أهمية وآداب النصيحة

عبيد بن عساف الطوياوي

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ أهمية النصيحة 2/ آداب النصيحة وفضائلها 3/ التحذير من رد النصيحة أو الاستكبار عنها 4/ أمور يجب مراعاتها عند النصيحة 5/ وجوب الإكثار من نصيحة النفس والآخرين.

اقتباس

كلنا ندرك أهمية النصيحة، ودورها الفعَّال للحد من انتشار كثير من المخالفات، وأنها وسيلة مهمة للقضاء على التجاوزات الدينية والدنيوية، وأنه لا غنى لأحد من الناس عنها، وخاصة في هذا الزمان، ولكن: هل الناس اليوم يقبلون النصيحة، ويحبون الناصحين؟...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده حمدا يليق بكريم وجهه، وبعظيم سلطانه، أوجب النصيحة بين المسلمين.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، بعثه رحمة للعالمين، وجعله نبيًّا للأنس والجن أجمعين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد، عباد الله: تقوى الله -عز وجل- وصية الله لخلقه، الأولين والآخرين، يقول سبحانه: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131]، فلنتق الله -أحبتي في الله - جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.

 

أيها الإخوة المؤمنون: كلنا ندرك أهمية النصيحة، ودورها الفعَّال للحد من انتشار كثير من المخالفات، وأنها وسيلة مهمة للقضاء على التجاوزات الدينية والدنيوية، وأنه لا غنى لأحد من الناس عنها، وخاصة في هذا الزمان، ولكن: هل الناس اليوم يقبلون النصيحة، ويحبون الناصحين؟ إذا رأى أحدنا جاره أو قريبًا من أقربائه، يرتكب أمرًا خاطئًا، هل يتجرأ على تقديم النصيحة له؟ أم يتردد، ويترك نصحه، كي يكسب ودّه ومحبته ورضاه عنه؟ في مجتمعنا اليوم، ما هي نسبة من يقبلون النصيحة من غيرهم؟

 

أسئلة- أيها الإخوة - أظن أجابتها واضحة، تجعلنا نسأل سؤالاً آخر: أنت أخي المسلم، هل أنت من الذين يقبلون النصيحة؟ أم من هؤلاء الذين استعرضتهم بمخيلتك، ووجدت أنهم، لا يقبلون النصيحة، ولا يحبون الناصحين.

 

أخي المسلم: ما موقفك حينما يمسك بيدك أخوك المسلم، ويخبرك ناصحًا، بأمر ما عن أحد أبنائك، أو أهل بيتك، أو زوجتك، أو إحدى بناتك؟

 

أخي المسلم: عندما يمسك بيدك أخوك المسلم، لينصحك عن حلق لحيتك، أو إسبال ثوبك، أو هجرك لصلاة الجماعة، أو عندما يترجاك لترك أمر فيه هلاكك، ما هو شعورك تجاهه، وما هو موقفك منه؟

 

أنت أخي، عندما يمسك بيدك أحدهم، لينصحك عن جاهليتك، واحتقارك للناس من أجل ألوانهم، أو جنسياتهم، قل لي بربك، ما هي نظرتك إليه عند ذلك.

 

أنت أخي، يا من عنَّست بناتك، وحرمتهن الزواج، من أجل حسب أو نسب، أو مكانة أو شهادة، عندما يقدم لك أحدهم نصيحة، بينك وبينه، هل تقبل نصحه أم لا؟

 

أراك الآن غضبت، من مجرد كلام افتراضي، فكيف لو كان الأمر حقيقة، وواقعا ملموسا!!

 

إن الذي تشعر به - أخي - الآن، وقد يكون ملأ صدرك غيظًا وغضبًا، هو حال كثير من الناس، عندما يأتيهم ناصح، أو تقدم لهم نصيحة ما.

 

أيها الإخوة المؤمنون: إن هذه المقدمة، التي حرَّكت مشاعرنا، وأثارت شيئًا ما في نفوسنا، أردت منها، أن لا نحول ما سنسمع، في هذا اليوم، إلى غيرنا، ولندرك أهمية ما سنسمعه، ولنعلم بأننا أحوج الناس إليه.

 

أيها الإخوة: إنها النصيحة، التي جعلها الله -عز وجل- لأهميتها، شعارًا لرسله وأنبيائه، ومبدأ من ابرز مبادئ رسالاته، كما ذكر -عز وجل- عن نبيه نوح -عليه السلام-، حيث قال لقومه: (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 61- 62].

 

وكذلك نبيه هود - عليه السلام - حيث قال لقومه: (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) [الأعراف: 67- 68].

 

 وأيضًا نبي الله صالح - عليه السلام - حيث قال لقومه: (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف: 79]؛ فالأنبياء بعثهم الله -عز وجل- لنصح أقوامهم، فلما أعرضوا ولم يلقوا بالاً لنصحهم، وأبغضوهم بسبب ذلك، ماذا فعل بهم الله -عز وجل-؟ جعل الهلاك لهم في الدنيا والعذاب في الآخرة، وكما قال تبارك وتعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40].

 

فشأن النصيحة -أيها الإخوة- شأن عظيم، بل هي الدين، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن تميم بن أوس الداري -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة"، يقول تميم -رضي الله عنه-: قلنا: لمن يا رسول الله!. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"؛ فالنصيحة لعامة المسلمين، محبة الخير لهم، وإرشادهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وعدم غشهم.

 

أيها الإخوة المؤمنون: عندما نتأمل في واقعنا اليوم، وحالنا مع النصيحة، ومدى حبنا للناصحين، نجده واقعًا مريرًا، فالنصيحة صارت شيئًا غير مألوف ولا مقبول إلا عند من رحم الله، صار أحدنا يرى أخاه وهو بحاجة لنصيحته، ولكنه لا يستطيع أن يقدم النصيحة له خوفا من رفضه وعدم قبوله، بل خوفا من بغضه له وكرهه، فأكثر الناس، حالهم ليست بعيدا عن الذين قال فيهم الله -عز وجل- على لسان نبيه صالح -عليه السلام-: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف: 79].

 

تأملوا - أيها الإخوة - ما يكتبهم بعضهم، وما يتحدث به السفهاء في مجالسهم، عن رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! تأملوا - أيها الإخوة - عندما يسمع بعضهم بخطبة أو موعظة تلمس واقعه، وتشعره بجرمه وخطيئته! فالنصيحة لم تعد مقبولة، عند كثير من الناس، صار أكثرهم، يحب من يزين له باطله، ويكره ناصحه. بل ويعاديه، ويبغضه، وقد يغتابه في مجالسه، هذه حقيقة -أيها الإخوة- بل بعض الناس، عندما تقدم نصيحة له، يحاول جاهدًا بالانتقام منك، فلا يجد وسيلة إلا ذكر معايبك، فإذا أردت أن تعرف مكانتك ومنزلتك عند أحد من هؤلاء، فعليك بنصحه، تجده يسرد لك قائمة من المعايب والمثالب، كان ساكتا عنها قبل نصحك له، وهذا من الفهم الخاطئ للنصيحة، والجهل الخطير بقيمتها.

 

فينبغي لنا، بل يجب علينا، أن نراجع وضعنا، ونحاسب أنفسنا، وخاصة في مجال النصيحة، ومحبة الناصحين، بل يجب علينا بذل النصح لإخواننا المسلمين، ولا نتردد أبدًا عندما نرى من هو بحاجة للنصيحة، فالنصح واجب من أهم الواجبات، ففي الحديث الذي رواه البخاري، يقول جرير بن عبدالله -رضي الله عنه-: بايعنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.

 

فلنتق الله - عباد الله - فقد كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم يتناصحون فيما بينهم ويقبلون النصيحة ولو كان الناصح دونهم في السن أو العلم أو الجاه. ولنحذر من رد النصيحة، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) [البقرة: 206]، هو الرجل ينصح أخاه فيقول: عليك نفسك أو مثلك لا ينصحني.

 

أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، إنه سميع مجيب، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فإنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

 

أيها المسلمون: وقد يكون لبعض الناصحين دور في إعراض كثير من الناس عن النصيحة، وعدم محبة الناصحين، ولذلك إليكم بعض آداب النصيحة، التي ينبغي للناصح أن يتأدب بها، ويراعيها عندما يقدم النصح لإخوانه.

 

أولها -أيها الإخوة- الإخلاص لله تعالى، فيجب على الناصح، أن يكون مخلصًا لله -عز وجل- في نصيحته، محبا للخير لإخوانه، لا للشماتة بهم، ولا للفرح بأخطائهم وعيوبهم.

 

وثانيها -أيها الإخوة- وهو أهم أمر في النصيحة، أن تكون سرًّا بينه وبينهم، يقول بعض السلف: من نصح أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن نصحه علانية فقد فضحه وشانه.

 

وقال الإمام الشافعي رحمه الله:

تعمدني بنصحك في انفراد *** وجنِّبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع *** من التعيير لا أرضى استماعه

 

وثالث آداب النصيحة - أيها الإخوة -: أن يبحث الناصح، عن أفضل الطرق، وأنفع الوسائل التي يرجى من خلالها استجابة المنصوح، وهذا ما أرشدنا إليه نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان يقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا".

 

وقد يسر الله -عز وجل- السبل والطرق، التي يمكن من خلالها، تبليغ النصيحة إلى من هو بحاجتها، فقد يبلغ المسلم نصيحته عن طريق كتاب أو شريط أو رسالة جوال أو نحو ذلك.

 

أيها الإخوة: فالنصيحة أمر واجب، ولها شأن عظيم، والناس بحاجتها، والحرص عليها دليل على صلاح واستقامة المرء، فينبغي أن نهتم بها، ولنبحث عن شتى الوسائل والطرق والأساليب للقيام بها، ولنختار الوقت المناسب لها، لكي لا نعين الشيطان على إخواننا.

 

ولنحذر - أيها الإخوة - فعل الجبناء، الذين يرون عيوب إخوانهم، ولا ينصحون لهم إنما يجعلونهم فاكهة لمجالسهم، بفضيحتهم وغيبتهم، فهذا الأمر كبيرة من كبائر الذنوب، وفي الحديث الذي صححه الألباني - رحمه الله - عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم".

 

أسأل الله -عز وجل- لي ولكم علمًا نافعًا، وعملاً خالصًا، وسلامة دائمة، إنه سميع مجيب.

 

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم أحينا سعداء، وتوفنا شهداء، واحشرنا في زمرة الأتقياء، يا أرحم الراحمين.

 

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم اغفر لنا وارحمنا، اللهم تجاوز عن سيئاتنا، اللهم الطف بنا، واجعلنا هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين يا رب العالمين.

 

اللهم طهِّر قلوبنا، وحصِّن فروجنا، واحفظ أعراضنا ودماءنا وأموالنا، وارحم اللهم موتانا، واشف مرضانا، واسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين، وذل الشرك والمشركين، اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا، واستعمل علينا خيارنا، واجعل اللهم ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم من أرادنا أو أراد نساءنا بسوء، اللهم اشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره سببا لتدميره يا رب العالمين.

 

 

المرفقات

وآداب النصيحة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات