منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه

عبدالعزيز بن علي الحربي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ منزلة نبينا الكريم عند ربه تعالى 2/ قصة معاتبة ربه تعالى له في سورة التحريم 3/ دروس من القصة ونَصِّّها القرآني 4/ معايشة النبي الكريم بمتابعة سنته 5/ إمكانية ارتكاب المعاصي من محبي الله ورسوله

اقتباس

ومن أراد أن يعرف مكانة هذا النبي -عليه الصلاة والسلام- فليقرأ سورة الأحزاب، ففيها آيات كثيرة، فإذا قرأها المسلم علم أن هذا النبي مكانته عالية عند الله، وأنه رفيع المنزلة عند ربه، وأنه في درجة لا يستطيع أن يتصورها أحد. ولكنني في هذه الدقائق الغالية أريد وإياكم أن أقف معكم عند آية من سورة التحريم، يقول الله -تعالى- فيها: (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم:4].

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

"الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".

 

يا معشر الإخوة: يقول المولى -عز وجل- في محكم تنزيله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) [الأحزاب:6]، والآية في سورة الأحزاب، ومن أراد أن يعرف مكانة هذا النبي -عليه الصلاة والسلام- فليقرأ سورة الأحزاب، ففيها آيات كثيرة، فإذا قرأها المسلم علم أن هذا النبي مكانته عالية عند الله، وأنه رفيع المنزلة عند ربه، وأنه في درجة لا يستطيع أن يتصورها أحد.

 

ولكنني في هذه الدقائق الغالية أريد وإياكم أن أقف معكم عند آية من سورة التحريم، يقول الله -تعالى- فيها: (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم:4].

 

كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أعظم الناس خلقا، وقد استعظم الله -تعالى- خُلقه وشهد له بذلك، وقال (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، وكان في معاملته مع أزواجه قد بلغ درجة ذهل فيها مرة من المرات عن مسألة من المسائل أراد فيها مرضاة أزواجه فعاتبه الله -تعالى- فيها وقال له: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ) [التحريم:1]، فكان لحسن معاشرته ولحسن خلقه قد يحصل منه مثل هذا، وحصل منه هذا مرة فعاتبه الله -تعالى- هذا العتاب.

 

كان -عليه الصلاة والسلام- كما ثبت في الصحيحين يمر بإحدى أزواجه وهي زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، فتواطأت عائشة وحفصة بسبب الغيرة التي عرضت لهما على أن يقولا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دنا من كل واحدة منهما: إني أجد منك ريح مغافير، وهو نوع من الشجر له رائحة كريهة، وكان -عليه الصلاة والسلام- لا يحب إلا أن يشم منه رائحة طيبة؛ لما جبل -عليه الصلاة والسلام- من الطهارة والنظافة، وكان -عليه الصلاة والسلام- يناجي من لا يناجيه الناس، إذ كان جليسه جبريل -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-، فلما دنا من حفصة قالت له ذلك، ولما دنا من عائشة قالت له ذلك، قالت: "إني لأجد منك ريح مغافير"، قال: "لم أفعل شيئا، إلا أنني شربت عسلا عند زينب، وإني أحرمه على نفسي"؛ فنزل العتاب من الله-سبحانه وتعالى- له، وقال له: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)؟ هذا بالنسبة لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.

 

وأما بالنسبة للمرأتين، للزوجتين الكريمتين -رضي الله عنهما وأرضاهما-، فإن الله -تعالى- أنزل عليهما توبيخا عظيما فقال لهما: (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)، أي: إن تتوبا إلى الله فهو خير لكما، فقد مالت قلوبكما في معاملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن هذا الأمر وإن كان من كيد النساء ومما جبل عليه النساء لكن الأمر ها هنا مختلف، فالذي تعاملانه هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعاملته يجب أن تكون على درجة عالية، وحسنات الأبرار سيئات المقربين، فإن كان هذا الفعل فعلا عاديا من النساء، فلأنه منكما ولتعلقه برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن الخطب جسيم والحدث جلل، ولا يجوز أن يعامل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بهذه المعاملة، فنزل هذا الكلام الذي ينهد له كيان الكون.

 

قال الله -تعالى- فيه: (وَإِن تَظَاهَرَا)، أي: تتعاونا (عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ)، هو بذاته هو رب السماوات ورب الأرض رب العالمين الذي له الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم، (اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ)، أي: ناصره ومعينه. ولم يقتصر الكلام على هذا بل قال الله: (وَجِبْرِيلُ)، وجبريل الذي له أجنحة تسد الآفاق، (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ) كلهم الذين لا تتصور خلقة واحد منهم، فالعرش الذي كل المخلوقات ليست بشيء عنده يحمله ثمانية من الملائكة، (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) [الحاقة:17]، هؤلاء كلهم ظاهر ومُعين لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.

 

وقد أراد بعض الملحدين ها هنا أن يشككوا في هذه الآية وأن يقولوا: كيف يأتي هذا الوعيد الشديد وهذا التهديد بهذا الأسلوب لامرأتين ضعيفتين فعلتا فعلا يسيرا ولم يكن ذلك للصناديد والجبابرة والعتاة الذي عادوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذين جيشوا الجيوش؟ والجواب: إن أولئك الطاعنين المشركين لا يعرفون أساليب اللغة العربية ولا يفهمونها ولا يفهمون التلميح ولا يفهمون التهديد من بُعد، فإن هذا الأمر من باب: إياك أعني واسمعي يا جارة، ومن باب قول الله -تعالى-: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر:65]، وقول الله -تعالى-: (فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ) [الأنفال:57]، أي: اجعل من خلفهم يرشدون بهذا التنكيل وبهذا العقاب، حتى يرى أولئك ويعتبروا، وحتى يخافوا ويعرفوا مكانة المسلمين وقوتهم وشوكتهم، وكان هنالك منافقون، وكان هنالك أعداء، فكان في ذلك وعظ لهاتين المرأتين، ووعظ لأصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى لا تزل قدم واحد منهم، وفيه تهديد وإغاظة للمنافقين والكافرين بأن الله -تعالى- في عليائه وكبريائه هو مولاه، ونعم المولى ونعم النصير، وأن من أراد أن يسيء لمحمد -صلى الله عليه وسلم- فإن الله سيجيش الجيوش ليهتك به وليخبت به حتى لا يبقي له أثرا، فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير.

 

ولنا أن نأخذ -أيها الإخوة- أننا حينما نتمسك بكتاب الله -تعالى- وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونتبع هذا النبي الأكرم ونأخذ بمنهج الله وننصر الله ورسوله فإن الله هو مولانا، ومن وكان الله ناصره ومن كان الله معه فلا غالب له: (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج:78]، (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:257].

 

يا معشر الإخوة: يتشاغل بعض الناس في هذه الأيام بالأخذ والرد في مسألة مولد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ويشتغلون بذلك، شغلوا أنفسهم وشغلوا غيرهم، وكثير منهم بعيد عن أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولو تمسك الجميع بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبما كان عليه السلف الصالح لكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معهم في كل يوم، ومعهم في كل لحظة، ولاحتفوا به في كل حين؛ ولكن الأمر كما قيل عن بعض الناس الذين هم قوم من الحمقى ذهبوا إلى الحج وفي طريقهم اشتغلوا بعقرب رجعت إلى جحرها، فأخذوا يحرسونها حتى تخرج، وفاتهم الحج والركب...!

 

ولا أزال أتذكر وأنا صغير رجلين في حينا بالمدينة النبوية المنورة أخذا يتجادلان بعد صلاة المغرب في مسألة الضم بعد الركوع، أهو سنة أم ليس بسنة؟ وأخذا يتجادلان في هذه المسألة حتى ذهبت عليهما صلاة العشاء، ولم يكن يومئذ مكبرات صوت، وهي مسألة لا تحتاج إلى هذا الجدل كله، وإلى ذلك التباغض الذي حصل بينهما بعد ذلك بسبب هذه المسألة.

 

إن المسلم إذا تمسك بسنة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- سوف يجد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قلبه في كل حين، فليس هناك فعل فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا حركة من حركات حياته إلا وقد نقلت، إذا كان الإنسان يتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله وفعله، ويترسم سنته إذا أكل وإذا شرب وإذا فرغ من ذلك وإذا لبس وإذا دخل وإذا خرج وإذا نام وإذا استيقظ وإذا صافح وإذا جلس مع امرأته وإذا مر بالصبيان، وإذا فعل أي فعل فإنه سوف يجد أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حاضرا معه إذا كان يترسم سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويبحث عن سنته، وكيف كان يفعل وماذا كان يفعل؟ حتى في منامه فإن الإنسان إذا كان مشغولا بشيء فإنه سوف يرى ما كان يشتغل به في منامه، وسوف يرى ما كان عليه الناس في ذلك الوقت، وربما أكرمه الله -تعالى- بأن يرى رسوله -صلى الله عليه وسلم- رؤية حقيقية، وذلك أن الشيطان لا يتمثل برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ولكن بشرط أن يرى ذلك الرائي ذلك الذي رآه في المنام على هيأة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد يأتي الشيطان في المنام على هيئة إنسانٍ آخرَ ويقول أنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس هذا المراد من الحديث، المراد أن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بالصورة الحقيقية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما أن يكذب وأن يفتعل فهذا يحصل، فلو رأى إنسان إنسانا في المنام وقال له أنا رسول الله أو كانت هنالك أدلة تقول له إن هذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي قرائن، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طائرة مثلا، فإن هذه ليست برؤيا بل هذا من الشيطان!.

 

وكذلك لو رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبس لباسا غير ما كان يلبس، كأن يلبس مثلا البنطال ونحوه، فإن هذا ليس برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا الضابط في هذه المسالة أن يسأل فيقال له: صف لنا من رأيت فإننا نعلم صفات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن وصفها كما جاءت فذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يمكن للشيطان أن يتمثل بالصورة النبوية الكريمة.

 

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرينا الحق حقا وأن يرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا وأن يرزقنا اجتنابه، وأن يجمعنا بسيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- في دار الكرامة، وأن يكون شفيعا لنا يوم القيامة، وأن يسقينا بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71]

 

أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

 

معشر الإخوة: الجميع يحب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهناك سؤال يدور في رؤوس كثير من الناس وهو: هل يؤجر الإنسان عل حب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ولو كان من العصاة ومن المقصرين؟ لأننا نقول:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمري في القياس بديع

ثم نقول:

لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ *** إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ

 

والجواب عن ذلك: إن هذه مسألة دقيقة، وهو أنه قد يحب الإنسان النبي -صلى الله عليه وسلم- أو يحب الله ورسوله ولكن بمقتضى بشريته وبمقتضى ما جبل عليه من التقصير قد يقع في المعصية، ولكن حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موجود وثابت في قلبه، وقد يكون أكثر حبا من غيره من الذين لا يقعون في مثل هذه الأمور إلا أن محبته ضاعت عند اقترافه للمعصية كما ضاع الإيمان الكامل الذي قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن".

 

والدليل على ذلك ما نشعر به في أنفسنا جميعا... جيء برجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان يشرب الخمر، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يجلد، فلعنه أحد الصحابة فقال له: "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله"، هذا مع أنه كان يقترف هذه الكبيرة.

 

وجاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل عن الساعة فقال: "ماذا أعددت لها؟"، فقال: ليس كثير شيء، إلا أنني أحب الله ورسوله. فقال له: "أنت مع من أحببت".

 

ففهمنا من هذا أن الحب حتى لو كان عاطفيا فإن له منزلة عند الله إذا كان صاحبه على قاعدة إيمانية راسخة، ولكننا على سبيل التوبيخ والتقريع نقول لمن يعصي الله ورسوله وهو يزعم أو يقول إنني أحب الله ورسوله نقول له على سبيل التربية والتوبيخ والتقريع؛ لأن الأصل أن يلازمه في كل حين، نقول له: لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع.

 

لكن هذا يعتريه غفلة يقال لها غفلة الصالحين، فيقع في شيء من الأخطاء ثم يعود بعد ذلك أو يرده حب الله ورسوله إلى ما كان عليه من الإيمان والعمل الصالح.

 

نسأل الله -تعالى- أن يرزقنا حبه وحب نبيه -صلى الله عليه وسلم-، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها...

 

 

 

المرفقات

النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات