التحذير من ست خصال

أحمد بن محمد العتيق

2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من الشر 2/المقصود بإمارة السفهاء والتحذير من ذلك 3/المقصود ببيع الحكم 4/التحذير من القتل وبعض أسبابه 5/التحذير من قطيعة الرحم 6/كثرة الشرط في آخر الزمان والتحذير من ذلك 7/المقصود باتخاذ القرآن مزامير والتحذير من ذلك

اقتباس

ابذُلوا أسبابَ الثباتِ على الإيمان, والمحافظةِ على الدِّين, واحذروا مِمَّا حذَّرَ منه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-, فإنه ما مِن خيرٍ إلا دَلنا عليه، وما مِن شرٍّ إلا حذَّرنا منه, ومِنْ ذلك قولُه صلى الله عليه وسلم: "أخافُ عليكم سِتَّ خِصال: إمارةَ السُّفَهاء, وبَيْعَ الحُكْمِ، وَسَفْكَ الدَّمِ، وقطيعةَ الرَّحِم, وكَثْرَةَ...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.

 

أمّا بعد:

 

أيها الناس: اتقوا اللهَ -تعالى-, وابذُلوا أسبابَ الثباتِ على الإيمان, والمحافظةِ على الدِّين, واحذروا مِمَّا حذَّرَ منه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-, فإنه ما مِن خيرٍ إلا دَلنا عليه، وما مِن شرٍّ إلا حذَّرنا منه, ومِنْ ذلك قولُه صلى الله عليه وسلم: "أخافُ عليكم سِتَّ خِصال: إمارةَ السُّفَهاء, وبَيْعَ الحُكْمِ، وَسَفْكَ الدَّمِ، وقطيعةَ الرَّحِم, وكَثْرَةَ الشُّرَطِ، ونشوءاً يَنْشَئُون يَتَّخِذون القرآنَ مزامير".

 

فأوَّلُ هذه الخِصال: "إمارةَ السُّفَهاء" وَهُمُ الطائِشونَ، وخِفافُ العُقُولِ, الذين لا يَعْرِفونَ قَدْرَ الأمانةِ والمَسؤولِية, وأوَّلُ مَنْ يَدخلُ في ذلك: مَنْ لا يُحَكِّمونَ الشريعةَ, وكذلكَ صِغارُ السِّنِّ, حيثُ نَصَّ الصحابةُ -رضيَ اللهُ تعالى عنهم- على التعوُّذِ مِن إمارةِ الصِّبْيان والسُّفهاء.

 

الخصلةُ الثانيةُ: "بَيْعَ الحُكْم" والمُرادُ بِذلكَ: الرَّشوةُ، وبَيْعُ الذِّمَمِ بِالمال مِنْ قِبَلِ مَنْ يُصْدرِونَ الأحكامَ، أو يَبُتُّونَ في أُمُورِ الناس, فَيَبيعونَ دِينَهم بِعَرَضٍ مِنَ الدنيا قَليل.

 

الخصلةُ الثالثة: "سَفْكَ الدَّم" وفي اللفظِ الآخر: "الإستِخفافُ بالدَّم" أي اسْتِشْراءُ القَتْلِ بَين المسلمين, وكَثْرَتُه, وعدَمُ مُراعاةِ حُرْمةِ الدِّماء, كما هو الحاصلُ اليومَ في بَعْضِ بُلدانِ المسلمين, حتى صَدَقَ فِيهِم قَوْلُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَدْري القاتلُ فيما قَتَل, ولا المَقْتُولُ فيما قُتِل".

 

ولذلكَ أسبابٌ كثيرة، مِنْها: التكفيرُ واستِحلالُ الدَّمِ الحرامِ باسمِ الدِّينِ والجهادِ, فَيُقاتِلُونَ أَهْلَ الإسلامِ, وَيَتْرُكونَ الكفارَ وأعداءَ الإسلام.

 

ومِنْها: الحِرْصُ على الدُّنيا والتنافُسُ فيها وَعَلَيها.

 

ومِنْها: التعَصُّبُ لِلجماعاتِ والأحزابِ والرَّايات, كَما هُو الحاصِلُ اليومَ في بُلدانِ المسلمين, الذينَ اخْتَصَرُوا عَلَى الغَرْبِ وأَعْداءِ الإسلامِ مِشْواراً طَويلاً في القَضاءِ على المسلمين.

 

فَإِنَّ أعداءَ الإسلامِ لا يَأْلُونَ جُهْداً في أَيِّ أَمْرٍ يُوصِلُهُم إلى القَضاءِ على الإسلامِ والمسلمين, فَوَجَدُوا فِي هذا العَصْرِ مَنْ يَخْتَصِرُ لَهُمُ الطريقَ, ويَقُول لَهُم: "لِماذا تُتْعِبونَ أَنفُسَكُم, وتُتْلِفُونَ أَسْلِحَتَكُم, وتُهْدِرُونَ أموالَكم, وتُهْلِكونَ أبناءَكم وَجَنُودَكُم. وتَتَسَبَّبُونَ في هِتْكِ أَعْراضِكُم وتَرْمِيلِ نِسائِكم, وَتَيْتِيمِ أطفالِكم, وتَمْلَؤون مستشفياتِكم بالجَرْحَى والمُعاقِين؟! نَحْنُ نكفِيكم المُؤْنَة ونَقْضِي على أنفُسِنا بِأنْفُسِنا - فتحقق لأعداء الإسلام, أسهلُ حَرْبٍ عَرَفَها التاريخ! حُيْثُ قاتَلُونا وجَعَلُوا سِلاحَهُمْ شُعُوبَ المسلمين! تَحْتَ ما يُسَمَّى كَذِباً وزُوراً بالربيعِ العربي, حَتى صارَ المسلمُ يَقْتُلُ أخاهُ المسلمَ, وكِلاهُما يُسَمَّى شهيداً إذا مات! القاتِلُ والمقتول.

 

بَدَلاً مَنْ أَنْ يكونَ الشهيدُ هوَ مَنْ يَقْتُلُهُ الكفارُ في أرضِ المَعركةِ؛ لأنه قَاتَلَ لإعلاءِ كلمةِ الله!.

 

فيا لها من فضيحةٍ يَسْتَحْيِي العاقلُ مِنَ التَّحَدُّثِ عَنْها, فإلى الله المُشْتَكَى.

 

الخَصلةُ الرابعةُ: "قطيعةَ الرَّحِم" والرَّحِمُ هِي القَرابَة, وَقَطْعُها يكونُ بِتَركِ الصِّلَةِ, وكذلكَ بالأذِيَّة؛ لِأنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَصِلُ أقارِبَه لكنهم لا يِسْلَمونَ مِن شرِّه وأذيَّتِه.

 

الخصلةُ الخامسة: "كَثْرَةَ الشُّرَط" والمرادُ بِهِم مَنْ يُعِينُ السَّلاطينَ الظَّلَمَةَ على التعذيبِ والظُّلْمِ ومُحارَبَةِ الحقِّ ونُصْرَةِ الباطِل.

 

وأما وُجُودُ رِجالِ الأمْنِ مِن أجْلِ حِفظِ دماءِ المسلمين وأعراضِهِم وأموالِهِم ودِينِهِم، فإنه مَطْلَبٌ ضَرُوريٌ, وهو مِنْ الواجباتِ المُتَحَتِّمَةِ على الحاكِم.

 

وقدْ ذَكَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئاً مِمَّا يَفْعَلُهُ أعوانُ الظَّلَمةِ على الظُّلمِ بِقَولِه: "صِنْفانِ مِنْ أَهْلِ النارِ لَمْ أرَهُما: رجالٌ مَعَهُمْ سِياطُ كَأذنابِ البقرِ يَضْرِبُونَ بِها الناس, ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ, مائِلاتٌ مُمِيلاتٌ, رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَة, لا يَدْخُلْنَ الجنَّة ولا يَجِدْنَ ريحَها" -نعوذُ بالله-.

 

باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم.

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُون، وَأسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ، وسلمَ تسليماً كثيراً.

 

أَمّا بَعدُ:

 

عباد الله: الخَصْلَةُ السادِسةُ في الحديث, قولُه: "وَنُشُوءاً يَنْشَئُونَ يَتَّخِذونَ القرآنَ مزاميرَ" أي, تَكُونُ قِراءَةُ القرآنِ عِنْدَهُم لِلتَّطْريبِ والقِراءَةِ عَلى لُحُونِ الغِناءِ ومَقاماتِ المُوسِيقَى وآلاتِ الطَّرَب, فَيتعامَلُون مَعَ آياتِ القرآنِ كَأَنَّها قَصائِدُ تُلَحَّنُ لِلغِناءِ, حَتَى يَصيرَ ذلكَ هَمَّهُمْ, ظَنًّا مِنْهُم أَنَّ هذا هو التَّغَنِّي بالقرآن.

 

وَهَذَا ظَنٌّ خاطِئٌ, فِإنَّ التَّغَنِّي بِالقرآنِ هُوَ الجَهْرُ بِهِ مَعَ تَحْسِينِ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ أو تَقْلِيدٍ وَمُحَاكاةٍ وتَطْرِيب.

 

فَيُقَدَّمُ الواحِدُ مِنْهُمْ على الناسِ لِيُصَلِّي بِهِم, لا لِأَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ, وِإنَّما لِيُمَتِّعَهُمْ بِاللُّحُونِ والمقاماتِ التي يُتْقِنُها وَيُحْسِنُها؛ لِأَنه وَرَدَ في بعضِ ألفاظِ الحديث: "يُقَدِّمُونَ الرجلَ لَيْسَ بِأَفْقَهِهِمْ ولا أعْلَمِهِمْ، ما يُقَدِّمُونَهُ إلَّا لِيُغَنِّيَهُمْ".

 

اللهم ارزقنا الإخلاصَ والسَّدادَ في أقوالنا وأعمالِنا.

 

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وفقهنا في دينك يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تُشمت بنا أعداء ولا حاسدين.

 

اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، وول عليم خيارهم، واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم يسر للحجيج حجهم, اللهم يسر للحجيج حجهم، اللهم يسر للحجيج حجهم، واجعل بلادنا آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين.

 

اللهم اجمع كلمة المسلمين على كتابِك وسنةِ نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم يداً واحدةً على من سواهم، ولا تجعل لأعدائهم منةً عليهم يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم عليك بالكفرة والملحدين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون عبادك المؤمنين، اللهم عليك بهم، فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزلِ الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط عليهم مَنْ يسومهم سُوء العذاب يا قوي يا متين.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

 

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.

 

 

المرفقات

من ست خصال

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات