الشماتة خلق ذميم

أبو المنذر منير السعدي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ ذم الشماتة 2/ الشماتة دليل على انتزاع الرحمة من القلوب 3/ الشماتة صفة أعداء الرسل 4/ مفاسد الشماتة وثمارها المرة 5/ حكم الفرح بموت الطغاة وموت الكفرة.

اقتباس

حديثنا في هذه الجمعة عن خلق سيئ ذميم وصفة تنبئ عن خبث نفس صاحبها وعن مدى قبح باطنه. حديثنا في هذه الجمعة عن خلق هو دليل على انتزاع الرحمة من القلوب وهو دليل على الحسد وسببٌ عظيم للعداوة والبغضاء. هذا الخلق معاشر المسلمين هو "الشماتة"...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد --صلى الله عليه وسلم--، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها المسلمون عباد الله: حديثنا في هذه الجمعة عن خلق سيئ ذميم وصفة تنبئ عن خبث نفس صاحبها وعن مدى قبح باطنه.

حديثنا في هذه الجمعة عن خلق هو دليل على انتزاع الرحمة من القلوب وهو دليل على الحسد وسببٌ عظيم للعداوة والبغضاء.

 

هذا الخلق معاشر المسلمين هو "الشماتة" وعرفها العلماء بأنها الفرح والسرور بما ينزل على أخيك من المصائب في الدنيا والدين، يفرح ويُسر إذا نزل بأخيه مصيبة في الدين كما لو زلت ذلة أو زاغ أو انحرف فيفرح بذلك ويُسر أو يفرح بأن تنزل المصائب على الآخرين من المسلمين في الدنيا مما يقدره الله -تبارك وتعالى- من فقر أو من مرض أو من مصيبة موت أو حرق أو هدم أو أي نكبة أو كارثة أو مصيبة من مصائب الدنيا فيفرح ويُسر ويظهر الشماتة فهذا خلق ذميم لا ينشأ إلا عن خبث نفسا وعن سوء طاوية لا ينشأ إلا عن حاسد قد بلغ به الحسد كل مبلغ ولهذا قال بعضهم "الحسد والشماتة متلازمان فالحاسد إذا رأى نعمة بهت وإذا رأى عثرة شمت".

 

وهكذا كان اليهود وهكذا كان المشركون كانوا يفرحون بأن تنزل المصائب على المسلمين ويحزنهم ويسوءهم أن تنزل النعم والأفراح على المسلمين يفرحون ويتمنون أن يرتد المسلمون عن دينهم وأن يكونوا كفارا كما قال الله -تبارك وتعالى- (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة:109].

 

وهكذا يقول ربنا -تبارك وتعالى- (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ) أي خير لا يحبون أن ينزل على المسلمين أي خير في الدين أو في الدنيا (وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[البقرة:105].

 

فالكفرة إذا ظهر العجز في المسلمين ونزلت بهم المصائب فرحوا وشمتوا وهكذا الشماتة خُلق المنافقين، وهم من جملة الكفرة لكنهم أشد يظهرون الشماتة في المسلمين إذا نزلت بهم المصائب كما قال ربنا -تبارك وتعالى- (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120].

 

وهكذا يقول -تبارك وتعالى- (إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ) [التوبة:50].

 

إذا حصل للمسلمين شيء في المعارك من قتل وجراح وإدانة للمشركين عليهم فرحوا وقالوا الحمد لله (قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ)، ويظهرون الشماتة وإذا حصل نصر للمسلمين تمنوا أن لو كانوا معهم (وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا) [النساء:72]، (وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا)[النساء:73].

 

هكذا المنافقون من أخلاقهم الشماتة بالمسلمين فالشماتة صفة أعداء الرسل، صفة أعداء الله، صفة أعداء الإسلام والمسلمين ولهذا استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من شماتة الأعداء كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء" شماتة الأعداء لأنها تتكئ القلب وتجرحه وتحدث في النفس ما الله به عليم ولهذا قال هارون لموسى -عليهما السلام-: (فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء) [الأعراف: 150].

 

قال العلامة الشوكاني -رحمه الله-: "وإنما استعاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- من شماتة الأعداء لعظم موقعه، وشدة تأثيرها على الأنفس البشرية، ولنفور طباع العباد عنها، وقد يتسبب عن ذلك –أي الشماتة- تعاظم العداوة المفضية إلى استحلال ما حرمه الله -سبحانه وتعالى-". ا هـ رحمه الله تعالى.

 

فكيف بعد أن يعرف المسلم مثل هذه النصوص ثم يذهب يشمت بإخوانه ثم يذهب يفرح ويُسر بما ينزل عليهم من مصائب.

 

اتق الله و"لا تظهر الشماتة بأخيك فقد يعافيه الله ويبتليك" كما في الأثر، وكم جاء عن السلف أنهم كانوا يتخوفون من هذا الخلق حتى أنه قال أحدهم لو أن أحد شمت بأخيه أنه رضع من كلبة لرَضع هو منها، وقال بعضهم لو أني شمت بامرأة حبلى لخشيت أني أحمل.

 

"لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك"، بل الواجب بل ينبغي أن تُظهر الحزن والأسى والتألم والتوجع لما ينزل بالمسلمين من المصائب؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "المسلمون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

 

"المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا" فكيف تظهر الشماتة؟ فهذا خُلق ذميم الحذر الحذر من الشماتة، وهكذا الحذر الحذر من أن تُتَّهَم الآخرين بالشماتة بالباطل والكذب والزور والبهتان أصف الناس بهذه الصفة القبيحة وهم بريئون منها.

 

الحذر فبعضهم يتهم الآخرين بأنهم شامتون كذبا وزورا وبهتانا، يتهم الآخرين بأنهم شامتون ماذا يريد؟ أيريد إثارة العداوة والبغضاء ماذا يريد؟ أيريد إشعال الفتنة بين المسلمين، ماذا يريد؟ أيريد أن يحرض على أمور لا تحمد عقباها.

 

لو أن قُتل لك قتيل من أحبابك أو من أقاربك ثم جاءك من يقول لك بأن أصحاب فلان شامتون كيف يكون حالك؟ وكيف يكون المآل؟ فماذا يريد؟ أما علم هذا الذي يتهم غيره بأنهم من الشامتين، أما علم بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال"، وفي بعض الأحاديث تفسير ردغة الخبال بأنها عصارة أهل النار.

 

أما علم؟ بلى علم ولكنه الباطل يمد صاحبه مدا، ماذا تريد باتهام الآخرين بأنهم شامتون أتريد أن تغطي على فضائحك التي علمها القاصي والداني، أتريد أن تغطي على كتمانك للحق بعد أن عرفت الحق فكتمته، ماذا تريد باتهامك للغير بأنهم شامتون أتريد أن تغطي على الفضائح من تعاون مع الكفرة ومن تعاون مع الفجرة وأولئك الشامتون.

 

 إذا أردت أن تعرف من الشامت فأولئك الذين يفرحون بدخول العدو بلادهم في وجهوهم فلما جاء (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا) [آل عمران: 120]، والكل يعرف ذلك حتى ضل كبيرهم ذلك الضال المبتدع المعبري على مستوى خطبة جمع فتقيأ من تلك الخطبة واغترف من قلبه المريض تلك الكلمات العفنة النتنة، ومنها أن انتصارات أهل عدن إلى جهنم ولم يتب إلى ساعتنا هذه من هذا الباطل.

 

هؤلاء هم الشامتون حقا لكن كما قيل: رمتني بدائها وانسلت، وحسبنا الله ونعم الوكيل..

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أما الفرح بموت الطغاة وموت الكفرة الذين حاربوا الله ورسوله والإسلام والمسلمين وموت رؤوس أهل البدع فالفرح والسرور بموتهم ليس من الشماتة وإنما هو من هدي السلف الصالح، قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "وأما العبد الفاجر فيستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب"، يعني إذا مات العبد الفاجر استراح العباد والبلاد والشجر والدواب يفرحون ويستريحون من ظلم الظالم ومن طغيان الطاغية ومن محاربة ذلك الكافر لدين الله ومحاربة ذلك المبتدع الذي كان يدعو إلى بدعته ويغير دين الله ويحدث في دين الله ما لم ينزل الله -عز وجل- به من سلطان.

 

نفرح ونسعد إذا مات هؤلاء المجرمون هؤلاء الطغاة، نفرح بموت الكفار الذين يحاربون الله ورسوله.

 

سجد أبوبكر الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- شكرًا لله لما جاءه خبر مقتل مسيلمة الكذاب، وسجد علي بن أبي طالب شكرًا لله لما رأى ذي الثُّدَيَّة مقتولاً في الخوارج، وفرح إبراهيم النخاعي لما بلغه موت الحجاج بن يوسف الثقفي حتى بكى من شدة الفرح، وفرح بشر بن الحارث وكان في السوق وجاءه خبر مقتل بشر المريسي فقال: "لولا أن هذا المكان موضع شهرة –يعني سوق- لسجدت شكرًا لله، فالحمد لله الذي أراح الإسلام منه"، أي من بشر الضال رأس من رؤوس الجهمية.

 

فنفرح إذا بلغنا موت الظالم الكافر والمبتدع والمجرم الطاغية نفرح وليس ذلك من الشماتة، إذا مات البابا نفرح ونُسر ونسعد وليس ذلك من الشماتة.

 

نفرح لو بلغنا موت طاغية اليمن والله نفرح ولسجدنا شكرًا لله لو مات عبدالملك المجوسي وسعدنا، وليس ذلك من الشماتة، نفرح بموت هذا العدو الذي أحدث في دين الله وطعن في أصول الإسلام وطعن في الصحيحين نفرح في موته وليس ذلك من الشماتة.

 

قيل للإمام أحمد: يا إمام الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد أعليه إثم؟ قال: ومن لا يفرح بهذا.

 

وذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- في البداية والنهاية في ترجمة أحد رؤوس البدع قال: "وقد أماته الله في هذه السنة من شهر ذي الحجة، قال: وفرح أهل السنة بموته وأظهروا الشكر لله -جل وعلا-، فما من أحد إلا وحمد الله على موت ذلك الضال المبتدع".

 

وهكذا عباد الله إذا أنزل الله عقوبته بظالم في طاغية أو بمجرم أو بمبتدع داعي إلى بدعته فإن قلوب المسلمين تسعد وتفرح ويشفى غليلها، قال الله جل وعلا (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 14- 15].

 

أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه..

 

 

المرفقات

خلق ذميم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
11-03-2022

  1. صاحب معبر من هو تعني الشيخ الإمام