المستقبل للإسلام

الشيخ د محمود بن أحمد الدوسري

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ إظهار الله لدين نبيه محمد على جميع الأديان 2/ الإسلام أشرف الأديان وأفضلها وأغلبها 3/ مقتضيات إظهار الإسلام على سائر الأديان 4/ إقبال الأوروبيين على اعتناق الإسلام 5/ انتشار الإسلام في نطاق واسع من أوروبا 6/ إحصاءات عن انتشار الإسلام في الشرق والغرب.

اقتباس

وهكذا نجد أنَّ هذا الدِّين الذي ما زال أعداؤه يكيدون له المكائد, ويُدبِّرون من أجل القضاء عليه المؤامرات, فيُجيِّشون الجيوش, ويُنفِقون الملايين؛ بل والمليارات, هذا الدِّين نفسُه يغزوهم في عقر دارهم دون دعوةٍ أو جُهدٍ يُبذل؛ لوضوحه وقُوَّتِه, وموافقتِه الحقَّ الذي أودعه اللهُ -تعالى- في الفطرة السليمة.

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله...

 

أيها الإخوة الكرام.. شرَّف الله -تعالى- نبيَّه الكريم -صلى الله عليه وسلم- وأظهر دينه على جميع الأديان كلِّها إلى يوم القيامة؛ لكونه سيِّد ولد آدم, وإمامَ النبيين وخاتَمهم, ولكون رسالته عالميَّةً, ومحفوظةً إلى يوم الدِّين, بينما الرسالات السابقة كان ظهورها جزئيًّا مؤقَّتاً؛ لأنها ليست عالميةً بل هي رسالات قومية محدودة بزمن مُعين, لذا اندثرت وانمحت تعاليمها الأصلية؛ لدخول الزيادة والنقص والتحريف إليها, وقال الله -تعالى- عن هؤلاء المُحرِّفين: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) [المائدة: ١٣].

 

ومن الأدلة على إظهار لدين نبيه الكريم على جميع الأديان: قوله –تعالى-: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 32, 33].

 

فالآية مُستأنفة بصيغة القَصْر, بمعنى أنَّ الله -تعالى- هو وحده, لا غيره الذي أرسَلَ رسولَه محمداً -صلى الله عليه وسلم- بهذا النور، وبهذا الدِّين, فكيف يَترُك لمعانديه أن يطفئوا هذا النورَ العظيم, نورَ الإسلام؟

 

وعبَّر عن الإسلام: (بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) تنويهاً بفضله، وتعريضاً بأنَّ ما هم عليه ليس بهدًى ولا حقٌّ. وفِعْلُ الإظهار في قوله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) عُدِّي بِـ (عَلَى) فيكون مُضَمَّناً معنى النَّصر، أو التَّفضيل، أي: لِينصُرَه على الأديان كلِّها، أي: ليكون أشرفَ الأديان وأفضلها وأغلَبَها. (التحرير والتنوير: 10/174).

 

والمعنى: "لِيُعْلِيه على سائر الأديان، بالحُجَّة والبرهان، والسَّيف والسِّنان، وإنْ كَرِه المشركون ذلك، وبغُوا له الغوائل، ومكروا مكرهم، فإنَّ المكر السَّيئ لا يضرُّ إلاَّ صاحبَه، فوَعْدُ اللهِ لا بدَّ أنْ يُنجزه، وما ضَمِنَه لا بدَّ أنْ يقوم به" (تفسير السعدي: 1/335).

 

ولقد أنجز اللهُ -عز وجل- وعدَه؛ وصَدَقَ عبدَه فلم يبق دينٌ من الأديان, إلاَّ وهو مغلوبٌ مقهور بدِين الإسلام. (تفسير أبي السعود: 8/245).

 

معشر الفضلاء.. لقد دخل أهلُ المِلَلِ في سائر الأقطار دينَ الإسلام بالرغم من كراهية أقوامِهم وعظماءِ مِلَلِهم ذلك، ومقاومَتِهم إيَّاه بكلِّ حِيلة, ومع ذلك فقد ظَهَرَ وعلا, وبانَ فضلُه على الأديان التي جاوَرَها, وسَلِمَ من الخرافات والأوهام التي تعلَّقوا بها، وما صلحت بعضُ أمورهم إلاَّ فيما قلَّدوه من أحوال المسلمين وأسباب نهوضهم (التحرير والتنوير, 10/174).

 

ومن الأدلة على إظهار الله -تعالى- لدين نبيِّه الكريم على سائر الأديان:

2- قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الأَرْضَ, فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا, وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زَوَى لِي مِنْهَا" (رواه مسلم, ح 2889).

 

قال النووي -رحمه الله-: "فيه إشارةٌ إلى أنَّ مُلْكَ هذه الأمة يكون مُعْظَمُ امتدادِه في جهتي المشرق والمغرب, وهكذا وقع, وأمَّا في جهتي الجنوب والشمال فقليلٌ بالنسبة إلى المشرق والمغرب" (شرح النووي على صحيح مسلم: 18/13).

 

وقيل: "إنَّ الأرض زُوِيَت لي جملتُها مرةً واحدة, فرأيتُ مشارقَها ومغاربها، ثم هي تُفتح لأمتي جزءاً فجزءاً حتى يصل مُلْكُ أُمَّتي إلى كلِّ أجزائها" (مرقاة المفاتيح: 10/429).

 

3- قوله: "لَنْ يَزَالَ أَمْرُ هذه الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ, أو حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ" (رواه البخاري: 6/2667): ح 6882).

 

4- قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ, لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ, حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ" (رواه البخاري: 6882؛ ومسلم, 1920).

"وقد وقع ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم-، ولله الحمد، فلم تزل هذه الطائفة من زمنه وهلمَّ جَرّا، ولا تزول حتى يأتي أمرُ الله تعالى" ( عمدة القاري: 2/52).

 

5- قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ, ظَاهِرِينَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, قال: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ -عليه السلام- فيقول أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا, فيقول: لاَ, إِنَّ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ أُمَرَاءُ؛ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هذه الأُمَّةَ" (رواه مسلم 156).

 

الخلاصة: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن -وهو الصادق المصدوق- أنَّ هذا الدِّين سيظهر على كثير من البقاع في مشارق الأرض ومغاربها, وهو ما حدث إلى يومنا هذا حتى قيام الساعة.

 

أيها الإخوة الكرام.. والسؤال هنا: ماذا يقتضيه إظهارُ الإسلام على سائر الأديان؟ وماذا يعني ذلك؟ إنَّ من مقتضيات إظهار دين النبي -صلى الله عليه وسلم- على جميع الأديان (خصائص النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- التي انفرد بها عن سائر الأنبياء, (ص 121, 122):

 

1- عظيم قُدرةِ الله -تعالى- الذي تكفَّل بإظهار دين نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- على جميع الأديان واستمراره, رغم المكر الكُبَّار من الكُفَّار؛ كما قال سبحانه: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم: ٤٦].

 

2- عظيم مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ربِّه الذي شرَّفه بهذا الدِّين, وأظهره على جميع الأديان, وشرَّف أُمَّته من بعده.

 

3- كمال دين الإسلام وصلاحيته لإسعاد البشرية إلى يوم القيامة؛ بسبب حِفْظِه, وإظهاره على جميع الأديان.

 

4- فيه إثباتٌ أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين والمرسلين, وأنه مبعوثٌ إلى العالَمين؛ حيث أظهر اللهُ -تعالى- دينه على جميع الأديان.

 

5- أنَّ دين الإسلام ناسخ لجميع الأديان, ومهيمن عليها.

6- إظهار دين محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- على سائر الأديان مُنْسَجِمٌ ومُتَّفِقٌ مع حفظِ الله -تعالى- لِوَحيه, المتمثل في الكتاب والسنة, وفيه ثقةٌ مطلقة عظيمة بهذا الدِّين القويم, وبراءة من الشك الذي تورَّط فيه غيرنا.

 

7- رحمةُ اللهِ -تعالى- بالناس أجمعين؛ حيث حَفِظَ لهم الدِّين القويم, وأبقاه ظاهراً بالحجة والبيان إلى يوم الدِّين.

 

8- أن يندفع المسلمون إلى نشر نور الإسلام في كل مكان؛ لأنَّه الأظهر والأبقى والأحق بالاتباع؛ كما فَعَل ذلك صدر هذه الأمة من الصحابة وتابعيهم بإحسان.

 

9- بما أن الأمة الإسلامية امتلكت مقومات الظهور المعنوية والعلمية, فهي قادرة على امتلاك مقومات الظهور المادية؛ متى ما أخلص المسلمون عملهم لله, وتهيَّؤا له على جميع المستويات, وسخَّروا كل إمكاناتهم الهائلة لخدمة الدِّين ونشره.

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله ...

 

بالرغم من ظهور الكفار وغَلَبَتِهم ماديًّا, وسيطرتهم على جميع المنافذ الماديَّة, إلاَّ أنَّ دين الإسلام -مع ذلك كله- ظاهِرٌ بالحجَّة والبيان, وظاهِرٌ بما فيه من صفاتٍ تُناسب فِطَرَ الناس وحاجاتهم المادية والمعنوية؛ مما كان له أكبر الأثر في اعتناق الناس المتزايد لدِين الإسلام من الأوربيين, وهذه بعض الإحصاءات الحديثة تشير إلى انتشار الإسلام في نطاق واسع من أوروبا؛ مصداقاً لقوله -تعالى-: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف: ٨, ٩].

 

1- تقول الإحصاءات الرسمية في ألمانيا أنه خلال عام 2006 و2007 و 2008م يدخل مسلمٌ جديد إلى الإسلام في كلِّ ساعتين, هذه إحصاءات الحكومة الرسمية, وأما إحصاءات المراكز الإسلامية فالعدد يفوق ذلك بكثير.

 

2- توقَّع أستاذ الجغرافيا الاجتماعية بجامعة أكسفورد "سيرتي بيتش" بتضاعف عدد المسلمين بحلول عام 2015م، بينما سينخفض عدد غير المسلمين بنسبة 3 و 5%. وهو ما دفع بعض المراقبين لحركة الإسلام في أوروبا أنْ يقول: "عدد المسلمين فاق عدد الكاثوليك, ليصير أتباع الإسلام الأكثر في العالم... للمرة الأولى في التاريخ لم نَعُدْ في القِمَّة".

 

3- في دراسةٍ أعدَّتها وزارة الداخلية الفرنسية تقول: إن أكثر من 3600 فرنسي يعتنقون الإسلام سنويًا، وأكدت الدراسة أن المسلمين الفرنسيين أكثر التزامًا، وتندر الجريمة في أوساطهم، وقد أصبح الإسلام الدِّين الثاني بعد المسيحية بفرنسا, وهناك توقعات بأن يُمثِّل المسلمون ربع سكان فرنسا.

 

4- أكدت دراسة لصحيفة "لاليبر بلجيك" البلجيكية أن ثلث سكان بروكسل الآن مسلمون.

 

5- أكدت صحيفة "البوليتيكن" الدنماركية: أنَّ عدد الدنماركيين الذين يعتنقون الدين الإسلامي يتزايد يومًا بعد آخر، وأنَّ مواطنًا دنماركيًا واحدًا على الأقل يختار اعتناق الدين الإسلامي يوميًا، كما أنَّ عدد الدنماركيين الذي تحوَّلوا للإسلام منذ نشر الرسوم المسيئة للنبي -صلى الله عليه وسلم- تجاوز 5000 آلاف دنماركي.

 

6- ألْغَتْ بريطانيا مصطلح الإرهاب الإسلامي، والإشارة إليه كإرهاب عنيف، وعدَّلَتْ قوانين الإرث بناءً على اعترافها بتعدد الزوجات، ويبدو أن الشريعة الإسلامية قد جذبت إليها الكثيرين في بريطانيا، الأمر الذي تؤكِّده دعوة "روان ويليامز" كبير أساقفة كنيسة كانتربري: إلى تطبيق بعض جوانب الشريعة الإسلامية في بريطانيا، معتبرًا أنه أمر لا يمكن تجنبه، قائلاً - في حديثٍ له مع إذاعة أل " b b c " في فبراير 2008م: "إن تطبيق الشريعة الإسلامية أمرٌ لا مفر منه, لتماسك المجتمع البريطاني".

 

7- يبلغ عدد المسلمين في روسيا 23 مليون مسلم، أي: ما يمثل 20% من عدد السكان. وتتوقع مجلة "إكونوميست" البريطانية أن يُمثِّل المسلمون غالبية أفراد القوات المسلحة الروسية بعد ستة أعوام. وفي شهر يوليو من عام 2008 م نشرت جريدة برافدا الروسية مقالاً بعنوان: "الإسلام سيكون دِينَ روسيا الأوَّل مع حلول عام 2050".

 

وهكذا نجد أنَّ هذا الدِّين الذي ما زال أعداؤه يكيدون له المكائد, ويُدبِّرون من أجل القضاء عليه المؤامرات, فيُجيِّشون الجيوش, ويُنفِقون الملايين؛ بل والمليارات, هذا الدِّين نفسُه يغزوهم في عقر دارهم دون دعوةٍ أو جُهدٍ يُبذل؛ لوضوحه وقُوَّتِه, وموافقتِه الحقَّ الذي أودعه اللهُ -تعالى- في الفطرة السليمة.

 

وهذه الإحصاءات الصادرة عن جهاتٍ رسميةٍ تُمثِّل حكوماتِ دُوَلِها إنما تدلُّ على إظهار دين الله -تعالى- على الدِّين كلِّه كما وعد –سبحانه-, وهو -سبحانه وتعالى- ناجِزٌ وعدَه لا محالة.

 

الدعاء ...

المرفقات

المستقبل للإسلام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات