قلوب الطير

حسين بن شامر القحطاني

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ بحث الناس في الدنيا على الراحة 2/ الراحة الحقيقة في الجنة 3/ فضل القلب الرقيق وعلاماته 4/ الدين ليس مظهرا فقط 5/ بعض فضائل القلب الرقيق 6/ مصيبة قسوة القلب وبعض مظاهر ذلك 7/ بعض الوسائل المعينة على رقة القلب

اقتباس

سأتحدث عن قوم من سكان الجنة، يقول فيهم عليه الصلاة والسلام: "يدخل الجنة أقواما أفئدتهم مثل أفئدة الطير" أجساد مليئة بالشحم واللحم، وبالدماء في العروق، لكن داخل هذا الجسد قلب، هذا القلب رقيق رحيم، طيب نقي، لا يعرف خبثا ولا حسدا ولا حقدا ولا انتقاما ولا إجراما، إن...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي رفع السماء فسواها، وجعلها على غير عمد تراها، وعلم خطرات النفس ونجواها، أحمده سبحانه على عدد كل ذرة خلقها فلم ينساها.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أوجد المخلوقات من عدم وأنشأها، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله كرر قواعد الملة وشيد بناها، صلوا على طه النبي المقتدى قد فاز من صلى عليه وردد، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه خير الأمة وأتقاه.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، واذكروا نعمته عليكم واشكروه: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم: 7].

 

عنوان هذه الخطبة: "قلوب الطير".

 

أيها الموحدون: كل ما ترونه حولكم وتسمعون به في زمانكم من بذل وعطاء واجتهاد وعمل مستمر حتى الرقاد؛ إنما ذلك لذلك السعادة والراحة.

 

فالكل -يا عباد الله- يبحث عن هذه السعادة والراحة، ولكن الله -جل في علاه وتقدس في سماه- كتب كتابا: أنه لا سعادة ولا راحة إلا في طاعته، ولا سعادة للعبد حتى يدخل الجنة، قال سبحانه في هذه الحياة الدنيا: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد: 4].

 

ولما سئل الإمام أحمد: "متى يرتاح المؤمن؟" سؤال عظيم، سؤال يحتاجه كل واحد منا، متى يرتاح المؤمن؟ فقال رحمه الله: "إذا وضع أول قدم له في الجنة".

 

فهنا يرتاح العبد ويسعد ويطمئن، فالجنة -يا عباد الله- هي أول بداية الراحة.

 

فنسأل أنفسنا هذا السؤال: هل نحن من أهلها؟ هل كتب الله -تبارك وتعالى- أسماءنا في أصحاب الجنة؟ جنة عرضها السموات والأرض هذا هو العرض فكيف بطول الجنة؟

 

فيها ما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين، دار سلام تجتمع فيها بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، أهلها (فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاء مَّسْكُوبٍ) [الواقعة: 28 - 31].

 

زوجة واحدة من الحور العين لو خرجت فقط بخمارها لأضاءات ما بين المشرق والمغرب، فكيف بلابس هذا الخمار؟ بل كيف بوجه من خلق هذا الكون كله؟ بل كيف بوجه الكريم الذي صنع الجنة بيده لعباده المؤمنين؟

 

هذه الجنة -يا عباد الله- لن أتحدث عنها ولا عن جمالها ولا عن وصفها، بل سأتحدث عن قوم هم من سكانها، قوم هم موجودون معنا، هم بين أظهرنا، يشعرون بما يشعر به أهل الجنة، قوم وصفهم النبي -صَلى الله عليه وسلم- بقلوب الطير، لهم أفئدة كأفئدة الطير، يعجز اللسان عن وصف هذه الجنة.

 

فنسأل الله في هذه الساعة أن يجعلني وإياكم من أهلها.

 

ولكن سأتحدث عن قوم من سكان الجنة، يقول فيهم عليه الصلاة والسلام: "يدخل الجنة أقواما أفئدتهم مثل أفئدة الطير" [أخرجه مسلم].

 

أجساد مليئة بالشحم واللحم، وبالدماء في العروق، لكن داخل هذا الجسد قلب هذا، القلب رقيق رحيم، طيب نقي، لا يعرف خبثا ولا حسدا ولا حقدا ولا انتقاما ولا إجراما، إن أخطأ عليه مسلم قال: سامحه الله، وإن آذاه مسلم قال: عفا الله عنه.

 

الجليس يأمنه يتعامل مع الناس بما في قلبه من أخلاق، وبما في قلبه من رحمة وطيب وصفاء، بعكس ما يتعامل معه الآخرون بخبث تصيد عثرات، بحثا عن مصالح، يتهم في المجتمع بالسذاجة، بالطيبة الزائدة يأتي إليه الناس فيقول: هذا طيب ما عليك منه، طيب اتركه لا يؤذي أحد، تأخذ ما في جيبه لا يقول كلمة، هذا من سكان الجنة ضمن له النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكون من أهل الجنة إذا رأى مظلوما تأثر وإذا سمع بقصة فقير بذل الجهد وأعطاه، إذا علم عن محتاج دمعت عيناه يسمع بمآسي المسلمين، فيبكي ويتأثر، يرى أحوال المسلمين يبكي يتأثر لا يمكن  أن يظلم أحد من الناس، أو يأخذ حق أحد، قلبه رحيم، قلبه حي، واسمعوا ماذا وصف الله رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- وتأملوا في هذه الآية: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) [آل عمران: 159]، لين سهل في متناول الجميع، تأخذ الجارية بيده عليه الصلاة والسلام، ثم تطوف به في شوارع المدينة، ما أنف منها، وما تكبر عليها: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159] ما أروع هذه الآية، وما أشد الحاجة للدعاة والخطباء إلى الغوص في أعماق هذه الآية؟ كلمة طيبة، لين مع الناس، لا تفسيق، لا تجريح، لا استهانة بالناس، لا احتقار لهم، يأتي عليه الصلاة والسلام وهو الشريف العظيم فيريد أن يطيل في الصلاة، يدخل الصلاة: "الله أكبر" يعرف معنى: الله أكبر، فيقف بين يدي الجبار -سبحانه- يريد إطالة الصلاة، فيسمع بكاء الصبي، فيتجوز في صلاته يختصر من الصلاة، يقول كراهة أن أشق على أمه.

 

يجلس مع الضعفاء، مع المساكين، مع الفقراء، يقول: "أبغوني الضعفاء، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم".

 

ثم يختصر الله الأمر كله في شأن هذا النبي -صلى الله عليه وسلمَ- ليتعلم الناس أهمية الرحمة والرقة واللين في هذا القلب، فيقول الله له: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107] (لِّلْعَالَمِينَ) للكافر والمسلم، للشقي والتقي، للسعيد وغير السعيد، رسالته هدفها أن ينقذ هؤلاء البشر ليعبدوا رب البشر، ولتنظف هذه القلوب، وتتجه إلى علام الغيوب.

 

أيها الموحدون: لقد فهمنا قديما: أن الدين في مظاهر وشكليات هذا الدين العظيم ليس بالجنسيات ولا بالقبائل، ولا بجواز السفر، ولا بالألوان ولا بالأموال ولا بالمناصب، متى تزال هذه الفكرة عن أذهاننا وعقولنا؟ يقول عليه الصلاة والسلام: "لا ينظر الله إلى ألوانكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم".

 

هذا القلب -يا عباد الله- هو أعظم ما تملكه -يا عبد الله- والله ليس بالمناصب ولا بالمليارات ولا بالمخططات إنما هذا القلب هو موضع نظر الله.

 

اسأل نفسك الآن اغمض عينيك الآن ماذا ينظر الله في هذه المضغة؟ ما يجد الله في هذه المضغة؟ فتش فيها لحظة واحدة سريعة تراجع فيها نفسك.

 

الله مطلع على هذا القلب كم من نية أن تؤذي شخصا؟ كم في هذا القلب من أعمال ومن خفايا تعشق امرأة لا تحل لك قد توعدت أنت وإياها بعمل المحرم؟ الله مطلع عليك في هذه اللحظة؟ كم من إنسان قاطعته؟ كم من إنسان أخذت حقه؟ كم من إنسان افتريت عليه الله ينظر إليك وإلى هذا القلب؟ هل هي قلوب طير أم قلوب سباع وشياطين؟

 

صاحب القلب الرقيق -يا عباد الله- مبشر بالجنة اسمعوا ماذا يقول عليه الصلاة والسلام في شأن صاحب القلب الرقيق اللين الذي لا يعرف الغش ولا الظلم، يقول عليه الصلاة والسلام: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط" يعني عادل "ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال" [أخرجه مسلم].

 

أسمعت رجلا رحيما رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم؟ أي مسلم على وجه الأرض تكون به رحيما ولذي القربى أعظم ما يحتاج من خلق الله هذه الرحمة: والداك، أمك وأبوك، كيف قلبك مع والديك؟

 

يقول النووي -رحمه الله-: "من لم يدعو لوالديه من خمس صلوات ثلاث مرات فهو عاق لهما" صلاة الفجر الظهر العصر المغرب العشاء، لابد أن تدعو الله لوالديك في ثلاث صلوات من هذه الصلوات الخمس، فإن لم يدع الإنسان لوالديه فهو عاق لهما.

 

أمك إذا نادتك ماذا تقول؟ أبوك إذا ناداك ماذا يقول؟ ثم بعد ذلك زوجتك وأهل بيتك من العيب -أيها الناس- والخطأ أن يكون الإنسان صاحب أخلاق عالية، ورقة ولين مع زملائه في العمل، ومع جماعته وأقربائه وجيرانه، فإذا دخل البيت كان سبعا يضرب، يشتم، يلعن، يعيب، يحتقر، يستهزئ، أشد الناس حاجة لرحمتك ورقة قلبك والداك ثم أهل بيتك: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" كما قال عليه الصلاة والسلام.

 

أيضا القلب اللين الرحيم الرقيق إذا سمع كلام الله يخشع، إذا وقف بين يدي الله يخشع، يكره أعداء الله، يحب أولياء الله تذرف العينان دمعا من خشية الله، اسمع -يا عبد الله- لو وقفت خاليا ما يراك إلا الله في غرفتك، نصبت سجداتك، أغلقت عليك الغرفة وقفت بين يدي الله، صليت تذكرت ذنوبك، تقصيرك في حق الله، سجدت بين يدي الله، ذرفت دمعة واحدة هذه الدمعة مثل جناح البعوضة، اسمع ماذا يقول النبي في شأنها؟ يقول عليه الصلاة والسلام: "لا يلج النار رجلا بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع" [أخرجه الترمذي].

 

دمعة واحدة من خشية الله بقلب صادق منيب لا تنظر -يا عبد الله- إلى تفريطك ولا تقصيرك، ولا تقل في نفسك: أنا صاحب ذنوب، أنا صاحب كبائر، من منا قد خلى من الذنوب والكبائر، اقبل على الله، انطرح بين يدي الله ستجد فتوحات عظيمة، لا يعلم بها إلا الله، وربما يوم القيامة لن تنفعك موعظتك أمام الخلق، ولن ينفعك بكاءك أمام الناس، ولن تنفعك صدقتك أمام الناس، ممكن أن لا تنفعك في تلك الظلمات إلا دمعة واحدة دمعتها لا يراك إلا الله.

 

لكن -يا عباد الله- للأسف اليوم نعاني معاناة شديدة، وأقسم بالله لو حلفت وأقسمت لن أكون حانثا: أن أعظم مصيبة اليوم لدينا ليست في كثرة الأسعار وارتفاعها، وليست في الميزانية وليست في انخفاض الرواتب ولا في انعدامها عند البعض، أقسم بالله إن أعظم مصيبة نصاب بها هي: قسوة هذا القلب، والبعد عن الرب، والإعراض عن الله -تبارك وتعالى-، يقول الله: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124].

 

أنت عندك الأموال عندك ما تريد، لكن عندك نكد كدر يعيشه كل إنسان، ابتعد عن الله -تبارك وتعالى-، ندخل المساجد وكأننا في أقفاص الطير وليس بقلوب الطير، يقول ابن عمر في أثر: "يأتي على الناس زمانا يجتمعون ويصلون في المساجد وليس فيهم مؤمن" يدخل المسجد يتمنى أن يسلم الإمام بل ربما إذا أخطأ الإمام وابتدع في دين الله لا يتأثر، لكن لو أطال في السجود أربع تسبيحات أو خمس تسبيحات، جاء إليه، وأنكر عليه، وقال: ما كان يفعل النبي هكذا، وربما كرهه وكره صلاته، وانتقل إلى مسجد آخر؛ لأن هذا الإمام يطيل في السجود.

 

ما أن يسلم الإمام مباشرة إلا ويدخل البعض يده في جيبه، ويخرج الجوال يتأمل ويتصفح، نرى الجنائز بأم أعيننا، ندفن الموتى بأيدينا، فلا نتأثر، نسمع: مات فلان، ماتت فلانة، النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا رأى القبر بكى بكاء الثكالى، ثم يقول: "يا إخواني لمثل هذا فأعدوا"، اليوم نجلس على شفير القبر نضحك، وربما البعض يستهزأ بمن كان في داخل القبر، وعند اللحد.

 

نرى الكوارث والمصائب والحروب حولنا، والفقر والجوع والتمزق، ونحن في نعيم لا مثيل له على وجه الأرض، فلا نعتبر ولا نحافظ عليه، ولا نتعظ بما حولنا، رسولنا -عليه الصلاة والسلام- يأكل لا ترفا وإنما جوعا، يخرج في الظهيرة، ربط على بطنه الحجر -صلى الله عليه وآله وسلم-، ثم يجد ما نجده كل يوم، بل كل وجبة ثم يقول: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر: 8].

 

ثم يخرج حزينا منكسرا على هذه النعمة التي لم يستطع أن يشكر الله عليها.

 

سائل نفسك -يا عبد الله-: كيف أحوالك مع الله؟ كيف علاقتك بالله؟

 

بعض المقابر أغلقت لم يعد فيها مجالا لدفن الموتى، مقابر العام قبل العام كانت فسيحة واليوم أصبحت ممتلئة،كم فقدت من أسرتك؟ كم فقدت من أقربائك من جيرانك من جماعتك من أصحابك؟ كم ترى؟ كم نسمع؟ كم ندفن؟ كم نصلي؟ ومع ذلك القلوب ما زالت قاسية، كم زرت المستشفى لتزيل هذا الكبر والغطرسة: وأنا فلان، وأنا ابن فلان؟

 

هل زرت المستشفى لتسمع صرخات الآنيين والمرضى والمطعون والمصاب بحادث والذي يغسلك يأتيه في الأسبوع ثلاث أو أربع مرات، وأنت تسمع الآن في نعيم ما يعلم به إلا الله تغسل كليتك من الله دون أن تدفع ريالا واحدا، أو تبذل جهدا، من الذي أعطاك؟ الله، ومن الذي حرم ذاك؟ هو الله.

 

لنعود إلى الله، لنرجع إلى الله، لنزيل قسوة هذه القلوب، يقول الله -عز وجل-: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر: 22] فيا له من وعيد عظيم!

 

فنسأل الله -تبارك وتعالى- أن يلين قلوبنا، ونسأل الله أن يطهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكبر، وأعيننا من الخيانة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

 

وبعد:

 

فيا أيها الموحدون: أعظم عطية ومنحة يمنحها ويعطيها الله -سبحانه- للعبد هي: رقة القلب وسماحته ولينه، فتشهد ألسنة الناس: ما أطيب فلان!

 

ما أعظم هذه الكلمة لو عقلناها -يا عباد الله-: ما أطيب فلان! فإذا مات تسمع شهود الله في أرضه: ما أذى أحدا، ما ظلم أحدا، ما أخذ حق أحد، ما أطيبه! ما سمعنا أحدا اشتكى منه!

 

جلست يوما من الأيام في عزاء وإذ هم يقولون في هذا الميت أكثر من شخص وإذا بشخص يقول: والله يا جماعة أعرفه منذ ثمانية عشر عاما، والله ما سمعته اغتاب أحدا أو اشتكى منه أحدا، يقول: هذا حاله، ما آذى أحدا من حاله في باله، ما أعظم هذه الكلمات، وما أعظم هذه الشهادة، هذا هو حال صاحب الجنة.

 

ومن أراد -يا عباد الله- أن يكون قلبه رقيقا لينا، يشعر بنعيم الجنة قبل أن يدخلها، فعليه بأربعة أمور مختصرة:

 

الأول: أن يقرأ كلام الله بحضور القلب بتدبر، وتلك وصية قبل أن تنام أغلق عليك غرفتك، ثم افتح كتاب ربك، واقرأ عشر دقائق أو ربع ساعة، تأمل ولو آية أو ثلاث آيات كررها تدبرها تأملها، ثم بعد ذلك انظر إلى قلبك بعد هذه العشر دقائق أو ربع ساعة، ثم إذا نمت قل: اللهم من ظلمني أو أخطأ في حقي، اللهم إنك أمرتنا بالعفو فاللهم اعف عنه، اللهم اعف عنه، ثم نم وأنت سليم القلب.

 

إن مت من ليلتك وقبض الله روحك، فيا لك من فائز عند الله -تبارك وتعالى-، واحذر أن تنام على معصية.

 

ثانيا: أن تكثر من ذكر الله، أذب قلبك بذكر الله، في سيارتك في منزلك، خذ معك مسبحة لا بأس تذكرك بالله، اذكر الله دائما وأبداً "لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله"، ستجد أن حياتك ستتغير، إن تكلم الناس دعهم واذكر ربك، يقول الله -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: "أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه" إذا قلت: سبحان الله، قال الله: فلان بن فلان، قل: الحمد لله، يقول الله: فلان بن فلان، حتى تعرفك ملائكة السماء.

 

ثالثا: لا تنس الموت، لا يشغلك أي شيء في الدنيا عن الموت، ليكن هذا الموت في جميع جوارحك، وفي جميع أحاسيسك، كم صلينا على جنائز سبعين سنة وخمسين سنة وصلينا على صاحب ثماني سنوات، وصلينا على صاحب أربعة أو خمسة أيام الموت، لا يعرف كبيرا ولا صغيرا ولا ملكا ولا مملوكا ولا قويا ولا ضعيفا، ولا صحيحا ولا مريضا.

 

يقسم لي شخص أنهم حفروا قبر رجلا من جماعتهم مائة في المائة، أنه ميت وقد جهزوا قبره يقول: ووالله أن أحد أولاده أقوى مما تتصور، هو الذي دفن في هذا القبر، وبقي هذا الشايب الكبير في السن بعده خمس سنوات.

 

الموت لا يعرف قويا ولا ضعيفا، الموت ساعة واحدة أن ينقص أجلك ورزقك وتأتيك منيتك فلا تنس الموت.

 

رابعا: الإحسان إلى الفقراء، المساكين الضعفاء، يقول عليه الصلاة والسلام: "إن أحببت أن يلين قلبك، فامسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين".

 

هذه أعظم الأسباب لتكون من أصحاب القلوب اللينة، أصحاب قلوب الطير الذين هم أصحاب الجنة.

 

فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم إنا نسألك أن ترزقنا قلوبا طاهرة، قلوبا لينة، قلوبا رحيمة نقية تقية.

 

 

المرفقات

الطير

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات