حقيقة تحرير المرأة

أحمد بن عبد العزيز الشاوي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: قضايا المرأة
عناصر الخطبة
1/ أهداف ودوافع المؤامرة على المرأة المسلمة 2/ وسائل تنفيذها 3/ من نتائجها 4/ الانتصار للحجاب في صحافة الغرب 5/ شهادة الواقع وعقلاء الغرب بأكذوبة تحرير المرأة 6/ واجب المسلمات تجاه ما يحاك ضدهنّ 7/ بشريات فشل المؤامرة على الحجاب

اقتباس

لقد أطلقتها صحفية أمريكية دعوةً للمسلمين قائلة: امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحيةِ وانطلاقِ ومجونِ أوربا وأمريكا، إن الاختلاط والإباحية والحرية قد هدّدت الأسرة، وزلزلت القيم والأخلاق.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله أنعم وتكرم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إنه أرحم وأعلم، وأحكم وأحلم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بشر وأنذر، وحذر وعلم، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه الأقوم، وسلم تسليما.

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله ربكم؛ فإنه من يتق الله يجعل له من أمره يسرا.

 

نُـذُرٌ وربـك بالمصائب تـنذرُ *** وخُطىً على درب الهوى تتعثّرُ

فِتَنٌ كَلَـيْل مظـلم ينـدى لـها *** منا الجبيـن فنـارها تتسعر

ما كنت أحسبني أعيش لكي أرى*** بنت الجزيرة بالمبادئ تسخر

جهـلت بأنـا أمة محكـومـة *** بالدين يحرسها الإلـه وينصر

جهلت بأنـا أهـل ديـن ثابت *** في ظـله لا يُستحـل المنكر

أخـتاه يا بنت الجزيرة هـكذا *** وخنادق الباغين حـولك تحفر؟

أوهـكذا والملحـدون تجمعوا *** من حولنا والطامعون تجمهروا؟

 

أجل! لقد جاؤوا يركضون يبغونكم الفتنة، ويتربصون بكم الدوائر بإعلامهم وأعمالهم، بمؤامراتهم ومؤتمراتهم، بأقوالهم وأفعالهم، في خطوات ماكرة، ودعايات مضللة؛ تستهدف المرأة المسلمة في آخر معاقل الإسلام وأمنعها. إنهم يعملون على تدجين المجتمع وتوجيهه إلى حياة الفوضى الفكرية والأدبية والأخلاقية.

 

لقد تجاوزوا بمنظارهم الأسود وتفكيرهم السقيم مقام الشرع الأعظم، حينما وصفوا المرأة العفيفة بأنها متخلفة ومتعصبة، وبأن التقاليد والأعراف تتحكم فيها، والتي في نظرهم تعرقل المرأة عن التفاعل مع المجتمع، وهم في هذا يمتهنون من شأن المرأة الملتزمة، ويحاولون إبعادها عن السلوك السوي، وسحق القاعدة الأخلاقية والأدبية لها.

 

لقد دفع أدعياء التحرر المرأة إلى أحط المواقف، وزجوها في أشد المخاطر، وقادوها إلى أسوأ حال؛ فلم يحسّنوا خلقا، ولم يهذبوا نفسا، ولم يقوموا اعوجاجا، وإنما كل الذي عملوه أو صاغوه نساء مستهترات ضائعات، يسخرن من المقدسات، ولا يبالين بأصالة ولا بأعراض، وويل لأمة تفخر بنسائها ورجالها على الأزقة، لا يفكرون في قضية، ولا يحملون مسؤولية! وويل لأمة أهانت رجالها لتثبت ذاتية نساء ضائعات!.

 

لقد نادى أدعياء التحرر بتحرير المرأة، لكن تحريرها من الفضيلة والشرف والحياء، وهتفوا بالعطف عليها، لكنهم قسوا عليها أشد من وائدي البنات في الجاهلية الأولى، وأعلنوا مساواتها المطلقة فكلفوها ما لا تطيق.

 

زعموا تحريرها فاستعبدوها، وادعوا العطف عليها فأهلكوها، وزعموا إكرامها فأهانوها، سجنوها بأيديهم ثم وقفوا على باب سجنها يبكون ويندبون شقاءها!.

 

إن المرأة اليوم في بلادنا مستهدفة بمؤامرة نفذت فصولها في بلاد مسلمة، فأنتجت فوضى أخلاقية، وأخلاقا منهارة، وتجرعت المرأة هناك غصصا وآلاما، فبدأت تفكر في أمرها وتسعى للعودة لفطرتها.

 

لقد أصبحنا ننام ونستيقظ على خطوات عملية تصحبها حملة إعلامية، هدفها إخراج المرأة من بيتها ولو بلا هدف، وزجها في مجتمعات الرجال تحت أي شعار، والغاية أن تتجرد من حيائها وحجابها لتصبح ألعوبة بأيديهم، وأداة لتحقيق مآربهم، فتنهار القيم، وتسقط الأخلاق؛ ليسقط بعدها كل شيء.

 

لقد بدأت مؤامرة السفور بالدعوة إلى كشف الوجه، وهذا هو ما تحاول وسائل الإعلام فرضه وجعله واقعاً من خلال المجلات والأفلام والبرامج، ومن خلال المؤتمرات الاقتصادية وغيرها، ثم امتدت المؤامرة إلى الجلسات المختلطة المحتشمة، ثم إلى السفر من غير محرم؛ بدعوى الدراسة في الجامعة أو حضور المؤتمرات والندوات، ثم زينت الوجوه المكشوفة بأدوات الزينة، وكل هذه الخطوات أصبحنا نراها في واقع نسائنا، وتعرض في صحفنا ومجلاتنا، ثم بدأ الثوب ينحسر شيئا فشيئا؛ حتى تقع الكارثة فتخرج المرأة سافرة عن مفاتنها، كاشفة عن المواضع التي أمر الله بسترها، وهذه هي المرحلة التي نترقبها إن لم نأخذ على أيدي السفهاء.

 

وحينما تقع هذه الخطوة سيروح أهل الكيد يتلذذون بالنظر إليها، ويستدرجونها للإيقاع بها، وحينئذ تفسد الأخلاق، وتكثر محلات البغاء، وينتشر اللقطاء، وإن تعجبوا فاسألوا المتورطين.

 

وإعذاراً إلى الله، ونصحاً للأمة رجالها ونسائها، واستمرارا في منهج التحذير والبيان، أواصل الحديث، وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

 

إن أول ما يجب أن تعلمه الأمة رجالها ونساؤها أن الذي شرع الشرائع ووضع الحقوق وحد الحدود هو الله -جل جلاله- بحكمته وعدله، وهو القائل: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [النساء:32]. والقائل: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) [البقرة:228]. وهو القائل: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50].

 

ويجب أن تعلم الأمة أن هذه الحقوق كفيلة بتحقيق السعادة الدنيوية والأخروية للفرد، وتحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع، وأن أي دعوة لمخالفة هذه الحقوق، أو استيراد حقوق لطرف لم يأذن بها الله هو اتهام لله في عدله وحكمته، وانتقاص لشريعته، (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة:229].

 

إن واجب المسلم والمسلمة إزاء الحقوق والواجبات هو الرضا والتسليم؛ تحقيقا لمعنى الإسلام، والذي يعنى الاستسلام لله والانقياد له، والخضوع لحكمه، (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ) [النساء: 125]، (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51].

 

إن حكم الله هو الحكم الوحيد المبرأ من مظنة الحيف؛ لأن الله هو العادل الذي لا يظلم أحدا، وموقف المؤمن والمؤمنة من أحكام الله هو السمع والطاعة بلا تردد ولا جدال ولا انحراف، السمع والطاعة المستمدان من الثقة المطلقة في أن حكم الله ورسوله هو الحكم، وما عداه فهو الهوى، النابعان من التسليم المطلق لله واهب الحياة، ومن الاطمئنان إلى أن ما يشاء الله للناس خير مما يشاؤونه لأنفسهم، فالله الذي خلق أعلم بمن خلق، (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت:53].

 

فأي إسلام لمن يعترض على حكم الله أو يتضايق مما شرع الله؟ (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) [النساء:65].

 

ثم ليعلم كل مسلم ومسلمة أن المؤامرة على المرأة المسلمة كانت بدايتها على أيدي غير المسلمين الذي خططوا في خفاء، ونفذوا في دهاء، وجندوا لها في هذه الأمة مَن فقد اعتزازه بعقيدته، وتمسكه بدينه، وانتماءه لأمته.

 

وإذا كان هذا حالهم وأن ولاءهم لأعداء الإسلام، وارتباطهم بالحاقدين على الدين، فهل يحتاج الأمر منا إلى كثير تدبر فيما ينبغي أن يكون عليه موقف كل مسلم ومسلمة من دعوتهم الآثمة؟ أليس هؤلاء ممن قال الله فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) [النور:19].

 

وإذا كان القوم أشربت قلوبهم حب الكافرين، وأولعوا بما هم عليه من الضلال المبين، فأين أنت -أيتها المسلمة- من قول الحق: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 28]، وقوله: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود: 113].

 

قال مفسرون: فالنهي متناول للانحطاط في هوتهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم، ومجالستهم، وزيارتهم، ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيّي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم، والركون هو الميل...

 

كيف إذن نصدق هؤلاء الأفاكين، وننقاد لأولئك المغررين من أعداء ديننا وأمتنا، الذين أخبرنا -سبحانه- عما في قلوبهم: (قدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران: 118]؟.

 

يا ابنة هذه البلاد: إن أيديهم الماكرة الخبيثة الخادعة قد امتدت إليك في هذه الفتنة، لتنـزلك من علياء كرامتك، وتهبط بك من سماء مجدك، وتخرجك من دار سعدك، فاقطعيها بسرعة وقوة، فإنها يد مجرمة ظالمة.

 

لقد نهج دعاة التدمير نفس منهج إمامهم الأول إبليس، إذ ما كان من إبليس إلا أن زيّف للأبوين الحقيقة، وألبس الحق لباس الباطل والباطل لباس الحق، وزيادة في الضلال، وإمعاناً في التغرير، أقسم لآدم وزوجه أنه لهما من الناصحين!.

 

وهكذا تذرّع الشيطان إلى الفجور الذي نراه اليوم ونعاني ويلاته بالسفور كخطوة أولى، يستنـزل المرأة المسلمة من عليائها وعفتها.

 

وما كان للمسلمة أن تطيعه أبدا إذا دعاها صراحة وهي في قمة الاحتجاب والتعفف إذا ما دعاها إلى ما وصلت إليه في بلاد مسلمة من تهتك وتعرٍّ؛ لكن الخبيث تدرج معها: ابتداء بأن السفور وكشف الوجه جائز شرعاً، وانتهاء بأن خير الهدي هدي أوربا وأمريكا!.

 

يا ابنة الإسلام: أتظنين أن أولئك المأجورين الذين يستميتون في دعواتهم الآثمة لإخراجك من بيتك وإقحامك في عالم الاختلاط، ودفعك إلى التمرد وقيادة السيارة، وتورطك في أعمال لا تتناسب مع قدراتك وطبيعتك، أتظنين أنهم لك من الناصحين؟ لا والله وأقسم برب الفلق أنهم يكيدون لك كيداً، ويمكرون بأمتك مكرا! وإلا؛ فماذا يضيرهم لو بقيتِ آمنة في سربك، مخدومة من أهلك وزوجك، محفوظة بحيائك وسترك، عابدة لربك، مربية لأولادك؟ ولكن صدق الله: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً) [النساء:27].

 

إنك -يا ابنة هذه البلاد- في نعمة، والقوم قد حسدوك عليها، وودوا لو تضيعين كما ضاعوا، فاحمدي الله على نعمة الدين والعفة والفضيلة.

 

يقول مراسل صحيفة أمريكية: إن لغز الحجاب الذي يثير حفيظة الغرب غير مطروح للتساؤل هنا في السعودية، إن الحجاب لم يقف حائلا أمام تطور المرأة، فالسعوديات مؤهلات للتعامل مع أحدث برامج الحاسوب والإدارة ونظريات التعليم، بل إن القطاع الواسع من النساء السعوديات المتعلمات يدافع عن الحجاب كمنظومة تحكم علاقة المرأة بالرجل في إطار واسع، وإن النساء العاملات في السعودية يشعرن بأمان حقيقي بعيداً عن المضايقات أو الأخلاق السيئة، ويؤكد أن الحجاب والبعد عن الاختلاط كانا سببين لتميز الأداء الذي لا تخطئه العين.

 

وينقل عن إحدى السيدات من الطبقة الثرية قولها: إن الحجاب نعمة عظيمة، والمرأة هنا تحظى بمعاملة راقية لا تحظى بها امرأة أخرى لا تقود السيارة، لكن هناك من يقوم بخدمتها دائماً، نحن أميرات في بيوتنا وأزواجنا يبذلون جهداً رائعا لإسعادنا.

 

كما ينقل كلمة لإحدى السيدات السعوديات قائلة: لو سألتني: هل أريد الحرية الغربية فإن إجابتي ستكون بثلاث كلمات: لا ثم لا ثم لا، إن الدين هو الذي يحكم تصرف الإنسان، ومن كان مفلسا في دينه فإنه يفقد الضابط الذي يحرك مساره.

 

يا كل مسلم ومسلمة: إن مستنقع الانحلال الأخلاقي الذي يراد أن نساق لخوضه قد خاضته أمم غيرنا، فكشفت المرأة وجهها، وزاحمت الرجال، وقل حياؤها، وقادت السيارة، وأصبحت مضيفة وطيارة، وشاركت الرجال في الوظائف والأعمال؛ فماذا كانت النتيجة؟ لقد فقدت المرأة السعادة التي كان يلوح لها أنصارها بسعادة التحرر والتطور، ليس فقط سعادتها بل فقدت وجودها كامرأة ذات قيمة في المجتمع ووزن فيه.

 

لقد قبضت فيما مضى على دينها فقبض الله عنها السوء، وبسط لها الحلال، حتى لم تكن تينع الثمرة في بيت أبيها إلا وتمتد يد الحلال لتقطفها، فلا تفتح عينها إلا على حليلها؛ ولكنها وقد ابتذلت وأهينت على يد أصدقائها وأنصارها الزائفين، كان أول من زهد فيها أنصارها المخادعون، ولم تعد كما كانت تتمتع باحترام الآباء والأزواج! ولم تعد تحاط بهالة من التقدير والتعظيم، وإنما أصبحت في نظر الجميع أشبه بمحترفة تطلب العيش وتقرع كل باب للعمل لعلها تحصل على وظيفة، وهذا هو المنحدر الفظيع، والهاوية السحيقة، والمصير الأسود القاتم، الذي انتهت إليه المرأة في كثير من بلاد المسلمين.

 

والآن، وقد خلعت المرأة حجابها، وغادرت حصنها، وعصت ربها؛ فهل جنينا حقا التقدم والحضارة والرخاء؟.

 

إننا لن نطيل في وصف الهاوية التي تردت إليها المرأة المتحررة بفضل أنصارها الموتورين؛ لأن الواقع حولنا يكفينا مؤونة هذه الإطالة، إنه حقا واقع مرير تستطيع أن تدرك عواقبه وآثاره حيثما وقعت عينك في كل بيت، في كل طريق، وفي كل وظيفة؛ فلماذا لا نأخذ العبرة؟ ولماذا نخضع لدعوات لتكرار المأساة؟.

 

لقد أطلقتها صحفية أمريكية دعوةً للمسلمين قائلة: امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحيةِ وانطلاقِ ومجونِ أوربا وأمريكا، إن الاختلاط والإباحية والحرية قد هدّدت الأسرة، وزلزلت القيم والأخلاق.

 

وهذه مسلمة ألمانية تقول: كم يؤلمني أن أرى أخواتي وإخواني المسلمين يركضون إلى المكان الذي هربتُ منه، بعد أن كاد أن يقتلني ويخنقني، ورغم أني من تلك البلاد فلن أعود إليها حتى أعي ديني جيدا، فالدنيا دون إسلام جحيم دائم.

 

وهذه كاتبة انجليزية مشهورة تعلن قائلة: إذا اشتغلت بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم فهو خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، يا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، حيث فيها الحشمة والعفاف والطهر، حيث المرأة تنعم بأرغد عيش وبصيانة العرض والشرف!.

 

هذه شهادتهن من واقع التجربة، وإن في حقائق الإسلام لذكرى لقوم يوقنون.

 

إن على المرأة المسلمة أن تستعلي على هذه المؤامرة الرهيبة، وأن تدرك الثمن الكبير الذي تدفعه هي وأمتها إن استجابت لذلك السعار المجنون، الذي تغذيه أيد صليبية وأخرى يهودية، ويقوم بالدعوة إليه أنذال من بلاد مسلمة؛ وإن عليها أن تتسلح بالعقيدة الراسخة، والأخلاق القويمة، والوعي الكبير.

 

لا يخدعنك -أختي المسلمة- هؤلاء المتآمرون، ولا يصرفنك عن الحق أولئك الكائدون، وضعي نصب عينيك قوله -تعالى-: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) [الروم:60].

 

تعرفي وافهمي الواقع المحيط بك كي تدركي ما يحاك ويدبر لك، ولكي تعي الطريقة المثلى للتصدي لأي دعوة تريد زعزعة إيمانك بعقيدتك وسلب شخصيتك الإسلامية.

 

إن على المرأة المسلمة أن تعطي النموذج الإسلامي المتميز في مجال القدوة، بأن تكون شريفة في أخلاقها، جادة في شخصيتها، متفاعلة مع قضاياها في إطار من الأدب والالتزام الشرعي.

 

إن حقوق المرأة التي يطالب بها أنصارها من دعاة الإسلام، ليست مجرد خطابة وكتابة ومقابلات وسفرات وحفلات، وإنما حقوق قررها الخالق ورسختها الشريعة، هي حقوق تخرج لنا نساء يبنين الأجيال فيصنعن بهم التاريخ.

 

إنها حقوق تخرج المرأة التي تشعر بآلام الأمة وآمالها، المرأة التي تدفع من مالها وتنفق مما أعطاها الله.

 

لا نريد الحقوق الزائفة التي تجعل من المرأة مجرد دمية تقف في المجامع والمحافل، وتظهر على صفحات الصحف متعطرة متزينة، فيشد الحاضرين جمالها، ولا يفقهون مما تقوله شيئا!.

 

لا نريد حقوقاً مستوردة تجعل من المرأة مجرد ببّغاء تردد ما يقال، وتلبس كل ما صنع لها، وتملأ فكرها بكل ما يكتب، وتنساق وراء كل نزوة، وتجري وراء كل بريق خادع.

 

إننا ننشد الحقوق التي تخرج لنا المرأة المسلمة التي تزن الأمور بميزان السماء، وتنظر إلى الحياة من خلال القرآن، وتنظر وهي في الدنيا إلى الدار الآخرة، وتتخذ من الإسلام منهجا، ومن رسول الله قدوة وأسوة، (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].

 

 

الخطبة الثانية:

 

(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً) [الطارق:15-16]. (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [آل عمران:54].

 

(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) [الرعد:17]. ذلك مثل الحق والباطل في هذه الحياة، فالباطل يطفو ويعلو وينتفخ ويبدو رابيا طافيا ولكنه زبد ما يلبث أن يذهب جُفاءً مطروحا لا حقيقة له، والحق يظل هادئا ساكنا، وربما يحسبه بعضهم قد انزوى أو غار أو ضاع أو مات، ولكنه هو الباقي في الأرض ينفع الناس، كذلك يضرب الله الأمثال، وكذلك يقرر مصائر الدعوات ومصائر الاعتقادات ومصائر الأفكار والأعمال والأقوال، ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون.

 

لقد خيل إلى أعداء الإسلام أن الأمة مجتمعة قد استجابت لجهودهم، ورضخت لدعواتهم، واستسلمت لأفكارهم، وإذا بالأمة تؤوب إلى دينها، وترجع إلى فطرتها، وإذا بشباب الأمة وفتياتها يرددون: (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ) [آل عمران:193].

 

وراحوا ينهلون من كتاب الله وسنة رسوله، وقد وجهوا قلوبهم ووجوههم من جديد بعد حيرة واغتراب شطر البيت العتيق، وولوا ظهورهم للقليس قبلة الضرار التي أقامها أبرهة روسيا وأبرهة أمريكا في موسكو وواشنطن...

 

إن من بشائر النصر في أيامنا، والتي بدأت تظهر في ديار المسلمين، ما تراه من عودة الفتاة المسلمة إلى إسلامها، معتزة بشخصيتها، عادت تهتدي وتقتدي باللواتي أنزل الله فيهن قرآنا.

 

إن السفور والاختلاط حالة طارئة بدأت على استحياء منذ أكثر من خمسين عاما، وبلغت أوجهها منذ ثلاثين عاما، ثم بدأ صعودها البياني في التوقف، ثم الهبوط، ولا يزال آخذا في الهبوط السريع، والمؤشرات تؤكد أن السفور يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، وجولة في شوارع دولة مسلمة كمصر تؤكد هذه الحقيقة، وستبقى السيادة -بإذن الله- لشرع الله، وأمره بالحجاب. وكلمة الله هي العليا.

 

لقد فعل الموتورون شتى الحيل ليصدوا المسلمة عن دينها، ويوقعوها في شراكهم، ويذبحوا على أعتاب جامعاتهم ومصانعهم ومتاجرهم حياءها قربانا لأغراضهم، فاستجاب لهم تائهات ومخدوعات، ولكن خرج في أمتنا فتيات عفيفات رفعن نداء: "رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا"، فبددت أطماعهم وانقلبوا خاسئين.

 

يا ابنة الإسلام: في هذه البلاد إنك اليوم مستهدفة، ويراد لك أن تخوضي بحر الظلمات الذي خاضته مسلمات فهوين في دروبه وصارعن أمواجه، ثم أدركن المؤامرة فعدن إلى بحور النور والهدى.

 

إن أقوى رد يفند أباطيل دعاة الاختلاط ومروجي الانحطاط هو تخلي المرأة المسلمة عنهم بعد أن انخدعت بهم زمنا طويلا، وخلعت الحجاب، وخالطت الرجال، وذاقت ويلات جاهلية القرن العشرين، وجرت في دروب المفسدين، فما وجدت عندهم إلا الشقاء والضنك، فعادت المسلمات زرافات ووحدانا، مستغفرات تائبات شعارهن: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285].

 

لقد اغتاظ أدعياء التحرر، وصارت عودة الحجاب غُصّةً في حلوقهم، حتى إنهم اعترفوا بهزيمتهم في المعركة الحقيقية، وعللوا ذلك بأن الفتيات يتحجبن عن اقتناع كامل، متحديات كل ما وضع في طريقهن من عراقيل وعقبات.

 

وهذا أحد رموزهم يقول: أصابت المرأة المصرية في أيامنا نكسة ارتدّت بها إلى ما قبل، هناك اليوم عشرات الألوف من النساء المرتدات ينزلقن طوعا إلى هوة الماضي، والمأساة أن المرأة اليوم تتبرع سلفا بحجاب نفسها قبل أن يأمرها بالحجاب والدها أو زوجها. انتهى كلامه أهلكه الله أو هداه.

 

وهذه صحفية في صحيفة تقول: إن الفتيات المصريات يبدين اهتماما متزايدا بالإسلام، وفي جامعة القاهرة يزيد عدد الطالبات الملتزمات بالزي الشرعي، وقد يأتي يوم لا تبقى فيه طالبة مصرية واحدة إلا وقد ارتدت الزي الشرعي الإسلامي.

 

ألا فاعلمي يا ابنة هذه البلاد أن أعداء الحق في كل عصر وفي كل مكان على وتيرة واحدة، وقلوبهم متشابهة فيما يرد عليها من الخواطر والشؤون، وعلى المسلمة الصادقة أن توقن أن المعركة بين الحجاب والسفور، بين الحق والباطل، لا تنقطع، فإن التاريخ يعيد نفسه، وإن هذه سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تحويلا.

 

فطوبى لمن تنزع عنها غلالة الرجعية الجاهلية وتعود من غربتها واغترابها، وتأتي اليوم وغداً بالحجاب ومعها العلم والوعي والبصيرة والحرية الحقة من عبودية العبيد، قائلة لشياطين الإنس الذين يزينون لها تعدّي حدود الله: (إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأنعام:15].

 

يا ابنة هذه البلاد:

إن التزامك بالحجاب تمسك *** والسعي في نزع الحجاب تدهور

إن التزامك بالحجاب تقـدم *** والسعي في نزع الحجاب تأخر

إن عُدَّت الفتن العظام فإنما *** فتن النساء أشدهـن وأخـطـر

أخشى على أوطاننا من فتنة *** فتـن البلاد أمامـها تستصغر

فبلادنا بين البـلاد تميـزت*** بالدين يمنحها الثبات ويعـمر

فالنار تأكل كل شيء حولها *** والقدر من فوق الأثافي تطفر

قد تهدم السـد المشيد فأرة *** ولقد يحطـم أمـة متهـور

أخشى على الأخلاق كسرا بالغا*** إن المبادئ كسرها لا يجبر

 

 

 

المرفقات

تحرير المرأة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات