التوفيق

عنان مطيع

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ معاني التوفيق وفضله 2/ مواضع التوفيق في القرآن الكريم 3/ أنواع التوفيق وأقسامه 4/ أهمية التوفيق لعمل الخير والحكمة 5/ صور من توفيق الله للعبد 6/ الأمور التي تعين على التوفيق 7/ الناس في التوكل على ثلاثة أقسام 8/ موانع التوفيق.

اقتباس

قال أحد الصالحين: أُغلِق بابُ التوفيق عن ستة أشياء: من انشغل بالنعم عن شكرها، ومن انشغل بالعلم عن العمل، ومن سارع إلى الذنب وتأخر عن التوبة، ومن اغتر بصحبة الصالحين ولم يقتدِ بأفعالهم الحسنة، ومن أعرضت عنه الدنيا وهو يقفو أثرَها، ومن أقبلت عليه الآخرة وهو مُعرِض عنها...

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله...

 

أيها المسلمون: من المقاصد الكبرى التي دلت على أن جميع البشر يسعون إلى تحقيقها هو مقصدُ التوفيقِ أن يوفق الإنسان للوصول إلى مراده ومرغوبه ومحبوبه.

 

التوفيق في لغة العرب الإلهام إلى الخير. وفقه الله أي: سدَّد الله إلى درب الخيرِ خطاه وأعانه ونجَّحه ووفَّقه لتحصيل هذا المراد المرغوبِ المحبوبِ.

كلُّ فردٍ ومجتمعٍ وأمةٍ وحضارةٍ تسعى للحصول على التوفيق.

 

هذا التوفيق ذكره الله في كتابه في ثلاثةِ مواضع

الموضع الأول: عن خطيب الأنبياء شعيب قال الله على لسانه: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88].

 

 والموضع الثاني: في الحكمين عند شقاق الرجل وزوجته قال تعالى: (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35].

 

 والموضع الثالث: ذكره الله عن المنافقين قال تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) [النساء: 62].

 

أيهما المسلمون: فمن أنواع التوفيق: التوفيق للعمل الصالح سواءٌ أكان العمل مالياً أو بدنياً أو قولياً أو فعلياً قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 71]، وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "خيركم من طال عمُرُه وحسن عملُه"، وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله" قالوا: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: "يوفِّقه لعملٍ صالحٍ قبل موتِه".

 

ومن أنواع التوفيق: التوفيق لنشر العلم النافع تنتفع منه الأمة في دينها ودنياها، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "من يرد به الله خيراً يفقهه بالدين"، وهذا العلم يرفع الله به أقواماً ويضع به آخرين

 

لَئٍنْ رفعَ الغنيُّ لواءَ مالٍ*** فأنت لواءَ علمٍ قد رفعتا

لئن جلسَ الغنيُّ على الحشايا *** فأنت على الكواكبِ قد جلستا

ولئن ركب الجيادَ مسوماتٍ *** فأنت على مناهجِ التقوى قد ركبتا

ومهما افتضَّ أبكارَ الغواني*** فكم بكرٍ من الحِكَمِ افتضضتا

جعلتَ المالَ فوقَ العلمِ جهلاً *** لعمرُك في القضيةِ ما عدلتا

وبينهما بنصِّ الوحي بونٌ *** ستعلمه إذا (طه) قرأتا

هو العضُّ المهندُ ليس ينبو *** تصيبُ به مقاتلَ من أردتا

وكنزٌ لا تخافُ عليه لِصاً *** خفيفُ الحملِ يوجدُ أين كنتا

يزيد بكثرةِ الإنفاقِ منه *** وينقض إن كفَّاً به شددتا.

 

وقد قالوا: جمال الطائر بريشه وجمال الرجل بعلمه.

 

ومن أنواع التوفيق: التوفيق لعملِ الخير في مطلقِ عملِ الخير، سواءٌ أكان في عملك الاجتماعي أو الطوعي أو الإنساني، مما يعين على سدِّ الفقر والضنك والهمِّ والغمِّ عن العباد، لهذا قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للنَّاس". وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].

 

ومن أنواع التوفيق: التوفيق للحكمة التي هي سداد الرأي وصواب الموقف والعمل، فجعل الله الحكمة من أجل مقامات التوفيق قال تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [البقرة: 269]، قال أهل العلم: الحكمة: فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي، أن تتخير القول المناسب في الموضع المناسب؛ فإنَّ لكلِّ مقامٍ مقالاً.

 

ومن أنواع التوفيق: التوفيق للقناعة قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "قد أفلح من رُزِقَ كفافاً وقنَّعه الله بما أتاه"، لماذا يفلح القنوع؟ لأنَّ باله يرتاح لهذا قالوا: من قنع طاب عيشُه، ومن طمع طال جيشُه، وقال إبراهيم الحربي: "أجمع عقلاء كُلِّ أمة أنَّه من لم يجرِ مع القدر لن يهنأ بعيشه".

 

ومن أنواع التوفيق: أن يبارك الله لك في مالك ووقتك وعملك وأهلك وأولادك، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف: 69]، فما قال: لفتحنا عليهم رزقنا؛ لأن الرزق يكون للبارّ والفاجر والبركة لا تكون إلا للمتقين. والبركة: هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء إذا دخلت على قليل كثَّرته، وإذا دخلت على كثير نفعته.

 

ومن أنواع التوفيق: أن يوفقك الله لعمارة المساجد وخصوصاً صلاةَ الفجر؛ فإنَّ قلة المصلين في صلاة الفجر تدل على نفاق الأمة وبُعدهم عن ربهم، وكثرة المصلين في صلاة الفجر إشارة على قرب النصر، لهذا قال أحد جنود اليهود للرئيسة اليهودية: ماذا تقولين في حديث محمد -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يقاتلَ المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون فيختبئ اليهودي وراء الحجرِ والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله؛ إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود". قالت: نعم، وهذا موجود عندنا في التوراة، ولكن ليس الآن عندما يكون عددُ المسلمين في صلاة الفجر كعددهم في صلاة الجمعة.

 

لأنهم يعلمون أن المسلمين إذا عادوا إلى ربِّهم انتصروا؛ قال عمر-رضي الله عنه-: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغير ذلك أذلنا الله".

 

ومن أنواع التوفيق: أن يوفِّقك الله للدعاء؛ لأن الدعاء ثقيل على النفوس، لهذا قال عمر-رضي الله عنه-: "لا أحمل همّ الإجابة، ولكن أحمل همَّ الدعاء، فمتى ما أُلهمت الدعاء وُفِّقت للإجابة".

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها المسلمون: هناك معينات للتوفيق؛ فمن الأمور التي تعين على التوفيق: إرادة القصد الصالح لهذا قال الله عن نبيه شعيب: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) [هود: 88]، وقال في الحكمين: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35].

 

 لهذا جيء إلى عمر-رضي الله عنه- برجلين ليكونا حَكَمين على النزاع بين الرجل والمرأة فاختلفا فعزَّرهم عمر -رضي الله عنه-، وقال لهما: "لو أردتم الإصلاح لوقع التوفيق؛ لأن الله تعالى قال: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35]".

 

فالنية الحسنة أساس توفيق لكل عمل، وقد بدأ الإمام البخاري كتابه الجامع الصحيح بهذا الحديث: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".

 

ومن الأمور التي تعين على التوفيق: طلب العون من الله-عز وجل- (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88].

 

قال الشاعر:

إذا لم يكن عون من الله للفتى*** فأول ما يجني عليه اجتهادُه

 

 قال تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور: 21]، فالله هو المعين والمسدَّد والموفَّق.

 

ومن الأمور التي تعين على التوفيق: الإحسان، ومعنى الإحسان أن يجود الإنسان العمل ويتقنه ليكون باباً للتوفيق، ومن كد وجد، ومن زرع حصد ومن جلس في بيته علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضةً، قال تعالى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56]

 

ومن الأمور التي تعين على التوفيق: التأني قال الشاعر:

قد يدرك المتأني بعضَ حاجته *** وقد يكون مع المستعجلِ الزللُ

 

وقد قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "التأني من الله، والعجلة من الشيطان"، ولكن هناك عجلة ممدوحة قال أحد الحكماء: "العجلة من الشيطان إلا في خمسة أمورٍ: زواجِ البكر، وإطعام الضيف، وقضاء الدين، وتوبة المذنب، ودفن الميت".

 

ومن الأمور التي تعين على التوفيق: التوكل، والتوكل يكون على أمرين؛ الاعتماد على الله، والأخذ بالأسباب؛ فإن الناس في التوكل على ثلاثة أقسام؛ منهم من اعتمد على الله من غير الأخذ بالأسباب، فهذا نقصٌ في العقل، ومنهم من التفت إلى الأسباب من غير الاعتماد على الله، فهذا شركٌ في التوحيد، ومنهم من أعرَض عن الأسباب بالكلية فهذا قدحٌ في الشريعة.

 

فالله -سبحانه وتعالى- أمر مريم -عليها السلام- أن تهز جذع النخلة، وهزُّ النخلة يحتاج إلى رجال أشداء ذوي الأجسام المتينة، وأمرها في حالة المخاض وفي حالة المخاض تكون المرأة على وهن وضعف، ولكن ليبين الله لنا قيمة الأخذ بالأسباب.

 

وقد قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا"، تغدو خماصًا وتروح بطانًا، هذا السعي أخذٌ بالأسباب.

 

فينبغي على المسلم أن يأخذ بالأسباب على همة عالية لا يأخذه على فضول الوقت قال الشاعر:

إذا غامرت في أمرٍ مرومٍ*** فلا تقنعْ بما دون النجومِ

فطعمُ الموتِ في الأمرِ الحقيرِ*** كطعمِ الموت في الأمر العظيمِ

يرى الجبناءُ أنَّ العجزَ عقلٌ *** فتلك خديعةُ الطبعِ الليئمِ

 

أيها المسلمون: قال أحد الصالحين: "أُغلِق بابُ التوفيق عن ستة أشياء: من انشغل بالنعم عن شكرها، ومن انشغل بالعلم عن العمل، ومن سارع إلى الذنب وتأخر عن التوبة، ومن اغتر بصحبة الصالحين ولم يقتدِ بأفعالهم الحسنة، ومن أعرضت عنه الدنيا وهو يقفو أثرَها، ومن أقبلت عليه الآخرة وهو مُعرِض عنها".

 

وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
27-12-2020

ما اسم المصدر 

ماذا تقصد بسؤالك؟