حب الصحابة دين

عمر بن عبد الله المقبل

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ من فضائل الصحابة 2/ اعتقاد أهل السنة في الصحابة وإيجابهم توقيرهم 3/ ضلال الروافض فيهم 4/ تآمرهم على أهل السنة

اقتباس

إن قوماً هذه بعض فضائلهم، وتلك بعض مناقبهم؛ لقوم يستحقون المحبةَ لله وفي الله، حباً لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا نتبرّأ من أحدٍ منهم، ولا نذكرهم إلا بالخير، ونشهد لجميع المهاجرين والأنصار بالجنّة والرضوان والتّوبة والرحمة من الله.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أمّا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.

 

عبادَ الله: لو قيل: من هم الذين أجمع المسلمون على أنّهم رأسُ الأولياء، وصفوة الأتقياء، وقدوةُ المؤمنين، وأسوة المسلمين، وخير العبادِ بعدَ الأنبياء والمرسلين، الذين جمَعوا بين العلم بما جاء به رسولُ الله، وبين الجهادِ في سبيل الله؟ لم يكن الجواب إلا: الصحابة رضوان الله عليهم، الذين شرّفهم اللهُ بمشاهدة خاتَم أنبيائه، وصُحبته في السّراء والضّرّاء، وببذلِهم أنفسَهم وأموالهم في الجهاد في سبيل الله، حتّى صاروا خيرةَ الخِيَرة، وأفضلَ القرون، بشهادة المعصوم، عليه الصلاة والسلام.

 

فمَن مثلهم في إقامة أعمدَة الإسلام، وتشييد قصورَ الدّين، وقطْع حبائل الشرك؟ ومَنْ قبلهم في إيصال الإسلام إلى أطرافِ المعمورة؟ ومن مثلهم في شرف لقيا محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ ومن يضارعهم في العلم والفهم، وقد استقوا مباشرة من المعين الأول -صلى الله عليه وسلم- فصاروا أدقّ النّاس فهمًا، وأغزرهم علمًا، وأصدقهم إيمانًا، وأحسنهم عملاً؟!.

 

قومٌ لم يُثن الله على أصحاب نبي كما أثنى عليهم، بل إن صفتهم وفضلهم سبقت في التوراة والإنجيل، كما في خواتيم سورة الفتح: (مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) [الفتح:29].

 

وأما القرآن، فاقرأ -إن شئت- قول الله عنهم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100].

 

وقال -سبحانه-: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[الفتح:18]. وفي هؤلاء المبايعين يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل النارَ أحد ممّن بايع تحت الشّجرة" رواه مسلم.

 

وقال -عز وجل-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:8-9]، فأخبر عن صدقهم وإيمانهم، وهذا ما لا يطّلع عليه إلا الله -تعالى-.

 

وفي البخاري، عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله: "خيرُ أمّتي قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم" رواه البخاري، قال عمران: "فلا؛ أدري أذَكرَ بعد قرنه قرنين أو ثلاثًا؟".

 

وفي الصحيحين، عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي، فإنّ أحدَكم لو أنفق مثل أُحدٍ ذهبًا ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفَه" متفق عليه.

 

وبعد: أيها المسلمون، فإنّ جيلاً هذه مدائح الله فيهم، وجيلاً هذا ثناء الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليهم؛ لجيلٌ جدير بالتأسي والاقتداء، وجيلٌ جديرٌ بأن تُبرَز مآثرهم وفضائلهم؛ ليكونوا القدوة الحقيقة للنشء وغيرهم، بدلاً من إبراز قدوات تافهة لم تنفع أنفسها، بل ضرّت الأمة بسخفها وتفاهة اهتماماتها.

 

أيها المسلمون: لو لم يكن في فضائل الصحابة -رضوان الله عليهم- إلا ما أشرنا إليه لكفى؛ فكيف إذا عَرف المسلم أنه لولا ما قاموا به من حمل أمانةِ السنّة علماً وعملاً، وجهاداً في سبيل تبليغ هذا الدين؛ لما نَعِمنا به!.

 

لقد ذرع فريقٌ منهم أقطارَ الأرض لينشروا هذا الدين، وآخرون حملوا أمانةَ الخلافة والرّعاية والجهادِ والحقوق، وعملوا على نقل الأمَم إلى الإسلام، يطهِّرون نفوسَها، ويسلكونها طريقَ الله المستقيم، وقد بارك الله في أوقاتهم، وأتمّ على أيديهم في مائة سنة ما لم يتحقّق لغيرهم.

 

كانوا أسبق النّاس إلى كلّ خير؛ في الجهاد والدّعوة، وفي ميدان البَذل والعطاء، وفي النّوافل والعبادة.

 

إنهم الصحابة الذين نصَروا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- في حروبِه، وبايَعوه على بذلِ أنفسهم في سبيل الله، فكان لهم النصيب الأوفى من محبّته وتعظيمه، حتى قال عليٌّ -رضي الله عنه- واصفاً محبتهم له: "كان -والله- أحبَّ إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمّهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ!".

 

لقد حكّم الصحابة -رضي الله عنهم- رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- في أنفسهم وأموالهم، فقالوا: هذه أموالنا بين يدَيك فاحكُم فيها بما شئت، هذه نفوسنا بين يديك، لو استعرضتَ بنا البحرَ لخضناه نقاتِل بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك.

 

إن قوماً هذه بعض فضائلهم، وتلك بعض مناقبهم؛ لقوم يستحقون المحبةَ لله وفي الله، حباً لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا نتبرّأ من أحدٍ منهم، ولا نذكرهم إلا بالخير، ونشهد لجميع المهاجرين والأنصار بالجنّة والرضوان والتّوبة والرحمة من الله.

 

أيها المؤمن الموحِّد: يجب أن يستقرَّ علمك ويُوقِن قلبُك أنّ رجلاً رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وآمن به، واتّبعه ولو ساعة من نهار؛ أفضل ممّن لم يرَه ولم يشاهده، وأن يكون منهجك فيهم هو منهجُ السلف من التّرحّم على جميع الصحابة صغيرهم وكبيرهم، وذكرِ محاسنِهم، ونشر فضائلهم، والاقتداءِ بهديِهم، والاقتفاء لآثارهم، والكفِّ عمّا شجر بينهم، فلقد أثنى عليهم بما سمعتم، وأثنى على من جاء بعدهم واستغفر لهم، وسلِم قلبُه من الغل على أحدٍ منهم، مع علمه -تعالى- بما سيكون في مستقبل الأيام؛ من ذلك الشجار الذي وقع بين بعضهم، فلا يتتبّع هفواتِ أصحابِ رسول الله وزللَهم إلاّ مفتون القلبِ في دينه، ووصفه بعضُ السلف بالزندقة -أي النفاق- لأن باب التتبع إذا فُتح فلن يقف عند حدّ؛ وإلا فمن يتتبع هفوات قوم رضي الله عنهم ووعدهم بالجنة في نص الكتاب؟! (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) [الحديد:10].

 

وما ثبت من خطأ بعضهم -وهو قليل في جوانب صوابهم- هم فيه إمّا مجتهدون مصيبون، وإمّا مجتهدون مخطِئون، والخطأُ المحضُ الذي ثبت عنهم قليلٌ، ونزْر يسيرٌ، في جنب فضائلِهم ومحاسنهم؛ من الإيمان بالله ورسوله، والجهادِ في سبيله، والهجرةِ، والنُّصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح.

 

اللهم كما مننتَ علينا بحبهم، فامنن علينا بسلوك طريقهم، والتأسي بهم، والسير على نهجهم، واجمعنا بهم في دار كرامتك يا رب العالمين.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ما اتصلت عين بنظر. 

 

أما بعد: فمع وضوح فضائل الصحابة رضوان الله عليهم، وكثرتها في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن قوماً شرقوا بفضائلهم، واتخذوا سبَّهم وشتمهم دِيناً وقُربة، ويجعلون مثل يوم عاشوراء -بل وأدنى مناسبةٍ- فرصةً للنيل منهم، حتى لم تسلم منهم أمهات المؤمنين، فرموا أمنا عائشة بما برأها الله منه من فوق سبع سماوات، وشتموا -بل ولعنوا- وزيريه: أبا بكر وعمر، ولم يسلم منهم عامةُ الصحابة، ولم يعلم هؤلاء الضالون أن هذا كلّه في الحقيقة طعن في الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بل طعنٌ في الله رب العالمين! الذي اختار تلك الزوجات وأولئك الأصحاب لرسوله وخليله -عليه الصلاة والسلام-.

 

وأشدّ من هذا وأقبح: طعنُهم في كتاب الله -تعالى- بالنقص والتحريف، ورميهم جبريل بخيانة الأمانة، وادعاؤهم في أئمتهم أنهم يعلمون الغيب، وأن الله لا يفعل شيئاً في الكون حتى يستأذنهم!.

 

وإذا كان هذا حالهم مع أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمهات المؤمنين؛ فلا يَستغربن أحدٌ أبداً أن يصف بعضُهم جميعَ أهل السنة بأنهم أبناء زنا وسفاح، قرأنا هذا وسمعناه من بعض معمميهم، ولسنا ممن يفتري عليهم الكذب!.

 

امتلأت قلوبهم حقداً وغيظاً على أهل السنة، وصرحوا في كتبهم بأن قتل الناصبي (السُّنّي) قُرْبةٌ إلى الله -تعالى-، يستوجب صاحبه الجنة!.

 

ضحكوا على السذّج من اتباعهم بهذه العقائد الباطلة، وجيّشوا مئات الآلاف في حشود شعبية، وكتائب عسكرية، وجعلوا شعارهم الانتقام للحسين والثأر له، وأشعلوا المنطقة فتناً وقتلاً ودماء؛ في الشام والعراق واليمن، وما هذه الحرب التي أشعلها الحوثيون عدّة مرات إلا تنطلق من هذه الشعارات التي ظاهرها ديني، وباطنها سياسي محض، كما صرّح بذلك الخميني قاتله الله.

 

وكل ما ترونه وتسمعونه من مقابلات مع معمميهم أو مع أسراهم العوام -الذين يقعون في قبضة أهل السنة في الشام واليمن- ما هو إلا ترجمة لذلك الحَقْد المذهبي الكبير في نفوسهم على السنة وأهلها، حتى إني سمعت أحدَهم قبل يومين -وهو حوثي- يقول: نحن في حرب مع أبي بكر وعمر وعائشة! ولن تضع الحرب أوزارها حتى نقضي على ما تبقى من احترام لهم! ألا لعنة الله عليه وعلى أمثاله.

 

ومنذ سقوط بغداد قبل أربعة عشر عاماً، وبمباركة ورعاية من قوى شرقية وغربية، فقد دأبوا على نشر الفتن والقلاقل والرفض في عواصم أهل السنة!.

 

إن العدل مطلوب مع اليهود والنصارى -فضلا عمن يدّعي أنه من أهل القبلة-، لكن العدل لا يعني تمكينهم، فإنهم قوم لا يعترفون بالحدود السياسية، ولا المواثيق ولا العهود ـ وواقع سوريا واليمن أكبر شاهد ـ فهم متى ما سنحت لهم فرصةٌ للانتقام فعلوا الأفاعيل، وتاريخهم ينطق بذلك! فرحم الله من قرأ واعتبر!.

 

اللهم ارض عمّن رضي عن الصحابة، والعن من لعنهم، اللهم من أرادنا في أمننا وبلادنا بسوء وفتنة فأركسه، وردّه خائباً حسيرًا...

 

 

المرفقات

الصحابة دين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات