غزوة حنين وواقعنا الأليم دروس وعبر

منير الكمنتر الأزهري

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ أهمية فتح مكة 2/ أسباب غزوة حنين 3/ أحداث الغزوة 4/ المنهج النبوي في توزيع الغنائم 5/ فضل الأنصار ومنزلتهم 6/ أبرز الدروس والعبر المستفادة من غزوة حنين..

اقتباس

تجمعوا وجمعوا جموعهم بأعداد ضخمة كبيرة، وانضم إليهم من لم يسلم بعد من الأعراب وقبائل العرب، وحاولوا الهجوم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبلغ ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- فخرج إليهم حين بلغهم أنهم يتجهزون له.. وهذا دليل آخر نزيده وضوحًا وتأكيدًا على ما كنا قد ذكرناه سابقاً أن كل حروب رسول الله وكل مقاتلة رسول الله إنما فُرضت عليه فرضًا، لم يأتِ رسول الله بقتال ولا بقطع الرؤوس ولا بسفك الدماء، وإنما كان حريصًا غاية الحرص على عدم سفك دماء الناس، كان حريصًا غاية الحرص على عدم سفك دماء الناس..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد --صلى الله عليه وسلم--، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

سبحانك لا فهم لنا إلا ما فهمتنا إنك أنت الجواد الكريم، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا ومولانا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في سبيل دينه حتى آتاه اليقين، اللهم اجزه عنا وعن والدنيا وعن الإسلام والمسلمين خير ما جزيت به نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه.

 

اللهم أحينا على سنته وتوفنا على ملته واحشرنا في زمرته وتحت لوائه، أوردنا حوضه، اسقنا اللهم من يده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً، اجمع اللهم  بيننا وبينه كما آمنا به ولم نره ولا تفرّق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

يا سيد العقلاء يا خير الورى *** يا من أتيت إلى الحياة مبشراً

وبعثت بالقرآن فينا هادياً *** وطلعت في الأكوان بدراً نيراً

 أرسلت داعية إلى الرحمن *** ودعوت فاهتزت لك الثقلان

أخرجت قومك من ضلالات الهوى*** وهديتنا للواحد الديان

 

صلى الله تعالى عليك سيدنا رسول الله وعلى آلك وأصحابك وآل بيتك الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها الإخوة الأعزاء أمة هذا النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- يقول مولانا تعالى جل من قائل في القرآن الكريم والتبيان الحكيم: (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور:54]، وقوله سبحانه: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 25- 27].

 

ومع الحبيب الأعظم سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، ونحن نعيش السنة الثامنة من هجرته -صلوات الله وسلامه عليه- بل تحديداً في آخر السنة الثامنة، وقد تحدثنا في الأسبوع المنصرم عن فتح مكة، وما أدراك ما فتح مكة؟! إن مكة هي أم القرى وهي القرية التي تأوي إليها أفئدة الناس، وفيها الكعبة المشرفة وهي قبلة المسلمين وقبلة سيدنا إسماعيل حيث بناها مع سيدنا إبراهيم الخليل.

 

فإذا مكة المكرمة وفتحها لا شك أن ذلك له وقع شديد في قلوب المسلمين وانتصار كبير للدعوة الإسلامية ومنّة عظيمة من الله -عز وجل- على رسوله وعلى المؤمنين؛ حيث أصبحت مكة المكرمة دار إسلام ودار إيمان يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا".

 

إذًا لا هجرة بعد الفتح، كانت الهجرة قبل فتح مكة واجبة من أجل أن يحافظ المسلم على دينه وإيمانه، كانت واجبة لكن بعد فتح مكة أصبحت بالاختيار من شاء أن يهاجر إلى المدينة هاجر، ومن شاء أن يقيم بمكة قام.

 

وهذا أمر عظيم وفسحة كبيرة في شرعة الله -سبحانه وتعالى-، هذه نعمة تحدثنا عنها في الأسبوع المنصرم، إلا أن المسلمين لم يضعوا السلاح والمعركة لم تنتهِ بعد حيث إن أهل الشرك وأهل الكفر لا يستسلمون بسهولة، ولا ينصاعون للحق أبداً، وإنما يظلون دائماً يراوغون سواء في العلانية أو في السر في أحجارهم.

 

إذًا لا يمكن لأهل الشرك والباطل أن يستلموا بسهولة أمام الحق مما يستدعي أن يكون أهل الحق في يقظة كاملة وتامة، رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- دخل مكة المكرمة بعشرة آلاف مقاتل مدججين بالسلاح مما جعل قريشًا تدخل في دين الله أفواجاً مستسلمين، بعد أن عفا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمن عفا منهم بعد أن أهدر دماءهم، وهذه صفحة ناصعة بيضاء في تاريخنا الإسلامي.

 

لا أقول صفحة واحدة، صفحاتنا في التاريخ الإسلامي كلها بيضاء، ليس عندنا في التاريخ الإسلامي ما نستحي منه ولا نخجل من ذِكْره أبداً، لقد ضربنا مثلاً عالياً في الإنسانية، وفي حقوق الإنسان وفي حق الآخر حتى قال شاعرنا:

ملكنا فكان العفو منا سجية *** فلما ملكتم سال بالدم أبطح

 

الذي حصل أن قبيلتين من كبار قبائل العرب هما ثقيف وهوازن حين سمعوا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد دانت له قريش غاظهم ذلك، وقالوا: سوف يغزونا محمد، فتجمعوا وجمعوا جموعهم بأعداد ضخمة كبيرة، وانضم إليهم من لم يسلم بعد من الأعراب وقبائل العرب، وحاولوا الهجوم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبلغ ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- فخرج إليهم حين بلغهم أنهم يتجهزون له بعد أن أرسل عينًا من عيونه، ودخل بينهم وعاش بينهم يومين أو ثلاثة وسمع منهم صراحة يقينا أنهم يستعدون لقتال رسول الله.

 

وهذا دليل آخر نزيده وضوحًا وتأكيدًا على ما كنا قد ذكرناه سابقاً أن كل حروب رسول الله وكل مقاتلة رسول الله إنما فُرضت عليه فرضًا، لم يأتِ رسول الله بقتال ولا بقطع الرؤوس ولا بسفك الدماء، وإنما كان حريصًا غاية الحرص على عدم سفك دماء الناس، كان حريصًا غاية الحرص على عدم سفك دماء الناس حين قال -عليه الصلاة والسلام-: "إنما أنا رحمة مهداة"، ولا أصدق من قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107].

 

حين بلغه ذلك استعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخرج بالعشرة آلاف من الصحابة من الأنصار والمهاجرين الذين قدموا معه في فتح مكة، وانضاف إليهم ألفان ممن أسلم من أهل مكة خرج معه بعض المشركين أيضًا وبعض الأعرابي طمعًا في الغنيمة.

 

خرج رسول الله بهذا العدد الكبير من المسلمين الذين لا  مثل له  من قبل ذلك أبداً، فحين خرجوا ومعهم بعض الأوباش بعض الناس الذين فسدت نياتهم إنما خرجوا من أجل المال والغنيمة وبعض المشركين، وسمح لهم رسول الله بالخروج معه علَّ الله أن يهديهم، علهم يرون من رسول الله من تصرفاته ومن أخلاقه ما يفتح صدورهم للإسلام من صناديد قريش لم يسلموا بعدُ، فسمح لهم بالخروج معه -عليه الصلاة والسلام- لكن بعض المسلمين من الصغار قال قولة ذكرها القرآن الكريم قالوا: لم نغلب اليوم عن قلة.

 

قالوا مشكلة القلة انتهت في حياتنا إذا عندنا من الكثرة ومن السلاح ما لا يمكن أن يكون خللاً في انتصارنا أبداً "لن نغلب اليوم عن قلة".

 

وصار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكنَّ ثقيف وهوازن سبقته إلى وادي اسمه حنين واختبأت مقدمة الجيش فيهم عند مداخل الوادي وجعلوا كمينًا للمسلمين وفي جنح الظلام بعد الفجر ما زال الليل مخيمًا، رشقوا المسلمين بشدة بالنبال، ورموهم عن يد واحدة، وتفرق المسلمون وانهزموا شر هزيمة حتى بعضهم وصل مكة من شدة هربه، لكن رسول الله لم ينهزم وظل مكانه ولم يتحرك وأخذ ينادي يا للأنصار! يا لأصحاب الشجرة! يا لأصحاب البقرة! يا لأهل بدر! يا لفلان!! فاجتمع إليه المسلمون في نحو من مائة فقط اجتمعوا مع رسول الله، ثم أعلنها فقال: "الآن حمي الوطيس" كناية عن الآن بدأت الحرب.

 

وأول من قالها في العرب سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان حوله أبوبكر وعمر وعثمان وسيدنا علي، وعمه العباس -رضي الله عنهما جميعا- يمسك بزمام ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو بغلته البلقاء، وكان ذا صوت عال، وأمره له رسول الله أن ينادي فاجتمع المسلمون وأجمعوا الكرة على أعدائهم وأنزل الله الملائكة وكانت الملائكة بين المسلمين وبين أعدائهم وإذا ما هي إلا ساعة حتى تنهزم هوازن وتنهزم ثقيف.

 

لكن الذي حصل أن هوازن وثقيف في هذه المعركة جمعوا كل ما يملكون من إبلهم ونسائهم وأولادهم، وجعلوها خلف المقاتلة، وقالوا نجعل وراء كل مقاتل نساءه وأولاده وأمواله من أجل ما إذا رأى ما وراءه يدفعه ذلك ويجعله حريصاً على القتال وعدم الرجوع.

 

لكن دريد بن الصمة وكان شاعرًا فارسًا شديدًا في الحرب لكنه لم يقاتل؛ لأنه كان كبيرًا في السن قال لقائد هوازن وثقيف: ما هذا الذي فعلت؟ قال: فعلته من أجل ألا يفروا، قال: أأنت راعي غنم هذه الحرب، فإن كانت الحرب لك فإنما ينفعك رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت الحرب عليك فسوف تؤذى أشد الأذى في أهلك وولدك ومالك، ما هذه بفكرة صائبة.

 

فلم يسمع له فوقعت هذه الجموع كلها غنيمة للمسلمين، وغنم المسلمون في هذه المعركة أربعة وعشرين ألف جمل، وغنموا أربعين ألف شاة، وغنموا مالاً وذهبًا كثيرًا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن تشرد هؤلاء ثلاث فرق أرسل ورائهم ولاحقهم رسول الله؛ لاحق مالك بن عوف سيد ثقيف وهوازن قائد جيشهم حتى ألجأهم إلى الحصن، وحاصرهم ثمانية عشر يومًا، ثم تركهم بعد ذلك بعد استشارة قال لأحد أصحابه: أنزيد في حصارهم؟ قال يا رسول الله ما حال هؤلاء المشركين في انزوائهم في حصنهم إلا كمثل ثعلب في جحر إن بقيت تنتظره أمسكته، وإن تركته فلن يضرك.

 

فتركهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال له أصحابه: ادع الله على ثقيف وهوازن يا رسول الله. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اهدهم وأت بهم مسلمين يا رب العالمين".

 

هذه كانت دعوة سيدنا رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه-، طبعًا أرسل الغنائم إلى ناحية الجعرانة؛ مكان ما مع أحد الصحابة يرعى هذه الغنائم حتى تفرغ لها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقسم الغنائم بين المقاتلين، فجاء نصيب كل مقاتل أربعة من الجمال وأربعين من الغنم لكل مقاتل، ورسول الله -عليه الصلاة والسلام- في هذه الساعة خص بعض مشركي العرب وكبارهم وقادتهم من أسلم ومن لم يسلم، أعطاهم مزيدًا من الغنائم وأغدق عليهم العطاء أعطاهم عطاءً مدهشًا حتى قال صفوان وهو ينظر إلى وادٍ شِعْب مليئة بالغنم قال له رسول الله: أتريد أن يكون هذا لك؟ قال: نعم حبًّا وكرامة، فقال: سقه فهو لك، خذه فهو لك، فقال الرجل والله دخلت على كسرى وعلى قيصر وعلى الملوك والله ما رأيت واحدًا منهم يعطي عطاء محمد والله هذا عطاء لا باحت به إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد يا محمد أنك رسول الله.

 

أعطاهم وأغدق عليهم رسول الله منهم العباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعاوية بن أبو سفيان وغيرهم من هؤلاء من أسلم ومن لم يسلم، من أجل أن يستميل قلوبهم، أو يثبتهم على الإيمان، كانت هذه أخلاق المصطفى -عليه الصلاة والسلام-،

وجاء إليه بعض أصحابه، فقالوا: أعطنا يا رسول الله؟ فأخذ وبرة من جمله، وقال: "والله ما أبقيت لنفسي مثل هذه الوبرة، والله ما ادخرت لنفسي عنكم شيئًا إنما هو الخمس والخمس مردود عليكم"، -صلوات الله وسلامه عليه-.

 

هذه هي القيادة، هذه هي الريادة، هذه هي العظمة والسؤدد في أخلاق النبي -عليه الصلاة والسلام- علّم أصحابه أن يجوعوا من أجل أن يشبع الناس، علم أصحابه أن يلبسوا المرقع من أجل أن يكتسي الناس، علم أصحابه السهر من أجل أن ينام الناس مطمئنين.

 

هذه هي عظمة الإسلام لا أن يشبعوا والناس جائعين، لا أن يلبسوا والناس في عري،  لا أن يركبوا والناس حفاة عراة، ليس هذه هي الشريعة الإسلامية إنما الشريعة الإسلامية شريعة إنسانية؛ شريعة الرحمة وصدق الله -عز وجل- إذ يقول (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).

 

ما الذي حدث؟ الذي حدث هنا أن الأنصار -رضي الله عنهم- جاء في قلبهم نوع من الحزن والأسى في قلوبهم عند صغرهم، وقالوا: رسول الله أعطى هؤلاء المشركين مزيدًا من العطاء، وخصهم بمزيد من العطايا، وما تزال سيوفنا تقطر من دمائهم نحن أولى بهذا!

 

فبلغت تلك الكلمات من صغارهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجمعهم سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال لهم يا معشر الأنصار ما مقالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها عليَّ في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم» ؟ قالوا: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل.

 

ثم قال: «ألا تجيبوني يا معشر الأنصار»؟ قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل. قال: «أما والله لو شئتم لقلتم، فلصدقتم ولصدقتم: أتيتنا مكذباً فصدقناك، ومخدولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك.

 

أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة –في شيء ليس له قيمة- من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى رحالكم؟ فو الذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا، وسلكت الأنصار شعبا؛ لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار».

 

فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: "رضينا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسمًا وحظًّا، ثم انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتفرقوا".

 

هذا هو الوفاء في أبهى صوره نتعلمه من سيدنا وحبيبنا ونبينا سيدنا محمد -صلوات الله وسلامه عليه-.

 

معركة كانت شديدة على المسلمين كما ذكرت الآية الكريمة آنفًا: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 25- 27].

 

فكانت درسًا للمسلمين أن لا يغتروا بكثرتهم، وألا يغتروا بقوتهم لعددهم ولا بعُدّتهم وإنما يكون في كل أحيانهم متوكلين على الله -سبحانه وتعالى- مخلصين لله -عز وجل- العمل، وأن يطهّروا صفوفهم، وأن يطهروا ذات بينهم، وأن يجمعوا شملهم على قلب رجل واحد.

 

ولذلك هذا هو الذي نعانيه اليوم نحن المسلمين اليوم مليار ونصف المليار مسلم يتحكم فينا ما لا يزيد ولا يصل عشرين مليون من شرذمة اليهود.

 

هذا شيء في غاية العجب، مليار ونصف ألف وخمسمائة مليون مسلم يتحكم فيهم ويلعب عشرون مليون من اليهود، ويحملون كل أسباب النصرة؛ لغتهم واحدة، ودينهم واحد نبيهم واحد أرضهم واحدة عندهم أسباب العدد والعدة والإيمان.

 

إذًا ما الذي جعل هذه الأمة بهذه الحالة من الهوان والصغار، ولا يأبه بنا ولا يحسب لنا أي حساب؟، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، واجمع شملنا على ما يرضيك عنا يا رب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد سيدنا ونبينا محمدًا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

أيها الإخوة الأعزاء معشر أمة النبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- أخذنا درسًا من حياة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة حنين هذه؛ حيث إن النبي -عليه الصلاة والسلام-، كان لا ينذر أعداءه، كان لا يمهل خصومه، كان يذهب إليهم في عقر دارهم حين يسمع بهم أنهم يريدون به سوءًا ما كان رسول الله يتسامح في قضية غاية الأهمية تمسّ أمن الأمة وتمس أمنها القومي وتمس دينها، وتمس حدودها، وهنا سؤال أين الناس: وأين أمتنا اليوم من قضية فلسطين؟ أين أمتنا اليوم من قضية القدس واليهود في كبرياء وعنجهية وفي عناد شديد لا يأبهون أبداً بأي قرار من الأمم المتحدة أو من غيرها ولا يهتمون؟ وكأننا نحن أمامهم لا نساوي شيئاً فما الذي أدى بنا إلى هذه الحالة؟

 

 اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، لا مناص ولا حل لنا إلا أن نتكاتف وإلا أن نتوحد، وإلا أن نجتمع وإلا أن ننبذ الخلافات وإلا أن نعود إلى الله وإلا أن نربي أبناءنا على كتاب الله.

 

اللهم لا تدع لنا في ساعتنا ذنبًا إلا غفرته.

 

 

المرفقات

حنين وواقعنا الأليم دروس وعبر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات