معوقات علو الهمة

نواف محمد السالم

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ أهمية علو الهمة عند المسلم 2/ أهم معوقات تحصيل علو الهمة 3/ خطورة ضياع الوقت وتبديده دون فائدة 4/ أهمية التخطيط والتنظيم والترتيب 5/ مساوئ الشعور بالإحباط وخيبة الأمل 6/ الكسل والتسويف من أعظم أسباب الفشل.

اقتباس

فمن أعظم معوقات علو الهمة: ضعف الاستعانة بالله -تبارك وتعالى- فإن أعظم سبب للوصول إلى معالي الأمور طلب العون من الله -تبارك وتعالى-، والعكس بالعكس إذا ضعفت الاستعانة بالله -تبارك وتعالى-، ومن صور هذه الاستعانة التقصير في دعاء الله -تبارك وتعالى-، والتقصير في الاستخارة إذا أقبل الإنسان على أموره؛...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: ينبغي للمسلم دائماً وأبداً أن يكون عالي الهمة في هذه الدنيا؛ لأن الله -جل وعلا- قد جعل أمور الدنيا قوامًا للحياة فيها، وكذلك أن يكون عالي الهمة، وهذا هو الغاية والمقصد من حياتك أيها الإنسان؛ أن تكون عالي الهمة في طلب ما عند الله -تبارك وتعالى- في جنات النعيم.

 

هكذا يكون المسلم ينافس غيره في ميادين الخير والطاعات، ينافس غيره في تحصيل أعلى الدرجات ومعالي الأمور في الدنيا والآخرة.

عَرَفْتُ الشّرَّ لا لِلشّرِّ, لَكِنْ لِتَوَقّيهِ *** وَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشّرَّ, منَ الناسِ يقعْ فيهِ

 

وقال ربنا أحسن وأفضل من ذلك كله (وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام:55]، فمعرفة العقبات والعوائق التي تحول بين الإنسان وبين أن يصل لتحقيق أهدافه هذا أمر من الأهمية بمكان.

 

فكما أن هناك أسباب تعين الإنسان على أن يحصل أو يكون عالي الهمة؛ فإن هناك ما يعيق علو الهمة نذكرها في دقائق معدودة في هذه الخطبة للكلام عن أهم معوقات تحصيل علو الهمة.

 

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما رواه الطبراني في معجمه وهو حديث صحيح "إن الله يحب معالي الأمور وأشرفها ويكره سفسافها"، فهذا الحديث هو المنطلق وهو الأساس والركيزة في هذا الموضوع المهم، فمن أعظم معوقات علو الهمة: ضعف الاستعانة بالله -تبارك وتعالى- فإن أعظم سبب للوصول إلى معالي الأمور طلب العون من الله -تبارك وتعالى-، والعكس بالعكس إذا ضعفت الاستعانة بالله -تبارك وتعالى-

 

ومن صور هذه الاستعانة التقصير في دعاء الله -تبارك وتعالى-، والتقصير في الاستخارة إذا أقبل الإنسان على أموره؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد علمنا سنن الهدى -صلوات ربي وسلامه عليه- وإن من سنن الهدى هذه السنة المباركة كما روى ذلك الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها".

 

فإذا هم الإنسان بعمل ما يصلي ركعتين من غير الفريضة ثم يرفع يديه بعد السلام فيقول: "اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال في عاجل أمري وآجله فاقدره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به ويسمي حاجته".

 

دعاء مبارك فيقبل الإنسان على ما أراده وما عزم عليه، فإن قدره الله له فبها ونعمة، وإن صرفه الله عنه فالحمد لله على كل حال، والخيرة فيما اختاره الله.

 

ومن معوقات علو الهمة أيها المسلم: ضياع الوقت وتبديده دون فائدة وكما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إني أكره أن أرى الإنسان بطالاً لا هو في أمور الدنيا ولا هو في أمور الآخرة"، وهذا حال بعضنا، وللأسف الشديد، أنه يُذهِب أوقاته سدى وتذهب أيامه ولياليه سبهللة دون أن يحقق أهداف، دون أن يحقق ما يصبو إليه في الدنيا وفي الآخرة.

 

فاعلم أيها المسلم أنك إذا لم تكن في كل يوم في زيادة من أمرك فأنت في نقصان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

ولذلك قال -صلى الله عليه وآله وسلم- كما في الحديث الصحيح قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع؛ عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه".

 

أتظن أنك لا تُسأل عن هذه الساعات؟ أتظن أنك لن تُسأل عن هذه الأيام والأسابيع والشهور والسنوات؟ بلى ستُسأل عنها في ذلك اليوم العظيم، وإذا ما جعلنا هذا الأمر العظيم نصب أعيننا فوالله ستتبدل أحوالنا من حال إلى حال إذا سألت نفسك في هذه الدقائق التي أنت مقبل عليها أنك ستُسأل عنها فلن تضيعها، ولن تكون إلا في طاعة الله.

 

ومن معوقات تحصيل علو الهمة أيها المسلم: الفوضى التي سببها عدم التخطيط لحياتنا وتحديد أهدافنا ولله در القائل: من رتَّب متاعه لا يتعب.

 

هذا الترتيب وهذا التنظيم هو الذي يعلمنا إياه ديننا الحنيف يخطئ كثير من الناس، بل حتى من بعض الدعاة والطيبين يظنون أن ديننا هكذا يجعلها الإنسان ويستدل بما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "دعها! فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها.." نقول حديثه على الرأس والعين صلوات ربي وسلامه عليه وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن كذبتَ وأخطأتَ هذه العقول والأفهام التي تكيف أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- على هواها.

 

من الذي قال: إن الإسلام يعارض التخطيط والتنظيم والترتيب؟ هل الإسلام يأمر أصحابه وأتباعه أن يكونوا هملاً يعيشون على جانب الحياة وأطرافها؟! هل الإسلام يشجع أتباعه ومعتنقيه أن تكون حياتهم عبارة عن كومة من الفوضى واللخبطة والعشوائية لا يدرون إلى أين يذهبون ولا يدرون ما يحققون؟! كلا! إن الإسلام دين الترتيب والتنظيم والمسلم مرتب ترتيبًا ربانيًّا لا يحتاج على سبيل العموم أن يأخذ دورة لأن بعض الناس يعتقد أنه من غير الممكن أن يكون مرتبًا منظمًا صاحب قيادة ورؤية ونظرة وتحديد للأهداف وغيرها من المهارات المفيدة إلا بعد أن يتخرج من جامعات أو أن يأخذ دورات ربما تكلّفه أموال طائلة.

 

أنت أيها المسلم قد رتّب الله لك يومك وليلتك ترتيبًا ربانيًّا والأمر سهل ويسير وبسيط رتب أوقاتك على أوقات الصلوات الخمس، أفعل كذا بعد الفجر، أفعل كذا بعد الظهر، أفعل كذا بعد العصر، أفعل كذا قبل المغرب وبعد المغرب، أفعل كذا قبل العشاء وبعد العشاء.. ليكون برنامجك واضحًا عمليًّا مؤطرًا وفق أطر عامة وأهداف مقننة ووسائل متاحة عندها تكون صاحب همة عالية.

 

وإلا لو كانت القضايا بالدعاوى لو كانت القضية مجرد دعوة ومجرد أمور تكتب على الورق لكان جميع أهل الأرض من القادة والمؤثرين، كم عدد القادة والمؤثرين والمبدعين والعلماء والمفكرين في تاريخ البشر وما هي نسبتهم إلى نسبة البشر؟ قليلة هؤلاء الذين لم يورثوا شيئًا وكانوا زيادة على الحياة في حقيقة أمرهم ألم يكن يدور في خلدهم أنهم يريدون أن يحققوا ويردون أن يصبوا وأن يصلوا؟ بلى ولكنه فرق كبير كما بين السماء والأرض، كما بين الشرق والغرب بين الأحلام وبين الأهداف.

 

أن تجعل واقعًا عمليًّا تسير إليه ولن تستطيع أن تكون شخصًا عمليًّا، شخصًا ذا همة، شخصًا ذا طموح تصبو إليه وأنت تعيش في فوضى عارمة في حياتك.

 

لابد من ترتيبها ومن رتب متاعه لا يتعب، وهذا له أصل عظيم في شرعنا، ألم تسمع أيها المسلم إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الشيخان من حديث عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذ إلى اليمن ليعلم أهل اليمن الإسلام فرتب له -صلى الله عليه وسلم- الدعوة ترتيبًا ولم يقل له اذهب وادعوهم وهكذا يكون في عمايا وفي عدم وضوح رؤيا، وفي عدم توضيح للأهداف والأولويات، كلا إنما قال له: "ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله"، وفي رواية "أن يوحدوا الله".

 

ثم قال له "فإن هم أجابوك فأعلمهم" مرتبتان ترتيب وتنظيم وتحديد للأولويات، قال "فإن هم أجابوك"، وفي رواية "أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة"، ثم قال: "فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تأخذ من أموالهم فترد على فقرائهم".

 

هذا هو دينك أيها المسلم دين الترتيب والتنظيم، ودين علو الهمة ومعالي الأمور، ودين تحقيق الأهداف والمسابقة والمسارعة، والحرص على أن يترك الإنسان بصمة في هذه الحياة، وأن يخلِّف ذكرًا حسنًا وعملاً صالحًا يستمر له خيره وهو موَسَّد في قبره كما بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" وذكر من هذه الثلاث "ولد صالح" أي ينتفع به ويخلفه بعد موته.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا وإمامنا وقدوتنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله على آله وأصحابه ومن صار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

 

ثم أما بعد: من معوقات علو الهمة أيها المسلم: الشعور بالإحباط وخيبة الأمل بسبب المحاولات المتكررة التي تبوء بالفشل، وهل من الممكن أن يصل الإنسان إلى ما يصبو إليه دون أن يفشل؟ ألا نتعلم أيها المسلمون من حال النملة التي ضربها الله -عز وجل- لنا مثلا في القرآن الكري،م وسمى سورة كاملة في كتابه الخالد باسم سورة النمل، وتعلم نبي الله سليمان هذا النبي الكريم ابن نبي الله الكريم تعلم من هذه من النملة درسًا عظيمًا.

 

النملة إذا أردت أن ترقى جدارًا فلا ترقاه من أول مرة ترقى مسافة، ثم تسقط، ثم تعود مرة أخرى وترقى وتسقط، وهكذا مرارًا وتكرارًا لعشرات المحاولات منها والنتيجة سترقى هذا الجدار.

 

لذلك كيف يكون طعم النجاح إذا لم تسبقه محاولات، محاولات باءت بالفشل، ولكن اليأس والقنوط لا يعرف طريقًا إلى قلب المسلم الموحد، نثق بنصر الله، ونثق بتأييد الله -تبارك وتعالى-.

 

ولذلك نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- حاول مرارًا وتكرارًا، وكان -عليه الصلاة والسلام- يواصل عمل الليل بالنهار، وينوع في الأساليب لإقناع ولهداية قومه، ومع ذلك لا يزدادون إلا كفرًا وعنادًا، هل ترك -صلى الله عليه وسلم- العمل؟ هل قال عليه الصلاة والسلام: شعرت بالإحباط وشعرت باليأس ولا فائدة من هؤلاء؟ كلا، إنما لا يزال في دعوة وفي عمل دءوب -صلوات ربي وسلامه عليه-، بل عندما عاد من الطائف مكلومًا جريحًا مطرودًا خائفًا متألمًا -صلى الله عليه وسلم- بعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال وسخر له إمكانياته إن شاء أن يُطبق الأخشبين الجبلين العظيمين على أهل مكة، فقال عليه الصلاة والسلام الذي لم يعرف الإحباط والفشل واليأس طريقًا إلى قلبه قط قال: "كلا! لعل الله أن يُخرِج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئًا"، فكان الذي أراده -صلى الله عليه وسلم- وتمناه.

 

فإياك إياك والإحباط والفشل، واعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

 

من معوقات علو الهمة: الكسل والتسويف، سأفعل! سأخطط! سأرتب! سأحدد الأهداف! سأقوم بكذا وكذا.. سأبدأ في تاريخ كذا وكذا!!

 

واعلم أيها المسلم أن من أعظم أسباب الفشل وفي نفس الوقت من أعظم أسباب وحبائل الشيطان التي يغوي بها الإنسان: الكسل والتسويف، قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام البخاري وهو يعلمنا هذا الدعاء المبارك قال "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل" يستعيذ من الكسل.

 

ولذلك أمرنا أن ألا نفتح أفواهنا عند التثاؤب؛ لأن الشيطان يضحك ويفرح لماذا يضحك الشيطان ويفرح؛ لأن هذا دليل وإشارة على كسله وعلى خموله لذلك الشيطان يضع لك العقبات في نفسك التي تحول بينك وبين هذا العمل.

 

وشياطين الإنس كذلك يحبطونك ويضعون لك المعوقات والحواجز، فاستعن بالله ولا تعجز واعتصم بالله، ولتتضح لك الرؤية، وشمر عن سواعد الجد وأقبل على هذا العمل ستصل إلى ما تصبوا إليه بإذن الله -تبارك وتعالى-.

 

ومن يتهيب صعود الجبال ***يبقى أبد الدهر بين الحفر

فمن يخاف من صعود الجبال إذًا يقنع بالدون ويرضى بسفاسف الأمور، وسيبقى دائمًا بين الحفَر.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين..

 

 

المرفقات

علو الهمة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات