نصرة الإسلام بالعمل له والدعوة إليه

فيصل بن جميل غزاوي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ دين الله منصور 2/ ذكر بعض وسائل نصرة الدين 3/ المعيقات عن نصر الدين 4/ كثرة مجالات نصرة الدين.

اقتباس

إن دينَ الله منصورٌ لا محالَة، والقيامَ بنُصرته فريضةٌ دينيةٌ، لذا وجَبَ على كلِّ واحد منَّا أن يبذُل جهدَه في سبيل نُصرتِه، كلُّ مسلمٍ أينما كان موقِعُه، ومهما كان حالُه يستطيعُ - بعَون الله - أن يُقدِّم لهذا الدين، ويعمَلَ ما من شأنِهِ تأييدُه ونُصرتُه والدعوةُ إليه. فتعالَوا - أيها الإخوة - نستحضِرُ بعضَ وسائل نُصرة الدين، لعلَّنا نستشعِرُ واجِبَنا، فنُبادِرَ بالعمل..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله الذي أكملَ لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمَة، ورضِيَ لنا الإسلامَ دينًا، أحمدُه - سبحانه -، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له جعلَ العزَّة والنصرَ والتمكينَ لمن أطاعَه ونصرَ دينَه واتَّبعَ رِضاه، وجعلَ الذِّلَّةَ والصَّغارَ والمهانةَ لمن خالَفَ أمرَه وصدَّ عن سبيلِه وعادَاه، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وخيرتُه من خلقِه ومُصطَفاه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن وَالاه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ نلقَاه.

 

أما بعد: فاتَّقُوا الله - عباد الله -، واحمَدُوه على من منَّ به عليكم من نعمة الإسلام، وهو الدينُ الذي أخبَرَ - سبحانه - بخلُوده وبقائِه وغلَبَتِه وظُهُوره، حتى يكون دينًا يَدِينُ به جميعُ من وُجِد على وجه الأرض من الثَّقَلَين، قال الله - جلَّ ثناؤه -: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33].

 

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ الليلُ والنهارُ، ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدَرٍ ولا وبَرٍ إلا أدخَلَه هذا الدينَ، بعزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ، عِزًّا يُعزُّ اللهُ به الإسلامَ، وذُلاًّ يُذلُّ اللهُ به الكفرَ»؛ أخرجه أحمد من حديث تميمٍ الدارِيِّ - رضي الله عنه -.

 

أيها المسلمون: إن دينَ الله منصورٌ لا محالَة، والقيامَ بنُصرته فريضةٌ دينيةٌ، لذا وجَبَ على كلِّ واحد منَّا أن يبذُل جهدَه في سبيل نُصرتِه، كلُّ مسلمٍ أينما كان موقِعُه، ومهما كان حالُه يستطيعُ - بعَون الله - أن يُقدِّم لهذا الدين، ويعمَلَ ما من شأنِهِ تأييدُه ونُصرتُه والدعوةُ إليه.

 

فتعالَوا - أيها الإخوة - نستحضِرُ بعضَ وسائل نُصرة الدين، لعلَّنا نستشعِرُ واجِبَنا، فنُبادِرَ بالعمل:

فمن ذلك: النصيحةُ، فعن تميم بن أوسٍ الدارِيِّ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدِّينُ النَّصيحةُ، الدِّينُ النَّصيحةُ، الدِّينُ النَّصيحةُ»، قُلنا: لمَن يا رسول الله؟ قال: «للهِ ولكتابِهِ ولرسولِهِ، ولأئمَّةِ المسلمينَ وعامَّتِهم» (رواه مسلم).

 

وقد جاء في الأثَر: أن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - مرَّ بغُلامٍ يُغنِّي لأصحابِه، فنصَحَه بقوله: "لو كان ما يُسمَعُ من حُسن صوتِك يا غُلامُ بالقرآن، كُنتَ أنتَ أنتَ"، فأثَّرَت في نفسه، فكانت نصيحتُه سببًا في توبتِه؛ بل إن هذا الغلام حسُنَت توبتُه، وترقَّى به الحالُ حتى أصبحَ أحدَ المُحدِّثين.

فالنصيحةُ لها أثرٌ عظيمٌ في توجيهِ الناس، وردِّهم إلى الحق.

 

ومما أوصَى به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَريرًا - رضي الله عنه -: النُّصحُ لكل مسلمٍ. فهلا تناصَحنَا، وأوصَى بعضُنا بعضًا بالخير! فالمسلمون نصَحَة، والمُنافِقُون غشَشَة.

 

ومن مجالات نُصرة الدين: الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المُنكر، قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].

فكيف سيكون حالُ المجتمع إذا حافَظَ المسلمُ على هذه الشَّعيرة، وداوَمَ عليها ولم يزهَد فيها؟!

 

إنها صِمامُ الأمان لهذه الأمة، وسفينةُ النجاةِ للجميع، ومن أدرَكَ أهميتَهَا ومكانَتَها، لم يتخَلَّ عنها أبدًا.

عن شُجاع بن الوليد قال: كنتُ أخرُجُ مع سفيان الثوريِّ، فما يكادُ لسانُه يفتُرُ عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذاهبًا وراجعًا.

 

ومن مجالات نُصرة الدين: البلاغُ، قال - صلى الله عليه وسلم -: «بلِّغُوا عنِّي ولو آيةً» (أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما –).

فيحرِصُ المرءُ على تبليغِ ما تعلَّم، ونشرِه بين الناس.

 

فيا عبد الله! بلِّغ الشيءَ الذي تعلَّمتَه وإن كان يسيرًا، بلِّغ آيةً، حديثًا، مسألةً، حُكمًا، تنبيهًا، ويُمكنك أن تستفيدَ من الوسائل الإعلامية، ووسائل التقنِية الحديثة، مع الحرصِ على تحرِّي صحة ما تذكُر، وثُبوت ما تنقُل، وتستطيعُ مع وسائل التواصُل الاجتماعي بمُختلَف أنواعها أن تصِلَ إلى شرائِحَ مُتعدِّدة من الناس، وتنفعهم بما عندك.

 

ومن مجالات نُصرة الدين: التعليم، وهو من القُرُبات التي يتعدَّى نفعُها، ويعُمُّ خيرُها، ويجبُ أن يكون تعليمُ الناس عامًّا شائِعًا، فلا يُخصُّ به أحدٌ دون أحدٍ.

قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن اللهَ وملائكتَهُ وأهلَ السماواتِ والأرضين ، حتّى النملةَ في جُحْرها، وحتّى الحوت، ليُصَلُّون على مُعَلّمِ الناس الخيرِ» (أخرجه الترمذيُّ من حديث أبي أُمامَة الباهليِّ).

 

فما أجمَلَ أن يُعلِّم كلٌّ منَّا غيرَه ما يجهَلُ! فهذا يُعلِّمُ الفاتحةَ وقِصارَ السور لكبار السنِّ، وهذا يُعلِّمُ العوامَّ كيف يتوضَّؤُون وكيف يُصلُّون، وهذا يُعلِّمُ غيرَه أذكارَ الصباح والمساء. وهكذا نعمَلُ بعمَلِ سلَفِنا - رضوانُ الله عليهم - الذين كانوا يحرِصُون على تعليمِ الناس ما ينفعُهم.

 

فالإمامُ الزُّهريُّ - رحمه الله - كان ينزِلُ إلى الأعرابِ يُعلِّمُهم.

والإمامُ أبو إسحاق الفَزَاريُّ - رحمه الله - كان رجُل عامَّة.

وكان أحدُ العلماء يتعاهَدُ المطاهِر فيُعلِّمُ العوامَّ الوضوءَ، فلذلك سُمِّيَ: شيخَ الوضوء.

 

وكان أحدُهم يعمَلُ المواعيدَ النافعةَ للعامَّة والخاصَّة، حتى إن كثيرًا من العوامِّ انتَفَعُوا به، وصارَت لديهم فضيلةٌ مما استفادُوا منه.

 

أيها الإخوة: والدعوةُ إلى أن يُعلِّم المرءُ غيرَه مما تعلَّم لا تعني أن يتكلَّم فيما لا يعلَم، ولا يُفتِي في المسائل، ولا أن يُلقِي دروسًا في العلم وهو لا يُحسِنُ ذلك، فهذه الأمور لها رِجالُها من أهل العلم، وإنما المقصودُ: أن يبذُل المرءُ مما تعلَّمَه من أشياء نافِعة، ومسائل مُهمَّة يحتاجُها غيرُه من المسلمين.

 

ومن مجالات نُصرة الدين: الدعوةُ إلى الله، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]، وقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125].

 

وعن سهل بن سعدٍ - رضي الله عنهما -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعليٍّ - رضي الله عنه -: «فواللهِ؛ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بكَ رجُلاً واحدًا خيرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ حُمرُ النَّعَمِ» (أخرجه البخاري ومسلم).

 

والدعوةُ إلى الله لا يخفَى أثرُها العظيمُ في انتِشار الإسلام، وقَبولِ الناس للحقِّ، وهي مبنِيَّةٌ على العلم، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف: 108].

 

ووسائِلُ الدعوة المشرُوعة مُتنوِّعة؛ كالخطابةِ، والتدريس، وتصنيفِ الكتب، والكتابةِ في الصُّحفِ، ووسائل الإعلام وغيرها.

فيا دُعاة الحقِّ! اجتهِدُوا في دعوةِ الناس إلى صراطِ الله المستقيم.

 

ومن مجالات نُصرة الدين: المُواساة، فالأمةُ تعيشُ الآن قضايَا عظيمة، وظروفًا حرِجَة، ما أحرَانا أن نكون مُناصِرين لإخوانِنا فيها، بأن نعيشَ هُمومَهم، ونستشعِرَ حالَهم، وندعُو لهم دائمًا، ونُساعِدَهم بما آتانَا الله، وأن نقِفَ معهم بذِكر قضايَاهم، والدفاعِ عنهم، وإشهارِ حُقُوقهم، وتبيِين المظالِم التي وقَعَت عليهم في ساحاتِ الإعلام المختلفة.

 

أيها الإخوة: إن وسائل نُصرة دين الله لها بواعِثُ عظيمة، ودوافِعُ جليلة؛ من إرادة الخير للناس ونُصحهم، والحرص على هدايتهم ورحمَتهم، وإرشادهم، والسعي في إنقاذِهم من عذابِ الله، والإصلاح في الأرض، وهدايةِ الضالِّ، وتنبيهِ الغافِلِ، وتذكيرِ الجاهِلِ.

 

أمة الإسلام: أليس من حقِّ الدين علينا أن نكون من أنصاره، وأن نتمسَّك به، ونُبيِّن محاسِنَه، وننشُرَه بين الناس، ونكون حُماةً له؟! فإذا أهمَلنا مسؤوليتنا تُجاهَه، وقصَّرنا في تبليغِه، خسِرنا وضيَّعنا دَورَنا المنشُود.

ألا وإن تقليدَ كثيرٍ من الناس لغيرهم في الشرِّ، وتعاوُنهم على عوائِدَ مُخالفةٍ لشرع الله، وتقاعُسَهم عن تبليغِ دينِ الله ونشرِ الخير، وسكُوتهم عند رؤيةِ المُنكَرات، بل ومُشاركتَهم فيها، كلُّ ذلك يُسهِمُ في غربَة الدين، وفسادِ الأمة.

 

فيا مَن هداهُ الله إلى الإسلام، وأكرَمَه بهذا الدين! لا تتخَلَّ عن دينك، ولا تخذُله مهما كان تقصيرُ الواحدِ منَّا.

 

أقولُ هذا القولَ، وأستغفِرُ الله الجليلَ لي ولكم، فاستغفِرُوه ؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله القويُّ العزيز، ينصُرُ أولياءَه، ويكبِتُ أعداءَه، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، نصَرَ عبدَه، وأعزَّ جُندَه، وهزَمَ الأحزابَ وحدَه، وأشهدُ أن نبيَّنا وإمامَنا وسيِّدَنا مُحمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فإن نُصرة الدين مطلَبٌ عظيمٌ، وهدفٌ سامٍ جليلٌ، وهي ميدانٌ فسيحٌ لكل مسلم ومسلمة، ولا تقتصِرُ نُصرة الدين على فئَةٍ من الأمة كما يظُنُّ بعضُ الناس، فهذا من المفاهيمِ الخاطِئةِ التي يجبُ أن تُصحَّح، فنُصرةُ الدين مسؤوليةُ الجميع، وليست مُتعلِّقةً ببعض الناس دُون غيرهم.

 

ومع هذا فهناك مُثبِّطاتُ وعوائِق قد تكون سببًا في عدم مُشاركَة المسلم في نُصرة الدين؛ فمن ذلك:

شُعورُ المرء بتقصِيره وأن عنده ذنوبًا ومعاصٍ تمنَعُه من أن ينصَحَ غيرَه، أو يأمُر وينهَى. وهذا خطأٌ، ولذلك لما قيل للحسن البصري: إن فُلانًا لا يعِظ، ويقولُ: أخافُ أن أقولَ ما لا أفعَل، قال الحسنُ: "وأيُّنا يفعَلُ ما يقول، ودَّ الشيطانُ أنه ظفِرَ بهذه الكلمة منكم، فلم يأمُر أحدٌ بمعروفٍ ولم يَنهَ عن مُنكر".

ومُرادُ الحسن - رحمه الله - أنه ليس شَرطًا أن كلَّ من أمَرَ بشيءٍ من المُستحبَّات، أو نهَى عن شيءٍ من المكرُوهات أن يعمَلَ به، وأن العاصِيَ لا يُعفَى من ترك الأمر بالمعروف والنهي الأمر عن المنكر، بحُجَّة التقصيرِ في العمل، أو الوقوعِ في بعض المُنكَرات.

إذا لم يعِظ في الناس من هو مُذنبٌ *** فمن يعِظِ العاصِينَ بعد مُحمدِ

- صلى الله عليه وسلم -.

 

فلا نترُك - عبادَ الله - واجِبَنا من النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحُجَّة التقصير والعِصيَان.

وقد قيل: حقًّا على شارِبَي الكؤُوس أن يتناصَحَا، وإذا لم يتناصَحَا فالذنبُ ذنبَان، والإثمُ إثمَان: إثمُ شُرب الخمر، وإثمُ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

ولتقريبِ المسألة: أرأيتُم الطبيبَ لو كان يشكُو علَّةً في جسده، في عضوٍ من أعضائِه، ألا يستطيعُ أن يُعالِجَ غيرَه من المرضى؟ بلى، يستطيعُ أن يتعرَّف على أمراضِهم، ويصِفَ العلاجَ، وقد يُشفَى بعد ذلك من يُشفَى - بإذن الله -.

 

فلا تحتقِر نفسَك - عبد الله -، وأدِّ ما عليك من واجبِ النصيحة، وهذا لا يمنَعُك من مُجاهدَة نفسك حتى تتُوبَ مما أنت عليه من المعاصي والذنوب.

 

ومما يُؤيِّدُ هذا المعنى الذي قد يغفُلُ عنه بعضُ الناس: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ يُؤيِّدُ هذا الدينَ بالرجُلِ الفاجِرِ» (متفقٌ عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه –).

 

قال بعضُ العلماء: "الرجُلُ الفاجِرُ يشملُ الكافِرَ والمسلمَ العاصِي".

وفي هذا إشارةٌ إلى أن العاصي والفاسِق ينبغي ألا يحتَجُّوا بسببِ عِصيَانهم بعدم العمل لهذا الدين.

 

ومن المُثبِّطات: أن يقول المرءُ: الناسُ لا ينفَعُهم النُّصحُ، ولا يُجدِي فيهم الوعظُ، ولا يُؤثِّرُ شيئًا، فييأَسَ من حالهم. وهذا خطأٌ؛ فقد قالت أمَّةٌ من أصحابِ السبت - إنكارًا على الواعظين -: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا  اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف: 164].

وأرسَلَ الله موسى وهارون - عليهما السلام - لفرعون الطاغِيَة آمِرًا لهما بقولِه: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طه: 43، 44].

 

وهذا أبو الدرداء - رضي الله عنه - يُنبِّهُ على هذا الأمر بقولِه: "إذا تغيَّر أخوك وحالَ عمَّا كان عليه، فلا تدَعه لأجل ذلك؛ فإن أخَاك يعوَجُّ مرَّةً ويستقيمُ أُخرى".

 

فإذًا فنحن لسنا مُكلَّفين بهدايةِ الناس، ولكن علَينا دعوتُهم بالتي هي أحسَن، ونُصحُهم وتذكيرُهم، عسَى الله أن ينفَعَهم بذلك.

 

ومن المُثبِّطات أيضًا عن نُصرة الدين: أن يخشَى المرءُ من سُخرية الناس واستِهزائِهم. وهذا خطأٌ؛ فما سلِمَ أحدٌ دعَا إلى الله، قال تعالى: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا) [الأنعام: 34].

 

ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أشرَفُ الخلق نالَه من الأذَى ما نالَه. فكيف لا يصبِرُ المرءُ على ما يجِد؟!

ومن المُثبِّطات: أن ينُظر العبدُ إلى تقصيرِ غيره ويحتَجَّ به في تركِ واجِبِه ويقول: لما لم يقُم فلانٌ بما يجِبُ عليه؟! وهذا ليس حُجَّة، فإذا قصَّر غيرُك في الدعوةِ إلى الله، وفي نُصرة الدين، فهذا يدعُوك للعمل، لا أن تَعِيبَ الناسَ، وأنهم فرَّطُوا وقصَّرُوا، وأنت في المُقابِل لا تُقدِّم شيئًا، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2، 3].

ومن قال: هلَكَ الناسُ فهو أهلَكُهم، وهو أهلَكَهم.

 

عباد الله: إن المجالات التي ننصُرُ بها دينَ الله صُورُها عديدة، ووسائِلُها كثيرة، وهي تسَعُ الجميعَ - بحمد الله -، فمن شارَكَ في نُصرة الدين ولو باليسير نالَ الأجرَ الجزيل. فليُسخِّر كلٌّ منَّا إمكاناتِه وقُدراتِه في سبيل خِدمة دينِ الله ونُصرته وإعزَازِه.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا على خيرِ البريَّة: نبيِّكم محمدٍ رسولٍ الله؛ فقد أمرَكم بذلك ربُّكم، فقال - عزَّ من قائِلٍ -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صَلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائِرِ الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حَوزَة الدين، وأذِلَّ الكفرَ والكافرين، ودمِّر أعداءَ الدين، اللهم انصُر من نصَرَ الدينَ، واخذُل الطغاةَ والملاحِدَة وكلَّ أعداء الدين.

 

اللهم انصُر دينَك وكتابَك، وسنَّةَ نبيِّك وعبادك الصالحين.

اللهم انصُر المُجاهدين في سبيلِك، والمُرابِطين على الثُّغُور، وحُماةَ الحُدود والمنافِذِ، اللهم قوِّ عزائِمَهم، وثبّت أقدامَهم، واربِط على قلوبهم، ووحِّد صفوفَهم، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين.

 

اللهم فرِّج همومَ المسلمين، ونفِّس كُروبَ المُستضعَفين، وارفَع الشدَّةَ والبأسَ عنهم يا رب العالمين.

اللهم كُن لإخواننا المُستضعَفين، اللهم كُن لهم في الشام، وفي العراق، وفي بُورما، وفي اليمن، وفي كل مكانٍ، اللهم انصُرهم بنصرك، وأيِّدهم بتأييدِك، اللهم كُن لهم مُعينًا ونصيرًا، ومُؤيِّدًا وظَهيرًا، اللهم انصُرهم على من بغَى عليهم يا رب العالمين.

 

اللهم آمِنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلِح الأئمةَ ووُلاةَ الأمور، ووفِّق وليَّ أمرنا لهُداك، واجعَل عمَلَه في رِضاك، وارزُقه البطانَةَ الصالحةَ التي تدُلُّه على الخير، وتحُثُّه عليه يا سميعَ الدعاء.

اللهم اجعَل بلدَنا هذا رخاءً سخاءً وسائِرَ بلاد المسلمين.

 

اللهم من أرادَ بلدَنا هذا بسُوءٍ فامكُر به، ومن أرادَ بلاَد المسلمين وأهلَ الإسلام بسُوءٍ فاجعَل كيدَه في نحره، وأشغِله بنفسِه، واجعَل تدبيرَه تدميرَه، ورُدَّه على عقِبِه صاغِرًا، واقطَع دابِرَه، وشتِّت شملَه يا سميعَ الدعاء.

سبحانَك اللهم وبحمدِك، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أستغفِرُك وأتُوبُ إليك.

 

 

المرفقات

الإسلام بالعمل له والدعوة إليه

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات