الزكاة: معززات بذلها ومرهبات منعها

عدنان مصطفى خطاطبة

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الزكاة
عناصر الخطبة
1/ مكانة الزكاة في الإسلام 2/ أهمية إخراج الزكاة 3/ عقوبات مانع الزكاة 4/ ثمرات إخراج الزكاة 5/ الحث على إخراج الزكاة.

اقتباس

الزكاة لها في الشريعة أحكامها الفقهية، ولها أيضًا نصوصها الترغيبيّة والترهيبيّة؛ فالشرع كما بيَّن الأحكام الفقهية المتعلّقة بالزكاة، أرشد كذلك إلى دوافع إخراج الزكاة، وعالج موانع إخراجها، وحذّر من التوقف والإمساك عن بذلها. وفي هذه الخطبة، نتحدث عن دوافع أداء الزكاة بإظهار المرغّبات التي تشجّع على دفع الزكاة، وإبراز المرهّبات التي تقف في وجه من يتردد في إخراج الزكاة. كلّ هذا رجاء أن يلتزم المسلمون بأحكام الخالق سبحانه على الوجه الذي يرضيه تعالى.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

 

أيها المسلمون: الزكاة لها في الشريعة أحكامها الفقهية، ولها أيضًا نصوصها الترغيبيّة والترهيبيّة. فالشرع كما بيَّن الأحكام الفقهية المتعلّقة بالزكاة، أرشد كذلك إلى دوافع إخراج الزكاة، وعالج موانع إخراجها، وحذّر من التوقف والإمساك عن بذلها. وفي هذه الخطبة، نتحدث عن دوافع أداء الزكاة بإظهار المرغّبات التي تشجّع على دفع الزكاة، وإبراز المرهّبات التي تقف في وجه من يتردد في إخراج الزكاة. كلّ هذا رجاء أن يلتزم المسلمون بأحكام الخالق سبحانه على الوجه الذي يرضيه -تعالى-.

 

عباد الله: تذكروا اسم الزكاة ومعنى هذا الاسم عند العرب، فالزكاة في لغة العرب معناها الطهارة، والنماء، والبركة، والمدح، وهذه المعاني كلها جاءت في القرآن والسنة. فهو اسم جميل يحمل معاني جميلة رقراقة، تبعث في النفس الراحة والأمل والطيب وانتظار الهناء والخير. هكذا هو اسم الزكاة، وهكذا هو معناها، فليس اسمها جباية ولا ضريبة ولا مكوس.

 

أيها المسلم: من أعظم ما يدفعك لتؤدي زكاة مَالِكَ أن تتذكر أن الزكاة ركن من أركان الإسلام، نعم، فأنت حينما تؤدي زكاة أموالك تكون قد حقَّقت ركنًا عظيمًا من أركان الإسلام، فهنيئًا لك ذلك. ففي صحيح البخاري، قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلّى الله عليه وسلم-: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ؛ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ". نعم، الزكاة مقامها ركن من أركان الإسلام ومن دعائمه العظام.

 

أيها المسلم: من أعظم ما يدفعك لتؤدي زكاة مَالِكَ أن تعظِّم خطاب الزكاة في كلام الله العظيم. فربك العظيم حينما خاطبك بفريضة الزكاة قرن بينها وبين فريضة الصلاة في أكثر من خمسة وعشرين موضعًا من كتابه العظيم. فأي تعظيم هذا لقدر الزكاة. قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) [البقرة: 110]، وقال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ) [التوبة: 18]، وقال تعالى في ربط محكم بين الصلاة والزكاة واليوم الآخر: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) [النمل: 3].

 

وجاء خطاب الزكاة منفردًا في ثلاثة مواضع من كتاب الله، منها، قوله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) [الأعراف: 156].

 

وجاء خطاب الزكاة بمواضع عدة بلفظ الصدقة والصدقات، كما في قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة، 103].

 

فيا أيها المؤمن ألا يكفيك أن يخاطبك ربك العظيم في كتابه العظيم بفرضية الزكاة عليك في عشرات المواضع منذ العهد المكي إجمالاً إلى العهد المدني تفصيلاً.

 

يا أيها المسلم: ألا يكفيك أن يخاطبك نبيّك -صلّى الله عليه وسلم- في مئات المواضع كما في السنّة، ليكون هذا دافعًا كافيًا لك لتؤدي الزّكاة الواجبة في أموالك. خاطبك النبي -صلى الله عليه وسلم- لدرجة أنه بيّن وجوب قتال من يمنع الزكاة، ففي صحيح البخاري، عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: "لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلّى الله عليه وسلم- وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلّى الله عليه وسلم-: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ". فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلّى الله عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا".

 

يا عباد الله: ألا يكفينا ذاك الوعيد الشديد من الربّ –سبحانه- الذي توعّد بها مانعي الزكاة، بكلام عظيم يُتلى إلى يوم القيامة، فاستمع معي ماذا يقول ربّ العاملين: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة، 34-35].

 

قال السعدي: "(وَالَّذِينَ يَكْنزونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) أي: يمسكونها (وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِأي: طرق الخير الموصلة إلى اللّه، وهذا هو الكنز المحرم، أن يمسكها عن النفقة الواجبة، كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات، أو الأقارب، أو النفقة في سبيل اللّه إذا وجبت. (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ثم فسره بقوله: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا) أي: على أموالهم، (فِي نَارِ جَهَنَّمَ) فيحمى كل دينار أو درهم على حدته. (فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) في يوم القيامة كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ويقال لهم توبيخاً ولوماً: (هَذَا مَا كَنزتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنزونَ) فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم أنفسكم وعذبتموها بهذا الكنز". وكل مالٍ لا تؤدى زكاته يطلق عليه شرعًا كنز.

 

يا عباد الله: يا مَنْ تؤمنون بالآخرة، يا مَنْ تؤمنون بلقاء الله: يا لها من صورة مريعة ذكرها لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن يمنع زكاة مالة، ويا له من مشهد مرعب حقًّا بيَّنه لنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- سيقع لأولئك الذين يمتنعون عن دفع زكاة أموالهم، فاستمع معي بل وشاهد معي بقلبك وعين بصيرتك. ففي صحيح مسلم، عن أبي أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ".

 

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالإِبِلُ؟ قَالَ: "وَلاَ صَاحِبُ إِبِلٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لاَ يَفْقِدُ مِنَهَا فَصِيلاً وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ".

 

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: "وَلاَ صَاحِبُ بَقَرٍ وَلاَ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلاَ جَلْحَاءُ وَلاَ عَضْبَاءُ تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ".

 

الله أكبر! أيّ نوع من العذاب هذا، وأمام الخلائق، ولفترة زمنية طولها، كم؟ كم؟ خمسون ألف سنة، إنه زمان أطول بآلاف المرات من عمرك يا من لم تخرج زكاة أموالك، إنه زمان أطول بكثير من فترات تنعّمك بمالك، ألا فاستيقظ يا مانع الزكاة، ولتبادر عاجلاً عاجلاً إلى إخراج زكاة أموالك قبل أن تغادر هذه الحياة.

 

يا أيها المسلم: يا من تمنع زكاة مالك بخلاً وشحّاً، فنفسك الأليمة الشحيحة لا تطاوعك أن تخرج هذا المال، تأبى عليك نفسك بخلاً أن تدفع الزكاة لمستحقيها، استمع ماذا قال الله لك، لعلك ترتدع، لعلك تقاوم نفسك الأمارة الشحيحة، لعلك تخرج من عتمة بخلك، يقول ربك العظيم في أمثالك: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [آل عمران، 180].

 

وفي البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلا: (لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ)".

أهذا الشح والبخل الذي يمنعك الزكاة وما سيقودك إليه خير أم قول ربك سبحانه لك: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].

 

أيها المسلم: الزكاة ليست خسارةً لجزء من مالك، إيّاك أن تكون من هؤلاء الذين ينظرون إلى الزكاة نظرة مادية بحتة، على أنها نقص من أموالهم، فهذه نظرة الأعراب الذين ذمّهم الله في كتابه فقال فيهم: (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا) [التوبة، 98]، قال السعدي: "فمنهم (مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ) من الزكاة والنفقة في سبيل اللّه وغير ذلك، (مَغْرَمًا) أي: يراها خسارة ونقصًا، لا يحتسب فيها، ولا يريد بها وجه اللّه، ولا يكاد يؤديها إلا كرها".

 

أيها المسلم: أخرجْ زكاة مالك، فالمال هو مال الله، قال الله تعالى: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) [النور: 33]. انظر ماذا يقول ربك: (مِنْ مَالِ اللَّهِ) قال الآلوسي: "وإضافة المال إليه -تعالى- ووصفه بإيتائه -تعالى- إيّاهم للحث على الامتثال بالأمر بتحقيق المأمور به، فإنّ ملاحظة وصول المال إليهم من جهته سبحانه مع كونه -عز وجل- هو المالك الحقيقي له من أقوى الدواعي إلى صرفه إلى الجهة المأمور بها".

 

أيها المسلم: أخرجْ زكاة مالك، وصدّق كلام ربّك وكنْ على يقين بوعده، حينما قال لك: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ، 39]. تأمّل قوله سبحانه: (فَهُوَ يُخْلِفُهُ). قال أهل التفسير: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ)، "أي: مهما أنفقتم من شيء فهو يخلفه عليكم، يعطي بدله وما يقوم مقامه عوضاً عنه: في الدنيا بالبدل بالمال كما هو الظاهر، أو بالقناعة، أو بغير ذلك من الخيرات والبركات، وفي الآخرة بالجزاء والثواب"، و"جملة: (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) تذييل للترغيب والوعد بزيادة، لبيان أن ما يخلفه أفضل مما أنفقه المنفق".

 

أيها المسلم: لقد رغبّك ربك أيما ترغيب وعززك أيما تعزيز لتخرج زكاة مالك عن طيب نفس ورضا، فوعدك وعدًا لا يمكن أن تسمعه من مخلوق في حياتك أيّا كان مُلْكه وسلطانه، وعدك ربك الرزاق –سبحانه- بأنْ يضاعف ويضاعف لك أجر هذا المال الذي تزكيه، فإنْ كان في الأصل يستحق ألف حسنة وإذا بالله يضاعفه لك ليصبح سبعمائة ألف حسنة، فأيّ جزاء هذا ينتظرك، قال ربك سبحانه: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً) [البقرة: 245].

 

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح: "من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف".

 

وفي صحيح مسلم، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فَقَالَ: هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقِةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ".

 

أيها المسلم: أخرج زكاة مالك عن طيب نفس ورضا، فينتظرك جزاء تطير له القلوب، فاستمع إلى رسولك -صلى الله عليه وسلم- وهو يرغِّبك ويُعزّز فيك إخراج زكاة أموالك وصدقة أموالك، فقال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري: "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ".

 

فبيَّن لك أنّ الزكاة والصدقة لا تبقى بحجمها الطبيعي، ولا بوزنها المادي، ولا بقيمتها وثمنها الدنيوي. بل تكون في حال نمو وزيادة وتكاثر إلى ما شاء الله.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

 

أيها المسلم: قدّم البرهان على صدق إيمانك، وبرهانك هو زكاتك لأموالك، لقول رسول -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: "وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ" أي: دليل على إيمان صاحبها.

 

أيها المسلم! أخرجْ زكاة أموالك، فالجزاء من جنس العمل، ففي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "قَالَ اللَّهُ -عز وجل-: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ".

 

أيها المسلم! أخرجْ زكاة أموالك، فالزكاة تطهّر نفسك من الشّحّ والبخل والخبث، وتزكيها وتنميها وترتقي بها، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: 103].

 

أيها المسلم: أخرجْ زكاة أموالك، فالزكاة تطفئ خطاياك وتكفِّر ذنوبك، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الترمذي وحسنه الألباني: "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار".

 

أيها المسلم: أخرجْ زكاة أموالك، فالزكاة تُنْجيك من حَرِّ يوم القيامة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في مسند أحمد وإسناده صحيح: "كلُّ امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس".

 

أيها المسلم: أخرجْ زكاة أموالك، فالزكاة يحصل بها قضاء حوائج عائلات فقيرة، ويفرَّج كربات عظيمة، ويستر بها على بيوت كريمة. فهنيئًا لك يا من تكون أهلاً لذلك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ".

 

أيها المسلم: أخرجْ زكاة أموالك، فالزكاة سببُ لتحظى بدعوة ملَك كريم من ملائكة الله، وأيّ حظوة هذه أنْ يخصّك ملَك بدعوة. ففي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا".

 

اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة.

 

 

المرفقات

معززات بذلها ومرهبات منعها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات