الخيانة والغدر

أحمد بن عبدالله بن أحمد الحزيمي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ ذمُّ الخيانة واحتقار الإسلام لها وللخائنين 2/ الغدر من سمات اليهود ومن خصال المنافقين 3/ سوء عاقبة الخيانة على صاحبها وعلى المجتمع 4/ من ألوان الغدر 5/ عدم جواز تخوين المؤمنين 6/ غدر الحوثيين

اقتباس

الخيانةُ والغدرُ أَمْرانِ مَذمومانِ في شريعةِ اللهِ، تُنكِرُهُمَا الفطرةُ، وتَمُجُّهُمَا الطبيعةُ السَّوِيةُ، ولا تَقْبَلُهُمَا حتَّى الحيواناتُ العَجماواتُ. فَالخيانةُ خَصْلةٌ قدْ ذمَّهَا اللهُ -تَعَالى- في كتابِهِ، وقبَّحَ وَصْفَهَا رسولُهُ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- فِي سُنَّتِهِ، خَصلةٌ لا يَقولُ عاقلٌ بِحُسْنِها، بلْ بزيْفِهَا وَسُوئِهَا وخَطرِهَا على الكونِ والحياةِ.

 

 

 

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا كمَا أَمرَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ إِرْغَامًا لِمَنْ جَحدَ وكَفَرَ، وأشهدُ أنَّ سَيدنَا ونبيَّنَا محمَّدًا عَبدُهُ ورسولُهُ، سَيدُ الخلائقِ والبَشرِ، الشَّفِيعُ المشَفَّعُ فِي المحشَرِ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى أَصْحَابِهِ مَا اتَّصَلَتْ عَيْنٌ بنَظرٍ، وسمعَتْ أُذُنٌ بخَبرٍ.

 

أما بعدُ: أيُّهَا المؤمنونَ، اتَّقوا اللهَ  -تَعَالى- حقَّ التقوَى، فإنَّ تَقَوى اللهِ -تَعَالى- تَجْلِبُ لكُمْ الخيراتِ، وتَدفَعُ عنكُمُ البِلَى والسَّيِّئاتِ، وتُحَصِّلُونَ بها سَعادةَ الدنيَا وفَوْزَ الآخِرةِ،  (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) [النبأ:31].

 

جَاءَ عُثمانُ بنُ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- بعَبدِ اللهِ بنِ أَبي سَرْحٍ إِلى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-، وكان -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- قَدْ أَهْدرَ دَمَهُ، فجَاءَ بِهِ حتَّى أَوْقَفَهُ علَى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- فقالَ: يَا رسولَ اللهِ، بايِعْ عبدَ اللهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: "أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟"، فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ! أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟! قَالَ: "إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ" رَوَاهُ أُبو دَاودَ.

عبادَ اللهِ: الخيانةُ والغدرُ أَمْرانِ مَذمومانِ في شريعةِ اللهِ، تُنكِرُهُمَا الفطرةُ، وتَمُجُّهُمَا الطبيعةُ السَّوِيةُ، ولا تَقْبَلُهُمَا حتَّى الحيواناتُ العَجماواتُ.

فَالخيانةُ خَصْلةٌ قدْ ذمَّهَا اللهُ  -تَعَالى- في كتابِهِ، وقبَّحَ وَصْفَهَا رسولُهُ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- فِي سُنَّتِهِ، خَصلةٌ لا يَقولُ عاقلٌ بِحُسْنِها، بلْ بزيْفِهَا وَسُوئِهَا وخَطرِهَا على الكونِ والحياةِ.

إنَّ الإسلامَ يَكرَهُ الخيانةَ، ويَحْتَقِرُ الخائنينَ الذينَ يَنقُضونَ العُهُودَ؛ ومِنْ ثَمَّ لا يُحِبُّ للمسلمينَ أنْ يخُونُوا أَمَانةَ العَهدِ في سبيلِ أَيِّ غَايةٍ مهْمَا تَكُنْ شَرِيفَةً.

أيها المسلمونَ: إنَّ الخيانةَ مِنْ أخلاقِ اليهودِ الْمُتَأَصِّلَةِ فِيهِمْ، فأينَ ومَتَى وُجِدَ يَهُودُ، وُجِدَتِ الْخِيانَةُ! قَالَ اللهُ  -تَعَالى- لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-:  (وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمُ) [المائدة:13]، فَمِنْ خِيانَاتِهمْ مُحَاوَلَتهِمْ اغْتِيال الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- وَقدْ كانَ بينَهُ وبينَهُمْ عَهْدُ أَمَانٍ، ومِنْ خِيَانَاتِهم تَوَاطُؤهُمْ معَ الأحزابِ وقد كانَ بينهُمْ وبينَهُ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- عَهْدُ أَمَانٍ.

الخِيانَةُ -يا عبادَ اللهِ- مَذمُومةٌ حتَّى معَ الأعداءِ، ولهذَا أمَرَ اللهُ رسولَهُ أَنْ يَرُدَّ إليهِمْ عُهُودَهُمْ؛ لِتكُونَ القَضِيةُ وَاضِحَةً لا خِيانةَ فِيهَا.

وَلو لَمْ يَكنْ في الغدرِ والخيانةِ وعدمِ الوفاءِ بالعهدِ إلا أَنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- عَدَّ ذلكَ مِنْ صفاتِ المنافقينَ لكفَى، فَعَنْ عبدِ اللهِ بنِ عمروِ بنِ العاصِ -رَضِيَ اللهُ عنهُما- أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- قالَ: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" رواهُ البُخَاريُّ ومُسلمٌ.

ومِمَّا يَدُلُّ علَى شُؤْمِ الغَدرِ وسُوءِ عَاقِبتِهِ أنَّ اللهَ -تَعَالى- يَفضَحُ صَاحبَهُ على رُؤوسِ الخَلائقِ يومَ القيامةِ؛ فعنِ ابنِ عُمرَ -رَضِيَ اللهُ عنهُمَا- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: "إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ" مُتفقٌ عليهِ، فتَكُونُ عُقُوبَتُهُ فِي ذلكَ الموقفِ العظيمِ، التَّشْهِيرَ بخِيانَتِهِ، وإعلانَ غَدرِهِ ونشرَ فضيحَتِهِ أمامَ أهلِ الْمَوْقفِ، حتَّى يُعْرَفَ بذلكَ ويُذَمَّ بينَهُمْ.

إِنَّ أوجَزَ وأَجمعَ رسالةٍ لكلِّ خائنٍ تَقُولُ: (الجزاءُ مِنْ جنسِ العَمَلِ)، وفِي التاريخِ عِبرةٌ لِمَنْ يَعْتَبِرُ. قَالَ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَالْخِيَانَةِ، وَالْكَذِبِ. وَإِنَّ أَعْجَلَ الْبِرِّ ثَوَابًا لَصِلَةُ الرَّحِمِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَكُونُوا فَقُرَاءَ فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إِذَا تَوَاصَلُوا" رواهُ الطبرانيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ رحمهُ اللهُ.

أمَّا عَنْ أَعظَمِ الغَدْرِ والخِيانَةِ قُبْحًا، فهُوَ أَنْ يَنْقُضَ الإنسانُ العهدَ الذِي بينَهُ وبَيْنَ خَالِقِهِ، بَيْنَهُ وبَينَ الذي أَوْجَدَهُ مِنَ العَدَمِ، وَأَغدَقَ عليهِ الخَيْرَاتِ والنِّعَمَ, فكَمْ مِنْ أُنَاسٍ عَاهَدُوا اللهَ لُزُومَ الطَّاعةِ والتوبةِ والإنابةِ, وعاهَدُوا الحكيمَ العليمَ على الإِذْعانِ والتسليمِ، فَمَا أَوْفَوْا بِوُعُودِهِمْ ومَا التَزَمُوا بعُهُودِهِمْ، بعدَمَا مَنَّ اللهُ عليهِمْ بالصحةِ والعافيةِ، وبالغِنَى والمالِ، أَعطاهُمُ اللهُ ما سَأَلُوهُ، ولَمْ يُوفُوا مَا عَاهَدُوهُ والتزَمُوهُ!.

أيهَا المسلمُ: ومِنَ الخيانةِ خيانَتُكَ فيمَا ائْتُمِنْتَ فيهِ مِنَ الأموالِ؛ فإنَّ اللهَ يقولُ: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء:58]، فَحِفظُ الودَائعِ وأدَاؤُهَا لأصحَابِهَا عندَمَا يطلبُونَهَا كمَا هِيَ، مِثْلَمَا فَعلَ الرسولُ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- معَ المشرِكينَ، فقدْ كانُوا يَتْرُكُونَ ودَائِعَهُمْ عندَ الرسولِ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- لِيَحْفَظَهَا لَهُمْ.

التَّاجِرُ المسلِمُ -يَا عبادَ اللهِ- يَتَّقِي اللهَ في أمانَتِهِ فَلا يَخُونُ أمانَتَهُ، لا يخونُهَا بالغشِّ أو الكذبِ أو احتكارِ السِّلَعِ ومُحَاولةِ تَقْلِيلِهَا وإخفَائِهَا، أو تخفيضِ إنتاجِ المصانعِ لَهَا لأجلِ رَفْعِ السعرِ على المستهلكِ كمَا يفعَلُهُ البعضُ.

ومِنْ أنواعِ الخيانةِ: خِيانةُ الأخِ لأخيِهِ المسلمِ فِيمَا يَسْأَلُهُ مِنْ نَصيحةٍ؛ فِإنَّ "المسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ"، وَإنَّ مِنْ حَقِّ المسلمِ على المسلمِ إذَا نصَحَهُ أَنْ ينصَحَ لَهُ ويَصْدُقَهُ، أو يَعْتَذِرَ لَهُ.

أيها المؤمنونَ: ومِنْ صُورِ الخيانةِ: التَّسَتُّرُ على المجرمينَ مِنْ عِصَاباتِ القتلِ والسرقةِ والتخريبِ والشرِّ والبلاءِ، فكلُّ مَنْ يَرْضَى بأعمَالِهِمُ السيئةِ خَائنٌ لدِينهِ، خَائنٌ لأُمَّتِهِ، خُصوصاً فِيمَا يتعَلَّقُ بجرائمِ الإرهابِ، فقَدْ أكَّدَتْ هيئةُ كِبارِ علماءِ المملكةِ بأَنَّ ا?رهابَ جريمةٌ نَكْرَاءُ، وظُلْمٌ وعُدوانٌ تَأْبَاهُ الشريعةُ والفطرةُ، وأنَّهُ محرَّمٌ شَرعاً، وأنَّ مُواجَهَتَهُ ومحاربَتَهُ واجبٌ شرعيٌ، وأنَّ تمويلَهُ أوِ الشُّرُوعَ فيهِ محرَّمٌ وجريمةٌ يُعاقَبُ عليها شَرعاً، كمَا أنَّ التَّسَتُّرَ على الإرهابيينَ مُحرَّمٌ كذلكَ، وهو مِنْ كبائرِ الذُّنوبِ.

أيًّها الإخوةُ: وإنَّ مِنَ الخيانةِ للمسلمينَ نَشْرُ المخَدّراتِ والْمُسْكِرَاتِ وترويجِهَا بينَ أفرادِ المجتمعِ؛ قالَ سماحةُ مُفتي عامِ المملكةِ -حفظَهُ اللهُ- بَأَنَّ مَنْ يَعْلَمْ عَن وجودِ أماكنَ مشبوهَةٍ لبيعِ وترويجِ المخدراتِ ولَمْ يُبَلِّغِ الجهاتِ الأمنيةَ المسئولةَ فَهو خائِنٌ لأُمتِهِ ولدينِهِ؛ لكَوْنِ هذَا الأمرِ لا يجوزُ فيهِ السَّتْرُ؛ لأنَّ شَرَّهُ عامٌّ وليسَ معصيةً خاصةً.

عبادَ اللهِ: والخيانةُ متى ظَهَرَتْ في قومٍ فَلا تَسَلْ عن تضييعِ الأماناتِ وبخسِ الحقوقِ! بِظُهُورِ الخيانةِ تَتَرَحَّلُ الثِّقةُ والمودةُ الصادقةُ فيمَا بينَ الناسِ فَلا يَأْمَنُ أحدٌ أَحدًا، ويحذَرُ كلُّ أَحَدٍ مِنَ الآخرِ، فَلا يَأْمنُ أَبٌ ولَدَهُ، وَلا زَوجٌ زَوْجَهُ، وَلا صَديقٌ صدِيقَهُ، وقدْ جاءَ في الأثرِ: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لا يَأْمَنَ الْمَرْءُ جَلِيسَهُ".

 

نعمْ؛ إذَا ظهَرَ الغدرُ وانتشرَتِ الخيانةُ فإِنَّ داءَ الخِسَّةِ واللُّؤمِ، وانحرافِ الفِكرِ، وفسادِ القلبِ، وموتِ الشُّعُورِ الذي يُفضِي بِهِ إِلى الإعراضِ التامِّ عنِ الأوامرِ والنَّوَاهِي... وفي الخيانةِ يَنْقَطِعُ المعروفُ فيما بينَ الناسِ مخافةَ الغدرِ والخيانةِ. فَبِئْسَتِ الحياةُ عِنْدَئِذٍ!.

 

أيها المسلمونَ: ومِمَّا ينبغِي التنبيه عليهِ، والتنويه إليهِ، بألاَّ يتطرَّقَ إِلى قُلُوبِنَا تخوينُ المسلمينَ، ولا يتسلَّلَ إِلى نُفُوسِنَا الريبةُ والشَّكُّ في أمَانَاتِ المقَرَّبِينَ؛ فعَوْرَاتُ المسلمينَ مُحْتَرَمَةٌ، حفِظَ الشرعُ حرمَتَهَا، ونهَى عَنْ تَتَبُّعِهَا وخِيَانَتِهَا، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ"، قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ فَقَالَ: "مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ" حَسَّنَهُ الترمذيُّ، وصحَّحهُ الألبانيُّ.

جعلنِي اللهُ وإياكُمْ مِنْ أهلِ الأمانةِ المؤدينِ لهَا، المحافظينَ عليهَا. أقول قولي هذا وأستغفر اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكمْ ولسائرِ المسلمين مِنْ كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنَّهُ هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عَبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تَسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

 

أما بعدُ: إِخوةَ الإسلامِ، أمامَ هذَا التبيانِ الخطيرِ حَولَ خُطُورةِ الغدرِ وآثارِ الخيانةِ نَجِدُ أَنَّ ثَمَّةَ أُناسا يَدَّعُونَ الإسلامَ ويَرفَعُونَ رايَتَهُ وَهُمْ عَنْهُ بَعِيدٌ، فالْمُتَتَبِّعُ لتاريخِ مِلِيشيَاتِ جَماعةِ الِإرهابِ الحوثِيَّةِ يَجِدُ أنَّ لهَا سِجِلاًّ مُخْزيًا مِنْ نَقْضِ الاتفاقاتِ، وعدمِ احترامِ العهودِ، فهِيَ لا تَفِي بعهدٍ، ولا تَلْتَزِمُ بعقدٍ، لأنَّهَا كُلَّمَا عَاهَدَتْ عهدًا نبذَهُ فَريقٌ مِنْها.

 

فالغدرُ ونَقْضُ العهدِ أَصْلٌ مُتَجَذِّرٌ في سِيَاسَةِ الحوثيينَ تجَاهَ خُصومِهِمْ، مستَنِدِينَ إلَى فتَاوَى مِنْ كِبارِ عُلَمائِهِمْ -زَعَمُوا- في جَوَازِ نقْضِهَا، حيثُ يَرَوْنَ أنَّ تَوقيعَ الاتفاقاتِ مَا هِيَ إِلَّا إِحْدَى وسَائِلِهِمْ للتَّوَسُّعِ والسَّيطرةِ والتقاطِ الأنفاسِ؛ ولذلكَ لا يُوقعونَهَا إِلَّا عندَ وجودِ مصلحةٍ لَهُمْ أوْ عندَ الشُّعورِ بالهزيمةِ، وهَذَا ما كانوا يَقُومونَ بهِ فِي كُلِّ حُرُوبِهِمْ؛ حيثُ تُشِيرُ الأرقامُ والإحصاءاتُ الموَثَّقَةُ التي تَضَمَّنَهَا تَقريرُ التحالُفِ الْيَمَنِيِّ لِرَصْدِ انتهاكاتِ حُقُوقِ الإنسانِ في اليمنِ، وخِلَالِ ستَّةِ أَشْهُرٍ فَقَط: بلَغَتْ أكثرَ مِنْ سَبعينَ أَلْفَ انْتِهاكاً، تَنَوَّعَتْ بينَ القتلِ والإصابةِ والاختطافِ والاعتقالِ التَعَسُّفِيِّ والاعتداءِ على الممتلكاتِ العامَّةِ والخاصةِ، وتقويضِ سُلُطَاتِ الدولةِ، وتجْنِيدِ الأطفالِ، والعِقَابِ الْجَمَاعِيِّ.

شَاهَتْ وُجُوهُ المشَاغِبِينَ، وعَنَتْ وُجُوهُ الحَاقِدِينَ, وتَمَرَّغَتْ أَوْصَالُهُمْ في الوَحَلِ والتُّرَابِ, وألْبَسَهُمُ الجبَّارُ ثِيَابَ الذُّلِّ والعَارِ.

 

ولَعَمْرُ اللهِ إنهُمْ مَذْمُومُونَ مَدْحُورُونَ، طَالَ الزَّمَانُ أم قَصُرَ, واللهُ غالبٌ علَى أمْرِهِ.

 

اللهم يا قوي يا عزيز، يا من لا يُهْزُمُ جندُهُ، ولا يُذَلُّ سلطَانُه،  ولا يُقهَرُ أولياؤُه؛ عليكَ بالحوثيينَ الروافضِ الشيعةِ المعتدينَ، اللهم إنهم حاربوا دينَكَ وصحابَتَكَ وآذوا نبيَّكَ واعتَدَوْا وطغَوْا وبغوا وسفكوا وسلبوا ونهبوا ودمروا المساجدَ وروعوا الآمنينَ، وشرَّدُوا عبادَكَ في اليمنِ من بيوتِهِمْ، وأهلَكُوا الزرعَ والحرثَ وأظهروا في الأرضِ الفسادَ، وحاصَرُوا وأرْهَبُوا وقتلوا الأبرياءَ والعلماءَ والأولياءَ والصالحينَ من عبادِكَ؛ اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونَكَ اللهم أَضْعِفْ قوَّتَهُمْ، وشُلَّ أركانَهُمْ واهْزِمْهُمْ يا هازمَ الأحزابِ.

اللهم دمّرْ قوتَهُم، واجعلْ عُدَّتَهُم وعَتَادَهُم غنيمةً للمؤمنينَ،  اللهم أرِنَا فيهم عجائبَ قدرَتِكَ، وعظيمَ عقوبَتِكَ، اللهم خالفْ بينَ آرائِهِمْ، واقْذِفْ الرُّعْبَ في قلوبِهِمْ.

 

يا ربنا يا مولانا، احفظْ حدودَ بلادِنَا، وأمِّنَّا في أوطانِنَا، واحفظْ جميعَ بلادِ المسلمينَ، ومَنْ أرادَ بهِمْ سُوءا فأَشْغِلْهُ في نفْسِهِ، ومَزِّقْ كَلِمَتَهُ.

 
ووفق ولي أمرنا لما تحب وترضاه، وأيده بتأييدك، وانصر بهم دينك.

 
اللهم آمين. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين...

 

 

المرفقات

والغدر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات