فضائل المسجد الأقصى

طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/سبب تسمية المسجد الأقصى والتعريف به 2/أبرز معالم المسجد الأقصى 3/بعض فضائل وخصائص المسجد الأقصى

اقتباس

إن المسجد الأقصى بيت المقدس، ربوةٌ مباركة ذات قرار ومعين, أرضٌ مقدسة, قبلة الأمة وبوابة السماء، ميراث الأجداد ومسئولية الأحفاد, معراج محمدي, وعهد عمري. فهل نسيناه؟! ما هو...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله على ما منح من النعماء، والشكر له على عظيم الآلاء.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونعوذ به من مكر الأعداء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، جعلنا على المحجة البيضاء، وحذر من الاختلاف والشحناء، والفرقة والبغضاء، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأوفياء، الذين استقاموا على النهج، وقصدوا الحق، فكانوا إخوة أصفياء، ورضي الله عن التابعين المؤمنين الأخلاء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ومن سار على نهجهم، واجتنب سبيل أهل الأهواء.

 

أما بعد:

 

فإن المسجد الأقصى بيت المقدس، ربوةٌ مباركة ذات قرار ومعين, أرضٌ مقدسة, قبلة الأمة وبوابة السماء، ميراث الأجداد ومسئولية الأحفاد, معراج محمدي, وعهد عمري.

 

فهل نسيناه؟!

 

ما هو المسجد الأقصى؟

 

قيل له: الأقصى لبعد المساحة بينه وبين الكعبة.

 

وقيل: لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة.

 

وقيل: لبعده عن الأقذار والأنجاس المقدس المطهر عن ذلك [فتح الباري: 408].

 

والمسجد الأقصى عند العلماء والمؤرخين أشمل من مجرد البناء الموجود الآن بهذا الاسم, إذ هو اسم لجميع المسجد الذي جدده سليمان -عليه السلام-, فكل ما هو داخل السور الكبير ذي الأبواب يعتبر مسجداً، بالمعنى الشرعي.

 

يقول يوسف جمعة سلامة، وهو من خطباء المسجد الأقصى: "وعندما نقول: المسجد الأقصى المبارك، لا نقصد المكان الذي نصلي فيه، بل يشمل هذا المكان والأقصى القديم والمرواني وقبة الصخرة وجميع الساحات والمحاريب والمصاطب، هذه المساحة التي تبلغ 144 دونماً، الركعة فيها بخمسمائة ركعة، كما جاء في الحديث الصحيح".

 

ومن أبرز المعالم التي تميز المسجد الشريف: أنه مستطيل، ويأخذ الاتجاه من الشمال إلى الجنوب في اتجاه قبلة مكة المكرمة.

 

فمسجدها الأقصى المبارك محور معجزة الإسراء والمعراج؛ إليه انتهى الإسراء، ومنه بدأ المعراج إلى السماوات العُلا؛ وفيه صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إماماً بالأنبياء والرسل جميعاً؛ قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء: 1].

 

وفيه الربط الواضح بين المسجدين القديمين.

 

وهي أرض مباركة، أرض خير وبركة، بنص كتاب الله، قال تعالى: (وَنَجَّيْنَهُ وَلُوطاً إِلَى الأرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا) [الأنبياء: 71].

 

قال ابن كثير: "هي بلاد الشام".

 

وقال عز من قائل: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَهِرَةً) [سبأ: 18].

 

قال ابن عباس: "القرى التي باركنا فيها هي بيت المقدس".

 

وقال الله -تعالى-: "وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً".

 

والقرية، هي بيت المقدس، كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.

 

وقال تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأعراف: 137].

 

وفي قصة سليمان -عليه السلام- يقول سبحانه وتعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأنبياء: 81].

 

إنها فلسطين الأرض المقدسة بنص القرآن الكريم: (يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) [المائدة:21].

 

قال الزجاج: المقدسة الطاهرة، سماها مقدسة؛ لأنها طهرت من الشرك، وجعلت مسكنا للأنبياء والمؤمنين، وهي التي أقسم الله بها، فقال: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) [التين: 1].

 

ووصف القرآن أرضها بالرَّبوة ذات الخصوبة، وهي أحسن ما يكون فيه النبات, وماؤها بالمعين الجاري، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) [المؤمنون: 50].

 

قال الضحاك وقتادة: وهو بيت المقدس.

 

قال ابن كثير: "وهو الأظهر".

 

 

الخطبة الثانية:

 

أنه أرض المنادي من الملائكة نداء الصيحة لاجتماع الخلائق يوم القيامة، كما قال سبحانه: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ) [ق: 41].

 

قال قتادة وغيره: "كنا نحدَّث أنه ينادي من بيت المقدس من الصخرة, وهي أوسط الأرض".

 

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "ودلّت الدلائل المذكورة على أن "ملك النبوة" بالشام والحشر إليها, فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأمر، وهناك يُحشر الخلق، والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام, كما أن مكة أفضل من بيت المقدس, فأول الأمة خيرٌ من آخرها، كما أن في آخر الزمان يعود الأمر إلى الشام, كما أسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى".

 

وفيها وحول المسجد الأقصى بعث أكثر الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام-.

 

إنها فلسطين أرض الأنبياء والمرسلين، فعلى أرضها عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف ولوط وداود وسليمان وصالح وزكريا ويحيى وعسى -عليهم السلام-، وغيرهم الكثير ممن لم تذكر أسماؤهم من أنبياء بني إسرائيل.

 

والمسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض لعبادة الله وتوحيده؛ لأن الكعبة بنيت قبله بأربعين سنة، ففي الصحيحين من حديث أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- أنه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: "المسجد الحرام" قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى" قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة".

 

وهو أحد المساجد الثلاثة التي يجوز للمسلم أن يشد الرحال إليها لطاعة الله، وطلب المزيد من فضله وكرمه، ومضاعفة الأجر والثواب.

 

وما عدا هذه الثلاثة المساجد لا  يجوز شد الرحل إليها للصلاة والاعتكاف، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا" أي مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة النبوية.

 

وقال صلى الله عليه وسلم في فضل الصلاة في هذه المساجد عن غيرها: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة مما سواه، وصلاة في مسجدي هذا بألف صلاة، وصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة".

 

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: سأله أن يحكم بحكم يواطئ حكمه، وسأله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وسأله أيما عبد أتى بيت المقدس لا يريد إلا الصلاة فيه أن يكون خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، فأعطاه الله اثنتين وأرجو أن يكون أعطاه الثالثة" [رواه النسائي وابن ماجة بسند صحيح].

 

فهو أولى القبلتين، وثاني المساجد الثلاثة من حيث الأقدمية، وثالثها من حيث أفضلية الصلاة.

 

إنها فلسطين التي تبسط عليها الملائكة أجنحتها، فعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يا طوبى للشام، يا طوبى للشام" قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال: "تلك الملائكة باسطة أجنحتها على الشام"[صححه الألباني].

 

إنها فلسطين أرض المحشر والمنشر، فقد روى الإمام أحمد بسنده عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس؟ قال: "أرض المحشر والمنشر" [أحمد].

 

إنها فلسطين موئل الطائفة المنصورة الثابتة على الحق، فعن أبي أمامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك" قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" [رواه أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-].

 

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بينما أنا نائم إذا رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به، فاتبعته ببصري فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتنة سيكون في الشام" [رواه أحمد والبزار، وصحح سنده الحافظ ابن حجر -رحمه الله-].

 

إنها حاضرة الخلافة الإسلامية في آخر الزمان، فعن أبي حوالة الأزدي -رضي الله عنه- قال: وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده على رأسي أو على هامتي، ثم قال: "يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة, فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب إلى الناس".

 

إنها أرض الملحمة الكبرى، ونزول عيسى -عليه السلام- وقتال المسلمين لليهود، نصرنا الله عليهم.

 

 

المرفقات

المسجد الأقصى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات