الاعتبار بهلاك القرى

عبد العزيز بن محمد السعيد

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ هلاك الأمم السابقة بعد إقامة الحجة عليها 2/ أسباب هلاك الأمم السابقة 3/ بعض مخالفات المسلمين في هذا الزمان 4/ استهداف الكفار وأهل البدع لبلاد الحرمين 5/ منع المفسدين من نشر الفساد في الأرض

اقتباس

كم قرية أهلكها الله، بخسف أو مسخ أو ريح وأعاصير، أو زلالزل أو غرق أو قتل أو جوع، في صنوف من أنواع العذاب الشديد العاجل قبل الآجل: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ) [العنكبوت: 40]. وهذا العذاب سنة الله الماضية في كل قرية ظالمة، ولن تجد لسنة الله تبديلا. وكل قرية أهلكها الله، وأحل بها عذابه وسخطه؛ فإنما هو...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

فمن الاعتبار الذي لفتنا إليه القرآن العظيم كثيرا: إهلاك الله للقرى بعد إرسال الرسل إليهم، وإقامة الحجة عليهم، قال الحق -تعالى وتقدس-: (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ * ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ) [الشعراء: 208 - 209]، (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ) [هود: 102 - 103].

 

فكم قرية أهلكها الله، بخسف أو مسخ أو ريح وأعاصير، أو زلالزل أو غرق أو قتل أو جوع، في صنوف من أنواع العذاب الشديد العاجل قبل الآجل: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40]، (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) [الكهف: 59].

 

وهذا العذاب سنة الله الماضية في كل قرية ظالمة، ولن تجد لسنة الله تبديلا؛ كما قال تعالى: (وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) [الإسراء: 58].

 

وكل قرية أهلكها الله، وأحل بها عذابه وسخطه؛ فإنما هو بسبب من أنفسهم، ولا يظلم ربك أحدا، قال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117]، وسبب الهلاك تكذيب المرسلين، وردّ ما جاءت به، والإعراض عنه، وطلب الهدى في غيره، والخروج عن طاعة الله، والكفر بنعمه وبطرها، والإفساد في الأرض بالشرك والظلم، ومقارفة الفواحش، وإضاعة الأوامر والنواهي، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع مصاحبة الغفلة والهوى والجهل، والقرآن مليء ببيان ذلك إجمالا وتفصيلا؛ كما في قوله تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا) [الطلاق: 8 - 9]، وقوله: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) [القصص: 58 - 59]، وقوله: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) [النحل: 112 - 113]، وقوله: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16]، وقوله: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ) [هود: 116].

 

وإنه ليس بين الله وبين خلقه نسب ولا سبب إلا التقوى والإيمان: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [يونس: 98]، (مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 6].

 

وما أشبه الليلة بالبارحة؛ ٍفإنما كان سببا في هلاك الأمم وتعذيبها واقع في هذه الأمة، فقرية مقلة، وأخرى مستكثرة، والله من ورائهم محيط.

 

فالشرك الذي وقع في الأمم واقع في هذه الأمة، فيدعى غير الله ويستغاث به، ويطلب المدد من الأموات، ويصدق السحرة والكهنة، ويطلب الحكم بغير شرع الله في القوانين والدساتير الوضعية، ويتطاول على الله وعلى رسوله وعلى دينه، ويُجهد لنقض جماعة المسلمين ويخرج على إمامهم تحت شعار الإصلاح.

 

ويمارس الزنا والعهر والفواحش، وتفتح دور البغاء والخمور، وتخرج النساء سافرات، وينشر الإعلام كل ساقط من الأقوال والأفعال، تحت شعار الحرية.

 

ويعتدى على الصحابة تحت شعار: نشر القيم، ومحاربة الاستبداد.

 

وتعطل النصوص، ويصادر فهم السلف الصالح.

 

ويزعم أن الواجب الأخذ بكليات الشريعة دون تفصيلاتها وجزئياتها، تحت شعار تجديد الخطاب الديني، والأخذ بروح الشريعة، وتصحح أديان المشركين.

 

وتنقض عرى الولاء والبراء باسم السياسة والتعايش، وينادى بالفوضى والتظاهرات والفتن باسم الحقوق المشروعة والتغيير السلمي.

 

ويستمرئ الناس الترف حتى يجحدوا نعم الله عليهم وينكروها، ويتركوا شكرها، ويستعملوها في معصيته، وإضاعة الصلاة، ومنع الزكاة، وأكل الربا، وأكل أموال الناس بالباطل، وتناول المخدرات والخمور، والقطيعة، والإيذاء، والغناء، والكذب، والغش، والخديعة، والخيانة، وتغيير خلق الله، وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، في أوابد وموبقات كثيرة مما يمارس على نطاق واسع، بمسمع ومرأى من الناس، والمنكر لها قليل، كل هذا مما لا يخفى علينا، ونحن واقعون فيه، أفلا يغار الله على حرماته؟! فيرسل عذابه على عباده من حيث لا يشعرون؛ كما فعل بمن قصّ علينا خبرهم، وحذرنا مصيرهم، وأمرنا بالاعتبار بهم قبل أن يَحِل بنا ماحل بهم، فلسنا أعز على الله منهم، ولا أحب إليه إن لم نعظم حرماته، قال سبحانه وتعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ* فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ) [الأنبياء: 11- 15]، (وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ * فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) [الأعراف: 4 - 5].

 

 

الخطبة الثانية:

 

هذه البلاد مستهدفة من طوائف البدع والضلال، وعصابات الإجرام، فمنهم من تسلط لزرع فكر فينا يناقض الإسلام، شيوعي، أو علماني، أو ليبرالي، أو حداثي.

 

ومنهم من تسلط لتحويل هذا المجتمع عن عقيدته ومنهجه السلفي إلى عقائد ومناهج بدعية، كبدع التصوف والرفض والتعطيل والإرجاء والخروج.

 

ومنهم من تسلط لنشر الفاحشة ولا سيما فيما يزعم من تحرير المرأة، والحريات الشخصية.

 

ومنهم من تسلط من أجل سلب التفكير الصحيح، والإرادة السليمة من العقول بالمخدرات والمسكرات.

 

ومنهم من تسلط على جماعتنا يريد تفريقها بأحزاب وجماعات وتكتلات، والبحث عن الأخطاء وتضخيمها، ومصادرة الحسنات والسخرية منها.

 

فإن استجبنا لذلك، وتركنا سفهاءنا، فلم نأطرهم على الحق، هلكنا ولابد، وإن لم نستجب لذلك، واستجبنا لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، نجانا الله؛ كما قال تعالى في وعده وخبره: (وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [النمل: 53]، (فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ * ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 102 - 103]، (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعراف: 165].

 

اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شرور أنفسنا، ووفقنا لطاعتك ومرضاتك يا رب العالمين.

 

 

المرفقات

بهلاك القرى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات