط فما بالكم إذن بالمدن الكبرى؟! فعلام يدل ذلك؟

 

ونحن هنا نسجل الشكر لبلديّة محافظتنا وقسم مراقبتها التي تُشدّد على هذه المطاعم بمصادرة أطعمة فاسدة أو منتهية الصلاحية؛ لأجل صحتنا حتى أعلنوا مرور أكثر من خمس سنوات بلا حالة تسمّم من المطاعم بحمد الله وتوفيقه.. نسأل الله أن يوفقهم ويبارك بجهودهم..

 

أيها الإخوة: لا بد أن يتجنّبَ الإنسان في الطعام عمَّا يضرّه ولا ينفعه، وتجاوز ذلك إضرارٌ بالنفس وتهلكةٌ لها، والاهتمام بنمط الغذاء وتحسينه علامة عقل وصحة؛ فلا تأكل إلا إذا احتجتَ وجُعتَ، وإذا أحسست بالشبع أو قبل ذلك فتوقف ولا تُتخمْ نفسك فذلك خطر؛ فالأكل على قدْرِ الصحة وليس المحبّة -كما يقولون-، ونوّع الوجبات مع تقليل كمياتها وابتعد عن الأكل ليلاً وانتبهوا لكثرةِ الأملاح والسُكَّريات والغازيات والدهون بطعامكم أكثر من شرب الماء واحرص على تنوّع فائدته لأجسامكم واهتموا بكيفية حفظ الطعام وتبريده وتسخينه، أو تركُه مكشوفاً لساعات بلا عناية فذلك مما نهينا عنه في الإسلام.

 

وهناكَ سُنناً نبويّة للطعام ينبغي معرفتها:

فأّولُها: التسمية ثم حمدُ الله على النعمة؛ طاعةً للرحمن وطرداً للشيطان، والأكلُ والشربُ باليمين وتركُ اليد اليسار؛ فهذا منهيٌّ عنه شرعاً وصحة أيضاً، وغسل اليدين أولاً وكُلْ مما يليك ولا تطِش يدُك بالصحن، واجتمعوا على الطعام ولا تتفرَّقوا فهذا أدْعى للبركة؛ كما في الحديث.

 

وإذا ذهب أولُ يومِك بلا أكلٍ فانوِ الصيام؛ كرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإذا وقعت اللقمة ولم يصبها أذىً فامسحها وكُلها، والْعقوا الأصابعَ بذوقٍ، ولا ترموا البواقيَ في قدوركم بل كلوه، ومن استطاع فليأكل بثلاث أصابع، ولا تتنفس في الإناء، وامدحوا الطعام إذا أعجبكم ولا تذمّوه؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم يذمَّ طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه؛ فالبعضُ يكثر من انتقاد الطعام في بيته ولأهله وهذا خطأ، واتركوا الإلحاح على الغير في الطعام؛ فإكرام النفس هواها صِحَّةٌ لها، واهتمُّوا أكثر بطعام أطفالكم خاصة أثناء بناء أجسامهم.

 

اللهم أطعمنا الحلال وبارك لنا فيه وجنبنا الحرام وباعدنا عنه وقوِّ أجسامنا لطاعتك وأبعد عنا معصيتك، وقوِّ أجسامنا لطاعتك وأبعد عنا معصيتك.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

 

وبعد: حثنا الإسلام على العناية بالطعام ووردت عشرات الآيات والأحاديث بأكثر من عشرين أدباً للطعام والشراب وهذا كلّه يدل على عظمة دينٍ يهتمُّ بكل ما يسعد الإنسان ويجلبُ الصحة ويدفع عنه المرض بإذن الله.

 

ومن هنا تعدُّ الجهاتُ الصحية لذلك معارض توعوية لنحرص على صحتنا بالغذاء بين الصحة والمرض، واليوم لدينا معرض أقامه مستشفى الملك سعود بجهود مشكورة للتوعية الصحية عن اختيار نوعية الغذاء لنا، وأدعوكم لزيارته لنستفيدَ كلُّنا منه، والشكر موصولٌ أيضاً للجنة أصدقاء المرضى التي تعين المستشفى بجهودها العظيمة، وكذلك لمتبرعين بأجهزةٍ وبناء مراكز بالمستشفى عندنا كلهم حريصون على صحة الإنسان نسأل الله أن يتقبل منهم ويجعل ذلك في ميزان حسناتهم.

 

أسأل الله عز وجل أن يمدّنا وإياكم بالصحة والعافية ويقينا شرَّ أنفسنا وما يؤذينا ويوفقنا لكل ما فيه الخير.

 

اللهم احم حدودنا واحفظ جنودنا ووفق ولاة امرنا..

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات