أبشر بالخير يا مقدم نسك الأضحية

عدنان مصطفى خطاطبة

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ أهمية عبودية الذبح لله –تعالى- 2/ ظهور عقيدة التوحيد في ذبح الأضحية 3/ فضائل الأضحية 4/ التحذير من البخل بالأضحية 5/ أسباب حرمان كثير من المسلمين من ثواب الأضحية.

اقتباس

والله إن بعض المسلمين محرمون، محرومون من عبودية النسك من عبودية الذبح لله -تعالى-، تجده ينشغل عنها في دنياه الفانية بشراء الكماليات، بل ويتفنن بشرائها، ويبطر ويترف كما نلاحظ ذلك واقعًا في حياة بعض المسلمين. نعم، ينفق ما ينفق على الخلويات والتكنولوجيا وموضات الأثاث واللباس، بل والدخان المحرم، غافلاً أيما غفلة عن نفسه وعن آخرته الباقية. حتى إن بعض المسلمين اليوم ينفق في السنة الواحدة ما يشتري به ما يزيد عن تسع أضاحي، ولكنه لا يقرب الأضحية في تلك السنة...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم-، وبعد:

 

أيها المؤمنين والمؤمنات: من أنواع عبودية الخالق -سبحانه- الإنفاق في سبيل الله التي غفل عنها بعض المسلمين، وتقالّوها، واعتبروها من آخر اهتماماتهم، وآخر ما يفكرون فيه إلا من رحم ربك هي: عبودية الذبح لله –تعالى-، عبودية النسك لله –تعالى-، عبودية الأضحية، عبودية إراقة الدم لله -تعالى-، (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2].

 

أيها المؤمنين والمؤمنات: إن عبودية الذبح لله -تعالى-، إن عبودية الأضحية لله -تعالى- من الشرائع العظيمة التي شرعها الله -تعالى- لعباده المؤمنين. قال الله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج: 34]؛ قال أهل التفسير: " يخبر الله -تعالى- في هذه الآية أنه لم يزل ذبح المناسك، وإراقة الدماء على اسم الله مشروعًا في جميع الملل".

 

وقال -تعالى- داعيًا عباده وآمرًا لهم بإخلاص العبادة لله -تعالى- في النسك: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ) [الأنعام: 162-163]، ونسكي أي: وذبحي: لله رب العالمين لا شريك له. فلا يجوز في عقيدتنا الإسلامية أن يذبح الإنسان لغير الله، أو يذكر اسم غير الله عند ذبحه أو يذبح عند قبور الصالحين أو ما يسمى بالأولياء. بل يذبح لله -تعالى- وحده وقاصدًا وجه الله –تعالى-.

 

إن عبودية الذبح لله -تعالى- مظهرٌ من مظاهر توحيد الله -تعالى-، تأمل معي كيف ظهرت عقيدة التوحيد في عملية ذبح الأضحية التي قام بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ذَبَحَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مُوجَأَيْنِ فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: "إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ"، ثُمَّ ذَبَحَ.

 

أيها المؤمنون والمؤمنات: ونحن في عشر ذي الحجة ومقبلون على عيد الأضحى، فهذا هو موسم الأضاحي، هذا هو موسم الذبح الخالص لله -تعالى- هذا هو موسم عبودية النسك لله تعالى.

 

الأضحية عبودية عظيمة لله -تعالى-، وقربة جليلة لله -تعالى-، فيها مرضاة الله -تعالى-، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الأَضَاحِيُّ ؟ قَالَ: "سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ" قَالُوا: فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ" قَالُوا: فَالصُّوفُ؟ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنَ الصُّوفِ، حَسَنَةٌ".

 

فمن قدوتك أيها المُضحّي؟

أيها المضحي بذبحك هذا فإنما أنت مقتدٍ بأبيك إبراهيم -عليه السلام-: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات: 107]، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هَذِهِ الأَضَاحِيُّ؟ قَالَ: "سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ".

 

أيها المضحي بذبحك هذا أنت اقتديت بنبيك وحبيبك سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد كان سيد المضحين وسيد الناسكين، ففي صحيح البخاري عن أَنَس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ".

 

وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة عشر سنين يضحي" (رواه أحمد والترمذي، وقال حديث حسن).

وهو -صلى الله عليه وسلم- الذي قال له ربه: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2].

 

أيها المضحي، بذبحك هذا أنت مُقتدٍ بأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان سلفنا الصالح يضحون بالأضاحي، ويقول الواحد منهم: أنا أضحي مثل ما كان يضحي النبي -صلى الله عليه وسلم-. فأنت أيها المؤمن بنسكك هذا وذبحك وأضحيتك تعيش عبودية الاتباع للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولأصحابه رضي الله عنهم.

 

أبشر أيها المضحي، أبشر بما بشَّرك به الوحي من السماء، فما عمل أحد عمل مثل ما عملت يوم النحر أول أيام عيد الأضحى المبارك؛ ففي باب فضل الأضحية عند الترمذي وابن ماجه عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما عَمِلَ آدميّ من عمل يومَ النحر أحب إلى الله من إهراق دم، وإنه لتأتي يومَ القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإنَّ الدم لَيقَعُ من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبُوا بها نفساً" (قال الترمذي: حديث حسن غريب).

 

أبشر أيها المضحي، أبشر بما بشَّرك به الوحي من السماء، أبشر بمغفرة الله لك عند ذبحها وإراقة دمها: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا فاطمة! قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإن لك بكل قطرة تقطر من دمها أن يُغفر لك ما سلف من ذنوبك" (أورده الهيثمي في "المجمع"، وقال: رواه البزار، وفيه عطية بن قيس، وفيه كلام كثير، وقد وُثق).

 

أبشر أيها المضحي! فإن أضحيتك راجعة إليك بأحسن ما تكونه حالاً، وإن قطرات دمها تقع مباركة في مكان طيب مبارك. فكما تقدم في حديث الترمذي وابن ماجه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وإنَّ الدم لَيقَعُ من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبُوا بها نفساً" (قال الترمذي: حديث حسن غريب).

"وإنها لتأتي يومَ القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإنَّ الدم لَيقَعُ من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض".

 

عباد الله: وأمام  هذه البشريات والعبوديات المتعلقة بالأضحية، وأمام تجليات عقيدة التوحيد في ذبحك للأضحية، فإياك، إياك أيها المؤمن بالله، وأيتها المؤمنة بالله، من أن تخطئك الأضحية، إياك من أن تترك الأضحية إذا كنت قادرًا عليها. فقد شدَّد النبي -صلى الله عليه وسلم- النكير وحذَّر أيما تحذير من ذلك؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من كان له مال فلم يضحِّ فلا يقربن مصلانا"، وقال مرة: "من وجد سعةً فلم يذبح فلا يقربن مصلانا" (قال الذهبي في التلخيص: صحيح).

 

 فإذا كنت تملك ثمن الأضحية فوق حاجتك فتوكل على الله واذبح أضحية خالصة لله -تعالى-، لتكون بذلك متبعة لسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- وملبيًّا لدعوته لك بالقيام بنسك الأضحية.

 

أيها المؤمنون والمؤمنات: والله إن بعض المسلمين محرمون، محرومون من عبودية النسك من عبودية الذبح لله -تعالى-، تجده ينشغل عنها في دنياه الفانية بشراء الكماليات بل ويتفنن بشرائها، ويبطر ويترف كما نلاحظ ذلك واقعًا في حياة بعض المسلمين.

 

نعم، ينفق ما ينفق على الخلويات والتكنولوجيا وموضات الأثاث واللباس، بل والدخان المحرم، غافلاً أيما غفلة عن نفسه وعن آخرته الباقية. حتى إن بعض المسلمين اليوم ينفق في السنة الواحدة ما يشتري به ما يزيد عن تسع أضاحي، ولكنه لا يقرب الأضحية في تلك السنة، ولكنه يقرب كثيرًا من المحرمات والمباحات وينفق عليها ما ينفق.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

 

أيها الإخوة: إن من الخطأ ما يعيشه بعضنا من أن الأضحية يقوم بها الآباء والكبار والأمهات. وأنا في هذه الخطبة لا أخص فئة دون أخرى، بل أنتم أيها الشباب والشابات وأيها الطلاب والطالبات بمقدوركم أن تضحوا وتذبحوا لله -تعالى- النسك. فإن لم تكونوا تملكون ثمنها كاملاً الآن، فلماذا لا تجعل لنفسك مشروعًا في السنة تجمع وتوفّر مبلغًا طيلة أشهر السنة، فما إن يأتي موعد الأضحية إلا وقد توفر لك المبلغ المطلوب وزيادة. وأنت لو حسبت ما تنفقه على الخلوي والإنترنت فقط لكان بإمكانك أن تشتري به أضاحي عديدة لا أضحية واحدة.

 

أيها الإخوة: كم من الأموات من يتمنى أن لو ضحى في حياته مرات ومرات. فتذكر ذلك، وبادر وكن من السباقين للأضحية ما استطعت إلى ذلك سبيلاً كل عام. والله يضاعف الأجر أضعافًا كثيرًا، ولا يضيع أجر من أحسن عملاً، وما نقص مال من صدقة ولا نفقة، بل هي البركة تحل فيه. وإذا كان لك من أهلك من توفاه الله وتعلم أنه لم يضحّ في حياته فتصدق عنه وضحّ عنه، فهذا إحسان منك، والله يجزيك على ذلك خير الجزاء، والله يحب المحسنين.

 

 

المرفقات

بالخير يا مقدم نسك الأضحية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات