حلب بين الماضي والحاضر

محمد بن عبدالرحمن العريفي

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ استمرار نزيف الدم في بلاد الشام 2/ بعض فضائل ومناقب بلاد الشام 3/ نبذة تاريخية عن مدينة حلب ومناقبها 4/ مجازر الصفويين ضد أبناء حلب في القديم والحديث 5/ التآمر ضد أهل السنة وزيف المنظمات الحقوقية 6/ التحذير من خذلان المسلمين ووجوب نصرتهم

اقتباس

إنها مدينة حلب؛ إذا ذُكِرت يهتز التاريخ لذكرها، وتختال على مثيلاتها من المدن، فهي حلبُ العلم والقرآن، وحلبُ الطب والهندسة، هي حلبُ التجارة والمساجد. سَلْهَا عن الصحابة الكرام الذين مروا بها، وصلوا في مساجدها. سَلْها عن أئمة الفقه الذين دخلوها وتعلموا فيها وعلموا. سلها عن...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله -تعالى- من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والند والنظير.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله -تعالى- به من الضلالة، وبصر به من الجهالة، وكثر به بعد القلة، وأغنى بعد العيلة، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين بنظر، ووعت أذن بخبر، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [الحج: 39 - 40] لا تزال دماء إخوتنا وأهلنا وأطفالنا في بلاد الشام تنزف منذ سنين، والأمر يشتد عليهم سنة بعد سنة، وشهرا بعد شهر، بل يوما بعد يوم، ولا يزال الخذلان وعدم الالتفات إليهم يشتد، فنرى الدماء والأشلاء في كل مكان، والمستشفيات تهدم على رؤوس الجرحى والمرضى، ونرى الأطفال اليتامى يسيرون في الطرقات حائرين، لا يكفلهم أحد، بل ولا يستطيع أن يلتفت إليهم.

 

ونرى المُهَجَّرين الذين يحاولون أن ينجوا بأنفسهم وأطفالهم، فيغرقون في البحار، أو يهلكون في الصحاري والقفار، وربما استُغِلوا واستُذِلوا في عدد من البلدان، ووصلت أحوالهم في الشام وخارجها إلى مدى لا يعلم حقيقته إلا الله.

 

وقد جعل الله -سبحانه- في الشام من الفضائل ما لم يجعله في كثير من البلدان إلا ما كان من مكة والمدينة؛ إنها أرض الشام المباركة التي أمر الله بإكرام أهلها، وجعل أنبياءه يهاجرون إليها، قال الله -تعالى- عن إبراهيم ولوط -عليهما السلام-: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 71] يعني إلى الشام، وقال تعالى عن موسى -عليه السلام-: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [المائدة: 21] يعني ادخلوا إلى أرض الشام.

 

وقال سبحانه عن سليمان -عليه السلام-: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأنبياء: 81] يعني إلى بلاد الشام.

 

وقال سبحانه عن قصة سبأ: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ) [سبأ: 18] والقرى التي بارك الله فيها هي قرى الشام.

 

والإيمان إذا وقعت الفتن فهو في الشام، قال عليه الصلاة والسلام: "إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان إذا وقعت الفتن في الشام" [رواه أحمد].

 

وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة" [رواه الإمام أحمد].

 

أرض الشام هي الأرض المقدسة، والأرض المباركة هي أرض الرباط فيها الطائفة المنصورة، وفيها أهل الحديث والآثار.

 

والشام أرض العلم والإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: "إني رأيت عمود الكتاب انتُزع من تحت وسادتي فعُمِد به إلى الشام" [رواه الطبراني] يعني أن الاهتمام بالحديث والأثر يكون ظاهرا في بلاد الشام.

 

وقال عليه الصلاة والسلام: "ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم" [رواه أبو داود].

 

وإبراهيم -عليه السلام- إنما هاجر في أوّل أمره إلى الشام.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال من أمتي عصابة قوامة على أمر الله -عز وجل- لا يضرها من خالفها تقاتل أعداءها كلما ذهب حرب نشب حرب قوم آخرين" حتى قال: "هم أهل الشام" ونكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأصبعه يومئ بها إلى الشام حتى أوجعها [رواه البخاري في التاريخ ].

 

والشام على موعد مع أحداث الساعة العظمى، فإن الله -تعالى- يحشر الخلق جميعا إلى أرض في الشام بيضاءَ نقيةً كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، ثم يَنْزِل الله -جل وعلا- لفصل القضاء بين عباده، قال تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) [البقرة: 210].

 

أرض الشام هي أرض المحشر والمنشر، وهي التي ينزل فيها عيسى بن مريم -عليه السلام-، ويُقتل فيها الدجال، وهي الأرض التي باركها الله -تعالى-، ف "يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! يا طوبى للشام!" هكذا كررها نبينا -صلى الله عليه وسلم- ثلاثا، قيل: لم يا رسول الله؟ بم ذلك؟ قال: "تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام" [رواه الإمام أحمد].

 

واليوم ننظر إلى الشام عامة، فنرى فيها القتل الذريع، ونرى المساجد قد عطلت من جمعتها وجماعتها، وشُرِّد أهلها، وتعطلت مدارسها.

 

وأما حلب اليوم فابحث عن مساجدها ومدارسها، عن حلقات العلم والقرآن فيها، وعن جامعاتها أين ذهبت؟ وانظر إلى أسواقها لم أغلقت؟ وإلى أطفالها وأيتامها؟ ننظر إلى أحوالها ومستشفياتها فلا ترى إلا خرابا ودمارا، لا ترى إلا بلادا كأنما زلزلت الأرض من تحتهم بزلزالها حتى فجرت البيوت وهدمتها على رؤوس أصحابها.

 

حلب هي عاصمةُ سوريا الثانية، وتبعد عن دمشق ثلاثمائة كيلو متر، هي ثاني أكبر مدينة في سوريا، سكنها العلماء الأولون، ودخلها الصحابة الأكرمون، فيها حلق العلم والمؤلفاتُ والجامعاتُ والأذكياءُ، وما تجد أحدا من علمائها إلا وقد برَّز في علم من علومها.

 

واليوم تسبح حلب في دمائها.

 

دموعُ عينيكِ في وجدانِنا تَثِبُ *** ومن دماءِ بنيكِ النصرُ يُكْتَسَبُ

عظيمةٌ أنتِ يا شَهْباءُ صامدةٌ *** والموتُ يُحْدِقُ، والأرجاء تَلْتَهِبُ

عزَّ المصابُ ولكنْ لا عزاءَ لنا *** إلا بأَنْ يُهْدَمَ الرِّجْسُ الذي نَصَبوا

خمسونَ عامًا وكأسُ الذُّلِّ مُتْرَعةٌ *** وقد تَرَدَّى إلى الأَعماقِ مَنْ شَربوا

وصَيَّروا الشَّعْبَ عُبَّادًا لطائفةٍ *** فكم أذلُّوا وكم عاثوا وكم نَهبوا

 

إنها مدينة حلب، إذا ذُكِرت يهتز التاريخ لذكرها، وتختال على مثيلاتها من المدن، فهي حلبُ العلم والقرآن، وحلبُ الطب والهندسة، هي حلبُ التجارة والمساجد، سَلْهَا عن الصحابة الكرام الذين مروا بها، وصلوا في مساجدها، سَلْها عن أئمة الفقه الذين دخلوها وتعلموا فيها وعلموا، سلها عن الإمام أحمد بن حنبل حين دخلها وأقام في جامعها الأموي أياما يكتب من علمائها ثم خرج ينشر العلم إلى غيرها.

 

سَلْهَا عن الإمام الزركشي الحنبلي إمام العلم والفقه، سلها عن الإمام السخاوي، سلها عن قاضيها ابن الإمام الشافعي حين أقبل إليها وصار قاضيا بين أهلها.

 

سَلْهَا عن الإمام البقاعي، وعن أئمة المؤرخين، سلها عن الإمام الذهبي، وعن كتابه سير أعلام النبلاء وهو فوق الثلاثين مجلدا، سل حلب عن الذهبي فتعرفَ أنه من أبنائها.

 

سلها عن ابن خَلِّكان الذي لا تكاد تمر على حديث من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتنظر في سنده إلا رجعت إلى كتب ابن خَلِّكان.

 

سَلْهَا عن الشعراء عن أبي العلاء المعري، سله كيف وجد حلب لما سكنها.

 

سل عنها الحافظ ابن حجر العسقلاني شارح البخاري الذي خرج من مصر وسكن في حلب وتزوج من أهلها، وأعجب بها، فلما فارقها حن قلبه إليها، وألف كتابا سماه: "جلبُ حلب" من شدة عشقه لأهلها والسكنى بينهم.

 

حلب؛ عاش فيها ياقوت الحموي الإمام المؤرخ صاحب كتاب "معجم البلدان"، ومعجم الأدباء، عاش فيها العماد الأصفهاني، وابن النقيب، والصفدي، وابن ناصر الدين، وعبد الحليم بن تيمية، كانت مساجدها مليئة بالعلماء والفقهاء، كانت مكتباتها زاخرة منذ أكثر من سبعمائة سنة؛ ففي عام ستمائة وأربعة وتسعين للهجرة أيْ قبل أكثر من سبعمائة سنة أُلف كتاب اسمه: "المنتخب مما في خزائن الكتب بحلب" ذكر فيه المؤلف تسعَمائة وأربعةَ عشر كتابا من كبار المؤلفات المحفوظة في ذلك المكان.

 

حلبُ العلم والإيمان، سَلْهَا اليوم عن مساجدها فتحدثك أنه وفد إليها العلماء والفقهاء والأئمة والصحابة.

 

سَلْهَا كم خرَّجت للأمة من عالم؟! وكم حفَّظتِ الحديث لمحدث؟! وكم تفقه في مساجدها من فقيه؟! وكم ألف فيها مؤرخٌ من كتاب؟!

 

سَلْهَا عن حلقاتها في القرآن كم عددها؟ وكم خرَّجت من حُفاظ؟! بل سلها عن الطب والأطباء؟ فقد كان من أشهر المستشفيات في العالم في ذلك الزمن "المارستان النوري" نسبةً إلى نور الدين زنكي هذا المستشفى الذي كان متطورا لدرجة أن الناس يفدون إلى حلب لأجل العلاج فيه.

 

حلب عين من عيون الدنيا، ولذلك أُلفت فيها عشرات المؤلفات، منها كتاب: "بغية الطلب في تاريخ حلب"، وكتاب: "نهر الذهب من تاريخ حلب"، وكتاب: "زبدة الحلب من تاريخ حلب"، وكتاب: "كنوز الذهب في تاريخ حلب"، إلى غير ذلك.

 

كان العلماء يفتخرون أن يكون لأحدهم مؤلفٌ عن حلب.

 

نعم.

وما أمتعتْ جارَها بلدةٌ *** كما أمتعتْ حلبٌ جارَها

هي الخلدُ تجمعُ ما تشتهي *** فزرْها فطوبى لمَنْ زارَها

 

أيها الناس: لكننا ننظر اليوم إلى حلب فنرى المجازر الفظيعة، ونرى الصواريخ والبراميل التي تلقى من غير تمييز على رؤوس الناس في الشوارع والطرقات وفي البيوت، حتى أصبح الطفل يأوي إلى فراشه فلا يدري إلا وبرميل أو صاروخ يقع على رأسه فيفضخه ويهلكه، وربما كان فمه على ثدي أمه، نرى الجرحى يحملون على الأكتاف إلى المستشفيات، فما يكاد يصل إلى المستشفى إلا ويهدم المستشفى على هذا الجريح ومن جاء به.

 

نرى الجنائز تحمل على الأكتاف ثم تُرمى عليها القذائف، وتأتي الطائرات لتدكهم دكا وتقتلهم قتلا.

 

فإذا نظرت إلى صورهم وهم في فزعهم، وقد ذهلت كل مرضعة عما أرضعت، ووضعت كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وصار الناس كالسكارى من كثرة الموت الذي يرون، فلا يمشون إلا على أشلاء.

 

اجتمع عليهم النصارى الحاقدون والنصيريون والصفويون الرافضة.

 

والرافضة لهم ثأر يزعمونه مع أهل الشام عموما، يرون أن الشام إذا قتلوا أهلها وأهلكوهم فهو علامة لخروج قائمهم المنتظر، يزعمون أن الشام ظلمتْ أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم.

 

يرون أن الشام بلد أحفاد بني أمية الذين فعلوا ما فعلوا، يرون أن الشام يستحق أهلها القتل والتخريب، ولقد كادوا للشام من القديم، من قبل أن تقع هذه الأحداث.

 

فالصفويون منذ أكثر من عشر سنين قد أغروا طاغية الشام فمَكّن لهم الدخول فيها، فصار الصفويون الرافضة يفتحون في الشام المدارس، ويبنون الحسينيات، ويشيعون أهلها، ومَن زار الشام قبل الأحداث الأخيرة ورأى بعض أنشطة الرافضة تبين له أنهم كانوا يصرفون راتباً شهرياً لمن يتحول من السنة إلى الرافضة.

 

يصرفون الأموال لأجل تشييع أهل الشام، فلما عجزوا عن ذلك، وتنبه أهل الشام إلى هذا، أخذوا يدكونهم قتلا، وجرحا وتشريدا.

 

أيها المسلمون: إذا قلبتَ تاريخ الشام، وتاريخ حلب خاصة رأيت أن الصفويين والنصيريين العلويين منذ القديم وهم يفتكون بأهلها أهل السنة بالذات فتكا؛ ذكر كاتبُ تاريخ النصيريين العلويين تاريخ حلب، عن عمل النصيريين العلويين في أهلها، فكتب مُفَاخِرا بأفعال تيمور لنك أيام التتر وغزو التتار، وقال ما نصه: ونحن نقول إن تيمور لنك كان علويا محضا من جهة العقيدة، وذكر له أشعارا دينية تدل على ذلك، وذكر أن عساكر دمشق لما أقبل التتر لأجل غزو حلب وكان نائب حلب وهو الرئيس الوالي علويا، رافضيا على المذهب الباطني، فلما أقبل التتار تحرك الولاة المسلمون من المناطق التي حَولهم تحرل عساكر دمشق، وطرابلس وحماة وصفد وغزة وبقية الجيوش من كل بلدة توافدوا لحماية حلب من السقوط في أيدي التتار، وكل نائب بلدة أقبل على عساكرها فذكر هذا المؤرخ النصيري أنهم لما وصلوا كتب نائبُ حلب الوالي النصيري إلى التتار أن أقبلوا علينا الآن وجَهِّزُوا من الجيوش كذا وكذا، وأخبرهم أن عدد من جاء للنُّصْرة كذا وكذا، وخان من كانوا عنده وأمرهم بالبقاء عنده حتى تفرغ بلدانهم من جيوشهم، فأقبل التتار وقبضوا على هؤلاء القادة وقاتلوهم وفعلوا في حلب فعلا ذريعا.

 

اسمع إلى شيء من ذلك، يقول هذا المؤرخ: "ودخل التتار حلب عنوة، فأمعن رأسهم -يعني رأس التتار- في القتل والنهب والتعذيب والهدم مدة طويلة، حتى أنشأ من رؤوس البشر تلة عظيمة، وقد قتل جميع القواد، وانحصرت المصائب بالسُنيِّين" هذا كلام المؤرخ النصيري العلوي، يقول: "وانحصرت المصائب بالسُنيّين" يعني أهل السنة فقط. انتهى كلامه.

 

لم يتعرضوا لمن كان موجودا من النصيرية أو من النصارى وإنما اقتصرت المذابح على أهل السنة، وقد تحدث المؤرخون عن ذلك، تحدثوا عما فعله التتار بتنسيق من النصيريين والصفويين الرافضة عما فعلوه بحلب، وذلك في أوائل القرن التاسع الهجري، يقول: "اقتحم عساكر تيمو مدينة حلب في الحال، وأشعلوا فيها النيران، أخذوا في الأسر والنهب والقتل فهرب النساء والأطفال إلى جامع حلب وبقية مساجدها فمال أصحاب تيمور على النساء وربطوهنّ بالحبال أسرى ثم وضعوا السيف في الأطفال فقتلوهم بأسرهم، وشرعوا في تلك الأفعال القبيحة على عادتهم، وصارت الأبكار يُوقعُ عليهن من غير تستر بفعل الفاحشة والمُخَدرات، يعني النساء المختمرات يفسق بهن من غير احتشام في المسجد الجامع بحضرة الجمع الغفير من الناس من أهل حلب فيراها أبوها وأخوها وزوجها وولدها ولا يقدر أن يدفع عنها لقلة مقدرته، ولشُغْله بنفسه مما هو فيه من العقوبة والعذاب.

 

قال: ثم بذلوا السيف في عامة حلب وفي أجنادها حتى امتلأت الشوارع والطرقات بالقتلى، وجافت حلب، يعني أنتنت من الجِيَف، وصار الناس يمشون على الجيف.

 

وذكر آلاماً مما فعله الصفويون في ذلك الزمان بأهل حلب من سَوْق نسائهم سبايا، وأنه صنع من جماجم الناس برجا وجعل وجوه الناس على الخارج ليراها من يمر بها ويعلم أن هذا فلان وفلان.

 

معاشر المؤمنين: إن القتل والتشريد والظلم الذي يقع في حلب اليوم يذكرنا بالتاريخ الذي مضى، إلا أن الفارق أن المسلمين في ذلك الزمان في خارج حلب كانوا فقط يسمعون بالأخبار، فلا يسمعون صُراخ امرأة تُغتَصب، ولا يرون طفلا يُذْبَح، ولا يَرون مسلما يُضطهد ويُقهر كانوا فقط يسمعون الأخبار.

 

أما اليوم فنحن نرى ونسمع، نرى المقاطع التي تنشر، وقد كانت الفضائيات الإخبارية تتحرج سابقا عن نشر بعض الآلام وأصبحت في الفترة الأخيرة تنشر ذلك؛ لأن الناس تعودوا عليه.

 

صار من الطبيعي أن ترى مسنا يخرج من تحت الأنقاض وهو يبكي على أولاده الموتى تحت الأنقاض، صار من الطبيعي أن ترى طفلا مقطوعة رجله وهو يقفز على رجل واحدة والدم يجري منه يبحث عمن يحمله، صرنا نرى هذه المناظر ومع الأسف صرنا لا نتأثر بها لكثرة ما نراها.

 

أيها الناس: إنها مؤامرة عالمية على أهل السنة والجماعة، ينبغي أن نفهم هذا، إنها مؤامرة عالمية، تبتدئ ببلد بعد بلد، وهي اليوم نراها بأعيننا ضد الشعب السوري المسلم، الكل يعلم أنه لا مستقبل للشام بطاغية الشام، ومع ذلك لا يزالون يتخذونه مسمارا ليجدوا حجةً للقتل الذريع في أهلنا في حلب وفي غيرها، حتى إنك لما تسمع عن اتفاقيات لوقف إطلاق النار في شمال اللاذقية، وفي كذا وكذا، تتساءل: فأين مناطق أهل السنة عن الاتفاق على وقف إطلاق النار؟

 

والعجيب أن الاتفاقية تستثنى حلبا، فلا يشملها وقف إطلاق النار، فلماذا؟

 

المنظمات التي تدعى اهتمامها بحقوق الإنسان العالمية تبين كذبها اليوم في حلب، الأنظمة والدساتير التي تنادي بها المجالس العالمية وتحتج بها على المسلمين لو طالبوا بحقهم يوما كل هذه الأنظمة توضع اليوم تحت الأقدام عندما تنظر إلى حال أهلنا في حلب، مات الضمير الإنساني، وفشلت كل هذه الأنظمة ولم يلتفت إليها، حقد طائفي صفوي على أهلنا أهل السنة في حلب.

 

مع تخاذل المسلمين مع الأسف: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه ولا يحقره".

 

قال الإمام النووي: "لا يخذله" قال العلماء: "الخذل هو ترك الإعانة والنصرة، ترك الإعانة والنصرة خاصة إذا كان المسلم قادرا على ذلك"، وقال المناوي: "خذلان المؤمن حرام شديد التحريم، مثل أن يقدر على نصرته فيُقصِّر في ذلك".

 

نسأل الله -تعالى- أن يكون مع أهلنا في حلب، ونسأل الله لكم يا أهل حلب أن ينصركم الله -تعالى- وأن يشفي صدوركم ممن ظلمكم.

 

يسرنا يا أهل حلب اجتماع كلمتكم، ووحدة صفكم، يسرنا أن لا يفلح الشيطان في التحريش بينكم، يسرنا أن تتعاونوا جميعا على البر والتقوى وعلى التناصر، وأن تتناسوا خلافاتكم.

 

نسأل الله -تعالى- أن يوفق كل من ينصر المسلمين في أي مكان، وأن تجتمع الدول الإسلامية؛ لنصرة أهلنا في حلب وفي غيرها يا رب العالمين.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره، واستن بسنته إلى يوم الدين.

 

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.

 

اللهم وفقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180 - 182].

 

 

المرفقات

بين الماضي والحاضر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات