فضل عشر ذي الحجة والسنن الواردة فيها

محمد بن عبدالرحمن العريفي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ فضائل عشر ذي الحجة 2/ أهم الأعمال الصالحة في العشر 3/ فضل الإكثار من الذكر في أيام العشر 4/ عظم أجر الأضحية.

اقتباس

إن هذهِ الأيامُ العشرُ التي نحنُ مُقبِلونَ عليها هيَ أفضلُ أيامِ السنةِ، الذِّكْرُ فيها أفضلُ من الذكرِ طوالِ الأيامِ، والصَّومُ فيها أفضلُ من الصومِ في غيرِها إلا ما كانَ من رمضانَ، وقِراءةُ القُرآنِ فيها أفضلُ من قِراءَتِه في الأيامِ الأخرى، الصدَقَةُ فيها أفضلُ من الصدقةِ في غيرِها، بِرُّ الوالِدَينِ، الإحسانُ إلى الناسِ، صِلَةُ الأرحامِ، الحَجُّ، العُمْرَةُ، وكلُّ عملٍ صالحٍ في هذهِ العشرِ يكونُ أفضلُ من العملِ الصالحِ في غيرِها حتى رُوِيَ عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما بسندٍ فيه مقالٌ أنَّه كان يقولُ العبادةُ في هذه العشرِ تَعْدِلُ عبادةَ سنةٍ كاملةٍ.

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ للهِ؛ نَحمدُهُ ونَستعينُه ونستغفِرُهُ ونعوذُ باللهِ تعالى من شُرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالِنا مَنْ يَهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَه جَلَّ عن الشبيهِ والمثيلِ والنِدِّ والكُفْءِ والنظير.

 

وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصَفِيُّهُ وخليلُهُ وخيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وأمينُهُ على وَحْيِهِ أرسلَهُ رَبُّهُ رحمةً للعالمين وحُجَّةً على العباد أجمعين، فهدى اللهُ -تعالى- بهِ من الضلالةِ وبَصَّرَ بهِ من الجَهَالةِ وكَثَّرَ بهِ بعدَ القِلَّةِ وأغنى بهِ بعدَ العَيلَةِ فصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ وعلى آلهِ الطيبين وأصحابهِ الغُرِّ المَيامين ما اتصلتْ عينٌ بنظر ووَعَتْ أذُنٌ بخبَر وسلَّمَ تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيُّها الإخوةُ الكرام: خلقَ اللهُ -جَلَّ وعلا- المخلوقاتِ وفاضَلَ بينَها، فجعلَ اللهُ -تعالى- بعضَ الشُهورِ أكرَمَ من بعضٍ، وجعلَ بعضَ الليالي أكرَمَ من بعضٍ وجعلَ بعضَ المِياهِ والأماكنِ والأزمانِ أكمَلَ وأكرَمَ من الأخرى.

 

ولقد خَصَّ اللهُ -تعالى- أياماً من السنةِ فجعلَها من أفضلِ الأيامِ وذكرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلمَ- فضلَها وحَثَّ أمته عليها، وكان -عليه الصلاة والسلام- يَهْتَبِلُ العملَ الصالحَ فيها ويَنْتَهِزُها، وكذلكَ كان الصحابةُ الكرامُ، روى البخاريُّ ومسلمٌ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "مَا مِنْ أيامٍ العملُ الصالِحُ فيهِنَّ أحَبُّ إلى اللهِ -تعالى- مِنْ عَشْرِ ذي الحِجَّة"، أي لا يُوجَدُ أيامٌ في السنةِ لا يومُ عاشوراء ولا أيامُ رمضانَ ولا غيرُها من الأيامِ العملُ الصالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى الله -تعالى- من عشرِ ذي الحِجَّةِ.

 

فقال الصحابةُ: "يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟" أي: ألا تكونُ الأيامُ الأخرى في السنةِ التي فيها جهادٌ في سبيلِ اللهِ أفضلَ من عشرِ ذي الحجةِ، فلو أنَّ شخصاً جاهدَ بشهرِ شعبانَ أو في شهرِ شوالَ أو في غيرِها ألا يكونُ يومُه ذاكَ أفضلَ من هذهِ العشرِ؟ قال: "ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلّا رجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ"، أي أخَذَ مالَه كُلَّهُ وخرجَ بنفسهِ "ثمَّ لم يَرجِعْ من ذلكَ بشيءٍ"، فاسْتُشْهِدَ في سبيلِ اللهِ وأنفَقَ مالَه في سبيلِ اللهِ.

 

قال الإمام ابن حجر -رحمه الله-: "ورُبَّما كانت أفضليةُ هذه الأيامُ العشرُ لاجتماعِ أصولِ العباداتِ فيها"؛ فأركانُ الإسلامِ خمسةٌ شهادةُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ، وأنتَ تُحَقِّقُها في هذهِ العشرِ، وإقامِ الصلاةِ وأنتَ تُقيمُ الصلاةَ في هذهِ العشرِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ تستطيعُ أنْ تُؤتِيَ زَكاتَكَ في هذهِ العشرِ، وتستطيعُ أنْ تصومَ في هذهِ العشرِ، والحَجِّ إلى بيتِ اللهِ الحرامِ وهو لا يكونُ إلّا في هذهِ العشرِ.

 

فجمعَ اللهُ -تعالى- أمَّهاتِ العباداتِ في هذهِ العشرِ ولقد وقفَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلمَ- في يومِ النحرِ وهو اليومُ الأخيرُ من هذهِ العشرِ من عشرِ ذي الحجةِ فقالَ: "أيُّ بلدٍ هذا؟ أيُّ شهرٍ هذا؟ أيُّ يومٍ هذا؟ ثم قال: إنَّ دِماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكم كَحُرمَةِ يومِكم هذا -أي يومَ النَّحْرِ تعظيماً له- في شهرِكم هذا في بلدِكم هذا، ألا هلْ بَلَّغْتُ اللهمَّ فاشهَدْ".

 

أيُّها المسلمون: فهذهِ العشرُ لها فضيلَتُها ولقد ذكرَ اللهُ فضلَها في القرآنِ فقالَ جَلَّ في عُلاهُ: (وَالْفَجْر وَلَيَالٍ عَشْر) [الفجر: 1- 2]، قال ابن كثيرٍ -رحمه الله تعالى-: "الأيامُ العشرُ هيَ أيامُ عشرِ ذي الحِجَّة، ولا يُقسِمُ اللهُ -تعالى- إلّا بشيءٍ عظيمٍ".

 

وهيَ العشرُ التي ذكرَها اللهُ -تعالى- لما ذكرَ قِصَّةَ نبيِّهِ موسى -عليهِ السلامُ- فقال -جَلَّ وعلا-: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ) [الأعراف: 142]، ذكرَ بعضُ المُفَسِّرين أنَّ موسى -عليهِ السلامُ- لما ذهبَ لمناجاة ربه وقد أمرَهُ ربه أنْ يصومَ ثلاثينَ يوماً فصامَ شهرَ ذي القِعدةِ كاملاً، فلما أتَمَّ الثلاثينَ ليلةً وأصبحَ في اليومِ الذي بعدَهُ أرادَ أنْ يُكَلِّمَ اللهَ -تعالى- فأرادَ أنْ يُطَيِّبَ فَمَهُ فَكَأنَّهُ اسْتاكَ بلَحَاءِ شَجَرٍ أو أكلَ شيئا فقالَ اللهُ -تعالى- له أما عَلِمْتَ أنَّ خَلوفَ فَمِ الصائِمِ أحَبُّ إليَّ من كذا وكذا؟ صُمْ عَشَرَةَ أيامٍ قال الله: (ووَاعَدْنا موسى ثلاثينَ ليلةً) يعني شهرَ ذي القِعدَة (وأتْمَمناها بعَشْرٍ) يعني أتممناها بعشرِ ذي الحِجَّة (فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الأعراف: 142].

 

أيها الإخوةُ الكرام: إن هذهِ الأيامُ العشرُ التي نحنُ مُقبِلونَ عليها هيَ أفضلُ أيامِ السنةِ، الذِّكْرُ فيها أفضلُ من الذكرِ طوالِ الأيامِ، والصَّومُ فيها أفضلُ من الصومِ في غيرِها إلا ما كانَ من رمضانَ، وقِراءةُ القُرآنِ فيها أفضلُ من قِراءَتِه في الأيامِ الأخرى، الصدَقَةُ فيها أفضلُ من الصدقةِ في غيرِها، بِرُّ الوالِدَينِ، الإحسانُ إلى الناسِ، صِلَةُ الأرحامِ، الحَجُّ، العُمْرَةُ، وكلُّ عملٍ صالحٍ في هذهِ العشرِ يكونُ أفضلُ من العملِ الصالحِ في غيرِها حتى رُوِيَ عن ابنِ عمرَ رضي الله عنهما بسندٍ فيه مقالٌ أنَّه كان يقولُ العبادةُ في هذه العشرِ تَعْدِلُ عبادةَ سنةٍ كاملةٍ.

 

أيها المؤمنون: ومن فضيلةِ هذه العشرِ أنَّ رَبَّنا -جَلَّ وعلا- جعلَ لها آداباً وأحكاماً فمن أحكامِ هذه العشرِ: قَولِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلمَ- في حديثِ أمِّ سَلَمةَ: "إذا دَخَلَتْ العشرُ وأرادَ أحدُكم أنْ يُضَحِّي فلا يَأخُذَنَّ من شَعْرِهِ وأظْفارِهِ شَيئاً" (رواه مسلم).

 

وفي المُسْنَدِ قال: "وبَشَرِهِ" أي: لا يجوزُ أنْ يقطعَ شيئاً من جِلْدِهِ، والمعنى: أنَّ المرءَ إذا كانَ عليهِ أُضْحِيَةً لنفسهِ وأولادِه أو كانَ سوفَ يُضَحِّي عن مَيِّتٍ هو المَسؤولُ عن أُضحيَةِ هذا الميتِ سواءً وصَّاه أو عَمِلها َ له تَبَرُّعاً، فإنَّه منذُ أنْ تَدْخُلَ أيامُ العشرِ يجبُ أنْ يُمسِكَ عن الأخذِ من شَعْرِه كُلِّ شعرِ جِسمِه وأظْفارِه حتى إذا ذُبحت الأُضْحِيَة جازَ  عندَ ذلك أنْ يأخُذَ من شَعره وأظفارِه، وقد ذكرَ بعضُ أهلِ العلمِ أنَّ اللهَ -تعالى- أكرَمَ غيرَ المُحْرِمِ بتَشْبيهِهِ بالمحرمِ، فالمحرمُ إذا أحرَمَ بالحَجِّ والعُمرَةِ أمسكَ عن شعرِه وأظفارِه حتى يَرْمِيَ جمرَةَ العَقَبَةِ ويذبَحَ هَدْيَهُ، أما غيرُ المحرمِ فقد كَرَّمَهُ اللهُ -تعالى- بتشبيههِ بهذا الحاجِّ.

 

أيٌّها المسلمون: وهذا الإمساكُ عن الشعرِ والأظفارِ واجبٌ وليسَ مُستَحَبَّاً، فلا يجوزُ أنْ يأخذَ من شعره وأظفاره، والأمرُ يَقْتَضي الوجوبَ، ولم يوجدْ لهُ صارِفٌ .

 

وبعضُ الناسِ يَسألُ إذا كانَ المرءُ سيُضحِّي وعندَه أولادٌ وبناتٌ وزوجةٌ في البيتِ وهم كِبارٌ فهل يجبُ أنْ يُمسِكوا عن شعرِهم وأظفارِهم أيضاً؟

 

فنقولُ: إنَّ الإمساكَ عن الشعرِ والأظفارِ خاصٌ بالمَسؤولِ مُباشرةً عن الأضحيةِ وهو الأبُ وإذا كان الأبُ مُتَوَفَّى، والأخُ الأكبرُ مثلاً القائمُ على البيتِ أو كانَ الأصغرُ المسؤولَ عن البيتِ ، فالمسؤولَ عن الأضحيةِ الذي يُدير أمورَ البيتِ، هو الذي يتعلَّقُ بهِ الحكمُ، وإذا كانت المرأةُ سوفَ تُضَحِّي عن ميتٍ وتدفعُ المالَ أو كان الميتُ قد تركَ مالاً من وصيةٍ  أو وَقْفٍ وصارتْ هي المسؤولةُ والمُوَكَّلَةُ في شراءِ الأضحيةِ والإشرافِ على ذبحِها وتوزيعها، فإنَّها يَلْزَمُها ألّا تأخُذَ من شَعرِها ولا من أظفارِها، وكذلك إذا كانتْ المرأةُ ستُضَحِّي عن نفسِها فلا تَأخُذّنَّ من شعرِها وأظفارِها، أما بقيةُ البيتِ فلا يتعلقُ بهم الحكمُ.

 

أيها المسلمون: ومن آدابِ وسُنَنِ هذهِ العشرِ ما رواه ابْن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلمَ- قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ" (رواه أحمد)، فيُسَنُّ في هذه العشر الإكثارِ من التكبيرِ.

 

والتكبيرُ نوعان؛ نوعٌ مُطْلَقٌ، غيرَ مُقَيِّدٍ بوقتٍ وهو أنْ يقول: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلّا اللهُ، واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.

 

قال الشافعي: "ولا بأسَ إنْ زادَ فقال: اللهُ أكبرُ كبيرًا والحمدُ للهِ كثيرًا، وسُبحانَ اللهِ بُكرَةً وأصيلاً، اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ".. إلى آخرِ ما اعتادَ الناسُ أن يقولوهُ.

 

والتكبيرُ المُطلَقُ هو الذي لا يتقيد بشيء، فيُسن دائماً، في الصباح والمساء، قبل الصلاة وبعد الصلاة، وفي كل وقت، ويكونُ منذُ دُخولِ العشرِ كَبِّرْ في الضُّحى كَبِّرْ بعدَ الظُهرِ كَبِّرْ بعدَ المَغرِبِ بعدَ العِشاءِ بعدَ العصرِ كَبِّرْ وأنتَ في سَيارتِك وأنتَ في سوقِك وأنتَ في بيتِك وأنتَ ماضٍ إلى المسجدِ وأنت راجعٌ منه وأنت تنتظرُ الصلاةَ، مطلقٌ على كل أحوالِك اشتغِلْ بالتكبير.

 

والتكبير المُقيدُ هو الذي يتقيد بأدبار الصلوات، ويبدأ من فجر يوم عرفة  فإذا صليتَ الفجرَ من يومِ عَرَفَةَ سُنَّ أنْ يكونَ التكبيرُ بعدَ الصلواتِ مع ذكرِ أذكارِ الصلاةِ  فإذا صليتَ الفجرَ تقولُ: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلّا الله، واللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.

 

وإذا صليتَ الظهرَ تقولُ مثلَ ذلك إذا صليتَ العصرَ تقولُ مثلَ ذلك، ويَستَمِرُّ التكبيرُ المُقيد إلى آخرِ أيامِ التشريقِ، وأيامِ التشريقِ هي: الحادي عَشَر والثاني عشر والثالثُ عشر من شهرِ ذي الحِجَّة، فإذا صليتَ العصرَ من آخرِ أيامِ التشريقِ الثالثِ عشر فهو آخرُ الوقتِ لهذا التكبيرِ.

 

أيها المؤمنون: لقد خَصَّ النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- التكبيرَ والتحميدِ والتهليلِ بمزيدِ مَزِيَّةٍ فقال: "فَأكْثِروا فِيهِنَّ" يعني: في هذهِ العشرِ "من التكبيرِ والتحميدِ والتهليلِ"، نَسألُ اللهَ -تعالى- أنْ يُعينَنا على اغْتِنامِ مَواسِمِ الخَيراتِ وأنْ يَتَقَبَّلَ اللهُ -تعالى- منَّا.

 

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفِرُ اللهَ الجليلَ العظيمَ لي ولكم من كُلِّ ذَنْبٍ فاستَغْفِروهُ وتُوبوا إليهِ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على إحسانِهِ والشُّكْرُ لَهُ على تَوفيقِهِ وامْتِنانِهِ وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ تَعظيماً لشأنِه وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُهُ ورسولُه الداعي إلى رِضوانِه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلهِ وإخوانِهِ وخِلَّانِهِ ومن سارَ على نَهْجِهِ واقْتَفَى  أثَرَهُ واسْتَنَّ بسُنَّتِهِ إلى يومِ الدينِ.

 

أما بعد: أيها الإخوةُ الكرام: فهذا ما يَتَعَلَّقُ بهذه الأيامِ العشرِ المُباركةِ وقد اختلفَ أهلُ العلمِ في أفضليةِ صيامِها في حديثِ عائشةَ -رَضِيَ اللهُ عنها- الذي رواهُ مسلمٌ أنَّها قالتْ: "ما رأيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلمَ- صائِماً عشرَ ذي الحِجَّةِ قَطْ"، ولما سُئِلَتْ حفصةُ -رَضِيَ اللهُ تعالى عنها- وهي زوجُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلمَ- سُئِلَتْ عن صيامِهِ العشرَ فذكرَتْ أنَّه كانَ يَصومُها.

 

فذكرَ الإمامُ ابنُ حجرٍ تَوفيقاً بينَ هذينِ الحديثينِ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلمَ- لم يكنْ يصومُ العشرَ كاملةً، وإنَّما كان يصومُ كثيراً منها، فينبغي على المرءِ أنْ يَحْرِصَ على أنْ يصومَ من هذه العشرِ، لو صامَها كامِلَةً فلا بأسَ فهيَ أيامٌ فاضِلَةٌ، ولو صامَ أكثرَها أو صامَ بعضَها فلا بأسَ عليهِ.

 

أيها المسلمون: ويُستحب للمسلم أن يكثرُ من قِراءَةِ القُرآن، فلَو قرأتَ ثلاثةَ أجزاءٍ في كُلِّ يومٍ من هذه العشرِ لختمتَ القرآنَ خلالَ هذه العشرِ كاملاً، وقِراءَةُ جُزْءٍ كاملٍ لا تَستغرِقُ أقَلَّ من نِصْفِ ساعةٍ، فلو بَكَّرَ الإنسانُ إلى الصلاةِ أو جلسَ في مُصَلَّاهُ بعدَ انتهائِها ثم جعلَ يَقرأُ لاستطاعَ أنْ يقرأ يومياً ثلاثةَ أجزاءٍ وختمَ القُرآنَ في هذه العشر.

 

فاللهَ اللهَ أيها المسلمون باغتنامِها فهيَ أيامٌ مَعدوداتٍ وقال اللهُ -تعالى- فيها: (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) [البقرة: 203]، وفي الآيةِ الأُخرى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) [الحج: 28]، كلُّها تتكلمُ عن هذه العشرِ، والقرآنُ أفضلُ الذكرِ، فينبغي الحِرْصُ عليهِ.

 

ومن المَسائِلِ التي يَسألُ الناسُ عنها في هذه الأيامِ من أحكامِ الأُضحيةِ: حُكْمُ إرسالِ الأضحيةِ إلى خارجِ البلدِ الذي يأتيكَ العيدُ وأنتَ فيهِ، فإذا كنتَ تعلمُ أنَّ بلداً فيه ثِقَةٌ يقومُ على ذلكَ كأنْ تُرسِلَ مثلاً قيمَتَها إليه وتأمُرَهُ أنْ يشتري أضحيةً وتوكله في ذبحها وتوزيعها على الفُقَراءِ فلا بأسَ في ذلك.

 

نسألُ اللهَ -تعالى- أنْ يتقبلَ منا ومنكم جميعاً ونسألُ اللهَ أنْ يُبَلِّغَنا الأيامَ الفاضِلَةَ وأنْ يُعينَنا فيها على التَقَرُّبِ إليه والزُّلْفَى عندَه يا رَبَّ العالمين، اللهمَّ إنَّا نسألُك فِعْلَ الخيراتِ وتَرْكَ المُنكَراتِ وحُبَّ المساكينِ وإذا أردتَ بعبادِكَ فِتْنَةً فاقْبِضْنا إليكَ غيرَ خزايا ولا مَفتونين.

 

اللهمَّ اغفِرْ لنا ولآبائِنا وأمهاتِنا اللهمَّ من كانَ منهم حياً فمتِّعْهُ بالصحةِ على طاعتِك واخْتِمْ لنا ولَه بخير ومن كان منهم مَيِّتاً فَوَسِّعْ له في قَبْرِهِ وضاعِفْ له حسناتِه وتَجاوزْ عن سيئاتِه واجمعْنا بهِ في جنَّتِك يا رَبَّ العالمين اللهمَّ أصْلِحْ أحوالَ المسلمين في كُلِّ مكان.

 

اللهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمومين، ونَفِّسْ كَرْبَ المَكْروبين واقْضِ الدَّينَ عنِ المَدينين، واشْفِ مَرْضَى المُسلِمين.

 

اللهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا همّاً إلا فرّجْته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحةً رزقته، ولا ولداً عاقّاً إلا هديته وأصلحته يا ربَّ العالمين.

 

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.

 

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت إلى إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 

سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

فضل عشر ذي الحجة والسنن الواردة فيها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات