المسجد الأقصى ميراث الأجداد ومسؤولية الأحفاد

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/فلسطين قضية المسلمين الأولى 2/كيد الأعداء لتحويل فلسطين من قضية إسلامية إلى قضية وطنية 3/قصة بني إسرائيل مع الأرض المقدسة 4/أوصاف بيت المقدس ومكانته وفضله من القرآن والسنة 5/فتح بيت المقدس واهتمام المسلمين بها 6/ضعف المسلمين وبداية الملاحم والحروب الصليبية 7/عودة الأقصى إلى دولة الإسلام 8/التآمر الصليبي على بيت المقدس في العصر الحديث 9/ لا يوجد في التاريخ حاكم أقر الصليبيين على بيت المقدس 10/التفاؤل بنصر الإسلام وتحرير الأقصى.

اقتباس

الصليبيون استولوا على بيت المقدس أكثر من تسعين سنة متصلة؛ عطلت فيها الصلوات وانتهكت المقدسات, ورغم ضعف المسلمين وتفرقهم, إلا إن التاريخ لم يحفظ لنا أن أميراً ولا حاكماً ولا والياً مسلماً أقر احتلال الصليبيين لبلاد الشام عامة, وبيت المقدس خاصة, لم نجد حاكماً مسلماً أقر بأحقية الصليبيين في جزء من بيت المقدس ولا يسيراً, بدعوى طول الأمد والأمر الواقع, واستحالة تغيير عشرات السنين من الوجود الصليبي في الشام...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله فالق الحب والنوى، ومحيِّ العظام بعد الموت والبِلى، ومُنْزِلِ القطر والندى, الحمد لله الذي في السماء تعالى و تقدس واصطفى من البقاع الحرمين الشريفين والبيت المقدس, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله شرفه الله تعالى بالرسالة وعرج به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى.

 

أيها المسلمون: لم يُبرز التاريخ قضيةً تجلّت فيها ثوابتُنا الشرعية، وحقوقنا التاريخية، وأمجادنا الحضارية، والأحقاد الدولية، والمتناقضات العالمية، وانكشفت فيها حرب المصطلحات، وتعرّت فيها بريق الشعارات، وسقط القناع عن التلاعب فيها بالوثائق والقرارات؛ كقضية المسلمين الأولى, قضية فلسطين المسلمة المجاهدة الصامدة، وفي القلب منها القدس المقدسة، والأقصى المبارك، حيث تشابكت حلقات الكيد في سلاسل المؤامرة، لتمثل منظومةً شمطاءَ من العداء المعلن، والكره المبطّن، في تآمر رهيب من القوى العالمية.

 

كان من أخطر تداعيات هذا التآمر انخداعُ كثير من بني جلدتنا بخطط أعدائنا، وإقصاء قضية فلسطين والقدس والأقصى من دائرتها الشرعية ومنظومتها الإسلامية، إلى متاهات ومستنقعات من الشعارات القومية والإقليمية، والنعرات الحزبية والطائفية، حتى تاهت القضية في ظلام المفاوضات، ودياجير المساومات، في معايير منتكسة، ومكاييل مزدوجة، حتى خُيِّل لبعض المنهزمين أن القضية غامضة شائكة، لغياب التأصيل العقدي والشرعي عندهم لهذه القضية, أولسنا أمةً لها مصادرها الشرعية، وثوابتها العقدية، وحقوقها التاريخية؟!.

 

أمة الإسلام: المسجد الأقصى قلب بيت المقدس، الربوةٌ المباركة ذات قرار ومعين، الأرضٌ المقدسة، قبلة الأمة, وبوابة السماء، ميراث الأجداد, ومسؤولية الأحفاد، المعراج المحمدي، والعهد العمري.

 

إن للأجيال أمانة في أعناقنا ألَّا تُنسى القدس والمسجد الأقصى ومكانتهما في هذه الأمة، فالمسجد الأقصى ليس شأناً فلسطينيا خاصاً, وإنما هو شأن الأمة الإسلامية جمعاء، فتاريخ المسجد الأقصى هو تاريخ الأنبياء من لدن أدم -عليه السلام- إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي عرج به إلى السماء من ذلك المكان المبارك، وفي كل صلاة نذكره؛ لأن الصلوات إنما فرضت في تلك الرحلة المباركة، فالمسجد الأقصى يمثل تاريخ التوحيد الذي كان الإسلام آخر حلقاته.

 

وسمي المسجد بالأقصى لبعد المساحة بينه وبين الكعبة، وقيل: لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة، وقيل: لبعده عن الأقذار والأنجاس, المقدس المطهر عن ذلك. [ذكرها ابن حجر في الفتح].

 

والمسجد الأقصى عند العلماء والمؤرخين أشمل من مجرد البناء الموجود الآن بهذا الاسم، إذ هو اسم لجميع المسجد الذي جـدده سليمان -عليه السلام-، فكل ما هو داخل السور الكبير ذي الأبواب يعتبر مسجداً بالمعنى الشرعي, يشمل هذا المكان والأقصى القديم والمرواني وقبة الصخرة وجميع الساحات والمحاريب والمصاطب.

 

وكان أول من سكن القدس قبائل الكنعانيين الوثنيين من العرب, ثم فرض الله -عز وجل-  الجهاد على بني إسرائيل لتطهير بيت المقدس من وثنية الكنعانيين؛ فامتنعت بنو إسرائيل عن القيام بأمر الله تعالى, فعاقبهم الله تعالى بالتيه على عصيانهم أربعين سنة على ما جاء ذكره في سورة المائدة، توفي فيها هارون ثم موسى -عليهما السلام-.

 

ثم نشأ جيل جديد من بني إسرائيل؛ أقوى إيمانا، وأصلب عودا، وأمضى عزيمة، فقادهم يوشع بن نون -عليه السلام- إلى بيت المقدس ففتحها الله تعالى على يديه، وعمرها أتباع موسى بتوحيد الله تعالى, إلى أن دبَّ الشرك والعصيان في بعضهم, فسلط الله تعالى عليهم الجبابرة من الكنعانيين، فاحتلوا بيت المقدس مرة أخرى, ونكَّلوا بهم، فضاع بنو إسرائيل وتفرقوا، فعمدوا إلى نبي لهم؛ لينصب عليهم ملكا يسوسهم، ويعيد مملكة القدس لهم، فأرسل إليهم طالوت, فكانت المعركة المذكورة في سورة البقرة.

 

وبسبب فساد وإجرام وكفر اليهود سلط الله -عز وجل- عليهم الرومان فشردوهم وأبادوهم وأخرجوهم من بيت المقدس, وانتهى أمر اليهود في بيت المقدس، وتفرقوا في أرجاء الأرض، وذلك قبل البعثة المحمدية بأكثر من ثلاثمائة سنة, ولم يعودوا إليها مرة أخرى إلا بمعاونة الاحتلال الصليبي الأوروبي لبلاد المسلمين بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية.

 

عباد الله: المسجد الأقصى هو محور معجزة الإسراء والمعراج؛ إليه انتهى الإسراء ومنه بدأ المعراج إلى السماوات العُلا؛ وفيه صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إماماً بالأنبياء والرسل جميعاً؛ قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء: 1].

 

والقدس هي أرض مباركة، بنص كتاب الله قال تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 71], قال ابن كثير: "هي بلاد الشام"، وقال -عز من قائل- عن قوم سبأ: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً) [سبأ: 18] قال ابن عباس: "القرى التي باركنا فيها هي بيت المقدس".

 

وهي أرض مقدسة بنص القرآن الكريم (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) [ المائدة 21]، قال الزجاج: "المقدسة: الطاهرة، سماها مقدسة لأنها طهرت من الشرك وجعلت مسكنا للأنبياء والمؤمنين".

 

ووصف القرآن أرضها بالرَّبوة ذات الخصوبة وهي أحسن ما يكون فيه النبات، ووصف ماءها بالمعين الجاري، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) [المؤمنون50]، قال الضحاك وقتادة: "وهو بيت المقدس".

 

والمسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض لعبادة الله وتوحيده؛ لأن الكعبة بنيت قبله بأربعين سنة، ففي الصحيحين من حديث أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- أنه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: "المسجد الحرام", قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة ".

 

وهو أحد المساجد الثلاثة التي يجوز للمسلم أن يشد الرحال إليها؛ لطاعة الله وطلب المزيد من فضله وكرمه ومضاعفة الأجر والثواب، وما عدا هذه الثلاثة المساجد لا يجوز شد الرحل إليها للصلاة والاعتكاف، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا" أي مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة النبوية.

 

وأما عن ثواب الصلاة فيه فمضاعف عن غيره من المساجد, قال -صلى الله عليه وسلم- في فضل الصلاة في هذه المساجد عن غيرها: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة مما سواه، وصلاة في مسجدي هذا بألف صلاة، وصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة".

 

ومن فضله العظيم وثوابه العميم أيضا ما رواه  عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: سأله أن يحكم بحكم يواطئ حكمه، وسأله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وسأله أيما عبد أتى بيت المقدس لا يريد إلا الصلاة فيه؛ أن يكون خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، فأعطاه الله اثنتين وأرجو أن يكون أعطاه الثالثة".

 

وهي البقعة المباركة التي تبسط عليها الملائكة أجنحتها فعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يا طوبى للشام يا طوبى للشام"، قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال: "تلك الملائكة باسطة أجنحتها على الشام".

 

القدس حاضرة الخلافة الإسلامية في آخر الزمان، فعن أبي حوالة الأزدي -رضي الله عنه- قال: وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده على رأسي أو على هامتي ثم قال: "يا ابن حوالة: إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب إلى الناس".

 

أيها المسلمون: ما أن أدرك واستوعَبَ المسلمون أهمية هذه المكانة الدينية الرفيعة للمسجد الأقصى وبيت المقدس وعلاقتهما الوثيقة بالعقيدة الإسلامية؛ حتى لبوا النداء وأجابوا الداعي, فكان الفتح العُمَري لبيت المَقدس سنة 15هـ/ 636م، عندما دخلها الخليفة عمر بن الخطاب سلمًا، وأعطى لأهلها الأمان من خلال وثيقته التي عرفت بالعهدة العُمَريَّة، وكان يوم دخول الفاروق القدس يوماً مشهوداً ضربت فيه أروع الأمثلة في عدالة الإسلام وسماحته ورقيه وطهارة منهجه.

 

فقد سار الفاروق عمر إلى منطقة المسجد الشريف التي كانت خرابًا تامًّا في ذلك الوقت، وزار موقع الصخرة المشرفة وأمر بتنظيفها, كما أمر بإقامة مسجدٍ في الجهة الجنوبية منَ المسجد الشريف، ثم عمد إلى تنظيم شؤون المدينة فأنشأ الدَّواوين، وأقام يزيد بن أبي سفيان واليًا، وعيَّن عبادة بن الصامت قاضيًا فيها.

 

وكما كان للخلفاء الراشدين الفضل في فتح بيت المقدس وأسلمة المسجد الأقصى فعليًّا، وإدخالهما دار الإسلام والمسلمين سياسياً، كان للأمويين الفضل في تشكيل الوجه الحضاري الإسلامي, وفي تعمير منطقة المسجد الأقصى المبارك تعميرًا يتلاءَم مع عظمة واستقرار الدولة الإسلامية, فبنيت قبة الصخرة المشرفة وقبة السلسلة في عهد الخليفة عبدالملك، وبناء المسجد الأقصى ودار الإمارة والأبواب.

 

واستمرت عناية الخلفاء المسلمين ورعايتهم للمسجد الأقصى حتى دب الوهن في صفوف الأمة, وفشت فيهم البدع والخرافات, وانتشرت الفرق الضالة من باطنية ورافضة وصارت لهم دولة وشوكة, عندها ذهب ريح الأمة وتسلط عليها عدوها فضربها في أعز ما تملك؛ في مقدساتها, واحتل الصليبيون بيت المقدس سنة 491 هـ, وذبحوا سبعين ألفاً من خلاصة أهلها من عباد وعلماء وصالحين, وصار الدماء أنهاراً, وغيّر المجرمون من معالم المسجد فجعلوا جزءً منه كنيسة وجزءً سكناً لفرسانهم, وبنوا بجواره مستودعا لأسلحتهم، أما مسجد الصخرة فحولوه إلى كنيسة ونصبوا فوق القبة صليباً كبيراً في تحد سافر وصليبية مقيتة لمشاعر ملايين المسلمين.

 

لتبدأ بعدها الملاحم الكبرى بين العالم الإسلامي وأوروبا الصليبية لقرابة القرن من الزمان, حتى تم استعادة بيت المقدس على يد الفاتح الكبير الناصر صلاح الدين الأيوبي سنة 583 هـ. فكان يوم استعادته من أيام الإسلام الكبرى وأفراحه العظمى.

 

استمر المسجد ألأقصى وبيت المقدس في عز الإسلام ودارته ورعايته حتى دارت على المسلمين الدوائر, وسقطت حاضنتهم السياسية ممثلة في الخلافة العثمانية, وتنهاشت كلاب أوروبا من عباد الصليب جسد الأمة المثخن بالجراحات, ثم اكتملت فصول المؤامرة بغرس الخنجر اليهودي المسموم في قلب الأمة وقدسها, فاحتل اليهود بيت المقدس سنة 1967 بعد حرب الأيام الست, وما لبثوا حتى حاولوا هدم المسجد بإحراقه سنة 1968, ثم حاولوا هدمه بالتنقيب والحفر تحت أساساته, وأخيراً حاولوا هدمه بتقسيمه زمانياً ومكانياً مع المسلمين, والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إن ربي قريب مجيب.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره.

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: إن الأمة التي لا تقرأ تاريخها ولا تستفيد من ماضيها، لهي أمة تائهة حائرة؛ فالماضي والتاريخ ليس مفتاحاً لفهم الحاضر فحسب، بل هو أساسٌ من أسس إعادة صيغة الحاضر وبناء المستقبل.

 

كان المسجد الأقصى على مرِّ التاريخ مسجداً للمسلمين من قبل أن يوجد اليهود ومن بعد ما وجدوا؛ فإبراهيم -عليه السلام- هو أول من اتخذ تلك البقعة مسجداً، وقد قال الله تعالى عنه (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران: 67]، وليس لبني إسرائيل يهوداً ونصارى ارتباط بالمسجد الأقصى إلا في الفترات التي كانوا فيها مسلمين مع أنبيائهم المسلمين -عليهم السلام-، أما بعد كفرهم بالله تعالى، فقد حسمت علاقتهم بهذا المسجد الذي تحول إلى إرث المسلمين المؤمنين بجميع الأنبياء -عليهم السلام-.

 

إن الآباء والأجداد من سلف الأمة وعظمائها فتحوا بيت المقدس وأقاموا فيه حضارة كبرى, وعمروا المسجد الأقصى, وأعادوا هيبته ومكانته, فكان منارة الإسلام, ودرة بلاد الشام, وموئل العلماء والعباد والصالحين, وقد تسلط عليهم العدو مرات ومرات, ومع ذلك لم يستسلموا للواقع المرير.

 

فالصليبيون استولوا على بيت المقدس أكثر من تسعين سنة متصلة؛ عطلت فيها الصلوات وانتهكت المقدسات, ورغم ضعف المسلمين وتفرقهم, إلا إن التاريخ لم يحفظ لنا أن أميراً ولا حاكماً ولا والياً مسلماً أقر احتلال الصليبيين لبلاد الشام عامة, وبيت المقدس خاصة, لم نجد حاكماً مسلماً أقر بأحقية الصليبيين في جزء من بيت المقدس ولا يسيراً, بدعوى طول الأمد والأمر الواقع, واستحالة تغيير عشرات السنين من الوجود الصليبي في الشام, نعم؛ قد يهادنون الصليبيين لفترة بسبب ضعفهم وعدم استعدادهم للقتال, ولكن أبداً لم يقروا باحتلال, ولم يذعنوا لأمر واقع يسلبهم ولو شبراً واحداً من أرض الإسلام.

 

عباد الله: رغم مظاهر الضعف والهوان التي توحي بها مشاهد الحاضر المهزوم، والمستقبل الغامض المأزوم، ورغم تكدُّس معالم الفشل في كثيرٍ من الأنحاء، رغم كل هذا فإن المسلم المتعلق بربه، المؤمن بوعيده ووعده، والمتبصر بالسنن ونواميس الكون، يرى من وراء ذلك كله فتحاً قريباً، إنها روح الأمل الدافع، والفأل الدافق الذي تغرسه في أهل الإسلام حقائق الوحي، وهداية النبوة المحمدية الخاتمة، وشواهد التاريخ, فلن تضيع بإذن الله قدسنا، ما دام الأحفاد سيحملون مسؤولية إرث الأجداد, بقلوب مؤمنة وعزائم صادقة, (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].

 

آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

المرفقات

الأقصى ميراث الأجداد ومسؤولية الأحفاد

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات