قف أمامك خطوط حمراء

عبد الله الواكد

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الإيمان
عناصر الخطبة
1/ ثوابت الإسلام وجوب التصدي للعابثين بها 2/ المقصود بثوابت الإسلام وجريمة التطاول عليها 3/ تميز الإسلام وتفوقه على بقية الأمم في شتى العلوم 4/ وجوب التسليم بثوابت الإسلام والانصياع لها 5/ بعض مسلمات الإسلام

اقتباس

إن الحجة القاطعة والحكم الأعلى إنما هو للشرع لا لغيره من الآراء واللوثات الفكرية، قواطع الشريعة تتمثل في نص الكتاب، والسنة وإجماع الأمة، والأصل في فهم الكتاب والسنة أن يكون على منهج السلف الصالح، ولهذا...

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن مما شرعه الله لأمة الإسلام: أن شرع لهم دينهم وجعله وسطا، جعله يسرا لا حرج فيه، ثم جعل لهم فسحةً في دينهم يجتمعون في الأعياد والمناسبات، ويتواصلون ويتسامرون ويتقاربون، ويجتمعون على طاعة الله، وفي مقابل ذلك جعل في شرعه ودينه سبحانه وتعالى مسلمات وثوابت، وخطوطا حمراء، يجب الوقوف عندها، ولا يسوغ لكائن كان أن يخوض فيها.

 

وعلى المسلمين جميعا -أيها المسلمون-: أن يقفوا جميعا في وجه من يساوم الأمة على شيء من دينها ومسلماتها، سواء كان من نفس الأمة أم من غيرها؛ لأنه ثمة ثوابت في ديننا لا يجوز عرضها للمساومة أو النقاش.

 

والمقصود بالثوابت -أيها الأحبة-: هي القطعيات العقدية والشرعية التي نص عليها كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولا مجال فيها لكلام، أو تجهم أو فلسفة فكرية تسعى لتشكيك الأمة في أصول معتقداتها.

 

ومما يدمي القلب، ويبخع النفس أسفا: أن يأتي هذا الأسى العلقم، والفكر الأظلم، من بني جلدتنا ممن ينتسبون للإسلام، وممن تنفسوا هواء الإسلام، وتربوا في حجره، ورضعوا من ثدييه الطاهرين الكتاب والسنة، ويفعوا في ظل بلاد الإسلام، واحتموا بحمى حماة بلاد الحرمين الشريفين، ممن كان يجدر بمداد أقلامهم أن تسيل على هدي الناس للهدى، وإرشاد الخلق للرشاد، ولكننا نحمد الله ونثني عليه، فبالقدر الذي نأسف عليه ونتألم منه ونتحسر عليه أن تصدر هذه التجاوزات الخطيرة والخوض الغريب، والتطاول المريب على مسلمات ديننا وثوابت عقيدتنا من هذه الفئة من الكتاب الذين فسح لهم المجال للكتابة في بعض صحفنا اليومية، وترك لهم الحبل على الغارب من لدن رؤساء تحريرها، بالقدر الذي نحمد الله ونثني عليه ونشكره، ونتزلف لديه أن رزقنا سبحانه بولاة أمر يضربون بيد من حديد على كل عابث بالأمن العقدي، والأمن الشرعي، والأمن الوطني، والأمن الاجتماعي، وجزى الله خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء وسدد على طريق الحق والعدل والصواب خطاه إذ كان ببعد نظره، وكريم حكمته، يستأصل الشر قبل استفحاله، ويحاسب الشاط في القول والكتابة على مقاله، فاللهم احفظه وخذ بيده، واجعله سدا منيعا أمام غيلمة هذا الزمان، واجعله ذخرا للإسلام والمسلمين.

 

أيها المسلمون: توحيد الألوهية والعقيدة الصافية والشريعة السمحة لم تكن يوما عائقا أمام تقدم الأمة ونمائها، فأمة الإسلام كانت مضرب مثل في تفوقها في شتى العلوم أيام شمسها المشرقه، وسيادتها المترامية، وقد أخذ الإسلام على عاتقه حث الشعوب على علوم الدين والدنيا، وقد شهد بذلك الغرب أنفسهم، في كتبهم وموسوعاتهم، وبأذني هذه سمعت رئيس أمريكا أوباما حينما زار مصر وهو يشيد بالمسلمين وأن لهم الباع الطولى في النهضة العلمية المعاصرة، قال بلسانه: كنتم أيها المسلمون من رواد ومؤسسي علوم الطب والرياضيات والفلك والهندسة، وفن العمارة، وغيرها من العلوم، ثم يأتي من هؤلاء الكتاب الذين ينتسبون للإسلام وأهل الإسلام، من يكتب وينشر على رؤوس الملأ بأن خلاص الإنسان من الاستعباد والاستبداد يكون بنبذ الألوهية التقليدية الشعبية الخرافية، والأخذ بالألوهية المدنية التي بينها وسنها هذا الكاتب اللهزم، ويطالب بفك الارتباط مع النصوص الشرعية المختلف عليها، وغير ذلك من زبالة الفكر التائه، نبرأ لله من هذا القول الضال، فهل يرضى مسلم بذلك؟ إذا كان هذا الحبل الذي يصلنا بخالقنا خرافيا، إذا كان توحيد الألوهية، الذي أُصِّل بكتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تقليديا وشعبيا وخرافيا، فماذا أبقيت لنا من ديننا؟ ماذا أبقيت لنا من ديننا بعد توحيد الله؟ هذا الكاتب بمقالته يقول: بأنه لا يروق له ذلك التوحيد التي سارت عليه خير الأمم، إنما يريد أن يخترع مفهوما مدنيا للألوهية، ويستدرك بهذا المفهوم على نبي الهدى وإمام الرحمة وخلفائه الراشدين وسلف هذه الأمة الصالح، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

 

أيها المسلمون: شريعة الله ليست قانونا ماليا أو إداريا أو اقتصاديا أو قانون رياضة يعبث به من هب ودب، شريعة الله محكمة مكملة، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].

 

والعبد الذي يريد الفوز بالجنة والنجاة من النار مأمور بالخضوع والتسليم والانقياد لله جملة وتفصيلا، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162- 163].

 

وإن الحجة القاطعة والحكم الأعلى إنما هو للشرع، لا لغيره من الآراء واللوثات الفكرية، قواطع الشريعة تتمثل في نص الكتاب، والسنة وإجماع الأمة، والأصل في فهم الكتاب والسنة أن يكون على منهج السلف الصالح، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في بيان الفرقة الناجية: "ما أنا عليه وأصحابي" ولم يقل: ما أنا عليه فقط.

 

وقال الأوزاعي -رحمه الله-: "اصبر نفسك على السنة، وقِف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم".

 

أيها المسلمون: بل أيها الأخ الكاتب المبدع والمثقف النابغ والقارئ الحاذق: أوصيك ثم أوصيك ثم أوصيك أن تبدأ بنفسك قبل أن تكتب للآخرين، أوصيك أن تنطلق من هذه الثوابت والمسلمات أن تؤصل نفسك في العقيدة والشريعة واللغة والسيرة، وغيرها، مما يدعم مسيرتك الفكرية، وأن تفهم الدين على ضوء فهم السلف الصالح، فإذا عرفت ذلك، وتشبعت طينتك الفكرية بمسلمات الدين وثوابته، فعندها ستقرأ وتكتب وأنت آمن من هفوات الكتابة والإطلاع، فحرية الفكر والكتابة في الإسلام وفي شأن المحسوبين على الإسلام، مؤطرة بخطوط حمراء من ورائها الهلكة والزيغ والضلال، ففكر المسلم مثل الطائر يطير في السماء المسخر له فقط، فإن رام التحليق وراء ذلك هلك، هذه شريعة الله وهذا صراط الله المستقيم، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

عباد الله: وإن من مسلمات هذا الدين: وجوب لزوم الجماعة، والسمع لولاة الأمر والطاعة في غير معصية لله -تعالى-، ففي حديث حذيفة -رضي الله عنه- في حديث الفتن، حتى قال: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".

 

وروى عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، في العسر واليسر، في المنشط والمكره، وأثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان".

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة، ثم مات، مات ميتة جاهلية" [روه مسلم].

 

فالواجب -عباد الله- هو التعاون على البر والتقوى والتلاحم بين المسلمين حكاما ومحكومين وحكومات ومجتمعات؛ لأن الفرقة ليس فيه خير.

 

نسأل الله أن يهد ضال المسلمين، ويرده إلى رشده وصوابه، وأن يوفق ولاة أمرنا، وأن يجزيهم عنا خير الجزاء.

المرفقات

قف أمامك خطوط حمراء

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات