النفقة على الأهل والأبناء

عبد الله بن ناصر الزاحم

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ اهتمام الشرع بالأبناء 2/ من واجبات الآباء تجاه أبنائهم 3/ وجوب نفقة الرجل على زوجته وأبنائه بالمعروف 4/ ترتُّب الثواب على النفقة على الأهل والعيال 5/ معاناة بعض النساء من أزواجهن البخلاء

اقتباس

فالنفقة على الأهل والأولاد من الواجبات المتحتِّمة على الرجل، روى الحسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه: أحفِظَ أم ضيَّع، حتى يُسألَ الرجلُ عن أهل بيته" رواه ابن حبان في صحيحه.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه...

 

أما بعد: عباد الله، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-، فإن منازل المتقين أشرفُ المنازل وأرفعُها وأسماها، وقد أفلح من تبوّأها وحظي بالنعيم المقيم فيها.

 

أيها المسلمون: إن الولد نعمةٌ من نِعم الله على عبادِه، ولا يُقدِّر هذه النعمة حقَّ قدرِها إلاَّ مَن فقدَها، فتجِده يبذُل الغاليَ والنَّفيس من الأسباب للحصول على الولد.

 

وقد رغَّب الشَّارع في طلب الولد؛ فعن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنِّي أصبتُ امرأةً ذاتَ حسبٍ وجَمال، وإنَّها لا تلِد، أفأتزوَّجُها؟ قال: "لا"، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثةَ، فقال: "تزوَّجوا الودود الولود؛ فإنِّي مُكاثر بكم الأمم" رواه أبو داود بإسناد حسن.

ولقد بلغ اهتمام الشريعة الإسلامية بالأبناء مبلغا عظيماً، فشرع الله لهم ما يكفُل حقوقهم لينشؤوا نشأة سوية في دينِهم ودُنياهم، فحثَّ على اختِيار الزَّوجة الصَّالحة؛ لأنَّها موطن الحرث ومحضن التربية، وأرشد إلى اختِيار الاسم الحسن، وأفضلُه ما يدلُّ على سبب وجود الولَد في الدُّنيا وهي عبوديَّته لله؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ أحبَّ أسمائِكم إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن" رواه مسلم.

 

ومن واجبات الأب أن ينشِّئَ أولاده على فرائض الدين منذ نعومة أظفارهم، وفي مقدمة ذلك المحافظة على الصَّلاة، ومما يؤسف له أنَّ أكثرنا مقصِّر في هذا الباب، لاسيَّما صلاة الفجر، وهذا التقصير يربي الأوْلاد على تثاقُل الصلاة، والتكاسل عنها أو إهمالها، نسأل الله الهداية لنا جميعا ولجميع أبناء المسلمين.

ومن عناية الإسلام بالولد أن أوجب على والده النَّفقة عليه على قدْر وسْعِه وطاقته؛ فقال -تعالى-: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق:7]، وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" رواه مسلم.

كذلك الزوجة، فإن الإسلام ألزم الزوج بالنفقة عليها وجعل النفقة من واجباته نحوها، مقابل ما تقوم به من الطاعة والولاء له، فالنفقة عليها من أسباب القوامة التي جعلها الله في يد الزوج في قوله -جل شأنه-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34]، أي: إن الزوج متى عجز عن النفقة عليها لم يكن قوَّامًا عليها.

 

فيجب على الزوج أن يوفر لزوجته ما تحتاجه من النفقة والسكن والمأكل والملبس والمشرب كاملاً، دون مِنَّة أو أذى، فالنفقة واجبة عليه، وملزم بها في حدود إمكاناته المادية وقدرته المالية، قال -تعالى-: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) [البقرة:236]، فردَّ الله الأزواج في النفقة إلى عرف النَّاس، من غير إسراف ولا تقْتير، وأن لا يُكلف الرَّجل إلا ما يدخل تحت وسعه وطاقته.

 

وفي حديث جابر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبة حجَّة الوداع: "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ".

والله -جل وعلا- يكتب الأجر والثواب لمن يسعى ويعمل ويكد ويتعب ليوفر لزوجته وأولاده ما يحتاجونه من متطلبات الحياة، فهي قربة له عند الله ينال أجرها حسنات تُدخر له عند الله، روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ" رواه مسلم.

 

كما أن الزوج مأجورٌ حين يُطعم زوجته، قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَة تَجْعَلُهَا فِي فِيّ امْرَأَتِكَ" متفق عليه واللفظ لمسلم.

 

وإذا نوى الزوج النيةَ الحسنة عند توفيره النفقة لأهله ليُعِفَّهم ويسترهم، كُتب له الثواب والأجر على حسن قصده، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً" متفق عليه واللفظ لمسلم.

 

وعن المقدام بن معدي كرب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ زَوْجَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ خَادِمَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ" رواه أحمد بإسناد جيد.

 

فالنفقة على الأهل والأولاد من الواجبات المتحتِّمة على الرجل، روى الحسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه: أحفِظَ أم ضيَّع، حتى يُسألَ الرجلُ عن أهل بيته" رواه ابن حبان في صحيحه.

واعلموا -عباد الله- أن من أعظم الذُّنوب؛ الإخْلال بالنَّفقة الواجبة مع القدْرة عليها؛ فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ" رواه أبو داود وحسنه الألباني.

لذلك؛ أباح الله للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه إذا قصّر في النفقة عليها وعلى أولاده، لكن في حدود الوسط دون إسراف ولا تقتير، روت عائشة -رضي الله عنها- أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال-صلى الله عليه وسلم-: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" متفق عليه.

 

وهنا ننبه على المرأة أن تقتصر على الحاجات الضرورية، لا أن تجعل ذلك عادة مستمرة لها في الأخذ من ماله دون سببٍ ملجئ إلى هذا التصرف.

 

عباد الله: من أخطاء بعض الرجال أنه حينما يهجُر زوجته لخلاف بينهما، أو ينفصل عنها، يَجعل أولاده ضحيَّة لهذا؛ فيمنعُهم حقوقَهم الواجبة، ومنها حسن التَّوجيه والتَّربية والنَّفقة الواجبة، وربَّما عاش أولاده على زكاة المسلمين، وأبوهم غني يُخْرِج زكاته للنَّاس!.

 

فاتقوا الله -عباد الله- فيما استرعاكم عليه، تعاهَدوا هذه الأمانة بِما يُصْلِحها في دينها ودنياها، وإيَّاكم والتَّفريطَ، فتندموا وتَخسروا الدنيا والآخرة! عن معقل بن يسار قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللهُ رَعِيَةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلاَّ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ".

 

أسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، والتوبة النصوح، واستغفروا ربكم إنه كان غفارا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله...

 

أما بعد فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الدين بالعروة الوثقى.

 

أيها المسلمون: كم نسمع ونرى في هذه الحياة من صيحات وشكاوى كثير من النساء من أزواجهن، يعشن في ذمم أزواج قد أيسر الله عليهم من الخير، ولكنهم شحيحون بخيلون على أزواجهم وأولادهم، حتى بلغ الأمر بكثير منهن أن يطلبن الزكاة من المسلمين، أو أن تُتعب نفسها أكثر مما تطيق، فعلاوة على عمل البيت تعمل أعمالاً أخرى للناس لتتكسب وتنفق على نفسها وأولادها نفقةً واجبةً على زوجها البخيل.

 

فأين عقول هؤلاء الرجال؟! وهل نُزعت الرحمة من قلوبهم؟! أم أن حب المال أعماهم وأصمهم؟!.

 

أخي الحبيب: شارك أهلك وأولادك في مالك؛ لتسعد أنت وإياهم في حياتكم، وتنال دعواتهم، قبل أن تموت ويتمتعون به وحدهم، وقبل أن يدعوا عليك بسبب بخلك وشحك، أنفق عليهم لئلا تكون وفاتك أمنيتهم.

 

أخي الحبيب: تذكر يوم أن تقدمت لخطبة هذه المرأة -أعني زوجتك- كنت مستعدا لتقديم كل شيء من أجل الموافقة، ومستعدا لقبول الشروط كلها؛ لأنها المرأة التي اخترتها من بين نساء كُثر، وتعيش أحلام السعادة والهناء معها ومع أولادكما.

 

فما بالك اليوم تغيرت وتنكرت؟ أبدلت الكرم بخلا وشحاً، والسعادة والهناء نكدا وشقاءً، وحسن المنطق والحديث صراخا وشتما وسباً!.

 

أما قرأت قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَفْركْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" رواه مسلم، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوانٌ عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقُّهنّ عليكم أن تحسنوا إليهم في كسوتهن وطعامهن".

 

فاتقوا الله عباد الله، واستوصوا بمن ولاكم الله عليهم خيرا، فإن خيرَكم خيركم لأهله، ولكم في رسول الله أسوة حسنة.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد بن عبد الله صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين، وارض عن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...

 

 

المرفقات

النفقة على الأهل والأبناء.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات