التحذير من المخدرات وحبوب الترامادول وآثارها الوخيمة على الفرد والمجتمع

حمود بن ناصر آل وثيلة

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/ نعمة العقل 2/ جريمة المخدرات 3/ تآمر الكفار على بلاد الحرمين 4/ أغاليط مروجي المخدرات 5/ تحريم المخدرات جملة وتفصيلا 6/ مفاسد حبوب الترامادول 7/ أسباب انتشار المخدرات 8/ آثار المخدرات ومخاطرها على الفرد والمجتمع

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي كرم الإنسان وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء: 70].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيرا؛ القائل: "كل الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها".

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

عباد الله: إن من أجل النعم بعد نعمة الإسلام: نعمة العقل الذي يهتدي به الإنسان إلى الخير، ويبتعد عن الشر، وبه يرتقي إلى سلم المجد، أو يهوي إلى مستنقع الرذيلة، وشتان بين أرفع المقامات، وأحط الدركات، يقول الله -تعالى-: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179].

 

وإن من أعظم ما ابتُليَتْ به العقول في هذا العصر؛ فَضَلت وتاهت: جريمة المخدرات، ذلك الموت الخطير، والشر المستطير الذي يهدد قيم الأمم بالزوال والخراب، ويقضي على أخلاقها، فتتحول إلى وحوش في غابة يفترس القوي فيها الضعيف، ويُنشب المروج مخالبه في ضحاياه كما يُنشب الوحش الكاسر مخالبه في فريسته من الحيوانات، فتكون النتيجة الموت المحقق الذي يسبقه اختلال العقل إلى أن ينتهي الأمرُ به إلى الزوال.

 

عباد الله: وإن هذه البلاد المباركة التي قامت على التوحيد وفيها المقدسات، وهي رمز للإسلام، ومأرز الإيمان؛ تتعرض لعداوة من قبل تجار المخدرات ومروجيها، يستهدفون شباب هذه البلد ليقضوا على عقله ودينه، وقد بذلوا كل وسيلة ممكنة للوصول إلى عقول الشباب والفتيات.

 

ونسأل الله أن يمكن رجال الأمن بالقبض عليهم، وأن يريح البلاد والعباد منهم.

 

عباد الله: كم من الجرائم ارتكبت تحت تأثير المخدرات؟ وكم من الفواحش اقترفت في غياب عقل الإنسان؟ وكم من أعراض انتهكت؟ وكم من أموال سرقت؟ وكم من حوادث وقعت؟ وكم من عداوات تأججت؟ وكم من أسر تفرقت ونساء طلقت بسب هذه السموم القاتلة؟ بل كم من نفوس أزهقت وشباب وفتيات على المخدرات أدمنت فغابت عقولهم، وذهبت رجولتهم؟ بل وهتكت أعراضهم وباعوا حياتهم وغيرتهم وشيمتهم بأبخس الأثمان؟ بل وأصبحوا عالة، ويشكلون خطرا على من حولهم؟ بل وحتى على بيوتهم وأسرهم ومحارمهم؟

 

أيها الإخوة: إن الأعداء يروجون أن الخلاص من نكد العيش وقسوة الحياة يكمن في جرعة مخدر، لكن كل ذلك كذب ودجل وسراب زائل؛ لأن همهم يزيد، وقلقهم يتفاقم، وهمومهم تتضاعف، فأي متعة! وأي راحة! والعقل يتدنى إلى أقل من مرتبة الحيوان؟! واسألوا إن شئتم المصحات النفسية، ونزلاء السجون، وسترون أن معظم نزلائها من متعاطي المخدرات، بل في الحقيقة أنه كلما انخرط الشاب في تعاطي المخدرات والمسكرات كلما بعدوا عن ذكر الله وعن الصلاة، ولا شك أن الإعراض عن الذكر هو من أعظم الأسباب لتزايد الهموم والغموم، وضنك العيش، وعمى البصيرة، قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طـه: 124].

 

وقال تعالى: (وَمَن يَعْشُ) أى يعرض (عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [الزخرف: 36 - 38].

 

(فَبِئْسَ الْقَرِينُ) الشيطان الذي يأز صاحبه إلى المعاصي!

 

وبئس القرين أيضاً من هم من شياطين الإنس، وجلساء السوء، وأصحاب الشؤم، حتى ولو كان من أقاربك، بل حتى ولو كان أخوك من أمك وأبيك، فإنه في الحقيقة عدو لك، بل وعدو لنفسه!

 

فإياكم -يا شباب الإسلام- من الرفقة السيئة حتى وإن كانوا أقارب.

 

وإياكم والسفريات المشبوهة التي تبعد عن الرقابة، ويسهل فيها فعل المعصية، ويتحرر فيها الشاب من قيود الدين والمروءة، فإنها شرارة الفساد وبداية النهاية.

 

أيها المسلمون: إن المخدرات حرام كلها سواء كانت من النوع المخدر أو المنبه، وسواء كانت على شكل حبوب أو إبر أو شم أو غيره.

 

وإن مما يؤسف له ما انخدع به بعض الناس، بل بعض العقلاء من تلك الحبوب الخطيرة المخدرة المسماة بالترامادول المصرية، بحجة: أنا لا تؤثر على الجسم في الظاهر، أو أنها تقوي الجنس.

 

وفي الحقيقة أنها تسبب الإدمان، وتقضي على الجنس في النهاية، وهى محرمة شرعا، وممنوعة نظاماً، ومعروفة لدى رجال مكافحة المخدرات، فائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، وخذوا على يد السفيه؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله -عز وجل- أن يبعث عليكم عذابا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".

 

ولذلك -يا أيها الإخوة- فإن من أعظم ما ساعد على انتشار المخدرات هو: قلة المتعاونين مع رجال الأمن لفضح أولئك المجرمين المروجين، والدلالة على أوكارهم.

 

-والله- إن التعاون في ذلك من أعظم التعاون على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

ومما يؤسف له أن يعده بعض الجهلة من النميمة، أو من الصفات الذميمة، أو ما يخشى ذلك الجاهل أن يسلطه الله عليه، أو على أولاده وبناته، فيفسدونهم عليه، ولقد نادى بعض العقلاء من الغرب بالأخذ بتعاليم الإسلام في حراسة العقل، بل نادى بعضهم بمنع الخمر والمخدرات، وهذا ما دعى إليه القرآن من بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة: 90 - 91].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده لطاعته، فاستعملوا عقولهم لما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة.

وأشهد أن لا إله إلا الله حرَّم الاعتداء على العقل وعاقب على ذلك أشد العقوبات، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله؛ القائل: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

فاعلموا -أيها المؤمنون- أن من أهم أسباب انتشار المخدرات: الفراغ القاتل لدى الشباب، والصحبة السيئة التي تجر الشاب إلى الرذيلة بأيسر الطرق، وكلما بُعد الشاب عن الخير وأهله تقاذفته أيدي السوء، وهنا سرعان ما ينحرف ما لم يكن محصناً قوياً تتحطم عليه هذه الدعوات الجارفة.

 

ومن أسباب انتشار المخدرات: العمالةُ الوافدة، لا سيما من كانوا من ضعاف الدين ومن غير المسلمين، فهؤلاء لا يهمهم إلا جمع المال، أما أخلاق الناس ومبادئهم فلا تشكل عندهم شيئاً، وعلى وجه الخصوص العمالة في البيوت الذين يسهل اتصالهم بالشباب والفتيات، ويصطادون فريستهم عن طريق المخدرات، وهنا يبتزونهم مالياً وأخلاقياً عن طريق التهديد والوعيد، والإحصائيات المنشورة خير شاهد على ما أقول.

 

ومن أسباب انتشار المخدرات: السفر للخارج حيث يجدونها متاحة ميسرة بعيداً عن الأهل وعن الرقيب، ثم بعد تناولها يستفحل الأمر ويصبح المتعاطي مدمناً يبحث عنها بكل وسيلة مهما غلا ثمنها.

 

عباد الله: ولو لم يكن في المخدرات إلا آثارها الخطيرة على الفرد والمجتمع، وما تورثه من البغضاء والعداوة والصد عن ذكر الله لكفى ذلك سبباً في تحريمها، علاوة على ما فيها من آثار خطيرة على الناحية الأمنية، حيث يقدم المروجون على أي جريمة لتحقيق مطامعهم، ومع ذلك فهم يحاربون الله، ويدمرون أخلاق المجتمع، لكن عقوبتهم حاضرة معلومة، فهم من أفقر الناس، وأسوأهم خلقاً، وأقلهم بضاعةً، ومتى سقطوا في قبضة رجال الأمن نالوا جزاءهم الصارم، ولا يغتر مغتر ممن نجا منهم، فأصبح يركب السيارات الفارهة، ويشتري القصور الكبيرة، فيظن الشاب أنها طريق للثراء السريع، فإن النهاية لذلك المجرم نهاية مخزية ونهاية مؤلمة، مع ما يعيشه في الحقيقة من ضنك وقلق وضيق داخلي لا يعلمه إلا الله، وكم سمعنا من تلك الفئة من قبض عليه، وأودع السجن، وقدم للسيف: (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) [طـه: 127].

 

والمخدرات سبب رئيس لتفكك الأسر، وحدوث الطلاق، وعقوق الوالدين، وكثير من الجرائم التي لا تخطر على البال، فكم من مدمن قتل أحد والديه؟ وأقدم على قتل زوجته وأولاده؟ وليس ذلك بغريب فالذي يحجز المرء عن مثل هذه الأفعال هو العقل، فإذا غاب عقل المرء حدثت منه هذه الأعاجيب وغيرها؛ لأنه يصبح أخس من الحيوانات في الغابة، بل وكم سمعنا من قصصهم المخزية من هُتك عرضه، بل ووقع في محارمه أو باعها في سبيل جرعة مخدرة أو حبة منبهة؟

 

أسأل الله بمنه وكرمه أن يحمي شبابنا وفتياتنا من هذه السموم القاتلة، وأن يوفق رجال الأمن للقبض على أيدي المجرمين العابثين الذين يريدون بهذه البلاد شراً.

 

اللهم من تابع هذه السموم ودل على أصحابها، ووقف في طريقها، وسهر لتخليص المجتمع منها، من رجال الأمن وغيرهم، اللهم أعنه وسدده، ووفقه لكل خير، واحفظه في نفسه وماله وولده، وارزقه الصحة والعافية.

 

اللهم احفظ بلادنا من شر الأشرار، وكيد الفجار.

 

اللهم أدم علينا نعمة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام.

 

اللهم وفق ولاة أمر المسلمين لتحكيم كتابك والعمل بسنة نبيك ووفق ولاة أمرنا لكل خير.

 

اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد.

 

اللهم احفظ شبابنا ومجتمعاتنا، اللهم احفظ عقولهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم من هذا الداء العضال، يا ذا الجلال والإكرام.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

 

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

المرفقات

التحذير من المخدرات وحبوب الترامادول وآثارها الوخيمة على الفرد والمجتمع

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات