المعركة مع المجاهرين

عادل العضيب

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ قدم الصراع بين الحق والباطل واستمراره 2/ قصة الصراع بين آدم –عليه السلام- وإبليس 3/ أوقات يشتد ويزداد فيها الصراع بين الحق والباطل 4/ مقارعة أهل الحق للباطل وبعض النماذج في ذلك 5/ وجوب الوقوف أمام دعاة الشر والرذيلة 6/ معركة أهل الحق مع المجاهرين بالمعاصي والأخذ على أيديهم

اقتباس

إن الوقوف أمام أهل الباطل ونشر الحق على ثرى هذه الأرض؛ هو الذي جعل النبي -صلى الله عليه وسلمَ- يترك أحب البقاع إليه، هو الذي جعل النبي -صلى الله عليه وسلمَ- يعادي قومه، ويسل سيف الحق في وجوههم حتى ارتدوا على أدبارهم خاسرين، هو الذي جعل الصديق -رَضي الله عنه- يقول لما أشار بعض المسلمين عليه...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله الذي استوى لديه الظاهر والمكنون، وأحاط علمًا بالحركات والسكون، وتنزه عن التكييف وتقدس عن خواطر الظنون، أحمده سبحانه على ما كان وما سيكون، وأشكره شكرًا يتقرب به المتقربون.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً أدخرها ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن على طريقتهم يسيرون، وسلم تسليمًا.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله -أيها المسلمون-: لقد قص التاريخ لنا قصصَ معارك كثيرة دارت على مر التاريخ، معارك وقعت في السابقين من الأمم السابقة وفي هذه الأمة، وقعت في العصر الحديث وستقع في أيام قادمة: (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى) [طه: 52].

 

لكن معركةً من المعارك تختلف عن باقي المعارك اختلافًا كليًا؛ لأن البشر جميعًا يخوضون هذه المعركة، هذه المعركة بدأت في السماء ثم انتقلت إلى الأرض لأمر قدر الله أن يكن، وستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ إنها معركة الحق، إنها معركة الحق والباطل، والتي بدأت عندما خلق الله آدم -عليه السلام-.

 

لما خلق الله آدم -عليه السلام- كان جسدًا من طين أربعين سنةً، فمر به إبليس، فكان يضربه فيصوت كما يصوت الفخار، فيقول إبليس: لأمر ما خلقت، ثم قال: لئن سلطت عليه لأهلكنه.

 

وما إن تكامل خلق آدم ونفخت فيه الروح، وأسكن الجنة حتى بدأ الشيطان المعركة، وصار يسوس لآدم وحواء حتى أكلا من الشجرة التي حرمت عليهما، فأهبطوا من الجنة إلى الأرض، قال ربنا -جل وعلا- : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) [البقرة: 36]، وهنا انتقل الصراع من السماء إلى الأرض، يحمل لواءه إبليس، ويساعده جنوده من شياطين الجن والإنس، فقد أقسم بعزة الله ليصدن بني آدم عن طريق الجنة، وليحرفن مسارهم حتى يكونوا معه في النار، قال ربنا -جل وعلا-: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص: 75 - 85].

 

صراع يستخدم فيه إبليس وجنده كل وسيلة لصرف بني آدم عن الصراط المستقيم، قال الله حكايةً عن إبليس: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف: 17].

 

هذا الصراع يشتد ويقوى كلما ابتعد الناس عن عصر النبوة وعن القرون المفضلة، قال عليه الصلاة والسلام: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن" [متفق عليه عن عمران بن حصين -رضي َالله عنه-].

 

وفي آخر الزمان يشتد الكرب على أهل الحق حتى يصبح الثابت على دينه والمتبع لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- غريبًا بين الناس، قال عليه الصلاة والسلام: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء".

 

ثم يشتد الأمر على أهل الحق، وذلك لقلة الناصر والمعين، وكثرة المتربصين والمفسدين، قال عليه الصلاة والسلام: "إن من ورائكم أيام الصبر أجر العامل فيها أجر خمسين"، قالوا: يا رسول الله منا أو منهم؟ قال: "بل منكم، إنكم تجدون على الخير أعوانًا، ولا يجدون عليه أعوانًا".

 

ومع هذا كان لهذا الصراع وسيظل رجال يضحون بأنفسهم وأموالهم وأوقاتهم لنصرة الحق، والدفاع عنه، ورد المفسدين، والوقوف أمام مشاريعهم ومخططاتهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال عليه الصلاة والسلام: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".

 

عباد الله: إن الوقوف أمام أهل الباطل ونشر الحق على ثرى هذه الأرض؛ هو الذي جعل النبي -صلى الله عليه وسلمَ- يترك أحب البقاع إليه، هو الذي جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يعادي قومه، ويسل سيف الحق في وجوههم حتى ارتدوا على أدبارهم خاسرين، هو الذي جعل الصديق -رَضي الله عنه- يقول لما أشار بعض المسلمين عليه بألا يبعث جيش أسامة لاحتياجه إليه، فقال رضي َالله عنه وأرضاه: "والله لو أن الطير تخطفني، وأن السباع من حول المدينة،  وأن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين، ما رددت جيشًا وجهه رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-، ولا حللت لواءً عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-، والله لو لم يبق في القرى غيري لأنفذنه، أفأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا؟!".

 

إن الوقوف أمام أهل الباطل هو الذي جعل الإمام أحمد -رحمه الله- يصبر على السياط التي مزقت ظهره لأجل أن يقول: "إن القرآن مخلوق"، فأبى ووقف أمام أهل الباطل كالطود العظيم حتى كشف الله الغمة.

 

عباد الله: إن الوقوف أمام دعاة الشر والرذيلة شرف لا يدانيه شرف، وواجب على كل مسلم بحسب استطاعته، فكونوا -رحمكم الله- صوتًا للحق وأنصارًا له، ودافعوا أهل الشر بالحكمة والموعظة الحسنة، دافعوهم بالرسالة والمقالة والتغريدة والتسنيبة، اكسروا شوكتهم، وأفسدوا مخططاتهم، وحاربوا فكرهم، وتذكروا أننا نمر بمنعطف خطير تكالبت فيه قوى الشر على هذه البلاد؛ يريدون صرفها عن دينها، وإفساد شبابها ونسائها، ولن يستطيعوا ما دام المجتمع واعيًا، ما دام المجتمع معتزًا بدينه وأخلاقه، ما دام المجتمع يرفض الفساد ويقف أمام أهله.

 

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

 

فيا معاشر المسلمين: معركة من معارك الحق مع الباطل، إنها المعركة مع الذين يريدون أن يستعلنوا بمنكراتهم ومعاصيهم، أولئك الذين أبوا أن يستتروا بستر الله، أولئك الذين فارقتهم العافية، وما بعد مفارقة العافية إلا الهلاك، قال عليه الصلاة والسلام: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه" [خرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي َالله عنه-]، أولئك الذين لما ابتلوا أبت نفوسهم أن يعصوا الله في بيت أو غرفة، فخرجوا يعلنون التمرد على الذي خلقهم على رؤوس الأشهاد، وكأن إعلان المعصية أمام الناس شجاعة.

 

أولئك الذين نُزِع الخوف من الله من قلوبهم، ونُزِع الحياء من الناس من وجوههم؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" [رواه البخاري عن أبي مسعود البدري -رضيَ الله عنه-].

 

عباد الله: لقد ابتلينا هذه الأيام بأناس يريدون أن يفرضوا المنكر على المجتمع، يريدون فرض الغناء أو الاختلاط أو التبرج تحت مسمى: الحرية الشخصية، أو غيرها، وإذا أنكر عليهم منكر اتهموه بالتخلف والرجعية، أو مصادرة الحريات، وأنه يريد فرض رأيه، أو أنه يريد الوقوف أمام مشاريعهم، وهكذا تقلب الموازين ويصبح المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا؛ مع أنهم لو استتروا بستر الله ما تسور الناس عليهم منازلهم، لكنهم يأبون إلا أن يظهروا المنكر ثم لا يريدون أحدًا ينكر عليهم؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" [رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي َالله عنه-].

 

ويا لله العجب! يا لله العجب! يريدون أن يخرقوا السفينة، ويلبسوا المجتمع لباس المعصية، ويحلوا بنا سخط الله وعذابه؛ فإذا جاء منكر ينكر المنكر ليدفع عذاب الله سلقوه بألسنة حداد، فحسبنا الله! حسبنا الله! حسبنا الله ونعم الوكيل.

 

عباد الله: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وفارقوا أماكن المعصية، وناصحوا من تعدى الحدود، واصبروا وصابروا ورابطوا، واعلموا أن الله (مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) [النحل: 128].

 

عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله؛ امتثالًا لأمر الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، عن سائر الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعز الإسلام وانصر الإسلام، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.

 

اللهم دمر أعداء الدين، اللهم خال بين كلمتهم.

 

اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل.

 

اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا به وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشرك كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.

 

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لن من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، وتوفنا وأنت راض عنا غير غضبان.

 

اللهم فرج هم المهمومين، اللهم فرج هم المهمومين، اللهم نفس كرب المكروبين، اللهم اقض الدين عن المدينين.

 

اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم فك أسر المأسورين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.

 

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت الغني ونحن الفقراء،  أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أسقنا وأغثنا، اللهم أسقنا وأغثنا، اللهم أسقنا وأغثنا.

 

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا.

 

اللهم أسقنا وأغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، يا أرحم الراحمين.

 

اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار.

 

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

المرفقات

مع المجاهرين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات