علام الهم إذن؟

علاء الخليدي

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ فزع بعض المهمومين للناس ونسيانهم الله تعالى 2/ أهمية تعلق القلب بالله تعالى 3/ كثرة الهموم الدنيوية 4/ الهم الذي يجب أن يحمله المسلم 5/ الهم مصدره القلب 6/ وسائل علاج الهم

اقتباس

ارفع أكف الضراعة إليه، والله نعرفه ما أحناه! نعرفه ما أكرمه! أرحم بك من أمك! وأقرب بك من نفسك! ما في أجل من الله، ولا أكرم من الله، ولا أعطى سرعة من الله، يجيب الدعاء، ويجيب النداء، ويكشف البلاء، سبحانه رب الأرض والسماء، فتعرفوا عليه في...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه، لا مانع لما أعطاه، ولا مضل لمن هداه، ولا ساتر لما أبداه، سبحانه خلق آدم بيده وسواه، وأمره ونهاه، ثم تاب عليه ورحمه واجتباه، حاله ينذر من سعى فيما اشتهاه، أعرض إبليس فأصمه وأعماه، وأبعده وأشقاه، وفي قصته نذير لمن خالف الله وعصاه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أخذ موسى من أمه طفلًا ورعاه، وساقه إلى حجر عدوه فرباه، ثم جاد عليه بالنعم وأعطاه، فمشى في البحر وما ابتلت قدماه، خرج يطلب نارًا فشرفه ربه وناداه: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه: 14].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

 

اعلموا ثم اعلموا: أن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.

 

أما بعد:

 

فلنتق الله -عز وجل- جميعًا حق التقوى، ولنعلم -يا عباد الله- أن هذه الأجساد الضعيفة النحيفة على نار الله -جل وعز- لا تقوى، لا تقوى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق: 5].

 

إذا ضاقت بك الأحوال يوماً *** فَثِقْ بالواحِدِ الفَرْدِ العَلِيِّ

وكم لله من لطفٍ خفيٍّ *** يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ

وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ *** فَفَرَّجَ كُرْبَةَ القَلْبِ الشَّجِيِّ

وكم أمرٍ تساءُ به صباحاً *** وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّةُ بالعَشِيِّ

 

سؤال: لماذا إذا نزل بنا الهم والغم وما فك عنا -يا عباد الله-، أجرينا اتصالاتنا بالعبيد، ونسينا الله -سبحانه وتعالى-؟ لماذا -يا عباد الله- يعلق العبد قلبه بغير الرب -سبحانه جل وعلا-؟

 

نعم، الواجب والمعقول -يا عباد الله-، والذي يجب أن يكون واجبًا، أن يعلق العبد قلبه بالرب -سبحانه تبارك وتعالى-، لا فلان، ولا علان، ولا أحد من البشر يستطيع أن يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا، ولا حول ولا قوة؛ فكيف أن يملك لك نفعًا أو أن ينفعك بشيء أبى الله -عز وجل- به نفع، أو أن يضرك أبى الله -عز وجل- أن يكون لك به ضرا، فعجبت لمن يعلم أن الله هو الضار، وعجبت لمن يعلم أن الله هو النافع، وعلقنا قلوبنا بغير الله -سبحانه وتعالى-!

 

إيهٍ -والله- هذه القلوب وجوبا، يجب عليها أن ترتبط بخالقها ومولاها -سبحانه تبارك وتعالى-، تعرف عليه، فو الذي لا إله إلا هو، وليس لنا رب سواه، ما في أكرم، ولا أرحم، ولا مزيل للهم؛ غير الله -سبحانه تبارك وتعالى-، تقول له وهي واثقة به، وقد قطعت حبالها من دون الآخرين أجمعين، وأرسلت صرخاتها وآهاتها، وبثت همومها وشكواها لخالقها ومولاها، وهي تقول:

 

فليتُكَ تحلو والحياةُ مريرةٌ *** وليتكَ ترضى والأنامُ غِضابُ

وليتَ الذي بيني وبينكَ عامرٌ *** وبيني وبينَ العالمينَ خرابُ

إذا صحَّ منكَ الودُ فالكلُ هينٌ *** وكلَ الذي فوقَ الترابِ ترابُ

 

الرزق من أعطاه؟ الموت من وهبه؟ الغنى من أرسله؟ الخير الذي أنت فيه من رزقك؟

 

الله، فإياك أن تتنكر لله -سبحانه تبارك وتعالى-.

 

شكرًا يا الله؛ لأنك معي تعلم ما لا يعلمه أحد.

 

شكرًا يا الله تخفف حزني الذي لا أحدث به أحد، وتسمع شكواي التي لا أبوح بها إلى أحد، وترحمني أكثر مما يفعل أي أحد.

 

شكرًا يا الله؛ لأنك تسمعني مهما ابتعدت عنك، وترحمني مهما قصرت، وتأخذ بيدي كلما أنبت وإليك عدت.

 

شكرًا يا الله؛ لأنك تقبلني بكل سوئي وزلتي وتقصيري.

 

شكرًا يا الله؛ لأنك تعذرني، ودائمًا تعطيني؛ لأنك ربي، وفوق ذلك أعصي!

 

عجبت لمن كل العجب، ولا ينتهي العجب حتى -يا عباد الله- ولو كان في شهر رجب، رب يغدق النعم، وأسدل عليك بالخير العميم، وفوق ذلك يعصى الله رب العالمين!

 

اسمعوا، للذي أصابته الهموم والغموم، ونزلت من السماء به بلية، إياك ثم إياك -يا حبيب- أن تطرق باب غير الله -جل جلاله-، فمن توكل على غير الله وكله الله إلى ما وكل إليه، تتكل على فلان! على الرجل الفلاني! على التاجر الفلاني! سيكل الله قلبك إليه، وسيحرمك أن تدعوه سبحانه تبارك وتعالى.

 

نعم، الحياة فيها من الهم، وفيها من الغم، وفيها من الهموم، ما الله به عليم، يسأل عليا بن أبي طالب -رضي الله عنه وأرضاه- رجل قال: من أعظم جند الله؟ قال: السحاب، قال: لا، أعظم جند الله الرياح؛ لأن الرياح تعبث بالسحاب، قال: إذا الرياح هي أعظم جند الله، قال علي بن أبي طالب: لا الإنسان أعظم جند الله، قال: كيف؟ قال: لأن الإنسان يتكفأ الرياح بيده وثوبه، قال: إذن الإنسان أعظم جند الله، قال علي: لا، النوم أعظم جند الله؛ لأن النوم يغلب الإنسان فيصير الإنسان في عالم لا يدري بالذي يقترب إليه والذي يبعد عنه، قال: إذن النوم أعظم جند الله، قال علي بن أبي طالب: لا، الهم؛ لأن الهم يغلب النوم، وصاحب الهم -يا عباد الله- لا ينام.

 

فالهم مصدره القلب، ولا يزيل الهم، لا أحد، إلا الواحد الأحد -سبحانه تبارك وتعالى-.

 

اسمع لمعلم الناس الخيرية محمد -عليه الصلاة والسلام-، يقول: "مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا".

 

يا إخوان: إذ لم نقتنع ونحب ونشعر بكلام الله -عز وجل-، وأن الله هو كاشف الغم، وفارج الهم، وهو الذي بيده مفاتيح الهم والغم سبحانه وتعالى، فلم نعيش على هذه المعمورة؟

 

إبراهيم بن أدهم رأى رجلًا مهمومًا قد ركبته الهموم من كل حدب وصوب، فقال له بعد أن سأله عن ثلاث قال: إني سائلك -يا مهموم- عن ثلاث فأجبني؟ قال الرجل: نعم، قال ابن أدهم: أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله؟ قال: لا، قال إبراهيم: أفينقص من رزقك شيء قدره الله؟ قال: لا، قال: أفينقص من أجلك لحظة كتبها الله في الحياة؟ قال: لا، قال إبراهيم: إذن علام الهم؟

 

علام الهم؟ طالما أن رزقك بيد ربك، وأن حياتك وموتك وزرقك، وحشرك ونشرك وبقاءك، وعدم بقائك على هذه المعمورة، بيد ربك، إذن لم الهم -يا عباد الله-؟

 

الهم الوحيد الذي يجعله العبد في صدره وفي خلده: أنه كيف يرضى الله عنك؟ إن لم يكن هذا همنا، وهذا شغلنا، فلم البقاء على هذه الدنيا؟

 

ما أحلاها من كلمات، كلما ضاقت عليك نفسك تشتكي -يا إنسان- ردد: رب إني مسني الضر، وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

 

كلما ركبك الهم، ونزل عليك الغم، وفك عنك المدغم، وضاقت بك من كل التعاسير، وأصبح الجمع جمع تكسير؛ فارفع أكف الضراعة إلى الكبير، واجأر، قل بأعلى صوتك أو بقلبك أو تمتم بلسانك، وقل: "يا رحيم"، فقالها أيوب بعد أن ابتلي بالجذام ثمانية عشر سنة، رفع أكف الضراعة، قال: رب إني مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأن أرحم الراحمين، سبع كلمات أخرجها أيوب من أعماق قلبه، أيوب -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام-، فقام رجلا قائما سويا: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) [ص: 42].

 

الهم -يا عباد الله- مصدره ومحله القلب، فالإنسان إذا ذكر الله، وتقرب من الله، وطرق باب الله، وما استعان بخلق الله، أزيح عنه هذا الهم بإذن رب الهم والغم -سبحانه تبارك وتعالى-.

 

كان من دعائه صلوات ربي وسلامه عليه، روى الإمام البخاري في كتاب: "الدعوات"، من حديث أنس: أنه قال: كان يقول صلى الله عليه وسلم كثيرًا: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من ضلع الدين، ومن قهر الرجال".

 

اسمعوا، يقول رجل من السلف: "لولا المصائب لوردنا يوم القيامة مفاليس".

 

وكان أحدهم يفرح بالبلاء كما يفرح أحدنا بالرخاء.

 

وروي عن مسلم من حديث أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر" ماذا بعد هذا الكلام؟!

 

أعجب لمن في قلبه القرآن، ويعرف مدى تحمل العبد على الصدمات، وعلى الكدمات، وأن الله هو المبتلي -سبحانه تبارك وتعالى-، وفوق ذلك: لم يا الله ما رأيت من دون الخلائق إلا أنا مسكين؟! استعجل -يا عباد الله- الدعوات، وما يدريك أن الله قد أحبك، وفتح أساوير قلبك، وأن بعد العسر يسرًا؟ ولا يأتي النصر إلا مع الصبر؟ ولا يأتي -يا عباد الله- اليسر إلا بعد العسر، لكن يا ليت قومي يعلمون.

 

لما صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه هم وشغله صلى الله عليه وسلم هم، وأهمه صلى الله عليه وسلم أمر، قال لبلال: "أرحنا بها يا بلال"؟ ويفزع صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى الصلاة؟

 

الآن إذا أصاب أحدنا هم، شغل صوت المذياع، وأخذ يسمع الأغاني والمنكرات التي تزيد الهم همًا، والغم غمًا، ولا تفك عنه المدغم، بحجة: أنه مكروب! أنا مهموم! أنا مديون!

 

ارفع أكف الضراعة إليه، والله نعرفه ما أحناه! نعرفه ما أكرمه! أرحم بك من أمك! وأقرب بك من نفسك! ما في أحنا من الله، ولا أجل من الله، ولا أكرم من الله، ولا أعطى سرعة من الله، يجيب الدعاء، ويجيب النداء، ويكشف البلاء، سبحانه رب الأرض والسماء، فتعرفوا عليه في الرخاء، لا ينساكم جل جلاله في الشدة.

 

أزل همي وهم السامعين، أزل غمي وغم السامعين، اجعلنا من الذين يهمون كيف تحبهم ويحبونك، وكيف ترضى عنهم إنك أكرم الأكرمين.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله فارج الهم، كاشف الغم، مجيب دعوة المضطر، رحمن الدنيا والآخرة ورحميهما، وصل الله على نبينا محمد، صاحب الجبين الأزهر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

واللهِ ما ذرأ الإله ولا برا *** بشرًا ولا ملكًا كأحمدَ في الورى

فعليه صلى الله ما قلم جرى *** أو لاح برق في الأباطح أو قبا

 

أهم هم يحمله العبد في قلبه، روى الإمام الترمذي في سننه، من حديث أنس بن مالك خادم الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع الله عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة"، هذا الهم الواجب والهم الحقيقي.

 

نهم الخزائن؟ ستنفذ، نهم القصور؟ ستهدم، نهم الأولاد؟ سيمتون، نهم الزوجة؟ سيفنون، نهم الملابس ستبلى، والأيام من حولنا ستبلى؟ ولن يبقى معنا إلا رب السموات العلى -سبحانه تبارك وتعالى-.

 

الهم الحقيقي الذي يحمله العبد، ما وصاك به النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع الله عليه شمله، وأتته إليه الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدره الله له".

 

قال أحد الصالحين: "عجبت لمن بلي بالغم كيف يغفل أو يذهل عنه أن يقول: (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87]؟ ما قالها عبد مكروب ولا قالها عبد مهموم، إلا فرج الله عنه همه، مباشرة قال الله: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء: 88]، الذي قالها نبي، وختم الله ما قال وكذلك ننجي الأنبياء، قال: (وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)، فلو أخرجت همك من صدرك، وجعلته بين يدي ربك، حقا على الله أن يزيل ذلك الهم والغم، انظروا إلى يعقوب والد يوسف -عليه السلام- ستة وثلاثون سنة، يفتقد لب قلبه، وكحل عينه، ونور عينه؛ يوسف -عليه السلام وعلى نبينا المعصوم صلى الله عليه وسلم-، ثم قال بعد الستة والثلاثين: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [يوسف: 86]، لن أشكو بثي لأحد، ولن أطرق باب أحد، ولن ألجأ إلى أحد، والله لأفرشن سجاجيد الاعتذار، ولأرفعن أكف الذل والافتقار، ولجأرن بأعلى صوتي: يا رحمن! فو الذي لا إله إلا الله، يجيب من دعاه، ويكشف بلوى من ناداه -سبحانه تبارك وتعالى-.

 

إياكم أن تناموا وقد أذنبتم ذنبًا، وما استغفرتم منه!

 

إياكم أن تناموا ومظالم الناس بين أيديكم، وحملتموها على ظهوركم!

 

إياكم أن تتكلمون على الناس، وتغتابون الناس بحجة التعديل!

 

انتبهوا -يا عباد الله- فالله -عز وجل- حكم عدل! لا ينسى، كلا، وينتقم من الظالمين للمظلومين، فانتبهوا -يا عباد الله-.

 

فالله -عز وجل- من عامل الله بصدق صدقه الله، ومن لف ودار على الله، لن يجد إلا ما لف به ودار؛ لأن الله عزيز ذو انتقام.

 

بشرى لمن أصابه هم؛ جاء في الصحيحين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما يصيب المرء المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا غم، ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله -عز وجل- بها من خطاياه" أليست نعمة؟!

 

يا صاحب الهم إن الهم منفرج *** أبشر بخير فإن الفارج الله

 

لطالما أن الله في السماء موجود، لا تخاف أحد، افعل الحسنات، واترك السيئات، واتل كتاب رب الأرض والسموات، وبر بوالديك، وأكل أولادك حلالًا، ولا تظلم أحدًا، أبشر بخير الدنيا والآخرة.

 

أنفع العلاج لهذه الأمراض؛ مرض الهم: قراءة القرآن بتدبر، فإنه نور القلب، وربيع الصدر، وجلاء الحزن، وذهاب الهم والغم، والشفاء لجميع الأمراض البدنية والقلبية؛ ألم يقل رب البرية في كتابه الكريم: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء) [فصلت: 44]؟ لطالما أن القرآن شفاء، فلماذا لا نلجأ -يا عباد الله- إلى الشفاء؟

 

فلو داوك كل طبيب داءٍ *** بغير كلام ربي ما شفاكَ

وكم لله من لطفٍ خفيٍّ *** يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ

وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ *** فَفَرَّجَ كُرْبَةَ القَلْبِ الشَّجِيِّ

وكم أمرٍ تساءُ به صباحاً *** وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّةُ بالعَشِيِّ

 

اللهم يا فارج الهم، اللهم يا كاشف الغم، اللهم يا مجيب دعوة المضطر، اللهم يا من أنت رحيم الدنيا والآخرة ورحميهما، اللهم ما من هم نزل، ومصاب بنا حل، إلا كشفته عن أمة الإسلام والمسلمين، يا رب العالمين.

 

يا رب كل من حضر خطبتي، وسمع جمعتي، وأمن على دعوتي، وأحسن بي ظنًا، يا رب أسألك أن تستجيب له دعوته، وأن تكشف عنه بلوته، وأن تقبل له رجوته، وأن تشفي له أعز من عنده؛ إنك أكرم الأكرمين.

 

اشف مريضنا، داو سقيمنا، حقق أمنياتنا، امح سيئاتنا، اختم ب "لا إله إلا الله" صحفائنا، اللهم انزع الهم من قلوبنا، يا رب العالمين، وأزل الغم، إنك أنت زائل الهم، وكاشف الغم، يا رب العالمين.

 

اغفر ذنوبنا، استر عيوبنا، أقل عثراتنا، ارفع درجاتنا، كفر سيئاتنا، اختم بالصالحات أعمالنا.

 

 

 

المرفقات

الهم إذن؟

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات