الإيناس في وصية النبي لابن عباس

خالد بن علي أبا الخيل

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ تأملات في حديث نبوي جليل 2/ دروس وعبر من حديث ابن عباس 3/ من حفظ أوامر الله حفظه الله.

اقتباس

يجب على الآباء والمعلمين وطلبة العلم والعلماء تعليم الصغار لاسيما العقيدة لاسيما في هذا الزمان الذي ضعف فيه الإيمان وتلاشت مسائل كثير من العقيدة أمام الجوالات والسناب والشات وغير ذلك مما ألهتهم عن أصولهم وعن تقعيدهم ومعتقدهم، ولهذا كان السلف يُعنون بهذا، فكانوا يُلقنون صغارهم "مَن ربك، وما دينك، ومَن نبيك، وما هو أول ما فرض الله عليك، وما هو الإيمان بالله، وما هو الكفر بالطاغوت، وما هو الولاء، ما هو البراء حبٌ للمؤمنين وبغضٌ للكافرين"...

 

 

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله العلي الأرفق جامع الأشياء والمفرقِ، ذي النعم الواسعة الغزيرة والحكم الباهرة الكثيرة، ثم الصلاة والسلام دائمًا، على الرسول القرشي الخاتمِ وآله وصحبه الأطهار الحائزين مراتب الفِخارِ

أما بعد: عباد الله.. فاتقوا الله جل في علاه فمَن اتقى الله وقاه، ومَن اتقى الله كفاه، ومَن اتقى الله منحه رضاه، ومَن اتقى الله جعل الجنة مأواه .. 

 

إخوة الإسلام في هذه الدقائق المعدودات وهذه اللحظات المحسومات، نقف وقفات مع حديث عظيم، هي "الإيناس في وصية النبي لابن عباس"، وذلك فيما رواه أحمد في مسنده، والترمذي في جامعه عن أبي العباس عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: "يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ".

 

هذا الحديث كما يقول ابن رجب -رحمه الله-: حديث عظيم فيه قواعد وأصولٌ في الدين. يقول ابن الجوزي -رحمه الله-: تدبرت هذا الحديث فأدهشني، فيا أسفاه من الجهل بهذا الحديث.

 

أيها الإخوة المسلمون في هذه الجمل الخمس بل في هذا الحديث عشر وقفات:

الوقفة الأولى: مع التواضع: مع تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث ركب الحمار، وحيث أردف هذا الشاب عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- وذلك يدل على قرب المتعلم من المعلم والمعلم من المتعلم حتى تتمكن الفائدة، وهذا من تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وربنا يقول في كتابه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، حينها عباد الله يجب أن نتواضع للمسلمين، وأن نتواضع للمتعلمين، وأن نتواضع للسائلين فنفيدهم بما يريدون.

الوقفة الثانية: مع تعليم الصغار: ذلكم أن نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- ركز هذه العقيدة وركز هذا التوحيد في هذا الشاب الصغير لماذا؟ لأن الشباب عباد الله هم محل الحفظ والتحصيل، وهم جيل المستقبل، وهم الذي إذا مشوا على طاعة الله وحفظ كتاب الله وحفظ سُنة رسول الله نفعوا أمتهم ونفعوا مجتمعهم.

حرّض بنيك على الآداب في الصغر *** كيما تقرّ بهم عيناك في الكبر

وإنما مثل الآداب تجمعها *** في عنفوان الصبا كالنقش في الحجر

وقديمًا قيل: وينشأ ناشئ الفتيان ما على ما كان عوده أبوه. فيجب على الآباء والمعلمين وطلبة العلم والعلماء تعليم الصغار لاسيما العقيدة لاسيما في هذا الزمان الذي ضعف فيه الإيمان وتلاشت مسائل كثير من العقيدة أمام الجوالات والسناب والشات وغير ذلك مما ألهتهم عن أصولهم وعن تقعيدهم ومعتقدهم، ولهذا كان السلف يُعنون بهذا، فكانوا يُلقنون صغارهم "مَن ربك، وما دينك، ومَن نبيك، وما هو أول ما فرض الله عليك، وما هو الإيمان بالله، وما هو الكفر بالطاغوت، وما هو الولاء، ما هو البراء حبٌ للمؤمنين وبغضٌ للكافرين".

الوقفة الثالثة: فهي مع التركيز في العقيدة: وذلكم عباد الله أن النبي -عليه الصلاة والسلام- علم هذا الشاب "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة..".

 

كل هذا الحديث يعلق العبد قلبه بربه، كل ما في هذا الحديث يدل على تعليق القلب بالرب سبحانه وبحمده، ولهذا كان من وصايا السلف أنهم كانوا يكتبون في وصاياهم حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- الذي في الصحيحين: "مَن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاه إلى مريم وروحٌ منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل".

 

على ذلكم عباد الله يجب أن نتعلم كتاب الله وسُنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن نتعلم عقيدتنا وأن ندرس توحيدنا لاسيما الكتب المختصرة المفيدة، كتب أئمة الدعوة على رأسهم محمد بن عبدالوهاب أجزل الله له الأجر والثواب، وذلك في كتبه الخمسة فالأصول الثلاثة، وكتاب التوحيد، وقسم الشبهات، ومسائل الجاهلية، والقواعد الأربع، ولذلك العقيدة الواسطية فالله الله عباد الله، تمسكوا بعقيدتكم، وجدوا واجتهدوا في تعلمها وترسيخها.

الوقفة الرابعة: مع أساليب الدعوة: وذلكم عباد الله في ثلاث مواقف في هذا الحديث، أولها: النداء "يا غلام"، وفي رواية: "يا غُليم" وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُنادي أصحابه ويُدخل عليهم السرور بالألفاظ الجميلة والكلمات النبيلة "يا غُليم"، "يا غلام:"، "يا عائش"، "يا عائشة"، "يا أبا هر"، "يا أبا هريرة"، "يا فاطم"، "يا فاطمة"، الله أكبر عباد الله حتى يتمكن من قلوبهم وحتى يحبوه فيستقبلوا ما يقولونه، فعلى الأب والمعلم والمُربي حينما يُربي أن يُلقن تلك الألفاظ على مَن يليه ومَن يريد أن يُربيهم وأن يُعلمهم.

ومن ذلكم عباد الله أنه لفت الانتباه بقوله: "واعلم أن الأمة"؛ لأن كلمة "اعلم" يؤتى بها للاهتمام لعظيم المقام، ويؤتى بها للفت الانتباه لما سيُلقى من الكلام من الأفواه.

ومن ذلكم عباد الله الاختصار والإيجاز "إني أعلمك كلمات" كلمات مختصرات ووجيزات حتى يحفظها مَن يسمعها.

الوقفة الخامسة: فهي مع قوله: "احفظ الله": احفظ الله في حدوده، احفظ الله في أوامره، احفظ الله في نواهيه، في أوامره بالائتمار ونواهيه بالانتهاء فمَن حفظ الله حفظه الله، ومَن ضيع الله ضيعه الله، ولهذا المحافظ على حدود الله هو الوارث لجنة الإله .. نعم عباد الله (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) [ق:31]، (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) [ق:32]، هو مَن حفظ أوامر الله واتقى الله في سره ونجواه.

خلي الذنوب صغيرها *** وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماش فوق *** أرض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرنّ صغيرة ***  إن الجبال من الحصى

 

احفظ الله وأعظم شيء عباد الله أن تحفظ الله فيه هو الصلاة (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [المعارج:34]، (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238]، وحافظ على فعل الفروض فإنها آخر مسئول عنه في سُنة أحمد.

 

 ولهذا عباد الله جاء عند أبي داوود والنسائي وابن ماجه "مَن حافظ عليها كان عهدٌ على الله أن يُدخله الجنة"، وعند الإمام أحمد "مَن حافظ عليها كانت له نورٌ وبرهان ونجاة يوم القيامة" ومَن لم يُحافظ عليها لم تكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة، وكان مع قارون وهامان وأبيّ بن خلف عليهم لعائن الله المتتابعة.

إخوة الإسلام.. المحافظة على الصلاة تقتضي المحافظة على أركانها، وشروطها وواجباتها وسننها، المحافظة على الصلاة: الصلاة مع الجماعة في المساجد؛ لأن المساجد لم تُبنى إلا للصلاة (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [النور:36]، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ) [البقرة:114].

 

ومن المحافظة على الصلاة: الصلاة في وقتها؛ فالصلاة لها وقت محدود وزمنٌ معدود لا يجوز تجاوزه ولا يجوز تعديه ولا التقدم عليه، وذلكم أن لها وقتٌ قبل ووقتٌ بعد (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء: 103].

ومن المؤسف عباد الله أن بعض عباد الله يصلي الصلاة في غير وقتها فيصلي الظهر على العصر، والعصر المغرب، والمغرب العشاء، والفجر بعد طلوع الشمس، فمَن صلى الفجر حينما يذهب إلى عمله أو إلى وظيفته أو إلى مدرسته أو إلى شغله أو إلى مزرعته أو إلى تجارته أو إلى غير ذلك من أمور دنياه فقد صلى الصلاة في غير وقتها؛ لأن الفجر يخرج وقته إذا طلعت الشمس، فاتقي الله أيها المسلم وصلى الصلاة مع الجماعة بأوقاتها المحدودة فربنا يقول: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم:59].

ولاحظ قرن تضييع الصلاة مع اتباع الشهوات؛ لأن الدنيا شهوة، والنوم شهوة، وحب المال شهوة، وحب الولد والزوجة شهوة، فإذا قدم مشتهياته على محبة الله ورضاه كانت النتيجة (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [الماعون:4- 7].

أسأل الله الكريم بمنّه وفضله وعطاءه وإحسانه أن يجعلني وإياكم من المحافظين على الصلوات معًا في الجمع والجماعات.

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان للأوابين غفورًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد والصلاة والسلام على رسول الله..

 

ومن الوقفات عباد الله في هذا الحديث: في قوله: "احفظ الله يحفظك": يحفظ الله -عز وجل- عباد الله يحفظك الله -جل وعلا- في أمرين عظيمين وحالتين كبيرتين أحدهما أعظم من الآخر:

الأول: أن يحفظك الله في دينك، فيحفظ عليك عقيدتك، ويحفظ عليك دينك، ويحفظ عليك إيمانك، ويحفظ عليك عبادتك، ويحفظ عليك صلاحك وتقواك (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) [إبراهيم:27]، فتخرج روحك على لا إله إلا الله محمد رسول الله، يحفظك الله من الشرك قليله وكثيره، صغيره وكبيره، يحفظك الله من البدع والأهواء والشبهات المُضلة والشهوات المنجرفة، فيحفظك الله -عز وجل- في دينك وهذا أعظم الحفظين.

ومن ذلكم عباد الله: أن الله يحفظك في دنياك فيحفظك في مالك، وولدك، وزوجك، ودنياك، فيحفظك الله بحفظه التام وعينه التي لا تنام (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد:11]، شريطة ذلك: أن تحفظ الله فالجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان فاحفظ الله يحفظك الله.

ومن الوقفات: "احفظ الله تجده تجاهك": تجد الله -عز وجل- معك على أي حال فالله يحفظك ويُعينك وينصرك ويؤيدك ويكلؤك (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل:128) ومَن يتق الله فهو حسبه ومَن كان الله معه، فمعه الفئة التي لا تُغلب والحارس الذي لا ينام والهادي الذي لا يضل، ومَن كان الله معه فإن الله -عز وجل- يُسدده ويُعينه ويوفقه لأمور دينه ودنياه.

ومن الوقفات عباد الله: في قوله: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله": وهذا معنى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة:5) إذا سألت فاسأل الله لا تسأل غير الله.
لحمل الصخر من قِلل الجبال *** أحب إليَّ من مِنن الرجال
يقول الناس: هذا عيبٌ *** فقلت: العيب في ذل السؤال

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذ على أصحابه أن لا يسأل الناس شيئًا، وكان من دعاء الإمام أحمد دعوة جميلة مباركة: "اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك".

إذًا عباد الله اسأل الله فربنا يقول: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء:32) وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [البقرة:186].

 

 "وإذا استعنت فاستعن بالله": والاستعانة تجمع أصلين عظيمين: الأصل الأول: الثقة بالله. الأصل الثاني: الاعتماد على الله.

والعبد محفوظ بإعانتين: إعانة قبل العمل، وإعانة بعد العمل. فقبل العمل: أن يؤدي العمل، وبعد العمل: أن يؤدي عبادة أخرى، وهذا معنى قول المصطفى: "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة".

إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهاده

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "تأملت أنفع الدعاء فوجدته سؤال الله العون على مرضاته، ثم تأملته فإذا هو في قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)".

عند الإمام أحمد وأبي داوود وغيرهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذات يوم أخذ بيد معاذ فقال: "يا معاذ إني لأحبك، والله إني لأحبك فلا تدعنَّ دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".

فيا أيها المسلمون.. مَن رأى في نفسه تقصيرًا في عبادة من العبادات كالقراءة أو البر أو المحافظة على الصلاة أو الذكر أو صلة الأرحام أو الإحسان إلى الجيران أو الإحسان إلى الخلق، مَن رأى تقصيرًا في الطاعة، فليسأل الله العون على طاعته، ومَن رأى زيادة في فعل المعصية كأن يُبتلى بسماع الغناء وإسبال الثياب وقطيعة الأرحام وعقوق الوالدين وغير ذلك من المحرمات، فليسأل الله أن يحفظه وأن يُعينه من هذا الوباء.

وإذا أُصيب الإنسان بمصيبة أو حصلت له كارثة فعليه أن يصبر لله -عز وجل-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن:11]، هكذا المؤمن عباد الله له عبادة في السراء وعبادة في الضراء، كما قال المصطفى: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له وليس ذلك إلا للمؤمن".

يجري القضاء وفيه الخير أجمعه *** لمؤمن واثق بالله لا لاهي

إن جاءه فرح أو نابه ترح *** في الحالتين يقول: الحمد للهِ

وخاتمتها وختامها مسك .. "لو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك": يا لها من كلمات .. يا لها من عظات تعلق القلب برب الأرض والسماوات..

فاقطع العلائق عن الخلائق *** واتصل بالرب الخالق

إذا انقطعت أطماع عبدٍ عن الورى *** تعلق بالرب الكريم رجاءه

فأصبح حرًا عزة وقناعة *** على وجهه أنواره وضياؤه

وإن علقت بالعبد أطماع نفسه *** تباعد ما يرجو وطال عناؤه

فلا ترجو إلا الله للخطب وحده *** ولو صح في خِل الصفاء صفاؤه

علق قلبك بالله، توكل على الله، ثق بالله فالله -عز وجل- بيده أزمة الأمور وله مُلك الدنيا والآخرة، وأمره إذا أراد أمرًا أن يقول له كن فيكون، فاقطع قلبك عن الخلق واتصل بالله -عز وجل- تجد هذا الإيمان في قلبك نورًا وسرورًا أنسًا وحضورًا.

يقول شيخ الإسلام: ليس بالدنيا جنة تشبه جنة الآخرة مثل لذة المعرفة والإيمان. وقديمًا قال إبراهيم بن أدهم مقالته العصماء: لو علم الملوم وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.

فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غِضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين الناس خرابُ
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب

هذا والحديث عباد الله عظيم وقد شرحه ابن رجب شرحًا عظيمًا وافيًا في مكانين:
الأول: في جامع العلوم والحِكم شرح الخمسين الأحاديث مع النووية فعلى الإنسان مطالعته وقراءته وشرح المختصر المستقل نور الاقتباس من مشكاة النبوة لابن عباس.

والله أعلم

 

 

المرفقات

في وصية النبي لابن عباس

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات