رابطة الإيمان والأخوة

عبد الله الواكد

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ تعدد الروابط الاجتماعية وأهمية رابطة الإيمان 2/ مؤاخاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار 3/ رابطة الأخوة ولوازمها ومقتضياتها

اقتباس

هو الذي يجمعُ الأجسادَ ويقربُ بينَ الأفئدةِ، ويؤلفُ بينَ القلوبِ، ويرتقُ المهجَ، إنه رابطُ الإيمانِ، وآصرةُ العقيدةِ، ووشيجةُ التقوى، إنَّها الأخوةُ الحقيقيةُ، والحبُّ الذي فطرَ اللهُ عليهِ القلوبَ السليمةَ، تضمَحِلُّ دونَ ذلكَ جميعُ العلاقاتِ، وتنحسرُ في شموخِها كلُّ الصلاتِ، إنها...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله القائل: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة: 5] أحمدُهُ حمدَ الشاكرين، وأُثني عليهِ ثناءَ المخبتين، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ ربُّ العالمين، لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وخلفائِه الغُرِّ الميامين، وصحابته الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أيها المسلمون: اتقوا الله -عز وجل- القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

أيها الأحبة المسلمون: إنَّ الروابطَ الاجتماعيةِ، والصلاتِ الأسريةِ، ووشائجَ القربى التي تربطُ الناس أفراداً ومجتمعاتٍ، لهي حلقاتُ وصلٍ، ولبناتُ بناءٍ، يقومُ عليها هذا المجتمعُ الكبيرُ الذي نعيشُ فيهِ، وللناسِ في ذلكَ روابطُ شتىَّ، إذْ تجمعُهُم أواصرُ عديدةٌ، وروابطُ كثيرةٌ، فهناك روابطُ الدمِ، وروابطُ الرحمِ، وروابطُ النسبِ، وروابطُ الأرضِ، وروابطُ الوطنِ، وروابطُ القومِ، وروابطُ العتيرةِ، وروابطُ القبيلةِ والعشيرةِ، وروابطُ اللونِ واللغةِ، وروابطُ المصالحِ المتوافقةِ، والقضايا المشتركةِ، وكلما زادتْ هذهِ الروابطُ زادَ النسيجُ الاجتماعيُّ تماسُكاً وتعاضُداً، وأصبحَ الناسُ يساندُ بعضُهُم بعضاً، وينصُرُ بعضُهُم بعضاً، لكنَّ الرابطَ الذي يُمسكُ بكلِّ هذهِ الروابطِ والصلاتِ، هو الرابطُ الربانيُّ، فهو الذي يجمعُ الأجسادَ ويقربُ بينَ الأفئدةِ، ويؤلفُ بينَ القلوبِ، ويرتقُ المهجَ، إنه رابطُ الإيمانِ، وآصرةُ العقيدةِ، ووشيجةُ التقوى، إنَّها الأخوةُ الحقيقيةُ، والحبُّ الذي فطرَ اللهُ عليهِ القلوبَ السليمةَ، تضمَحِلُّ دونَ ذلكَ جميعُ العلاقاتِ، وتنحسرُ في شموخِها كلُّ الصلاتِ، إنها أخوةُ الدينِ، أخوةُ الإيمانِ، أخوةُ العقيدةِ، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].

 

وعَنْ أَبي هُريرةَ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُم عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ، التَّقوَى هَاهُنَا" وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِه ثَلاَثَ مَرَّاتٍ "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وعِرْضُهُ" [رواهُ مسلمٌ].

 

لقدّْ آخى النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- بينَ المهاجرينَ والأنصارِ، فضربوا أروعَ الأمثلةِ إذْ لم تجمعُهُم الأعراقُ ولا القومياتُ، إنَّما ألَّفَ بينَ قلوبِهِمْ هذا الدينُ العظيمُ بسماحتِهِ ورحمتِهِ.

 

لقدْ آخى دينُ الإسلامِ بينَ قبائلَ شتىَّ، وأقوامٍ متناحرةٍ، وأممٍ متشاجرةٍ، لو أنفقتَ ما في الأرضِ جميعاً ما ألَّفتَ بينَ قلوبِهِم، ولكنَّ اللهَ ألفَ بينَ قلوبِهِم بالإيمانِ، فذابتْ كُلُّ الفوارقِ وساحتْ كلُّ الحواجزِ، في سماحةِ هذا الدينِ، فكانوا كالجسدِ الواحدِ، الجسدِ المتناسقِ المتماسكِ، الذي تلتقي كافةُ جوارحِهِ وأحاسيسِهِ على أمرٍ واحدٍ وغايةٍ واحدةٍ، ففي البخاريِّ ومسلمٍ عنِ النعمانِ بنِ بشيرٍ -رضي اللهُ عنهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى".

 

فإذا غابَ الإسلامُ والإيمانُ تمزقتْ الصلاتُ، وتقطعتْ الروابطُ، وانعدمت روحُ الجسدِ الواحدِ.

 

أيها المسلمونَ: نحنُ قدْ منَّ اللهُ علينا بالإسلامِ فكلُّنا مسلمونَ، ونحنُ أهلُ بلدٍ مسلمٍ، يجبُ علينا أنْ نُجسِّدَ هذهِ الأخوةِ، وأنْ نضَعَهَا في أسمى معانِيها، وأزهى وأبهى حُلَلِها.

 

نحنُ -أيها المسلمونَ-: تربطنا بماضينا رابطة الأخوة في الدين، تربِطُناَ هذه الرابطةُ العظيمةُ بمنْ رحلوا عن هذهِ الدنيا منَ الآباءِ والأمهاتِ والأقاربِ والعلماءِ وغيرِهم منَ المسلمينَ عموماً، فمِنْ واجبِ هذهِ الأخُوَّةِ أنْ نترحَّمَ عليهم وأنْ ندعوَا لهم، وتربِطُنا بمَنْ حولَناَ من الأحياءِ أيضاً هذهِ الرابطةُ التي تُوجِبُ علينا، أنْ نكونَ جسداً واحداً، وصفاً واحداً، وأنْ نحذرَ ما يُصادِمُ ذلكَ مِنْ دواعي الفُرقَةِ والشتاتِ، والتمزقِ التشرذمِ، فايمَ اللهِ إنَّ هذا لمُبتغى مَنْ يتربَّصُ بكم، وينخُرُ في عودِكُم، وينهُشُ في لُحمَتِكُم، ولا تكونُ الوقايةُ والخلاصُ إلا باجتماعِ الكلمةِ، ووحدةِ الصفِّ، والسمعِ والطاعةِ لمَنْ ولاَّهُمُ اللهُ أمرَكُم، والرجوعِ إلى العلماءِ الراسخينَ فيما أشكلَ عليكُم، فكما ترونَ الفتنَ -يا عبادَ اللهِ- في هذا الزمانِ قد عصفتْ بدولٍ وبلدانٍ، فآلوا إلى أسوأِ مما كانوا عليهِ.

 

نسألُ اللهَ -عزَّ وجلَّ- أنْ يكشِفَ ما بِهِمْ، وأنْ يُزيلَ عنهمْ ما هُم فيهِ مِنْ هَمٍّ وحَزَنٍ، وأنْ يُعيدَ لبلادِ الإسلامِ أمنَها وعِزَّتَها.

 

والفتنُ -يا عبادَ اللهِ- لا تُحابي أحداً ولا ترحمُ أحداً، إذا لمْ نرحمْ نحنُ أنفُسَنا بالابتعادِ عنها وعَنْ حِمَاها وإلاَّ فالفتنُ كالنارِ مَنْ وضعَ لها الحطبَ أتتْهُ وأحرقتهُ، وإذا استعرَتْ لا ينفعُ فيها شيءٌ إلا أنْ يشاءَ اللهُ.

 

وإنَّ مِنْ لوازمِ الأخوَّةِ في الدينِ -يا عبادَ اللهِ-: المناصحةُ بينَناَ على وجهِ الإصلاحِ لا الجرحِ والإفتضاحِ، باللينِ والرفقِ، فدينُ الإسلامِ دينُ رفقٍ ورحمةٍ وسماحةٍ قدْ أحاطنا اللهُ -عزَّ وجلَّ- بالرعايةِ والأمانِ ما دُمناَ نستمسِكُ بتعاليمِهِ السمحةِ الواردةِ عنْ كتابِ اللهِ وسنةِ محمَّدٍ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، ونحافظُ على لُحمتِنا ولا نسمحْ لمنْ يريدُ العبثَ بهذهِ المسلماتِ التي قامَتْ عليها وحدَتُناَ وأُخُوتُنا مسلماتِ الدينِ والعقيدةِ.

 

نسألُ اللهَ أنْ يحفظَكُم جميعاً مِنْ كلِّ سوءٍ، وأنْ يَحفِظَ بلادَنَا وأمنَناَ وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا مِنْ كُلِّ سوءٍ.

 

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها المسلمون: إنَّ منْ لوازمِ الأخُوَّةِ في هذا الزمان: التمسكُ بالحقِّ والتماسُكِ وعدمِ الخوضِ في المعامِعِ التي لا تزيدُ القلوبَ إلا بُغضاً وتفرُّقاً، فقدْ حذَّرَنا النبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- من التفرُقِ ومِنَ الانجفالِ للفتنِ؛ كما في البخاريِّ ومسلمٍ من حديثِ أبي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "ستكونُ فتن القاعدُ فيها خير من القائِم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، مَنْ يُشْرفْ لها تَسْتَشْرِفْه، فمن وجد فيها مَلْجأ أو مَعَاذاً فَلْيَعُذْ بهِ".

 

نسألُ اللهَ أنْ يعيذَنا وإياكُم مِنْ شُرورِ الفِتنِ ودُعاتِها، وأنْ يحفظَنا جميعاً في هذهِ البلادِ وفي سائرِ بلادِ المسلمينَ.

 

صلوا وسلموا على خير البرية محمد...

 

 

المرفقات

الإيمان والأخوة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات