حقوق اليتامى

زيد بن مسفر البحري

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ مفهوم اليُتم 2/ اعتناء الشرع الحكيم بحقوق اليتيم 3/ وقفة مع يتم النبي الكريم 4/ السيدة مريم وعمير بن سعد كنموذجين ليتامى الجنسين 5/ فضل رحمة اليتيم والاعتناء به 6/ السبيل إلى حفظ المرء لأولاده بعد موته

اقتباس

هؤلاء الأطفال من بينهم طفلٌ هو محل حديثنا في هذا اليوم، هذا الطفل فَقَدَ العائل الذي يرعاه، فقد القلب الذي يحنو عليه، فقد اليد التي تعطيه، فقد العين التي تسهر عليه، ذلكم الطفل هو "اليتيم".

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله.

 

الأطفال. وما أدراكم ما الأطفال؟ الأطفال هم فلذات أكبادنا، هم نبت اليوم، وثمار الغد، وأمل المستقبل، نسعى لإسعادهم، ونكافح من أجل إعدادهم.

 

وبقدر ما يبذل من جهد وتربية لهؤلاء الأطفال بقدر ما يكون للأمة من رفعة وعزة، وبقدر ما يُهملون ويهمشون حتى تتمكن الضلالة من قلوبهم بقدر ما يكون في الأمة من انحلال وضعف.

 

هؤلاء الأطفال من بينهم طفلٌ هو محل حديثنا في هذا اليوم، هذا الطفل فَقَدَ العائل الذي يرعاه، فقد القلب الذي يحنو عليه، فقد اليد التي تعطيه، فقد العين التي تسهر عليه، ذلكم الطفل هو "اليتيم".

 

اليتيم: من مات أبوه قبل أن يبلغ؛ ولذا صح عنه -عليه الصلاة والسلام-، كما عند أبي داود: "لا يُتم بعد احتلام"، من بلغ فإنه لا يوصف، ولو كان أبوه قد مات في صغره،  لا يوصف بأنه يتيم، إنما اليتيم من مات أبوه قبل أن يبلغ.

 

ثم إن اليتيم ليس من ماتت أمه، اليُتْم لا يكون إلا بفقد الأب في الآدميين، أما في البهائم فإن اليُتم في البهائم يكون بفقد أمهاتهم.

 

عباد الله: من أجل هذا الطفل جاء الشرع الحكيم بذكر حقوق هذا الطفل، بل إن حكمة الله -عز وجل- اقتضت أن يكون محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- ناشئا في اليُتم، ويتمه -صلوات ربي وسلامه عليه- بمثابة البلسم والدواء لهؤلاء اليتامى.

 

ويُتمه -صلى الله عليه وسلم- لنا معه موقف يسير لا نكثر من تفاصيله، وإنما نذكر شيئا منه، وإلا فإن يُتمه يحتاج إلى مزيد حديث، مات أبوه وهو -صلى الله عليه وسلم- حملٌ في بطن أمه قبل أن يرى الدنيا بثلاثة أشهر، وخرج من بطن أمه -صلوات ربي وسلامه عليه- ولم يجد أباه، خرج -صلى الله عليه وسلم- من بطن أمه ولم يجد إلا أمه.

 

وكانت العادة آنذاك في الجاهلية أن تأتي المراضع من أطراف مكة لأخذ المواليد التماسا للأجر، فجاءت المراضع وأخذت كل امرأة طفلا رضيعا لتتولى رضاعته، ولكن باب آمنة بنت وهب لم يطرق، لم؟ لأن من ينشأ يتيما لا يؤبه له.

 

وأخشى -بل أحذر- أن يكون في مجتمع من المجتمعات الإسلامية ما وصف به الشاعر حال اليتيم:

يمشـي اليتيم وكلّ شيء ضــده *** والناس تُغلق دونـه أبوابـها

وتراه ممـقـوتا وليـس بمذنـبٍ *** ويرى العداوة لا يرى أسبابها

حتى الكلاب إذا رأت رجل الغنى *** حنَّت إليه وحركـت أذنابها

وإذا رأت يومـا يتيــما ماشيــا *** نبحت عليه وكشَّرت أنيابها

ويترفع مجتمعنا -إن شاء الله تعالى- عن مثل هذا الوصف.

 

قال الهيثمي -رحمه الله- في مجمع الزوائد: جاء عند الطبراني بإسناد رجاله ثقات، أن "آمنة لما لم يطرق بابها أحد إذا بامرأة مرضعة لم تجد أحدا تأخذه من هؤلاء الأطفال، وهي "حليمة السعدية"، فطرقت باب آمنة، فبدل أن تعود إلى ديار بني سعد خالية اليدين أخذته، فلما أخذته وأتى -صلوات ربي وسلامه عليه- إلى ديار بني سعد أنبتت الأرض عشبها بعد أن كانت صحراء جدباء قاحلة، وأدرَّت الضروع ألبانها بعد أن كانت ممحلة، حتى قال زوجها: يا حليمة، ما رأيت طفلا أعظم بركة من هذا الطفل".

 

إنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فما إن انتهت مدة الرضاع، حتى عاد -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة وأخذته أمه آمنة بنت وهب، وكانت في ذلك الوقت في سن الخامسة والعشرين، أرادت أن تزور بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أخوال أبيه في المدينة، فأخذته وهو -صلى الله عليه وسلم- في سن السادسة من عمره وهي في سن الخامسة والعشرين، فانطلقت ومعها جاريتها أم أيمن "بركة"، فأتوا إلى المدينة.

 

ولما عاد هذا الموكب الثلاثي، وفي مكان يُقال له "الأبواء"، إذا بآلام تتجرع غصصها آمنة، ومعها من؟ معها طفلها ومعها جاريتها، وهو لا يعلم -صلوات ربي وسلامه عليه- أن هذا هو المصير المحتم لأمه، وإذا بالموت يقضي على أنفاس آمنة، فلم يبق إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه تلك الجارية في ذلك المكان الذي ينظر فيه يمنة ويسرة ولا يرى إلا تلك الجبال، ولا يسمع إلا صوت الرياح.

 

فرجع -صلوات ربي وسلامه عليه- وقد فقد أمه وهو في سن السادسة من عمره، فرجع مع جاريته إلى مكة، فتولى رعايته جده عبد المطلب، ولكن قضاء الله -عز وجل- نافذ، لم يبق -عليه الصلاة والسلام- بعد رجوعه من المدينة بعد وفاة أمه وهي في زهرة الشباب، في ريعان الصبا، في سن الخامسة والعشرين، لم يبق عند جده إلا سنتين، وإذا بالموت يهجم على جده عبد المطلب، فمات وعُمْر النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمان سنوات.

 

وهكذا تقلَّب النبي -صلى الله عليه وسلم- على بساط اليتم أكثر من مرة -إن صح التعبير-، فَقَدَ أباه قبل أن يرى الدنيا بثلاثة أشهر، وفقد أمه وهو في سن السادسة من عمره، وفقد جده وهو في سن الثامنة من عمره.

 

إذا عُرف ذلك فإنه يجب أن يمحو كل يتيم ما قد يجول في خاطره من أنه لا قدْر له ولا مكانة، أو أنه لا فائدة منه، بل يجب أن تمحى تلك الصورة التي قد يأخذها بعض الناس عن اليتامى من أن بعضهم لا فائدة منه ولا طائل من ورائه، هذه صورة مبسطة عن جنس من ذكور اليتامى.

 

إليكم صنف آخر من ذكور اليتامى: يقول ابن كثير -رحمه الله- كما في التفسير، يقول: إن عمير بن سعد فقد أباه وهو صغير، فتولته أمه بالرعاية، ثم بعد حين إذا بها تتزوج رجلا يقال له "الجلاس بن سويد"، فأحب عمير جلاسا وأحب جلاس عميرا، فأحب كلٌ منهما الآخر حتى أصبح الجلاس بمثابة أبيه الذي فقده.

 

وفي ذات يوم إذا بداهية ومعضلة ومصيبة تنزل على عمير، وهو صغير لم يبلغ حينها، ما هي تلك المعضلة؟ لما رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك وجاء المنافقون يعتذرون، فعذرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ووكل سرائرهم إلى الله، وكان من بينهم الجلاس بن سُويد، وليس هذا هو الأمر الجلل الذي وقع بعمير، كلا. بعد هذا الاعتذار أنزل الله -عز وجل- آيات تفضح المنافقين، فقال الجُلاس مقولة صعقت قلب عمير، قال الجلاس: "إن كان محمد صادقا فنحن شر من الحمير".

 

استعظم عمير هذه المقولة، فماذا يصنع؟ أيلقي هذه المقولة التي تفضحه وتفضح من حنَّ وأشفق عليه؟ أم أنه يكتمها فتهلكه فيبوء بإثم من الله -عز وجل-؟ وما هي إلا لحظات حتى استصغر عميرٌ تلك المواقف التي عملها الجلاس معه واستصغر الدنيا وأتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بالخبر، فلما علم الجلاس بصنيع عمير أتى الجلاس النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وحلف أنه لم يقل شيئا، فعظم الأمر على عمير، فماذا يصنع؟.

 

ولكن؛ ما إن كاد المجلس يفترق حتى أنزل الله -عز وجل- آيات يفضح فيها الجلاس بن سويد: (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ) [التوبة:74].

 

اليتامى، إذا نُظر إلى ما وهبهم الله -عز وجل- من الصفات فإن الله -عز وجل- ينفع بهم المجتمعات، عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، كما في الإصابة لابن حجر -رحمه الله-، ماذا قال عن عمير؟ قال: "ودِدت أن لي رجالا كأمثال عمير أستعين بهم على أعمال المسلمين"، هذه هي نظرية عمر -رضي الله عنه- في هؤلاء اليتامى.

 

وقد صدق الشاعر حينما قال:

قد صدق القائـــل في الكلام *** ليس النُهى بعِظَم العِظام 

لا خير في جسامة الأجسام *** بل هو بالعقول والأفهام

فالخيـل للحــرب والجَـمال *** والإبــل للحَمْل وللترحـال

 

هذه صورة من صور الذكور لليتامى، هناك صورة من صور الإناث لليتامى، مريم -عليها السلام-، لما نذرت أمها ما في بطنها أن يكون خادما للمسجد الأقصى، نسأل الله -عز وجل- أن يعيده إلى المسلمين عاجلا غير آجل، لما نذرت ما في بطنها أن يكون خادما في المسجد الأقصى نزل هذا الحمل وهو مريم، ومعلوم أن الخدمة التي يقوم بها الذكور أعظم وأقوى من الإناث، لكن هذا قدر الله -عز وجل-، فنزلت هذه البنت اليتيمة، فاختصم فيها الصالحون آنذاك، من يتولى رعايتها؟ فأقرعوا بينهم كما ذكر -عز وجل- ذلك في سورة آل عمران، فكان الحظ الثمين والسهم السعيد كان من نصيب زكريا -عليه السلام-، فتولى رعايتها.

 

لكن هذه البنت لما خرجت إلى هذه الدنيا، هل صارت معول هدم أو باب شرٍّ للمجتمع؟ كلا، بل طفقت تخدم المسجد الأقصى، بل إن منحة من الوهَّاب -عز وجل- أنزلها عليها، يقول ابن كثير -رحمه الله- كما في قوله -تعالى-: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً) [آل عمران:37]،  (الرزق)، قال ابن كثير -رحمه الله- كما نقل: فاكهة الشتاء عندها في فصل الصيف، وفاكهة الصيف يؤتى بها عندها في فصل الشتاء، (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [آل عمران:37].

 

بل ناهيك عن ابنها -عليه السلام- الذي وُلد من غير أب:

كنْ ابن من شئت واكتسب أدبا *** يغنيك محموده عن النسب

 

وقال القائل:

      لكل شيء زيـنة في الورى *** وزينـة المرء تمـام الأدب

      قد يشــرف المــرء بآدابه *** وإن كان وضيــع النســـب

 

لا تقل أبي هو فلان، لا، أصلك هو ما تعمله في واقعك، فهناك من الأبناء من ينتسب إلى قبائل مشرفة في ذاتها لكنه في أفعاله ليس بذلك الرجل، وكذلك العكس بالعكس.

 

إذاً هذه جملة من الأمثلة على هؤلاء اليتامى، وأطرحها من باب أن نبين أن اليتامى فيهم خير عظيم؛ ولذلك، لما نشأ -عليه الصلاة والسلام- هذه النشأة، طلب منه الله -عز وجل- ألا ينهر اليتيم، وألا يقهره، (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) [الضحى:9].

 

بل حذَّر -عز وجل- من ازدراء حق اليتيم والتعدي على حقوقه والتطاول على ماله؛ لأن بعض الأولياء والأوصياء من الأعمام والإخوان قد يتهاون في مال هذا اليتيم لضعفه، أو قد يسلبه ماله من باب ضعفه، ولذلك قال -عز وجل-: (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) [الماعون:2]، يعني: يدفع حق اليتيم بقوة.

 

ولذلك قال الشاعر:

لا تنهر المسكين يوم أتـى *** فقد نهاك الله عن نهــــره

إن مسك الضر فلا تشتكي *** إلا لمن تطمع في رحمته

 

ولذلك عظَّم الله -عز وجل- أمر اليتامى، قال -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) [النساء:10]، وقال -عز وجل-: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء:34].

 

وفي سنن أبي داود: لما نزلت هاتان الآيتان أصبح الصحابة -رضي الله عنهم- في همٍّ عظيم لا يعلم به إلا الله -عز وجل-، ماذا يصنعون؟ عندهم يتامى، أيتركون القيام عليه فيفسد أمره؟ أم أنهم يتولون أمره ويعزلون طعامه عن طعامهم ثم يصيبه ما يصيبه؟ فقد يفسد هذا الطعام، وقد يصاب هذا اليتيم بكآبة أو حزن؟ أو أنهم يشاركونه في الطعام فيحل بهم غضب الله إن أخطؤوا؟ فأنزل الله -عز وجل-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) [البقرة:220]، فأباح المخالطة لهم في الطعام، شريطة أن يكون القلب حريصا على حفظ أموالهم.

 

والنبي -صلى الله عليه وسلم- عدّ أكل مال اليتيم من كبائر الذنوب كما جاء في الصحيحين، بل حرَّج -يعني أوقع الحرج والإثم- في حق من تهاون في حق اليتيم إما بتربيته، وإما بضياع ماله، وإما بضياع أخلاقه، بعدم تربيته والعناية به، وإما بترك ماله دون رعاية.

 

ولذلك؛ قال -صلى الله عليه وسلم- كما عند النسائي: "إني أحرِّج"، يعني: أوقع الحرج الذي هو الإثم، "إني أحرِّج حق الضعيفين: المرأة واليتيم"،  فهل يحق لولي أو وصي أن يخالف شرع الله -عز وجل-؟!.

 

بل إن من كانت له حاجة يريد أن تتحقق، ومن كان قلبه قاسيا يريد أن يلين، فعليه بأن يرحم اليتيم، وأن يمسح على رأسه، وأن يطعمه من طعامه، ولو لم يكن يتيما تحت يده، فكيف إذا كان يتيما تحت يده؟ يعني: لو مسحت رأس اليتيم وأطعمته شيئا من طعامك ودخلَت الرحمة في قلبك له اعلم بأن حاجتك التي تريد أن تتحقق ستتحقق، وأن قلبك إن كان قاسيا فإنه سيلين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند الطبراني: "إذا أردت أن تدرك حاجتك ويلين قلبك فارحم اليتيم، وامسح على رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك، وتدرك حاجتك".

 

بل فضل من الله -عز وجل- أن يكون راعي اليتيم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة إذا أحسن التربية، سواء كان هذا اليتيم بعيدا عنه، يعني ليس قريبا له، أو كان قريبا له حتى لو كان هذا اليتيم ابن أخيك أو كان هذا اليتيم أخاك أو كان هذا اليتيم بالنسبة إلى المرأة ابنا لها، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما عند مسلم: "أنا وكافل اليتيم له"، يعني قريبا له، "أو لغيره، كهاتين"، وأشار بالسبابة والوسطى.

 

وتذكروا -عباد الله- وأذكر نفسي أنه قد يكون في أحيائنا -كل بحسبه- قد يكون هناك امرأة قائمة وهي أرملة قائمة على أيتام مساكين، فليتعاهد هذه المرأة، وليتعاهد معها أيتامها حتى ينال الأجر العظيم الذي لا يوصف.

 

تصوروا لو أن شخصا صام الدهر كله ولم يفطر في يوم من الأيام، وقام الليل كله ولم تهجع عينه، كم يكون له من الأجر؟ هذا الأجر يمكن أن يتحقق إذا سعى الإنسان على تلك المرأة الأرملة مع أيتامها، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في الصحيحين: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالصائم الذي لا يفطر، وكالقائم الذي لا يفتر".

 

وتذكر يا أيها الولي، يا أيها الوصي، يا أيها الأخ، يا أيها العم ممن لديه يتيم، تذكر غيرة الله -عز وجل- على اليتيم، وأن الدهر قُلَّبٌ، وأن ما نزل بغيرك فترك أولاده أيتاما قد ينزل بك ويدع أولادك أيتاما.

 

وأني أوصي من أراد أن تكون أسرته، بل يكون أولاده بعد وفاته في خير وراحة وسعادة وحفظ وأمن وأمان، عليه أن يتقي الله -عز وجل-، فالتقوى كفيلة بإذن الله أن تحفظ أولادك من بعد موتك، ما الدليل؟ (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ)، كلٌ منا يخشى أن يترك أولاده بعد وفاته وهم ضعاف فيضيعون، إذاً ما السبيل؟ (فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً) [النساء:9]...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فيا عباد الله، حفظ الأولاد بعد وفاة الإنسان -كما أسلفت- بتقوى الله -عز وجل-، من اتقى الله في دنياه رعى الله -عز وجل- أولاده بعد وفاته.

 

وقد ذكر -عز وجل- قصة، أنتم تقرؤون هذه القصة في سورة في كل يوم جمعة وهي سورة الكهف، ذلك الكنز الذي حفظه الله -عز وجل- تحت الجدار: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا)، حُفظ هذا الكنز حتى أقام الخَضر هذا الجدار المائل حتى لا يسقط فيتعرض كنز هذين الغلامين للسرقة، لم؟ قال -عز وجل-: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) [الكهف:82].

 

ذكر ابن كثير  -رحمه الله-، ولا يعول عليه، أن هذا الأب يكون سابع جد، ولكن الظاهر أن الأب هو الأب القريب منهما، لكن انظروا كيف حفظ الله -عز وجل- بصلاح هذا الأب حفظ مال هذين الغلامين حتى كبرا فأخذا هذا الكنز.

 

القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -رحمهم الله-، توفي أبوه محمد وهو صغير، تولت رعايته عمته عائشة -رضي الله عنها-، فطفق هذا الطفل يتعلم من عمته ويتعلم من العلماء، ورعته عمته عائشة -رضي الله عنها-... حتى غدا بعد أن كبر إماما في العلم، بل أصبح إماما من أئمة المدينة يشار إليه بالبنان، لعله حُفظ بصلاح أبيه محمد، أو لعله حُفظ بصلاح جده أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.

 

فهذه خطبة أعدها موجزة لأنها تحتاج أن تكون أكثر من خطبة، لكن هذه خطبة موجزة تتعلق بشأن اليتامى، وبواجب القيام على حقوقهم، وبعظم تحريم التفريط في رعايتهم...

 

 

 

المرفقات

اليتامى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات