احتساب الأجر في جميع حياة الإنسان وعظمة دين الإسلام

الشيخ أحمد بن ناصر الطيار

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ من جوانب عظمة هذا الدين 2/ كثرة أبواب الخير 3/ أهمية النية في اكتساب الأجر 4/ مباركة القرارات الملكية الأخيرة.

اقتباس

هذا الدين دينٌ شاملٌ وكامل, جاء بما يَخْدِمُ العِبَادَ ويَعْمُرُ البِلَادَ, ويهدي إلى الحقِّ وسبيلِ الرشاد. ومن عظمة هذا الدين, أنه لم يُرتب الأجر على العبادات فحسب, بل رتَّب الأجرَ والثَّوابَ على أعمالٍ دنيوية, نقوم بها فطرةً ورغبة, إنْ نوينا بها نيةً صالحة. فما أعظم هذا الدين, وما أيسر شريعةَ ربّ العالمين, فما علينا إلا أن ننوي النية الصالحة في أعمالنا, فتكونُ كلُّها حسناتٍ في ميزان أعمالنا الصالحة.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ هذا الدين دينٌ شاملٌ وكامل, جاء بما يَخْدِمُ العِبَادَ ويَعْمُرُ البِلَادَ, ويهدي إلى الحقِّ وسبيلِ الرشاد.

 

ومن عظمة هذا الدين, أنه لم يُرتب الأجر على العبادات فحسب, بل رتَّب الأجرَ والثَّوابَ على أعمالٍ دنيوية, نقوم بها فطرةً ورغبة, إنْ نوينا بها نيةً صالحة.

 

فإلى أصحاب المزارع والاستراحات, إليكم هذه البشرى من نبيّكم صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً, إلا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنهُ لَهُ صَدَقَةً، وَلا يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ -أي يَنْقُصُه أحد- إلا كَانَ لَهُ صَدَقَةً» (رواه مسلم).

 

وفي رواية لَهُ: «فَلا يَغْرِسُ الْمُسْلِمُ غَرْساً, فَيَأْكُلَ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلا دَابَّةٌ وَلا طَيْرٌ, إلا كَانَ لَهُ صَدَقةٌ إِلَى يَومِ القِيَامةِ».

 

قال الحافظ ابن حجرٍ -رحمه الله تعالى-: "وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ أَجْرَ ذَلِكَ يَسْتَمِرُّ, مَا دَامَ الْغَرْسُ أَوِ الزَّرْعُ مَأْكُولًا مِنْهُ, وَلَوْ مَاتَ زَارِعُهُ أَوْ غَارِسُهُ, وَلَوِ انْتَقَلَ مِلْكُهُ إِلَى غَيْرِهِ". ا.هـ.

 

فما أجمل أنْ يحتسب المزارعون الأجر حينما يزرعون, وأنْ يسْتحضروا النية الصالحة في حرثهم وعملهم.

 

وإلى أصحاب المواشي والإبل والطيرِ وغيرِها, إليكم هذه البشارة العظيمة, التي يرويها الصحابيُّ الجليلُ أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ -رَضِيَ اللَّه عَنْهُ-, أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْهِجْرَةِ, أي عن وجوب تركِ الوطن, وهل يَتْرُكُ أهلَه وإبلَه ويُهاجرُ إلى المدينة, تأييداً وتقويةً للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، وإعانةً لهم على قتال الكفار؟ فَقَالَ له: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟». قَالَ نَعَمْ. قَالَ «فَهَلْ تُؤْتِي صَدَقَتَهَا؟». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ, فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا» (متفق عليه).

 

أي: فأنت على خيرٍ, وإن كنت من وراء البحار، ولا يَضُرُّكَ بُعْدُكَ عن المسلمين, فلَنْ يُنْقِصَكَ الله مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِكَ شَيْئًا.

 

قال الحافظ ابن حجرٍ -رحمه الله تعالى-: "فِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ, إِلَى أَنَّ اِسْتِقْرَارَهُ بِوَطَنِهِ إِذَا أَدَّى زَكَاةَ إِبِلِهِ, يَقُومُ لَهُ مَقَام ثَوَاب هِجْرَته وَإِقَامَته بِالْمَدِينَةِ". ا.هـ.

 

فما أعظم هذا الدين, وما أيسر شريعةَ ربّ العالمين, فما علينا إلا أن ننوي النية الصالحة في أعمالنا, فتكونُ كلُّها حسناتٍ في ميزان أعمالنا الصالحة.

 

وقد سُئل -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا؟, أَيْ: هل نُؤجَرُ فِي سَقْي الْبَهَائِم والْإِحْسَانِ إِلَيها؟ فقَالَ: "فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". (متفق عليه).

 

قال العلماءُ -رحمهمُ الله-: "الشغلُ بالبادية واتخاذُ الغنم: من فعل السلف الصالح, الذي ينبغي لنا الاقتداء بهم، وإن كان في ذلك تركٌ للجماعات, ففيه عزلةٌ عن الناس، وبُعدٌ عن فتنِ الدنيا وزخرفِها".

 

ومِن أعظم ما في ديننا, أنه جعل لنا أجرًا على ما نأتي من شهوتِنا ولذّتِنا, إذا احتسبنا ذلك عند ربِّنا, قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

شهواتُنا ولذَّاتُنا, وطعامُنا وشرابُنا, وزرعنا وسقينا, وإطعام أولادنا ومواشينا, أعمالٌ لا تطيب الحياة إلا بها, ومع ذلك يَأجُرنا الله عليها, فما أكرم اللهَ تعالى, وما أجمل ديننا الحنيف السمح.

 

بل وأعظم من ذلك - يا أمة الإسلام- أنَّ كلَّ مَن كفَّ أذاه وشرَّه عن الناس, فله الأجرُ والثوابُ العظيم.

 

فقد شكا رجلٌ إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-, أنه لا يستطيعُ القيام بكثيرٍ من أعمال الخير, لضعفِه وقلَّةِ ماله, فهل تُغلق أبواب الصداقات والخير في وجهه؟ فأخبره النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-, ببابٍ من أبواب الصدقة لم يخطر على قلب أحدٍ فقال: «تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ» (متفق عليه).

 

الله أكبر! ما أعظمَ هذا الدينَ الذي مَنَّ الله به علينا, فالجار حينما يكفُّ شرَّه عن جاره له صدقة, والذي يُمْسك لسانه عن غيبة الناس له صدقة, والمرأةُ في بيتها تكفُّ لسانها صدقة, لكن قال العلماء: هذا الثَّوَابُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مَعَ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ, لَا مَعَ الْغَفْلَةِ وَالذُّهُولِ.

 

ومن كرم الله تعالى وجودِه وإحسانه ولطفِه: أنه يأجر الإنسان على سقيه البهائم, بل وغفر جريمةَ امرأةٍ فاجرةٍ لسقيها كلبًا!!

 

وأدخل الجنة رجلاً أمَاط غصنَ شجرةٍ عن الطريق, وأوجب الجنة لأمٍّ شَقَّتْ تمرةً بين ولديها.

 

فدينُ الإسلام - يا أمة الإسلام- جعل حياتنا كلَّها عبادةً بمُجرَّد النية الصالحة, والمقصدِ الحسن.

 

فالمؤمن الحق: لا تُلْهيه دُنياه عن أُخراه, ولا يُزَهِّدُه دينُه عن طلب معاشه والسعيِ له, فهو يتمثَّل الحكمةَ الْمَشهورةَ عن سلفنا الصالح: "اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً".

 

فكُن مُستعدًّا للآخرة اسْتعدادًا تامًّا, بأداء الواجبات, والكفِّ عن المحرَّمات, بحيثُ لو أنَّ الموتَ فاجأك لم تندمْ على ما أسْلفت.

 

واعمل في هذه الحياة ما تنتفع به أنت وغيرُك, من صناعةٍ وتجارةٍ ونفعٍ للآخرين, واسْتصْحِبِ النيَّةَ الصالحةَ في ذلك كلِّه, حتَّى تُؤْجَر في كلِّ عملٍ تعمله.

 

وبهذا نعلمُ بأنّ الرفعة والأجور العظيمة, ليست في المساجد والصلوات فحسب, ولا في السعيِ بين الصفا والمروةِ والصيام فحسب, بل رحم الله تعالى حالنا, ويسّر علينا سبل تحصيل الأجور, فجعلها في فرشنا وبين مزارِعنا وبهائمنا, فأيّ عذر لمن فرَّط في اكتساب الأجور التي ترفعه في الآخرة, وأيّ حرمان لمن لم يستحضر النية الصالحة في أعماله وجميعِ شؤونِه.

فلقد أتاح ربنا الكريم لكل مسلم سبل تحصيل الأجور, فما عليه إلا الاحتسابُ وصدقُ النيّة.

 

فيا أيها الطبيب في عيادتك, ويا أيها المعلم في مدرستك, ويا أيها الموظف في عملك: اعمل بنية صالحة حتى تُؤجرَ على كلّ عملٍ تقوم فيه, وعلى الساعات التي تقضيها كل يوم في عملك, فلا تدري كم سترفعك نيَّتُك عند ربّك يوم القيامة.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.

 

أما بعد: أيها المسلمون: لقد أثلجت هذه القرارات الأخيرة صدور المسلمين, حيث أُزيح بعض الوزراء الذين تبيَّن خللُهم وتقصيرُهم, ونسأل الله أنْ يجعلَ في خلفهم خيرًا وبركة.

 

وفرح المواطنون كذلك بإعادة البدلات وغيرها من القرارات الحكيمة.

ولم يستغربوا ذلك, فولاةُ أمرنا حفظهم الله تعالى, كانوا ولا زالوا حريصين على خدمة المواطن, وإسعاده وراحته وحمايتِه.

 

جزى الله خادم الحرمين خير الجزاء, وبارك في عمَلِه وعَقِبِه, ونفع به الإسلام والمسلمين, إنه سميعٌ قريبٌ مٌجيب.

 

 

المرفقات

الأجر في جميع حياة الإنسان وعظمة دين الإسلام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات