نور الإسلام لا يطفأ

عادل العضيب

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ حملات الهجوم على الإسلام والمسلمين 2/ رب محنة في طيها منحة 3/ أقدار الله كلها خير 4/ تقدير الله لظروف وأمور يكون فيها عز الإسلام ونصره 5/ كونوا أنصارًا لدين الله.

اقتباس

إن التغيير سنة كونية، وإن التغييرات ستكون في نهايتها لصالح المسلمين ولو كان ظاهرها خلاف ذلك، فربنا حكيم عليم، يجُري أحداثًا عجيبةً لصالح الثُّلة المسلمة ويهيئ الظروف والنفوس لأمرٍ يريده؛ فالله قدَّر حادثة الفيل في مكة في العام الذي وُلد فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ليصرف أنظار العالم إلى تلك البقعة المباركة التي أصبحت على مقربة من حدث عظيم سيغيّر مجرى التاريخ...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي شهدت بوجوده آياته الباهرة، ودلَّت على كرمه وجوده نعمه الباطنة والظاهرة، وسبَّحت بحمده الأفلاك الدائرة والرياح السائرة؛ فسبحان من أعطى ومنع، وخفض ورفع، وفرق وجمع، ووصل وقطع.

 

أحمده على ما أولاه من النعم وأشكره على ما كفاه من النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إله تفرد بالبقاء والقدم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله المبعوث إلى كافة الأمم من العرب والعجم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى الزاهرة صلاةً دائمةً إلى يوم الوقوف بالساهرة وسلم تسليمًا

 

أما بعد: فيا عباد الله أيها المسلمون: وتتوالى حملات الهجوم على الإسلام والمسلمين، تتنوع صورها وأشكالها، ويتغير القائمون عليها، وتختلف لغتهم وأمكنتهم وأزمنتهم وطرقهم، والهدف واحد؛ أن يحاصروا الإسلام، لكن كم من محنة جاءت بمنحة! وكم من شدة جاءت بفرَج!

 

هجمات تتبعها هجمات، يريدون من خلالها محاصرة الإسلام، وإذا به يخرج قويًّا عزيزًا حتى يصل إلى كل بلد من بلاد الكفار.

 

 يريدون التنفير من الإسلام والتخويف منه ومن أتباعه والدخول فيه، وإذا بالناس يدخلون في دين الله أفواجًا.

 

 يريدون تقليل أعداد المسلمين وإذا بهم يزيدون عامًا بعد عام حتى اجتاح أمريكا وأوروبا..

 

 يريدون أن ينسى الناس الإسلام وإذا به على كل لسان.

 

يريدون حجب ضوء الشمس وكان الأولى بهم أن يتبعوا أنوارها؛ لكنهم ساروا على طريق من قالوا: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال: 32،  (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف: 8].

 

أيام عصيبة تمر على أهل الإسلام، ظاهرها فيه العذاب وباطنها فيه الرحمة..

 شدائد تمر على أهل الإسلام تقول لكل خائف: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19]، وتقول لكل يائس: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف: 110].

 

 وتقول لكل مفجوع ومهموم ومغموم على الإسلام: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [النور: 11].

 

أحداث كأنها تشعر بأن الله يهيئ المسلمين لاستلام زمام الأمور وقيادة الكون، فالتغيير سُنة من سنن الله العظيمة؛ فإنه لا هيمنة مطلقة على العالم إلا لله.

 

والدول التي كانت بالأمس عظمى أصبحت اليوم صغرى، والصغرى أصبحت كبرى؛ فبريطانيا كانت الدولة التي لا تغيب عنها الشمس ثم غابت شمسها.

 

وقد صح عنه –عليه الصلاة والسلام- "أنه حق على الله ما ارتفع شيء من الدنيا إلا وضعه" (وراه البخاري عن أنس رضي الله عنه).

 

وقد قال –عليه الصلاة والسلام-: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" (رواه البخاري ومسلم عن جابر بن سمرة –رضي الله عنه-).

 

عباد الله: إن التغيير سنة كونية، وإن التغييرات ستكون في نهايتها لصالح المسلمين ولو كان ظاهرها خلاف ذلك، فربنا حكيم عليم، يجُري أحداثًا عجيبةً لصالح الثُّلة المسلمة ويهيئ الظروف والنفوس لأمرٍ يريده؛ فالله قدَّر حادثة الفيل في مكة في العام الذي وُلد فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ليصرف أنظار العالم إلى تلك البقعة المباركة التي أصبحت على مقربة من حدث عظيم سيغيّر مجرى التاريخ.

 

وبالفعل، وبعد حادثة الفيل صارت مكة معظمةً عند جميع العرب وصاروا يأتون إليها من كل مكان، فلما بُعث النبي –صلى الله عليه وسلم- سمعت قبائل العرب جميعًا بالإسلام.

 

ولما أخرجت قريش النبي –صلى الله عليه وسلم- من مكة ظلمًا وعدوانًا (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].

 

كان خروجه –عليه الصلاة والسلام- سببًا لإقامة الدولة الإسلامية ولإنشاء وطن للمسلمين يؤمه المستضعفون؛ فرارًا بدينهم؛ فهذا التشريد والنفي خارج الوطن في ظاهره شرّ، ولكنه كان سببًا لخير عظيم.

 

ولما أراد الله بعث رسوله –عليه الصلاة والسلام- وخروجه إلى المدينة هيأ البيئة له في المدينة بحرب طاحنة بين الأوس والخزرج قضت على الشيوخ منهم وجعلتهم يملون الحرب وينتظرون قائدًا حكيمًا يجمع شتاتهم مع ما كانوا يسمعونه من اليهود أن نبيًّا سيبعث قريبًا وسنتبعه ونقتلكم قتل عاد وإرم. فلما بعث –عليه الصلاة والسلام- آمنوا به واتبعوه ونصروه.

 

قالت عائشة –رضي الله عنها-: "كان يوم بعاث يوم قدمه الله لرسوله، فقدم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقد افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم وجرحوا، فقدمه الله لرسوله في دخولهم في الإسلام" (رواه البخاري).

 

فالله يهيئ الظروف للتمكين للمسلمين ولو كان ما نراه إذلالاً للمسلمين وإهانة؛ ففي صلح الحديبية صالح النبي –صلى الله عليه وسلم- قريشًا على أن يعود إلى المدينة ويرجع للعمرة من العام المقبل، وعلى أنه لا يأتي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رجل من المشركين ولو كان مسلمًا إلا رده النبي –صلى الله عليه وسلم- لقريش، ومن جاء لقريش من عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا يردونه إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.

 

فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل –رضي الله عنه- يرسف في قيوده وقد هرب من المشركين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه، أن ترده إلي. فرده النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلمًا، ألا ترون ما قد لقيت، وكان قد عُذب عذابًا شديدًا في الله –رضي الله عنه وأرضاه-.

 

فغضب عمر –رضي الله عنه- لهذه الشروط التي كان يرى أن فيها منتهى الذل للمسلمين؛ فأتى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: ألست نبي الله حقًا؟! قال –عليه الصلاة والسلام-: بلى. قال عمر: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟! قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: بلى. قال عمر: فلم نعط الدنية في ديننا إذًا؟! قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " إني رسول الله، ولست أعصيه وهو ناصري".

 

 فذهب عمر لأبي بكر –رضي الله عنه- فقال له ما قال للنبي –صلى الله عليه وسلم- فقال له الصديق –رضي الله عنه-: "أيها الرجل، إنه لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق".

 

لقد كان صلح الحديبية في ظاهره كسرًا للمسلمين وإذلالًا لهم لكنه في الحقيقة كان فتحًا مبينًا ونصرًا عظيمًا، جعله الله مقدمةً للفتح العظيم فتح مكة، فقد اعترفت قريش بالمسلمين وبان ضعفها وأمن الناس من شرّها مما أدى لدخول الكثيرين في الإسلام.

 

وهكذا تجري أقدار الله بما يكون سببًا للتمكين للمسلمين ولو كانت في ظاهرها مكروهةً لهم، وهذا من لطف الله، إني ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم.

 

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا يملأ الأرض والسماء، وصلى الله وسلم على سيد المرسلين والأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فيا معاشر المسلمين، لقد مارس أعداء الإسلام مع المسلمين كلهم ألوانًا من الحروب العسكرية والفكرية والأخلاقية، وما زالوا ماضين فيها ولن يزالوا، كما قال –جل وعلا- (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)[البقرة: 217].

 

ورغم تعدد تلك الحروب وقوتها إلا أنها كانت محنًا جاءت بمنح، ورزايا لم تخل من عطايا، فكم من تصرف وقرار أرادوا به إطفاء نور الله في قلوب المؤمنين وإيقاف مد الإسلام، فكانت نتيجته عكسية.

 

لقد اجتاح التتار بلاد المسلمين، وقتلوا الملايين ودمّروا وأفسدوا، وأهلكوا الحرث والنسل، وبعد هذا ما هي النتيجة؟ دخل التتار في دين الله أفواجًا وذابوا في بوتقة المسلمين.

 

وفي العصر الحديث ازدادت أعداد الدارسين للإسلام والسائلين عن حقيقته وتعاليمه، حتى دخل الآلاف في دين الله، وهكذا يهيئ الله الأسباب لانتشار الإسلام حتى يعم الأرض كلها عندها يتحقق قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام وذلّاً يذل الله به الكفر".

 

فلا تكرهوا من قدَر الله شيئًا ولكن كونوا أنصارًا لدين الله، انصروا الدين بالتزام تعاليمه

 

 انصروا الدين بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، انصروا الدين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

 انصروا الدين بالبعد عن أماكن المعصية.

 

كونوا أنصارًا لدين الله كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ) [الصف: 14].

 

قولوا كما قال الحواريون: نحن أنصار الله. انصروا دين الله (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38].

 

عباد الله، صلوا وسلموا على رسول الله؛ امتثالًا لأمر الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.

 

اللهم أيد العلماء العاملين والدعاة الناصحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، يا قوي يا قادر.

 

اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي، اللهم انصرهم، اللهم أيديهم، الله أعنهم، اللهم أعدهم سالمين غانمين منصورين.

 

اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم إنا نسألك الإيمان والعفو عما سلف وكان من الذنوب والعصيان، اللهم إنا نسألك إيمانًا يباشر قلوبنا ويقينًا صادقًا حتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبت لنا.

 

نسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، ونسألك لسانًا صادقًا وقلبًا سليمًا.

 

اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فك أسر المأسورين، اللهم فرج هم المهمومين، اللهم نفس كرب المكروبين، اللهم اقض الدين عن المدينين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت القوي ونحن الضعفاء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت بنا غفارًا فأرسل السماء علينا مدرارًا.

 

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب و لا هدم ولا بلاء ولا غرق، يا أرحم الراحمين.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

المرفقات

الإسلام لا يطفأ

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات