موقفنا من المشكلات

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ لا تخلو الحياة من المشكلات واختلاف مواقف الناس من الصعوبات والمشكلات 2/ الطرق المثلى في التعامل مع المشكلات 3/ أهمية الثبات الانفعالي عند بدء المشاكل 4/ تحديد المشكلة ومعرفة جذورها 5/ وجوب التأكد من صحة المعلومات.

اقتباس

سلامة مصادر التلقي ينقّي المعلومة من الخطأ، ويحميها من الزيف والكذب، ولذلك ذمَّ القرآن مَن يتلقون المعلومة بسرعة، ويعتمدونها ويبنون عليها دون تؤدة ولا تريُّث، ولا نظَر في مصدر هذه المعلومة، هل هي من صادق أم من كاذب؟ هل هي من إنسان له مصلحة أم أنه متجرد حيادي قصده الحق.

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

لا تخلو حياة الناس أفراد وجماعات من المشكلات، مشكلات اجتماعية، مالية، صحية، وغيرها من الأنواع.

 

الحاصل أن الحياة لا تخلو من مشكلة، وقد جاء في القرآن قوله -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155].

 

والإنسان يقف أمام هذه الصعوبات والمشكلات مواقف مختلفة؛ منهم من يتجاهل المشكلة، وينصرف عنها قدر استطاعته، ومنهم من يجابه المشكلة، ويسعى في حلها بشكل مباشر أو غير مباشر، ومنهم من يتذمر ويستسلم، ويبقي عليها لتعيش معه في فناء بيته.

 

حديثنا اليوم -إن شاء الله- ليس في طريقة مجابهة المشكلة، وإنما في طريقة التعرف على المشكلة.

 

أيها الإخوة: العلماء يرون أن مرحلة تشخيص المرض هي أهم مرحلة في طريق العلاج، بل إن بعضهم يعتبر التشخيص نصف العلاج والتشخيص يتضمن وصف المشكلة، وكذلك تحديد أسباب المشكلة.

 

عندما تواجهنا مشكلة قبل أن نفعل أيّ شيء ينبغي أن نكون هادئين في استقبال المشكلة، صحيح ننفعل لكن باتزان، أي: لا نستسلم للانفعالات الشديدة، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"؛ عندما تستقبل هذه المشكلة.

 

انظروا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف استقبل خبر قرب وفاة حفيده كان يحب أحفاده حبًّا جمًّا -صلى الله عليه وسلم-.

 

في صحيح مسلم عن أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيًّا له أو ابنا لها في الموت، فقال للرسول أي النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: لمن أرسلته تلك؟ قال: "ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى؛ فمرها فلتصبر ولتحتسب".

لم يهرول النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينزعج، بكل هدوء واتزان.

 

عاد الرسول أي المرسَل بعد ذلك؛ فقال: "إنها قد أقسمت لتأتين"؛ قال فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وقام معه بن عبادة ومعاذ بن جبل، يقول أسامة: وانطلقت معهم فَرُفِعَ إليه الصبي ونفسه تقعقع وكأنها في شَنّة، أي: أن روحه تضطرب وتتحرك ولها صوت وحشرجة كصوت الماء إذا أُلقي في القربة البالية.

 

ففاضت عيناه -صلى الله عليه وسلم- من الدموع، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء".

 

جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين العاطفة والرحمة، وبين رباطة الجأش حين وصول المشكلة إليه.

 

الانفعال الشديد يُفقِدك حسن التفكير، ويحملك على التخبط وسوء التقدير، فاحذر من شدة الانفعال.

 

بعد ذلك نقول: أول أمر نفعله هو التأكد من كونها فعلاً مشكلة، مثلاً ترى الأم طفلها الصغير يتحرك بشكل مزعج، أو ربما العكس تراه لا يتحرك بشكل يطمئنها؛ فتعتبرها الأم مشكلة كبيرة، وتخاف تذهب به للطبيب، فيخبرها الطبيب بأن الوضع طبيعي، وأنه لا مشكلة أصلاً.

 

بعض الأطفال هكذا يتحركون ببطء، وبعضهم يتحركون بسرعة فيرونهم مشكلة، مع أنه ليس هناك مشكلة أصلاً.

 

يسمع صوتًا غريبًا في سيارته فينزعج ويعتبرها مشكلة كبيرة، ويصيبه الحزن ويذهب بسيارته للوكالة، فيخبرونه أن هذا من طبيعة المحرك، وأنه إذا زادت الحرارة أدار المحرك مروحة تخفِّف من تلك الحرارة، فالذي تسمعه هو صوت تلك المروحة، لا مشكلة أصلاً.

 

يرى زوجته مكتئبة بعض الشيء هكذا يراها، يبدأ يحلل ما المشكلة، ويقول ربما كان اكتئابها بسبب كذا، وربما كان بسبب كذا، أو أنا فعلت كذا فيقترب منها فيسألها ما هي المشكلة فتبتسم، وتقول: أبداً كنت سرحانة في إجابة لغز قرأته قبل يومين في الصحيفة، لا مشكلة أبداً.

هكذا ينبغي أن نتأكد أولاً بأن هناك مشكلة أصلاً، هذا واحد.

 

الثاني: التعرف على كُنْه المشكلة إذا عرفنا فعلاً أنها مشكلة، هل هي مالية كالتبذير، أو الإسراف مثلاً أو البخل والشح، أو هي مشكلة نفسية؛ كالشك والظن السيئ أو الوسواس، أم أنها مشكلة أخلاقية كالكذب أو الخداع، أو قلة احترام الكبار، التلفظ القبيح، الكبر، العناد.. أو غيرها من المشاكل الأخلاقية أم هي مشكلة دينية تربوية؛ كإهمال الصلاة، أو التعمق في المنكرات، أو مشكلة عقلية كصعوبة الفهم مثلاً، أو ضعف البصيرة، وهكذا.

 

نتعرف على كُنْه المشكلة، ينبغي تحديد كُنْه المشكلة حتى نحسن الدخول عليها من بابها الصحيح، فنستشير الجهة الصحيحة لحل تلك المشكلة، ونسير في ذلك المسار الصحيح نحو العلاج.

 

الأمر الثاني بعد تحديد المشكلة معرفة جذور المشكلة، يقول -سبحانه-: (وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ) [النمل:43]، القرآن هنا يحدد أصل المشكلة أن نشوءها بين قوم كافرين صدَّها عن توحيد الله (إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ) هذا هو الذي صدَّها.

 

أيها الإخوة: معرفة جذور المشكلة يستدعي شرطين؛ الأول: المعرفة والمعرفة تتكون كل من العلم والممارسة والخبرة، ليس فقط العلم بل الممارسة والخبرة، والثاني صحة مصادر المعلومة.

 

أما المعرفة فلا يصلح أن يباشر الإنسان مشكلة، وهو لا يفهم فيها أو أن يفسِّر حدثًا أو حالة ما وهو ليس مما له اختصاص بدراستها أو معرفة بأصولها.

 

الكلام -يا إخوة- عن معرفة جذور المشكلة وليس العلاج، الكلام كذلك عن التعرف عن الأصول لا معرفة الظواهر أو الأشياء السطحية.

 

الأشياء السطحية معظم الناس يعرفونها، ويشتركون في معرفتها، لكن معرفة الجذور وسبر الأغوار تستلزم مزيد علم واطلاع وخبرة، ولذلك قال -سبحانه-: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 58].

 

العلم السطحي ليس كالعلم الشامل العميق، العلم السطحي لا يريك إلا الأطراف فقط، لا تستطيع لمجرد رؤيتك للأطراف معرفة أصل المشكلة كالذي يريد أن يصطاد هذا مثل يصطاد فيلاً عظيمًا، وهو لا يرى من الفيل إلا خرطومه فقط، ويعمى عن جسمه العملاق ما تظنون مصيره؟!

 

ونستلهم هذا من الآية الكريمة مع الفارق طبعًا فإن لله المثل الأعلى حين يقول: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم:7].

 

حتى الحياة الدنيا لا يعلمون منها إلا جزءًا من الظاهر، جزءًا فقط ظاهرًا من الحياة الدنيا، لم يقل ظاهر الحياة الدنيا ولم يقل الظاهر من الحياة الدنيا، بل قال ظاهرًا بصيغة نكرة وفي التنكير تقليل لعلمهم؛ كما قال صاحب أضواء البيان.

 

الآخرة التي يغفل عنها الملحدون، ولم يعلم عنها المسلمون إلا ما ورَد في القرآن وصحيح الأثر، فالمعرفة شرطٌ للتعرف على أصل المشكلة؛ كمن رأى مشكلة تمرُّد لفرد من أفراد أسرته، وهو ليس تربويًّا ولا مارس تربية نفسية وأخلاقية ممارسة المحترف؛ فكيف له أن يتعرف على الأسباب التي أدَّت إلى تمرُّده، معرفة جذور ذلك التمرد.

 

لو سأله أسئلة معينة يرى أنها يكشف سر تمرده، ربما تكون أسئلته في غير محلها، ولذلك ينبغي أن يستعين بصاحب خبرة صاحب معرفة.

هذا هو الشرط الأول المعرفة.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:

 

فالشرط الثاني للتعرف على جذور المشكلة هو صحة مصدر المعلومة، ولذلك –سبحانه وتعالى- قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].

 

سلامة مصادر التلقي ينقّي المعلومة من الخطأ، ويحميها من الزيف والكذب، ولذلك ذمَّ القرآن مَن يتلقون المعلومة بسرعة، ويعتمدونها ويبنون عليها دون تؤدة ولا تريُّث، ولا نظَر في مصدر هذه المعلومة، هل هي من صادق أم من كاذب؟ هل هي من إنسان له مصلحة أم أنه متجرد حيادي قصده الحق.

 

يقول -سبحانه-: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ)، حتى ما مر على آذانهم وعقولهم تأتيهم الشيء وينقلونه بالألسنة فقط مباشرة؛ (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور:15].

 

بالتالي لا يعتمد هذا الإنسان في التعرف على جذور المشكلة على القيل والقال، ولا الإشاعات، ولا الآراء الشاذة، ولا الأقوال العاطفية، ولا الآراء العنصرية المنحازة، العقول المحترمة لا تقبل أن تساق كالدابة وسط القطيع، بل إنها تتأمل في مصادر التلقي، وتتأكد من خلوها من شوائب البهتان.

 

ولذلك يعمد القاضي حين النظر في مشكلات الخصوم إلى التأكيد على تزكية الشهود قدر استطاعته من نظافة ذلك المصدر، وعلى خلوهم من المصالح الشخصية كي يعرف جذور المشكلة بما فيها من قرائن ومؤشرات من مصادر موثوقة أقرب إلى الصدر من أن تكون مصادر مريبة تريه الباطل حقًّا والحق باطلاً.

 

ولذلك فإن العجلة في مثل هذه المواقف مآلها الندم؛ كما قال -سبحانه وتعالى-: (أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6].

 

معاشر الإخوة: مهم أن نشخِّص المشكلة أين كانت مالية، أخلاقية، صحية، اجتماعية، نشخصها ونعرف أصلها قبل أن نباشر علاجها.

 

والله المستعان وعليه يتوكل الإنسان.

 

اللهم أرنا الحق حقًّا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

المرفقات

موقفنا من المشكلات

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات