غزوة بني قريظة

حامد إبراهيم طه

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ تأملات في غزوة بني قريظة 2/ شدة عداوة اليهود للمسلمين 3/ أسباب الغزوة 4/ حكم سعد بن معاذ في يهود بني قريظة 5/ أهم الدروس والعبر المستفادة من الغزوة 6/ الرد على شبهة إبادة قبيلة بكاملها وأين الرحمة؟

اقتباس

لقد نقضت قريظة عهدها في أصعب موقف، وأشد ساعة، ولو أن مظاهرة اليهود للمشركين، وخيانتهم للمسلمين تمت على ما أرادوا، ودخل المشركون المدينة، وتمكن اليهود من نساء المسلمين وأطفالهم لأبادوهم عن بكرة أبيهم، أفإن سلّم الله تعالى المؤمنين، وردّ المشركين، وأنزلت العقوبة الشرعية بالخونة الغادرين يجد المسلم حرجًا في نفسه من حكم الله تعالى، فيتذكر حال اليهود وهم يُقتلون، ولا يستحضر حال المسلمين لو تَمكّن منهم المشركون بسبب خيانة اليهود؟!

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

 الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد أيها المسلمون: قال الله تعالى: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً * وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) [الأحزاب: 25- 27].

 

وفي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِى قُرَيْظَةَ».

 

إخوة الإسلام: إن الغدر والخيانة من أحط الصفات، وأسوأ الأخلاق، ولا تسود الخيانة في الناس إلا انتشر فيهم الخوف، فلا يأمن بعضهم بعضًا؛ ولذا جاءت شريعة الله تعالى آمرة بالأمانة والوفاء، ناهية عن الغدر والخيانة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1]، وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27]، وفي آية أخرى قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) [النساء: 107].

 

ولما كانت سنة الله تعالى في عباده أن يوجد فيهم الخونة الغدارون ولا سيما في العهود والمواثيق، فإن الله عز وجل حذّر المؤمنين منهم، وبيّن كيفية التعامل معهم، فقال تعالى:

(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [الأنفال: 58].

 

وأمة بني إسرائيل هي أشهر الأمم في الخيانة والغدر؛ فلا يعاهدون عهدًا إلا نقضوه، ولا يسالمهم قوم إلا غدروا بهم، ولا يحسن إليهم أحد إلا أساءوا إليه، وهم يرون ذلك حقًّا من حقوقهم، وفرضًا من فروض دينهم، وفي شأنهم قال تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة: 100]، وقال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) [المائدة: 13]، وقال تعالى: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) [الأنفال: 56].

 

وأكبر دليل على أن اليهود أغدر الناس وإخوانهم: أن كل قبائلهم في المدينة نقضت عهودها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحُقّ عليهم العذاب في الدنيا؛ فمنهم من هُجِّرُوا وأخرجوا من ديارهم، ومنهم من قُتلوا وسُبيت نساؤهم وذراريهم.

 

أيها المسلمون: لقد كان لبني قريظة موقف سلبي من حصار جيش الأحزاب للمدينة، فبدلاً من الدفاع عنها إلى جانب المسلمين بحسب اتفاق سابق، فقد انقلبوا على المسلمين ونقضوا عهدهم معهم، واتفقوا مع الاحزاب على قتال المسلمين، ليجد المسلمون أنفسهم بين عدو خارجي وآخر داخلي.

 

 ويبين القرآن الكريم الحالة الحرجة التي عاشها المسلمون نتيجة لذلك بقوله تعالى: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) [الأحزاب،10، 11].

 

وبعد أن انتهت غزوة الأحزاب لصالح المسلمين كان لا بد من معاقبة بني قريظة على نقضهم العهد، فبعد أن رجع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الخندق بعد صلاة الصبح وذهب إلى بيته بعد غياب قرابة الشهر، وبعد عناء كبير ومشقة بالغة واغتسل، فإذا بجبريل قد جاء عند الظهر، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم.

 

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ. رَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ يَعُودُهُ مِنْ قَرِيبٍ.

 

فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلاَحَ فَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ، فَقَالَ: وَضَعْتَ السِّلاَحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «فَأَيْنَ». فَأَشَارَ إِلَى بَنِى قُرَيْظَةَ.

 

بل وفي رواية عن السيدة عائشة في الطبري تقول: فكأني برسول يمسح الغبار عن وجه جبريل. أي: أن جبريل كان يقاتل قتالاً حقيقيًّا في أرض المعركة. قال جبريل: اخْرُجْ إِلَيْهِمْ. قال النبي: "فَأَيْنَ؟" فأشار إلى بني قريظة.

 

وفي رواية أن جبريل قال: "فَإِنِّي سَائِرٌ أَمَامَكَ أُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، وَأَقْذِفُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ".

 

وفي صحيح البخاري عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِى قُرَيْظَةَ». فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ نُصَلِّى حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّى لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ.

فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ.

 

 هكذا أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بالتوجه السريع إلى بني قريظة، لم يمهلهم حتى يرتاحوا بعد هذا الشهر الصعب من الحرب والحصار، فقال لهم: "لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ".

 

وهذا يدل على أن غزو بني قريظة واستئصال شأفتهم جاء الأمر به من عند الله -عز وجل- عن طريق جبريل عليه السلام، وليس فعلاً فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- وأقره الله تعالى عليه.

 

بل إن جبريل -عليه السلام- أنكر على النبي -صلى الله عليه وسلم- وضع السلاح والاغتسال قبل إيقاع العقوبة بالخونة المجرمين من يهود بني قريظة، وأخبره أن الملائكة -عليهم السلام- لم يضعوا أسلحتهم.

 

أيها المسلمون: خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة آلاف مقاتل معهم ستة وثلاثون فرساً وضرب الحصار على بني قريظة لمدة خمس وعشرين ليلة على الأرجح، وضيق عليهم الخناق حتى عظم عليهم البلاء، فرغبوا أخيرا في الاستسلام، وقبول حكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيهم.

 

واستشاروا في ذلك حليفهم أبا لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه، فأشار إلى أن ذلك يعني الذبح. وندم على هذه الإشارة، فربط نفسه إلى إحدى سواري المسجد النبوي، حتى قبل الله توبته.

 

وفي مسند أحمد أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ لَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنَّ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي، وَأُسَاكِنُكَ، وَإِنِّي أَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ».

 

وفي سنن البيهقي قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا: أَفَلاَ أُبَشِّرُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِذَلِكَ قَالَ: «بَلَى إِنْ شِئْتِ». قَالَتْ فَقُمْتُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَقُلْتُ وَذَاكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ: "يَا أَبَا لُبَابَةَ! أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ".

 

 وعندما نزلوا على حكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحب أن يَكِلَ الحكم عليهم إلى واحد من رؤساء الأوس؛ لأنهم كانوا حلفاء بني قريظة، فجعل الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ، ففي الصحيحين واللفظ لمسلم عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِي قَالَ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى سَعْدٍ فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلأَنْصَارِ «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ – أَوْ خَيْرِكُمْ».

 

ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ». قَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِى ذُرِّيَّتَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ – وَرُبَّمَا قَالَ – قَضَيْتَ بِحُكْمِ الْمَلِكِ». 

 

فقتل رجالهم وكانوا بين ستمائة وتسعمائة، إلا من أسلم منهم حَقَن إسلامه دمه، وسُبيت نساؤهم وذرياتهم، وقُسِّمت في المسلمين. فكان هذا العقاب الشديد مناسبًا لجرمهم الشنيع!

 

 

الخطبة الثانية:

 

 الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

أما بعد أيها المسلمون: وقد وجد بعض المعاصرين من المسلمين في نفوسهم شيئًا من هذا الحكم الشديد، مع أنه حكم الله تعالى من فوق سبع سموات، ولسان حالهم يقول: كيف تُفنى قبيلة كاملة من اليهود بسبب خيانتهم، والإسلام دين الرأفة والرحمة، والسماحة والمسامحة؟ ويزداد حرَجهم حين يستغل الأعداء هذه المواقف من السيرة النبوية ليشغبوا بها على الإسلام، ويتهموه بالفاشية والدموية.

 

ولا شك في أن هذا الحرج الذي يجده بعض المسلمين من هذه الحادثة ومثيلاتها ينطوي على عدم استسلام كامل لله تعالى، ويدل على شك داخل تلك القلوب في حكمه عز وجل، والله تعالى يقول: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65].

 

 فلا يسع مسلمًا إلا الرضا بحكم الله تعالى وأمره، واليقين بأنه الحق والعدل، وأن ما عارضه هو الباطل والظلم.

 

وسبب هذا الضعف في الاستسلام لشريعة الله تعالى هو أن من سلك هذا المسلك الخاطئ قد سلّم بحكم الطاغوت المتمثل فيما يُسمَّى بحقوق الإنسان، ثم جعله حاكمًا على شريعة الله تعالى، فما وافق قوانينهم الوضعية من شريعة الله تعالى رضيه وصاح بأن الإسلام قد سبق إليه، وما خالف قوانينهم طعن فيه وتأوّله، وفي أحسن الأحوال يقبله على استحياء ويخفيه كأنما هو عارٌ ونقص وخلل في الإسلام.

 

والحقيقة: لقد نقضت قريظة عهدها في أصعب موقف، وأشد ساعة، ولو أن مظاهرة اليهود للمشركين، وخيانتهم للمسلمين تمت على ما أرادوا، ودخل المشركون المدينة، وتمكن اليهود من نساء المسلمين وأطفالهم لأبادوهم عن بكرة أبيهم، أفإن سلّم الله تعالى المؤمنين، وردّ المشركين، وأنزلت العقوبة الشرعية بالخونة الغادرين يجد المسلم حرجًا في نفسه من حكم الله تعالى، فيتذكر حال اليهود وهم يُقتلون، ولا يستحضر حال المسلمين لو تَمكّن منهم المشركون بسبب خيانة اليهود؟!

 

ولمن في قلبه أدنى حرج من ذلك عبرة وعظة فيما يفعله اليهود في أهل فلسطين، من الغدر والخيانة، ونقض العهد، وقصد الآمنين والنساء والأطفال بالقتل والترويع، وهدم الدور على أصحابها، ولا يكاد يمر يوم دون أن يقتلوا نساء وأطفالاً، فتبًّا لقوانين وضعية توجد حرجًا في قلوب بعض المسلمين من شريعة الله تبارك وتعالى!

 

أيها المسلمون: ومن الدروس المستفادة من هذه الغزوة أخذ الأخبار من مصادرها وأصحابها الحقيقيين، ولهذا فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما سمع أن يهود بني قريظة قد نقضوا العهد أرسل إليهم أربعة من أصحابه ليتأكدوا له من صحة الخبر فوجدوا الخبر صحيحاً وسمعوهم يقولون: "من محمد؟! لا عهد بيننا وبينه ولا عقد".

 

 فيجب التأكد في الأخبار من أصحابها ومصادرها الأصلية خاصة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الأقاويل والأراجيف والأخبار الملفقة وهنا يجب أن نرجع إلى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6].

 

 وتعلمنا الغزوة أدب الخلاف الناتج عن اختلاف الأفهام والآراء، فالصحابة -رضي الله عنهم- منهم من فهم من قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" أن الصلاة تكون على وقتها، وإنما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقصد سرعة الخروج والإسراع في التجهز للنزول إلى بني قريظة فصلوا العصر في الطريق ومنهم من فهم فهماً آخر أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة فأخروا الصلاة حتى وصلوا إلى بني قريظة فصلوا هناك عندما وصلوا.

 

 فكل فريق منهم فهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهماً وبنى عليه حكماً فلم يعنف النبي -صلى الله عليه وسلم- واحدة من الطائفتين.

 

 ولهذا فإن العلماء قد يختلفون وتتباين آراؤهم في المسألة الواحدة لكل منهما دليل ومستند فلا يجوز حينئذ أن نتعصب لهذا الرأي أو ذاك وهذا الاختلاف إنما يكون غالباً في المسائل الفقهية الاجتهادية، أما مسائل العقيدة وأمور التوحيد فإنها أصول ثابتة لا خلاف فيها ولا يجوز الاختلاف عليها.

 

 ومن فوائد الغزوة أيضاً أنها أظهرت محاسن الإسلام وأخلاقياته في الحرب، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقتل من يهود بني قريظة إلا الرجال وأما النساء والأطفال الذين لا علاقة لهم بالحرب والقتال فلم يتعرض لهم بسوء.

 

 فكل من لم يقاتل منهم ولم يتعرض المسلمين بشيء فيترك ولا يقتل، أما من شارك منهم في قتال المسلمين ولو بكلمة أو رأي أو دعم أياً كان نوعه فإنه يقتل ولو كان طفلاً أو امرأة كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمرأة التي وضعت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته، فقُتِلَت لأجل ذلك.

 

 فشتَّان بين الأخلاق العسكرية الإسلامية وبين الأفعال اليهودية والصليبية التي لا تفرِّق بين أحد فتقصف قصفاً عشوائياً وتستخدم الطائرات الحربية أو من دون طيار لقصف المناطق بمن فيها وهدم البيوت على رءوس ساكنيها.

 

روى البخاري ومسلم عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ – رضى الله عنه – أَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ".

 

وصلوا وسلموا...

 

 

المرفقات

بني قريظة1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات