مكانة المرة في الإسلام (1)

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:
عناصر الخطبة
1/ نظرة المجتمعات القديمة إلى المرأة 2/ كلام فلاسفة اليونان عن المرأة 3/ هضم حقوق المرأة في الحضارات القديمة 4/ تكريم الإسلام للمرأة 5/ أهداف المتباكين على حقوق المرأة.

اقتباس

ماذا يريد هؤلاء الذين يطالبون بنزع الولاية؟ وماذا يريد من يسعى لحريتها بشعارات مكشوفة ظَاهِرُهُا فِيهِا الرَّحْمَةُ وَبَاطِنُهُا مِنْ قِبَلِهِا الْعَذَابُ.. لا يريد هؤلاء إلا أن تكون المرأة سلعة رخيصة يستمتع بها وتستجلب الأموال وطعم يصطاد به كل غافل عن دينه متنسٍ للحكمة من خلقه، يظن أن دنيا دار متاع لا حساب بعدها.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله...

 

أما بعد: أيها الإخوة: كانت المرأة قبل الإسلام في ذل وهوان واستعباد لم تنجُ من أتونه نساء أي أمة ولا ملة، والمتصفح للتاريخ الإنساني يرى كيف عامل الرجل المرأة واستعبدها وسلبها حريتها وجعلها سلعة رخيصة الثمن، وقعد لذلك ونظمه..

 

لن أسهب في سرد حالها في تلك العصور الغابرة لكني أشير إلى بعض أحوالها ورب إشارة تكفي عن تسطير مائة عبارة وعبارة..

 

نعم لقد تعرّضت المرأة بصفتها العنصر البشري الأضعف في الحياة إلى حملات اضطهادٍ وظلم، فلم تمر حضارةٌ من الحضارات، إلا وسقت هذه المرأة ألوانَ العذاب، وأصنافَ الظلمِ والقهرِ، بل روج لهذه الأفكار فلاسفةٌ وثنيون عبروا عن تراثهم:

 

فعند الإغريق سأكتفي بمقولتين لفيلسوفين طالما تغنى الناس بأقوالهم. فممَّا يُذكر عن فيلسوفِهم سقراط قوله: "إنَّ وجودَ المرأة هو أكبر منشأ ومصْدر للأزمة والانهيار في العالَم، إنَّ المرأة تُشبه شجرةً مَسْمومة، حيث يكون ظاهرها جميلاً، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً..".

 

أما أرسطو هو أحد أكبر المجرمين في حق المرأة عبر التاريخ! فقد قدم المبرر الفلسفي لأبناء قومه فيما يتعلق باحتقار المرأة ووضعها في مرتبة دنيا؛ فقتل لديهم حتى تأنيب الضمير الذي قد ينتج عن سوء معاملتهم للنساء.!

 

يقول أرسطو: "إنَّ الطبيعة لم تزودِ المرأةَ بأيِّ استعداد عقلي يُعتَدُّ به؛ ولذلك يجب أن تقتصرَ تربيتُها على شؤون التدبير المنزلي والأُمومة والحَضانة وما إلى ذلك، ثم يقول: "ثلاث ليس لهنَّ التصرُّف في أنفسهنَّ: العبد ليس له إرادة، والطِّفل له إرادة ناقِصة، والمرأة لها إرادة وهي عاجِزة".

 

وقال الرومان عنها: ليس لها روح، وكان من صور عذابها أن يصب عليها الزيت الحار، وتسحب بالخيول حتى الموت..

 

وكانت المرأة تُسمى في كتب الصين القديمة بالمياه المؤلمة، التي تغسل المجتمع، أو تكنسه من السعادة والمال.. وللصيني الحق أن يدفن زوجته حية، وإذا مات حُق لأهله أن يرثوه فيها.

 

وقال عنها الهنود القدماء: ليس الموت، والجحيم والسم، والأفاعي والنار أسوأ من المرأة، بل وليس للمرأة الحق عند الهنود أن تعيش بعد ممات زوجها، بل يجب أن تحرق معه..

 

وعقد الفرنسيون في عام 586م مؤتمراً للبحث هل تعد المرأة إنساناً أم غير إنسان؟! وهل لها روح أم ليس لها روح؟! وإذا كان لها روح فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟! وإذا كانت روحاً إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟! وأخيراً قرروا أنَّها إنسان، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب..

 

وعند العرب قبل الإسلام: تبغضُ المرأة بغض الموت، بل يؤدي الحال إلى وأدها، أي دفنها حية أو قذفها في بئر بصورة تذيب القلوب الميتة.. ولا ترث ولا تورّث، وظُلمت في عصور القرون الوسطى في أوروبا وصوّرت على أنّها مخلوقٌ لا يستحقّ الحياة، وحُرمت من نيل حقوقها وأداء دورها في الحياة، كما سُلب منها أعزُّ ما يملكه الإنسان وهو الحرّيّة.

 

أيها الأحبة: لا يظن ظانٌ أننا عندما نتحدث عن المرأة في هذا العصر -الذي يسمونه عهد التقدم والنهضة- أننا ندافع، أو أننا في موقفٍ صعب أو لأننا في محل شبهة أو أننا كنا في ظلمات.

 

هذه الأوصاف تصدق على أوربا في عصورها الوسطى المظلمة، وحاضرها العفن! وكل الحضارات الغربية والشرقية، أما نحن معاشر المسلمين فالقضية عندنا محسومة فقد أنزل الله تعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تفاصيلَ حقوقِ المرأة وواجباتِها، وهو دين ندين الله تعالى به. لم ولن يأت مثله.. فهذا الدين رحمة الله المهداة إلى البشرية جمعاء، وقد غير وجه التاريخ القبيح، وخلق حياة لم تعهدها البشرية في حضاراتها أبداً..

 

أيها الإخوة: جاء الإسلامُ ليكرَّم المرأةَ خيرَ تكريم فالمرأة في الإسلام خلقت من الرجل قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) [النساء:1] (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) أخبرَ سبحانه بأنَّهُ خلقَهم من نفسٍ واحدةٍ، وأنَّهُ بثَّهم في أقطارِ الأرضِ، معَ رجوعِهم إلى أصلٍ واحدٍ ليُعَطَّفَ بعضَهم على بعضٍ، ويُرَقِّقَ بعضَهم على بعضٍ..

 

(وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ليناسبَها، فيسكنَ إليها، وتتمَّ بذلك النعمة، ويحصل به السرور..

(وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) لينبه على مراعاةِ حقِ الأزواجِ والزوجات والقيامِ به، لكون الزوجات مخلوقاتٍ من الأزواج، فبينهم وبينهنَّ أقربُ نسب وأشدُّ اتصالٍ، وأوثقُ علاقة..

 

بل ذهب الإسلام إلى أعظم من ذلك فجعل خلقها نعمة يجب على الرجال أن يحمدوا ربهم عليها فقال: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) [النحل:72].

 

أيها الإخوة: إن هذا الإعلان لأصلِ الخلقة أعظم إعلان بتكريم الإسلام للمرأة –وكأنه يقول: لا تتكبر أيها الرجل فهي منك وأنت منها- ثم هذا الإعلان أعظم ثورة على احتقار المرأة في عصور الظلام الغابرة واللاحقة في العالم أجمع بكل حضارته ودوله وملله..

 

نعم لقد كرم الله المرأة بهذا الدين أعظم تكريم وشرفها به أعظم تشريف، كرمها أماً أو بنتاً أو زوجة أو خالة أو عمة أو امرأة من سائر أفراد المجتمع..

 

فإن كانت أماً فقد قرنَ حقها بحقه فقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء:23]، وأي تكريم أعظم من أن يقرنَ الله حقها بحقه.! وجعلها المصطفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحق الناس بحسن الصحبة وإسداء المعروف فَقَد جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ -أي: أولى الناس بمعروفي وبري ومصاحبتي المقرونة بلين الجانب وطيب الخلق وحسن المعاشرة- قَالَ: أُمُّكَ.. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ.. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ.. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ..". (متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ).

 

أحبتي: قد تتشوف النفس للجهاد في سبيل الله وتَشْرَئِبُ إلى منازلِ الشهداء، وتخفُّ إلى مواقع النزال، لكي تصرع في ميادين الكرامة، ولكنَّ حق الوالدين في البقاءِ معهما والإحسانِ إليهما مقدمٌ على ذلك كله ما لم يتعين الجهاد.. فَقد جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ؛ فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» [أي: ابذل جهدك في إرضائهما وبرهما فيكتب لك أجر الجهاد في سبيل الله تعالى]. (رواه البخاري ومسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا).

 

 ونهى عن الخروج للجهاد إلا بإذنهما ورضاهما.. فقد أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ. قَالَ: "فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟" قَالَ: نَعَمْ بَلْ كِلَاهُمَا.. قَالَ: "فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ؟" قَالَ نَعَمْ قَالَ: "فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا". (رواه مسلم عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا).

 

وكرم المرأة خالة وجعلها بمنزلة الأم.. فعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ؟ قَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟" قَالَ لَا.. قَالَ: "هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَبِرَّهَا". (رواه الترمذي وصححه الألباني).

 

جعلنا الله ممن يبر بوالديه أحياء وأمواتاً وممن يعرف لكل ذي حق حقه.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله..

 

أيها الإخوة: واعتنى الإسلام بالمرأة زوجة فحفظ حقوقها ووصف عقد الزوجة بالميثاق الغليظ تأكيداً للقيام بحقوقها، وجعل المعاشرة بين الزوجين بالمعروف فقال الها: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19] قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: "وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما..".

 

ونهى الله الأزواج عن عضل الزوجات في حال كرههنَّ فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) [النساء: 19] وهو أَن يُضارَّها ولا يُحْسِن عِشْرَتها ليضْطَرَّها بذلك إِلى الافتداء منه بمهرها الذي أَمهرها، سَمَّاه اللهُ تعالى عَضْلاً لأَنه يَمْنعها حَقَّها من النفقة وحُسْن العِشْرة..

 

كما نهى الله الولي عن عضل موليته، فقال تعالى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:232]، أي لا تمَنعوا نساءكم من التزويج إِذا طلبها الكفء وجعله حق أُبيح لها.. وشدد في ذلك وجعل المؤمن بالله واليوم الآخر يمنعه إيمانه من العضل، وهو أزكى له وأطهر وأطيب..

 

أيها الإخوة: وأمر برعاية البنات والأخوات والقريبات التي تجب رعايتهن على الرجل من قريباته كما قرره الفقهاء بألفاظ كثيرة، بجميع أنواع الرعاية من: الأمر بتقوى الله بهن، والأمر بالإحسان إليهن، والصبر عليهن، وكفالتهن وإيواءهن ورحمتهن، والإنفاق عليهن وأطعمهن وكسوتهن وتزويجهن وإحسان أدبهن، ورحمتهن وإحسان صحبتهن.. وللحديث بقية..

 

وبعدُ، فماذا يريد هؤلاء الذين يطالبون بنزع الولاية؟ وماذا يريد من يسعى لحريتها بشعارات مكشوفة ظَاهِرُهُا فِيهِا الرَّحْمَةُ وَبَاطِنُهُا مِنْ قِبَلِهِا الْعَذَابُ.. لا يريد هؤلاء إلا أن تكون المرأة سلعة رخيصة يستمتع بها وتستجلب الأموال وطعم يصطاد به كل غافل عن دينه متنسٍ للحكمة من خلقه، يظن أن دنيا دار متاع لا حساب بعدها.

 

 

المرفقات

المرة في الإسلام (1)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات