عناصر الخطبة
1/ سرعة رحيل شهر رمضان 2/ أحوال العباد بين الخوف والرجاء 3/ أهمية المداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضان 4/ خطورة أفكار التكفير والتفجير.اقتباس
إن المُسلم الصادقَ يمشِي في دُروبِ الحياة سائرًا إلى الله على جناحَي الرجاء والأمل، والخوفِ والحذَر، فيعملُ الصالحات، ويرجُو من الله القَبول، ويأمَلُ في رحمةِ أرحم الراحِمين وكرمِه، وهو مع ذلك يخشَى عذابَ الله وسخَطَه، ويخافُ من تقلُّب الأحوال، وفُجاءَة النِّقَم، وزوالِ النّعَم، وأن يحُولَ الله بينَه وبين قلبِه فلا يقبَلُ منه أعمالَه.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسنا وسيئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبهِ، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتَّقوا الله - عباد الله - وراقِبُوه، واعلَموا أن تقوَى الله أكبرُ وأجلُّ أسباب النصر والتمكين والتوفيقِ الإلهيِّ، وما سبقَ مَن سبَق، ولا ارتفَعَ من ارتفَعَ، ولا عزَّ من عزَّ إلا بما وقَرَ في القلوبِ ورسَخ؛ من تعظيم الله وإجلالِه وتقواه، وسلامة الصُّدور وسخَاوَة الأنفُس، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2، 3].
أمة الإسلام:
ها نحن قد فارَقنا عن قريبٍ أيامًا من أعظمِ أيام الله المشهُودة، وشهرًا هو خيرُ شهور السنة، وقد كنا من قبلُ نُهيِّئُ النفوسَ لاستِقبالِه والإعدادِ له، ثم في سرعةٍ عجيبة انقضَت أيامُه وليالِيه المُبارَكة بما حمَّلنَاها من أعمالٍ، خُتِم عليها فلا تُفتَحُ صحائِفُها إلا بين يدَي العليمِ الخبيرِ يوم العَرضِ الأكبرِ عليه -سبحانه-.
فمن وجدَ خيرًا فليحمَد الله، وهنيئًا له القبولَ والرِّضا، والدخولَ من بابِ الريَّان إلى جناتِ النعيم؛ حيث يُوفَّى الصائِمون الصابِرون أجرَهم بغير حسابٍ، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلُومنَّ إلا نفسَه، ولا يُعاتِبُ إلا ذاتَه، فالله تعالى قد بلَّغَه الشهرَ المُبارَك، وفتحَ له فيه أبوابَ رحمتِه وفضلِه، ولكنه أبَى واستحبَّ العمَى على الهُدى، وكلُّكم يدخلُ الجنةَ إلا من أبَى.
عباد الله:
إن من أهم الأمور عند المُسلم بعد انتِهائِه من العبادات والأعمال: أن يتقبَّلها الله منه، فتراه يعملُ ويتقرَّبُ إلى الله بصدقٍ وإخلاصٍ، لا رياءَ ولا سُمعةً، ولا حُبًّا في مدحٍ أو ثناءٍ، ثم هو يخافُ ألا يتقبَّلَ الله منه؛ لأن الله طيبٌ لا يقبلُ إلا طيبًا، والله - سبحانه وتعالى - يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27]، يعني: الذين اتَّقَوا الله في ذلك العمل، وعمِلُوه بإخلاصٍ وصدقٍ، على وفق السنة، وهم مع ذلك في خوفٍ وإشفاقٍ ألا يقبلَه الله منهم.
ولذلك كان من وصفِ عبادِ الله المُؤمنين: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60].
وقد سألَت عائشةُ - رضي الله عنها - النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - عن هذه الآية: من هم أهلُها؟ أهمُ الذين يشرَبون الخمرَ ويسرِقون ويزنُون؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: «لا يا ابنةَ الصدِّيق، ولكنَّهم الذين يُصلُّون ويصُومون ويتصدَّقون، ويخافُون ألا يُقبَل منهم» (أخرجه أحمد والترمذي).
وقال الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -: "يعمَلون ما عمِلوا من أعمال البرِّ، وهم يخافُون ألا يُنجِّيَهم ذلك من عذابِ ربِّهم، إن المُؤمن جمعَ إحسانًا وخشية، وإن المُنافِقَ جمعَ إساءةً وأمنًا".
إن المُسلم الصادقَ يمشِي في دُروبِ الحياة سائرًا إلى الله على جناحَي الرجاء والأمل، والخوفِ والحذَر، فيعملُ الصالحات، ويرجُو من الله القَبول، ويأمَلُ في رحمةِ أرحم الراحِمين وكرمِه، وهو مع ذلك يخشَى عذابَ الله وسخَطَه، ويخافُ من تقلُّب الأحوال، وفُجاءَة النِّقَم، وزوالِ النّعَم، وأن يحُولَ الله بينَه وبين قلبِه فلا يقبَلُ منه أعمالَه.
ورُبَّ صائِمٍ ليس له من صيامِه إلا الجُوعُ والعطَش، ورُبَّ قائِمٍ وقارِئٍ للقُرآن ليس له إلا التعبُ والسهر، ورُبَّ مُلبٍّ يُقال له: لا لبَّيكَ ولا سعدَيك. فقَبولُ الأعمال عند الله ورِضاه عنها، وإثابتُها عليها هو أُمنيةُ الصالِحين، وبُغيةُ العابِدين، وسلوَة السائرين إلى الله - سبحانه -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 24، 25].
أيها المسلمون:
إن من أخطَر الآفات التي تعترِضُ المُسلمَ في سَيرِه إلى الله: أن يُصابَ بداءِ الفُتور والكسَل، ويُبتلَى بآفَة الخُمول والانقِطاعِ عن العمل، وقد نعَى الله - سبحانه - على قومٍ أنهم لا يأتون الصلاةَ إلا وهم كُسالَى، ولا يُنفِقُون إلا وهم كارِهون. فكيف بمن تفتُرُ همَّتُه عن العبادة وينقطِعُ عنها؟!
وحذَّرَنا - سبحانه وتعالى - من حالَة أولئك الذين يُشيدُون بُنيانَ أعمالهم، ويتقرَّبُون إلى الله، ثم ينقطِعون وينقُضُون بُنيانَهم، (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) [النحل: 92].
وفي "الصحيحين": أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لعبدِ بن عمرو بن العاصِ - رضي الله عنهما -: «يا عبدَ الله! لا تكُن مثلَ فُلان، كان يقومُ من الليل، فتركَ قيامَ الليل».
وأخرجَ البيهقيُّ في "شُعب الإيمان" بسَنَدٍ صحيحٍ، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «إن لكل عملٍ شِرَّة» - يعني: اجتِهاد ونشاط -، «ولكل شِرَّةٍ فَترة؛ فمن كانت فَترتُه إلى سُنَّتي فقد اهتدَى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلَك».
وثبَتَ عند الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «إن لكل شيءٍ شِرَّة، ولكل شِرَّةٍ فَترَة؛ فإن صاحِبُها سدَّد وقارَبَ فارجُوه، وإن أُشيرَ إليه بالأصابِعِ فلا تعُدُّوه».
إن الفُتورَ والانقِطاعَ يُصيبُ العابِدين والعامِلين أثناءَ العمل والعبادة وبعدَها، وهو اختِبارٌ من الله، وابتِلاءٌ لعبادِه، حتى يعلمَ الصادقَ المُحبَّ من غيرِه، ويتبيَّن من يعبُدُ الله على حرفٍ؛ فإن أصابَه خيرٌ اطمأنَّ به، وإن أصابَته فتنةٌ انقلَبَ على وجهِه.
والسعيدُ المُوفَّق هو من يكونُ فُتورُه عارِضًا مُؤقَّتًا، وهو في أثناءِ ذلك مُقيمٌ على السنةِ والطاعةِ والاتباعِ، يُسدِّدُ ويُقارِبُ، ويُعالِجُ نفسَه بحكمةٍ وبصيرةٍ، حتى يعودَ مرةً أخرى إلى العمل والطاعاتِ والقُرُباتِ بانشِراحِ صدرٍ، وقوةٍ وثباتٍ. هذا هو الصادقُ مع الله الذي علِمَ الله إخلاصَه وصدقَه، فوفَّقَه وثبَّتَه، ولم تزِلَّ قدَمُه في وقتِ فُتوره، ولم تتبدَّل مفاهِيمُه وتتغيَّر علاقتُه بربِّه، ولم تسُؤ ظنُونُه بربِّه - سبحانه -.
وأما الهالِكُ حقًّا فهو الذي كان فُتورُه وانقِطاعُه عن العبادة والعمل بوابةً نفَذَ منها إلى التخفُّف من الواجِبات والفرائِض، والتساهُل في المُحرَّمات، قد نقَضَ ما بناه، وانهدَمَ عُراه، وتفسَّخَت عزائِمُه، واعتوَرَته شياطينُ الإنس والجنِّ، واتبَعَ هواه، فمالَت به الدنيا ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال، فإما أن يقَعَ في بدعةٍ أو تبديلٍ وتحريفٍ، أو غلُوٍّ وتطرُّفٍ، أو تفريطٍ وتساهُل.
وقد قصَّ الله - سبحانه وتعالى - علينا موقفَ عالِمِ بني إسرائيل، الذي آتاه الله علمًا بآياتِه، ثم بهَرَته مباهِجُ الدنيا وزينتُها، فاتَّبَع هواه وأخلَدَ إلى الأرض، وفتَرَت همَّتُه عن الحقِّ، وخرجَ عن سَمتِ العلماء ووقَارِهم، وانسَلَخَ من آياتِ الله، فوقَعَ في التحريفِ والتبديلِ والغِواية، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) [الأعراف: 175، 176].
عباد الله:
إن المُسلم حقًّا من تكونُ تقوَى الله شِعارَه طِيلَة عُمره، ودِثارَه مُدَّة حياته، ويكونُ عملُه بالطاعات واجتِنابُه المعاصِي والخطيئَات ديدَنًا له ومنهَجًا وسُلوكًا، يغتنِمُ الأوقاتِ والمواسِمَ الفاضلةَ في التعبُّد والتقرُّب، ويُعوِّدُ نفسَه الخيرات حتى تُصبِحَ له عادةً حميدةً، وخُلُقًا وسجِيَّة، فإذا انقضَت مواسِمُ الخير لم تجِده بعدَها غافلاً لاهِيًا، أو ناقِضًا عزمَ الجِدِّ والاجتِهاد ساهِيًا.
فاللهُ تعالى لم يجعَل لانتِهاء وقتِ العبادة والتقرُّب إليه أجلاً دون الموتِ، كما قال - عز وجل -: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولِي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله العليِّ الأعلَى، الذي أنزلَ الكتابَ على عبدِه ولم يجعَل له عِوَجًا، والصلاةُ والسلامُ على المبعُوث بالرحمةِ والهدى الأسنَى، وعلى الصحابةِ الكرامِ أُولِي الفضائلِ والمكارِمِ والنُّهَى، والتابعين لهم بإحسانٍ ما تعاقبَت الشهورُ والسُّنون إلى يوم القيامة الكُبرى.
أما بعد .. فيا أيها المسلمون:
إن من أشنَع الفُجور، وأكبَر الكبائِر عند الله: أن يتورَّط المرءُ عن عمدٍ وإصرارٍ في سَفكِ دماءٍ طاهرةٍ بريئةٍ، وأنفُسٍ معصُومة، وينتهِكَ حُرمةَ الزمان والمكان، بتفجيرٍ وتخريبٍ مُتعمَّد، يُرادُ منه إهلاكُ الحَرثِ والنَّسل، وإحداثُ الفوضَى والعبَثُ بالأمن، وزعزَعةُ الاستِقرار لتحقيق مآرِب سيئة، ومقاصِدَ خبيثة، وأهدافٍ تخريبيَّة.
يقِفُ من وراء ذلك كلِّه عِصاباتٌ مُجرِمة، وتنظيماتٌ إرهابيةٌ طائِفيَّة، وأعداءٌ حاقِدون، اتَّخَذوا من أغرارٍ جهَلَةٍ سُفهاءِ الأحلام، حُدثاءِ الأسنان أدواتٍ ووقودًا لإشعالِ حريقِ الطائفيَّة، والخرابِ والفوضَى، وعدمِ الاستِقرار في بلاد المُسلمين، وفي مُقدِّمتها حاميةُ الحرمين الشريفين: المملكةُ العربية السعودية.
إن ما حدَثَ في هذه البلادِ المُبارَكة - حرسَها الله - خلال أيام رمضان المُبارَك وفي آخره على وجه التحديد، من تفجيرٍ وسَفكٍ للدماء، وترويعٍ للآمِنين، حتى وصلَ الأمرُ إلى حرَمِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لهُو فاجِعةٌ بكل المقايِيس لكل مُسلمٍ غَيورٍ مُحبٍّ للحرمَين الشريفَين، وداهِيةٌ مُحزِنةٌ مُؤلِمةٌ، ومُحيِّرةٌ مُقلِقة في آنٍ واحدٍ. مُحزِنةٌ ومُؤلِمةٌ لأنها حصلَت في بلاد الحرمَين، مأرِز الإيمان ومهبِط الوحي.
وقد راحَ ضحيَّتَها مُسلِمون أبرِياء، ورجالُ أمنٍ أوفِياء - نحسبُهم شُهداء عند الله، رحمةُ الله عليهم جميعًا -، وكادَت أن تصِلَ إلى مسجدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لولا عنايةُ الله ثم جُهود رِجال الأمن - قوَّاهم الله -.
وهي كذلك مُحيِّرةٌ ومُقلِقة؛ لأن كل العُقلاء يتساءَلون: من أين أتى هؤلاء المُعتَدون الجهلَة، الذين لا يرقُبُون في مُؤمنٍ إلاًّ ولا ذِمَّة، وانتهَكُوا الحُرُمات والمُقدَّسات والأزمِنة الشريفة، وكيف وصَلُوا إلى هذه المرحَلة الخطيرَة من الاستِخفافِ بالدمِ والحُرُمات، حتى استرخَصُوا سفكَ دماء الوالدَين والأقرِباء والأبرِياء، في انتِهاكٍ صارِخٍ لحُرمةِ الزمانِ والمكانِ المُقدَّسَين.
أمة الإسلام:
إن هذه الظاهِرة غريبةٌ كلَّ الغرابَة عن مُجتمعاتِ المُسلمين، وعن بلادِ الحرمَين على وجه الخُصوص، تلك البلادُ المُبارَكة التي عاشَت وما تزالُ - بحمدِ الله - في ظلِّ منهَج الاعتِدال والوسطيَّة وسماحَة الإسلام، حُكَّامًا ومحكُومين.
مما يُؤكِّدُ تأكيدًا بالِغًا على أن هذه الظاهِرة تقومُ على أفكارٍ ضالَّةٍ مُتطرِّفة، وتصوُّراتٍ مُنحرِفة، بعيدةٍ كل البُعد عن مُجتمعِنا المُسلم، يتولَّى نشرَها وبثَّها أعداءٌ حاقِدون هم في الحقيقةِ حامِلُو لواءِ الفساد والإفساد والإجرام، والطائفية والإرهاب، وزعزَعة الأمن والاستِقرار، في مُحاولةٍ يائِسَةٍ بائِسَةٍ لتشويهِ وإفسادِ ما تنعَمُ به بلادُنا من أمنٍ وأمانٍ، وصحَّةِ عقيدةٍ ومنهَج، وخدمةٍ ورعايةٍ للحرمَين.
هذه حقيقةٌ - يا عباد الله -، هذه حقيقةٌ يجبُ أن يعِيَها المُسلمون في كل مكانٍ، وهي تستدعِي منَّا أن نقِفَ بحزمٍ وعزمٍ ضدَّ هذه الظاهِرة المُؤلِمة المُحزِنة، وذلك من خلال التكاتُفِ والترابُطِ ووحدةِ الصفِّ والكلِمة، ونبذِ النِّزاعاتِ والخلافاتِ الجُزئيَّةِ، والتراشُقِ بالتحزُّباتِ والتصنيفاتِ المَقيتَة، وأن يتداعَى كل من له قُدرة على التأثير والإصلاح والتوجيهِ، من العُلماء، والمُفكِّرين، والسياسيين، ورجال الثقافة والإعلام الفضائيِّ، والتواصُل الاجتماعيِّ إلى تحصينِ المُجتمع وأبنائِه، وفَضحِ هذه الشُّبُهات والأفكار والتحذير منها، والوقوفِ مع وُلاة الأمر، وأن يكون الجميعُ على قَدرٍ عالٍ من الوعيِ والمسؤوليَّة، وفهمِ خُطورة المرحَلة.
فكل واحدٍ منا - يا عباد الله -، كل واحدٍ منا على ثَغرٍ عظيمٍ في حِراسَة الحرمَين الشريفَين، وكل واحدٍ منا له دورٌ واجِبٌ عليه أن يُؤدِّيَه.
أمة الإسلام:
إن الدفاعَ عن بلاد الحرمَين ومُقدَّسات المُسلمين وعقيدتِهم ودينِهم لهُو من مقامات الجهادِ العليَّة على الحقيقة، ومن أوجَبِ الواجِبات المرعيَّة، وأجلِّ القُرُبات الشرعيَّة.
ألا فلتخسَأْ قُوى الشرِّ الحاسِدة الحاقِدة، التي تسعَى لزعزَعَة الأمن والفوضَى والفسادِ والإفساد، ألا فليموتوا بغيظِهم وحقدِهم الدَّفين المورُوث. فوالله الذي لا إله غيرُه؛ إن دينَ الله منصُور، وبلادَ الحرمَين محفُوظةٌ بحفظِ الله ورعايتِه، والحرمَان الشريفَان ومُقدَّساتُ المُسلمين وحُرماتُهم بأيدٍ أمينةٍ حازِمة، ستضرِبُ بقوةٍ وعزمٍ وبلا هوَادَة، وستقطعُ كلَّ يدٍ تسعَى للتخريبِ والفوضَى، وانتِهاكِ حُرُمات المُسلمين ومُقدَّساتهم، (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة: 33].
ثم صلُّوا وسلِّموا على سيِّد البشرية وهادِيها وسِراجها المُنير، فإن الله - عز وجل - قد أمرَنا بالصلاة والسلام عليه؛ حيث قال في مُحكَم تنزيلِه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وثبتَ عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «من صلَّى عليَّ واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
فاللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على حبيبِنا وسيِّدنا محمدٍ، وعلى آلهِ وأزواجه وذريَّاته الطيبين الطاهرين، وسائرِ صحابتِه الكرام الأبرار الأطهار، وخُصَّ منهم: أبا بكرٍ الصدِّيق، وعُمر الفاروق، وعُثمان ذا النُّورَين، وعليًّا أبا الحسنَين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر الإسلام والمُسلمين، اللهم انصُر دينَك، وكتابَك، وسُنَّةَ نبيِّك، وعبادَك الصالِحين.
اللهم من أرادَ بلادَنا وبلادَ المُسلمين بسُوءٍ وكيدٍ ومكرٍ فاردُد كيدَه في نحرِه، وأشغِله بنفسِه يا قويُّ يا عزيز.
اللهم اجعَل بلادَنا هذه بلادًا آمنةً مُطمئنَّةً يأتيها رِزقُها رغدًا من كل مكان، وسائرَ بلاد المُسلمين.
اللهم من أرادَ بلادَنا وعقيدَتنا ودينَنا وأمنَنا بسُوءٍ وكيدٍ ومكرٍ اللهم اقتُلهم بددًا، وأحصِهم عددًا، ولا تُغادِر منهم أحدًا بقوَّتك يا قويُّ يا عزيز.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضاه، اللهم وفِّقه وأعِنه وسدِّده وأيِّده بروحٍ منك، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه صلاحُ البلاد والعباد، واجعَلهم مفاتيحَ للخير مغاليقَ للشرِّ برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ولجميعِ المُسلمين، اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ولجميعِ المُسلمين.
اللهم تقبَّل منا صيامَنا وقيامَنا وصالحَ أعمالنا، اللهم تقبَّل منا صيامَنا وصلاتَنا وقيامَنا وصالحَ أعمالنا برحمتِك يا أرحم الراحمين.
وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمدٍ، وآله وصحبِه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم