عناصر الخطبة
1/ أهمية اغتنام مواسِم الخيرات والسِّباق في القُرُبات 2/ فضائل شهر رمضان 3/ هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- في رمضان 4/ أفضل القربات في شهر الصيام 5/ مقاصد الصيام وحِكَمه 6/ وجوب توقي لصوص رمضان.اقتباس
ففي الطاعاتِ لذَّةُ المُؤمن وسُرورُه وفلاحُه وحُبورُه، والتقوَى لا تُفارِقُ ليلَه ونهارَه، والمُسلمُ لا يقعُدُ فراغًا؛ فإن الموتَ يطلُبُه. ومن حاسبَ نفسَه ربِحَ، ومن غفَلَ عنها خسِر، ومن نظرَ العواقِبَ نجا، وطُوبَى لمن تركَ شهوةً حاضِرةً لموعِدٍ غُيِّبَ لم يرَه. وشرفُ الإنسان في استِسلامِه لأوامر الله وتحقيقِ العبوديَّة له دُون ما سِواه، وهو ميزانُ التفاضُل بين العباد، ومن أرادَ السعادةَ الأبديَّةَ فليلزَم العبوديَّةَ لله...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، وراقِبُوه في السرِّ والنجوَى.
أيها المسلمون:
شرفُ الإنسان في استِسلامِه لأوامر الله وتحقيقِ العبوديَّة له دُون ما سِواه، وهو ميزانُ التفاضُل بين العباد، ومن أرادَ السعادةَ الأبديَّةَ فليلزَم العبوديَّةَ لله.
والزمانُ ميدانٌ فسيحٌ للتنافُسِ فيها، ولله في أيامِه نفَحَاتٌ يمُنُّ فيها على عبادِه، والمُؤمنُ يتعرَّضُ لها لعلَّه أن تُصيبَه نفحَةٌ لا يشقَى بعدَها أبدًا.
وها هو رمضانُ سيِّدُ الشهور نعيشُ لحظَاته، موسِمُ الخيرات والسِّباقُ في القُرُبات، تكثُرُ فيه المِنَحُ والبركاتُ، وتزدادُ فيه العطايا والهِبات، يُضاعِفُ الله فيه الأجرَ ويُجزِلُ المواهِبَ ويفتَحُ أبوابَ الخير لكل راغِبٍ.
خصَّه الله بالفضلِ دُون سائر الشهور، واختصَّت أمَّتُنا بصيامِ شهرٍ تامٍّ على سائر الأُمم في الدُّهور. السعيُ فيه مشكُور، والمُؤمنُ فيه محبُور. حلَّ بنا وهو عن قليلٍ راحِلٌ عنَّا، شاهِدٌ لنا أو علينا، ومُؤذِنٌ بسعادةِ أقوامٍ وشقاءِ آخرين.
رمضانُ شهرٌ مُبارَكٌ أنزلَ الله فيه أعظمَ كُتُبه، قال - سبحانه -: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185].
وفيه تُفتَّحُ أبوابُ الجنة، وتُغلَّقُ أبوابُ النيران، وتُصفَّدُ الشياطين ومرَدَةُ الجان. محفوفٌ بالرحمةِ والمغفرةِ والرِّضوانِ، وفيه ليلةُ القدر ليلةٌ مُبارَكةٌ هي خيرٌ من ألفِ شهر، ولشرفِها تنزَّلُ الملائِكةُ والرُّوحُ فيها، وفيها الخيرُ والسلامُ حتى مطلَعِ الفجر.
شهرٌ تُكفَّرُ فيه الذنوبُ والآثام، قال - عليه الصلاة والسلام -: «الصلواتُ الخمسُ، والجُمعةُ إلى الجُمعة، ورمضانُ إلى رمضان مُكفِّراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتنَبَ الكبائِر» (رواه مسلم).
و«رغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ عليه رمضان ثم انسلَخَ قبل أن يُغفرَ له» (رواه الترمذي).
ونصرُ المُسلمين كثيرًا ما يكونُ فيه؛ كيوم الفتح ويوم الفُرقان.
وفيه تجتمِعُ أصولٌ من العباداتِ ويكثُرُ الخيرُ ويُجدَّدُ فيه الإيمان، شرعَ الله فيه من الأعمالِ ما به يثقُلُ الميزان.
وكان من هديِه - عليه الصلاة والسلام -: الإكثارُ فيه من أنواعِ العبادة، ويجتهِدُ في أيامِه وليالِيه ما لا يجتهِدُ في غيرِه.
وعلى هذا كان سلَفُ الأمة والصالِحون:
لما حضرَ الموتُ عامرَ بن عبد القيس بكَى، فقيل له: ما يُبكِيك؟ قال: "ما أبكِي جزعًا من الموتِ، ولا حِرصًا على الدنيا، ولكن أبكِي على ظمأ الهواجِر وقيامِ الليل".
وأفضلُ القُرُبات: إخلاصُ العملِ لله وتوحيدِه، ومُتابعَة سُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والصلاةُ عامُود الدين ونورُ المُؤمنين، وبها صلاحُ العمل وقبولُه، وهي أولُ ما يُحاسَبُ عليه العبدُ من دينِه، ومن نامَ عن فرضِها لم يعرِف رمضان، ومن تكاسَلَ عن سُنَنها ورواتِبِها فقد غفَلَ عن فضلِ رمضان.
وصومُ رمضان شِعارُ الطاعة فيه، فرضَه الله على الأنام، وجعلَه أحدَ أركان الإسلام، قال - سبحانه -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة: 183].
خصَّه الله لنفسِه دون سائر الأعمال، وجعلَ ثوابَه بغير عدٍّ ولا حساب، قال - عليه الصلاة والسلام -: «كلُّ عملِ ابنِ آدم يُضاعَفُ الحسنةُ إلى عشرِ أمثالِها إلى سبعمائةِ ضِعفٍ، قال الله - عز وجل -: إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجزِي به» (رواه مسلم).
وهو عبادةٌ في الإسلام عظيمة، قال أبو أُمامةَ - رضي الله عنه -: أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: مُرني بأمرٍ آخُذُه عنك. قال: «عليك بالصومِ فإنه لا مِثلَ له» (رواه النسائي).
و«من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه» (متفق عليه).
«وفتنةُ الرجلِ في أهلِه ومالِه ونفسِه وولدِه وجارِه يُكفِّرُها الصيام» (متفق عليه).
وهو فِديةٌ لبعضِ الأعمال أو كفَّارةٌ لها، وبه يسترُ العبدُ نفسَه من الآثامِ والنار، قال - عليه الصلاة والسلام -: «الصوم جُنَّة» (رواه الترمذي).
و«لخلُوفُ فمِ الصائِمِ أطيَبُ عند الله من رِيحِ المِسكِ» (متفق عليه).
وفي تعجيلِ الفِطر وتأخير السحُور خيريَّةُ الأمة، ويوم القيامة يأتي الصوم شفيعًا لأصحابِه فيقولُ الصيام: «أيْ ربِّ! منعتُه الطعامَ والشهوات بالنهار فشفِّعني فيه، ويقولُ القرآنُ: منعتُه النومَ بالليل فشفِّعني فيه»، قال: «فيُشفَّعان» (رواه أحمد).
والجنةُ أعدَّها الله لمن أطابَ الكلامَ، وفيها بابٌ يُقال له "الريان" لا يدخلُ منه إلا الصائِمون، وإذا دخلُوها يُقال لهم: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة: 24].
قال مُجاهِدٌ - رحمه الله -: "نزلت في الصائِمين".
في الصيام حلولُ الفرحِ والسُّرور، قال - عليه الصلاة والسلام -: «للصائِمِ فرحَتان يفرحُهما: إذا أفطرَ فرِحَ، وإذا لقِيَ ربَّه فرِحَ بصومِه» (رواه البخاري).
وكلُّه خير، قال - سبحانه -: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة: 184].
وللصوم مقاصِدُ وحِكَمٌ عظيمة: فبِه يمتثِلُ العبدُ مُراقبةَ ربِّه في سرِّه وإعلانِه، ويتَّقِيه ليفوزَ بجنَّته ورِضوانه، ويقِيهِ سخطَه ونيرانَه.
وفيه تحقيقُ الصبر على طاعة الله وأوامره، وعن نواهِيه وعِصيانِه. وإصلاحُ النفسِ وتزكيتُها يكمُلُ في الصيام.
وحفظُ الجوارِحِ وتهذيبُ الأخلاق عاجِلُ بُشرى الصائِم، قال - عليه الصلاة والسلام -: «فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفُث ولا يصخَب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَلَه فليقُل: إني صائِمٌ» (متفق عليه).
والشهواتُ تنكسِرُ بالصيام، وإلى ذلك أرشدَ - عليه الصلاة والسلام - من عجزَ عن الزواجِ، فقال: «ومن لم يستطِع فعليه بالصومِ؛ فإنه له وِجاء» (متفق عليه).
وبه صحَّةُ الأبدان وسلامةُ الأذهان، ورِقَّةُ القلبِ، والقُربُ من الرحمن، كما أنه يصُونُ الجوارِحَ عن المعاصِي ويخذُلُ الشيطانَ.
وبه يعرِفُ العبدُ نعمَ الله عليه فيشكُرُها، قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
بالصيامِ يعرِفُ العبادُ ضعفَهم وحاجتَهم إلى ربِّهم، وفيه يتجلَّى يُسرُ الإسلام وسماحتُه؛ فنهَى عن الوِصالِ واستحبَّ السحورَ وتأخيرَه، وتعجيلَ الإفطار، ورخَّصَ في الفِطرِ للمُسافِر والمريضِ والحاملِ والمُرضِعِ.
وفي رمضان يتأكَّدُ استِحباب القيام، ومن صِفات أهلِ الجنة: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) [الذاريات: 17]، (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) [السجدة: 16].
قال - عليه الصلاة والسلام -: «من قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه» (متفق عليه).
و«من قامَ مع الإمامِ حتى ينصرِفَ كُتِبَ له قيامُ ليلة» (رواه الترمذي).
وكان - عليه الصلاة والسلام - إذا دخلَت العشرُ شدَّ مئزَرَه، وأحيَى ليلَه.
وفيها ليلةُ القدر، من قامَها «إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه» (متفق عليه).
والصدقةُ بُرهانٌ، وأفضلُها ما كان في رمضان، وإذا أصابَك الجوعُ والظمأُ فتذكَّر إخوانًا لك يُكابِدون دهرَهم ذلك، والله كريمٌ يُحبُّ الكرم، ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - أجودُ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقَاهُ جبريلُ فيُدارِسُه القرآن، فلهو أجودُ بالخير من الرِّيحِ المُرسَلَة، ولا يُسألُ شيئًا إلا أعطاه.
فأنفِقُوا من طيِّبِ كسبِكم، واحتسِبُوا عند اللهِ أجرَكم، فبالصدقةِ بركةُ الأموال وطهارةُ الأنفُس، وكلُّ امرئٍ في ظلِّ صدقَتِه يوم القيامة، وممن يُظلُّهم الله في ظلِّ عرشِه: «ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلَمَ يمينُه ما تُنفِقُ شِمالُه» (متفق عليه).
والمُؤمنُ لا يستقِلُّ شيئًا، فرُبَّ درهمٍ سبقَ ألفَ درهَمٍ. ومن الصدقات: سُقيا الماء وإطعامُ الطعام، و«من فطَّر صائِمًا كان له مثلُ أجرِه غيرَ أنه لا ينقُصُ من أجر الصائِم شيئًا» (رواه الترمذي).
وكان ابنُ عُمر - رضي الله عنهما - يصومُ ولا يُفطِرُ إلا مع المساكين.
والجمعُ بين الصدقةِ والصيامِ من مُوجِبات الجنة، ومن جادَ على عبادِ الله جادَ الله عليه بالفضلِ والعطاء، والجزاءُ من جِنسِ العمل.
قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن في الجنةِ غُرفًا تُرى ظهورُها من بُطونِها، وبُطونُها من ظُهورِها». فقام أعرابيٌّ فقال: لمن هي يا رسولَ الله؟ قال: «لمن أطابَ الكلامَ، وأطعمَ الطعامَ، وأدامَ الصيامَ، وصلَّى بالليل والناسُ نِيام» (رواه الترمذي).
وعُمرةٌ في رمضان تعدِلُ حجَّة. وأعظمُ الناسِ أجرًا في هذا الشهرِ أخلصُهم لله وأكثرُهم له ذِكرًا، وخيرُ الذكرِ تلاوةُ القرآن العظيمِ، قال - سبحانه -: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [فاطر: 29، 30].
ومن قرأَ حرفًا من كتابِ الله فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، والماهِرُ به مع السَّفَرَة الكرامِ البرَرَة.
وفي كل ليلةٍ من رمضان كان جبريلُ - عليه السلام - يُدارِسُ نبيَّنا - صلى الله عليه وسلم -، وفي العامِ الذي تُوفِّي فيه دارسَه مرتين.
وكان الزُّهريُّ - رحمه الله - إذا دخلَ رمضانُ قال: "إنما هو تلاوةُ القرآن وإطعامُ الطعام".
ومن الفوزِ: الإقبالُ على كتابِ الله بقلوبٍ حاضِرةٍ، وتدبُّر آياتِه، والعملُ بمُحكَمه.
وليس شيءٌ أكرم على الله من الدعاءِ، وهو حبلٌ ممدودٌ بين العبدِ وربِّه، لا واسِطةَ فيه ولا حائِل، قال - سبحانه -: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].
ودعوةُ الصائمِ لا تُردُّ، وأسمعُ الدعاءِ: جوفُ الليل الآخرِ ودُبُر الصلواتِ المكتُوبات.
والاعتِكافُ قُربةٌ وسُنَّةٌ، قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكِفُ العشرَ الأواخِرَ من رمضان حتى توفَّاه الله" (متفق عليه).
قال الزُّهريُّ - رحمه الله -: "عجَبًا للمُسلمين تركُوا الاعتِكافَ، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يترُكه منذ دخلَ المدينةَ كلَّ عامٍ في العشرِ الأواخِر حتى قبضَه الله".
والأبناءُ هبةٌ من الله وأمانةٌ، والله سائِلُك عنهم، وبصلاحِهم تنتفِعُ بعد موتِك، وتعلُو درجاتُك عند ربِّك، وعلى الصائِمِ أن يتعاهَدَ أبناءَه وأُسرتَه، وأن يكون خيرَ مُعينٍ لهم على الطاعةِ، فيُرشِدُ جاهلَهم، ويُذكِّرُ غافلَهم، ويُعوِّدُ صِغارَه على الصيامِ والقيامِ والمُسابقَة إلى ما يُرضِي الرحمن.
قالت الرُّبيِّعُ بنتُ مُعوِّذٍ - رضي الله عنها -: "أرسلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - غداةَ عاشُوراء إلى قُرى الأنصار: «من أصبحَ مُفطِرًا فليُتِمَّ بقيَّة يومِه، ومن أصبحَ صائِمًا فليصُم». قالت: "فكُنَّا نصومُه بعدُ ونُصوِّمُ صِبيانَنا" (متفق عليه).
وفي بِرِّ الوالدَين وصِلةِ الأرحام رِفعةُ الدرجات، وفي الأيامِ الفاضِلَةِ يزدادُ الابنُ الصالِحُ قُربًا من والدَيه وخدمةً لهما.
ومن دعا إلى هُدًى كان له من الأجرِ مثلُ أجورِ من تبِعَه إلى يوم القيامة، ولئن يهدِيَ الله بك رجُلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمر النَّعَم.
والصُّحبةُ الصالحةُ عونٌ وقوةٌ وثباتٌ، ولا غِنى لعاقلٍ عنها، (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40].
وأمارةُ الصلاةِ: حِفظُ اللسانِ ولُزومُ العمل، وإذا أرادَ الله بقومٍ شرًّا ألزمَهم الجدلَ ومنعَهم العملَ، والتوبةُ بابُها مفتوحٌ وعطاءُ الله ممنُوح، والمُوفَّقُ من طرقَ بابَها وأكثرَ الإلحاحَ على ربِّه، وطُوبَى لمن وجدَ في صحيفتِه استِغفارًا كثيرًا.
وبعدُ .. أيها المسلمون:
ففي الطاعاتِ لذَّةُ المُؤمن وسُرورُه وفلاحُه وحُبورُه، والتقوَى لا تُفارِقُ ليلَه ونهارَه، والمُسلمُ لا يقعُدُ فراغًا؛ فإن الموتَ يطلُبُه. ومن حاسبَ نفسَه ربِحَ، ومن غفَلَ عنها خسِر، ومن نظرَ العواقِبَ نجا، وطُوبَى لمن تركَ شهوةً حاضِرةً لموعِدٍ غُيِّبَ لم يرَه.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 133].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ ما تسمَعون، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون:
التقرُّبُ إلى الله بالصيامِ لا ينفَعُ مع تركِ الفرائِض، وإذا صُمتَ فليصُم معك سمعُك وبصرُك ولسانُك ويديك، ولا تجعَل يومَ صومِك كيوم فِطرِك.
فاحفَظُوا صيامَكم من القوادِح والمُنغِّصات، واحذَروا انتِهاكَ الحُرُمات وسماعَ المُحرَّمات، وإياكُم والنظرَ إلى المُحرَّمات، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من لم يدَع قولَ الزُّور - أي: الكذِبَ - والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابَه» (رواه البخاري).
ومن أطلقَ بصرَه في المُحرَّمات دامَت حسرتُه وطالَ ندمُه.
والمرأةُ الصالحةُ عليها جِلبابُ الحياءِ وجمالُ السِّتر، بعيدةٌ عن مُخالطةِ الرِّجالِ الأجانِبِ ووُلوجِ الأسواقِ والبُروزِ لغيرِ حاجةٍ.
ثم اعلَموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين، الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانُوا يعدِلُون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم اجعَل ديارَهم ديارَ أمنٍ وأمانٍ ورخاءٍ يا قويُّ يا عزيز.
اللهم تقبَّل منا صيامَنا وقيامَنا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
اللهم وفِّق إمامَنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ووفِّق جميعَ وُلاة أمور المُسلمين للعمل بكتابِك وتحكيم شرعِك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أمِّن حُدودَنا، وانصُر جُندَنا، وقوِّهم على الحقِّ يا رب العالمين.
عباد الله:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكُروا الله العظيمَ الجليلَ الكريمَ يذكركم، واشكرُوه على آلائِه ونعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم