معجزة الإسراء والمعراج

عبد الله حماد الرسي

2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/ الإسراء والمعراج معجزة عظيمة 2/ بدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج 3/ قصة الإسراء والمعراج 4/ فرض الصلاة على نبينا -صلى الله عليه وسلم- 5/ إخبار النبي لقريش وإنكارهم له 6/ البدع والخرافات في الموالد 7/ شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- تنال بالاتباع لشرعه 8/ أهمية اغتنام الأوقات بصالح الأعمال

اقتباس

الصلاة التي ضيّعها الكثير من الناس, عمود الإسلام الذي هدمه كثير من الناس, ومع الأسف الشديد هم يدّعون الإسلام, فالصلاة عمود الإسلام, وهي الفريضة التي فرضها الله على رسول الله من فوق سبع سماوات بدون واسطة, والتي أوصى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر حياته, فحافظوا عليها, اتقوا الله في صلاتكم, حافظوا على هذه الصلاة, فإن من حافظ عليها فإنها تكون له نجاةً وبرهاناً يوم القيامة, ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نجاة ولا برهاناً, وحشر يوم القيامة مع قارون وهامان وأبي بن خلف وفرعون.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, الحمد لله العلي الأعلى الذي أنعم علينا بنعم لا تُحصى, ودفع عنا من النقم ما لا يعد ولا يستقصى, سبحانه من إله عظيم, أسرى بعبده محمد -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, وعرج به بصحبة جبريل الأمين إلى السماوات العلى, وأراه من آياته العظمى.

 

 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا, قال وقوله الحق: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء:1].

 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الهدى وخير الورى, والشفيع يوم القيامة في كل من وحّد الله واهتدى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرماء, وعلى التابعين لهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء, وسلم تسليماً.

 

أما بعد:

أيها الناس عامة: والمؤمنون خاصة! اتقوا الله تعالى, واشكروه على ما أنعم به عليكم من النعم الكبرى, فإن نعم الله علينا سابغة, وفضله علينا عظيم, لقد منّ الله علينا وبعث فينا خير خلقه أجمعين محمداً -صلى الله عليه وسلم-, ثم منّ علينا بنعمة كبرى وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس وفضل نبينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- بخارقة عجيبة في تاريخ الإسلام, ومعجزة خالدة حيرت عقول أعداء الإسلام, وقرَّت بها أعين المؤمنين وازدادوا بها إيماناً وتصديقاً لمحمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

تلك المعجزة العظيمة إنها الإسراء والمعراج بأكرم الخلق على الله محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث عُرِج به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, إنها لعبرة الدهر يغص بها الملحدون كما غص بها من قبلهم الجاحدون من صناديد قريش وأشباههم, الذين تصدوا لدعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, حيث حبسوه بالشعب ثلاث سنين أكل فيها ورق الشجر.

 

ثم ما حصل له من أهل الطائف لما رجموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه -صلى الله عليه وسلم-.

 

ولكن المولى -جلَّ وعلا- جعل له من كل هم فرجاً, ومن كل ضيقٍ مخرجاً, وأيده بالأنصار لما هاجر إليهم في بلادهم, أعانوه على تبليغ هذه الرسالة بمعاونة المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين.

 

أيها المسلمون: حادثة الإسراء والمعراج حادثة عظيمة, نَزل يشيد بها قرآن، والعلماء -رحمهم الله- اختلفوا في تحديد الإسراء والمعراج هل هو بشهر معين أم لا؟ ولكن اختلفوا بحسب النقول الواردة في ذلك, فمنهم من رجح وقوعه في شهر ربيع الأول, ومنهم من قرر حدوثه في ربيع الثاني, وآخرون ذهبوا أنه في رجب, وذهب آخرون منهم إلى غير ذلك, فاتضح -يا من تبحثون عن الدليل الصحيح- أنه ليس ثمة جزم على التحديد بشهر معين حتى ولو حصل التعين المعين, واتضح أنه وقع في تاريخ معين, فليس للمسلمين أن يشرعوا شرعاً لم يشرعه الله ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

أمة الإسلام: إننا إذا رجعنا للكتاب والسنة, وفعل الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم, نجد أنهم لم يحتفلوا بذكرى الإسراء والمعراج, ولم يحتفلوا بالمولد النبوي, ولم يحتفلوا بأعياد غير أعياد الإسلام, عرفنا وتحققنا أن البعض قد أحدث في الأزمنة المتأخرة ما لم يأمر الله به ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم-, وبفعلهم هذه المحدثات والبدع ابتعدوا عن الصواب نسأل الله أن يردهم إليه رداً جميلاً.

 

أمة الإسلام: لما قَدِم رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- المدينة وللخزرج والأوس يومان يلعبون بهما, قال: "ما هذان اليومان؟" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر"، ففي ذلك دليل على النهي عن الاحتفال بغير أعياد الإسلام عيد الأضحى وعيد الفطر.

 

ووقفت القرون المفضلة عند هذا الحد, فلم تكن تعمد إلى إحياء ذكرى الحوادث الإسلامية على كثرتها, ولم تتخذ من الأيام المفضلة أعياداً تحتفل بها, والخير كل الخير فيما ذهب إليه السلف الصالح رحمة الله عليهم, والصواب كل الصواب فيما وقفوا عند حده رضي الله عنهم أجمعين.

 

عباد الله: عليكم بالاقتداء بـالسلف الصالح , يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "من كان مستناً فليستنّ بمن مات, فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة" نعم. الرجال أولئك! أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا أفضل هذه الأمة وأبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً -رضي الله عنهم وأرضاهم-, اختارهم الله لصحبة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-, ولإقامة دينه, فاعرفوا فضل الصحابة, واتبعوهم على أثرهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم, فإنهم كانوا على الهدى المستقيم, أولئك الذين يبادرون بتصديق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, ويعملون بما جاء به من عند ربه ويؤمنون به.

 

لما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بـمكة قبل الهجرة أوتي بدابة بيضاء دون البغل وفوق الحمار يقال لها: البراق, يضع خَطْوه عند منتهى طرفه, فركبه -صلى الله عليه وسلم- وبصحبته جبريل الأمين -عليه السلام-, حتى وصل بيت المقدس فنزل هناك وصلّى بالأنبياء إماماً لكل الأنبياء والمرسلين وهم يصلون خلفه, ويتبين بذلك فضل رسول الله محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-, ويتبين شرفه وأنه الإمام المتبوع.

 

ثم عَرج به جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قال: ومن معك؟ قال: محمد, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, ففتح له -صلى الله عليه وسلم-, فوجد فيها آدم -عليه السلام-, فقال جبريل: هذا أبوك آدم فسلّم عليه؟ فسلّم عليه فرد -عليه السلام- وقال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح, وإذا على يمين آدم -عليه السلام- أرواح السعداء, وعلى يساره أرواح الأشقياء من ذريته, فإذا نظر إلى اليمين سر وضحك, وإذا نظر قِبل شماله بكى.

 

ثم عَرج به جبريل إلى السماء الثانية فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد -صلى الله عليه وسلم-, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, ففتح له فوجد فيها يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وهما أبناء خالة، كل واحد منهما ابن خالة الآخر, فقال جبريل: هذان يحيى وعيسى فسلِّم عليهما, فسلَّم عليهما فردا السلام, وقالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح.

 

ثم عرج به جبريل إلى السماء الثالثة فاستفتح, فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد -صلى الله عليه وسلم-, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, فوجد فيها يوسف -عليه السلام- فقال جبريل: هذا يوسف فسلِّم عليه, فسلَّم عليه فردَّ السلام, وقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح.

 

ثم عَرج به جبريل إلى السماء الرابعة فاستفتح, فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد -صلى الله عليه وسلم-, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, ففتح له فوجد فيها إدريس -عليه الصلاة والسلام-, فقال جبريل: هذا إدريس فسلِّم عليه, فسلَّم عليه, فردَّ السلام وقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح.

 

ثم عَرج به جبريل إلى السماء الخامسة فاستفتح, فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد -صلى الله عليه وسلم-, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, ففتح له فوجد فيها هارون بن عمران أخا موسى -عليه السلام-, فقال جبريل: هذا هارون فسلِّم عليه, فسلَّم عليه, فرد السلام وقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح.

 

ثم عَرج به جبريل إلى السماء السادسة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد -صلى الله عليه وسلم-, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, ففتح له فوجد فيها موسى -عليه الصلاة والسلام-, فقال جبريل: هذا موسى فسلِّم عليه, فسلَّم عليه, فردّ -عليه السلام- وقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح.

 

ولما تجاوزه بكى موسى -عليه السلام-, فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي, فكان بكاء موسى حزناً على ما فات أمته من الفضائل, لا حسداً لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

ثم عَرج به جبريل إلى السماء السابعة فاستفتح, فقيل: من هذا؟ قال: جبريل, قيل: ومن معك؟ قال: محمد -صلى الله عليه وسلم-, قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم, قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء, ففتح له فوجد فيها إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- خليل الرحمن, فقال جبريل: هذا أبوك إبراهيم فسلِّم عليه -إبراهيم الذي قال لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: "أقرئ أمتك مني السلام, وأخبرهم أن الجنة قيعان, وأنها طيبة التربة, عذبة الماء, وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر", وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس".

 

فسلَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إبراهيم, فرد -عليه السلام- وقال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح, وكان إبراهيم -عليه السلام- مسنداً ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة الذي يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يتعبدون ويصلون, ثم يخرجون ولا يعودون إليه, ويأتي غيرهم من الملائكة الذين لا يحصيهم إلا الله.

 

ثم رفع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى سِدْرة المنتهى فغشيها من أمر الله من البهاء والحسن ما غشيها, حتى لا يستطيع أحد أن يصفها من حسنها.

 

ثم فرض الله عليه الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة, فرضي بذلك -صلى الله عليه وسلم- ثم نزل؛ فلما مر بموسى -عليه السلام-, قال: ما فرض ربك على أمتك؟ قال: خمسين صلاة في كل يوم وليلة, فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك, وقد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة, فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فرجعت فوضع عني عشراً, وما زال يراجع ربه حتى استقرت الفريضة على خمس, فنادى مناد: أن أمضيت فريضتي وخففت على عبادي, أي: خمسين في الميزان وخمس في العمل.

 

هذه -يا عبد الله- الصلاة فرضها رب العزة والجلال على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من فوق سبع سماوات فرضها بدون واسطة, الصلاة الخمس التي يوصي بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يلفظ آخر رمق من الحياة وهو يقول: "الصلاة.. الصلاة.. الصلاة..".

 

الصلاة التي ضيّعها الكثير من الناس, عمود الإسلام الذي هدمه كثير من الناس, ومع الأسف الشديد هم يدّعون الإسلام, فالصلاة عمود الإسلام, وهي الفريضة التي فرضها الله على رسول الله من فوق سبع سماوات بدون واسطة, والتي أوصى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر حياته, فحافظوا عليها, اتقوا الله في صلاتكم, حافظوا على هذه الصلاة, فإن من حافظ عليها فإنها تكون له نجاةً وبرهاناً يوم القيامة, ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نجاة ولا برهاناً, وحشر يوم القيامة مع قارون وهامان وأبي بن خلف وفرعون.

 

في تلك الرحلة المباركة التي وصل إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فوق السماء السابعة أدخل نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- الجنة, فإذا فيها قباب اللؤلؤ, وإذا ترابها المسك.

 

ثم نَزَل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أتى مكة بغلس, وصلّى فيها الصبح فلما أصبح أخبر قريشاً بما رأى, فكان في ذلك امتحاناً لهم وزيادة في الطغيان والتكذيب, وقالوا: كيف تزعم يا محمد أنك أتيت بيت المقدس ورجعت في ليلة ونحن نضرب إليه أكباد الإبل شهراً في الذهاب وشهراً في الرجوع؟! فهات وصف لنا بيت المقدس؟

 

فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصفه لهم حيث جلّاه الله له, فجعل ينظر إليه وينعته لهم, فبهتوا! وقالوا: أما الوصف فقد أصاب.

 

وجاء الناس إلى أبي بكر -رضي الله عنه-, فقالوا: إن صاحبك يقول كذا.. وكذا.., فقال: إن كان قاله فقد صدق, ثم جاءه وحوله المشركون يحدثهم -صلى الله عليه وسلم- فكل ما قاله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً, قال أبو بكر: صدقت, فَسُمي الصديق من أجل ذلك -رضي الله عنه- وأرضاه.

 

فاعتبروا -أيها المؤمنون- بهذه الآيات العظيمة, واشكروا الله على هذه النعم الجسيمة, واسألوه أن يثبتكم على الإيمان إلى الممات, قال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) [النجم:1-18].

 

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, أقول قولي هذا وأسأل الله بمنِّه وكرمه أن يرزقنا إيماناً دائماً كاملاً يباشر قلوبنا, ويقيناً صادقاً, وأسأل الله بأسمائه الحسنى, أن يجيرنا من مضلات الفتن إنه على كل شيء قدير, وصلى الله وسلم على نبينا محمد، واستغفروا ربكم إنه هو الغفور الرحيم..

 

 

الخطبة الثانية:

       

الحمد لله على إحسانه, وأشكره على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى وتبصروا في دينكم, واحذروا البدع المحدثة, التي تبعدكم عن الله, وتصدكم عن الصراط المستقيم.

 

عباد الله: لقد بلغ بالذين يحضرون الموالد وليلة الإسراء والمعراج من الإفك والافتراء: أن بعضهم يظن أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحضر المولد معهم, ولهذا يقومون له محيين ومرحبين, وهذا من أعظم الباطل, وأقبح الجهل, فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة, ولا يتصل بأحد من الناس, ولا يحضر اجتماعاتهم؛ بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة, وروحه في أعلى عليين, عند ربه في دار الكرامة.

 

عباد الله: ثبت في الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رآني في المنام فكأنما رآني في اليقظة أو فسوف يراني في اليقظة فإنه لا يتمثل بي الشيطان" الشيطان لا يتمثل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام, وإنما يتمثل للمشعوذين المفسدين دعاة السوء والضلال, الذين يخرفون على الناس ويقولون لهم: سوف تحضر الحضرة النبوية, ثم يقوم أولئك الجهال إذا دخل عليهم الشيطان ويقولون: هذا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

ومع الأسف الشديد أين العقول؟! أين القلوب؟! محمد -صلى الله عليه وسلم- ميت, وهو مقيم في قبره إلى يوم القيامة, وروحه في عليين, عند ربه في دار الكرامة, كما قال ربنا -جلَّ وعلا-: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ)  [المؤمنون:15-16].

 

 ليسمع الذين يخرّفون, ليسمع الذين يهرفون بما لا يعلمون, ليسمع المشعوذون, ماذا يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة" إذاً: لا ينشق عنه القبر إلا يوم القيامة, أجل فإن دعاة الشر والتخريب والشعوذة كاذبون في ادعائهم أن رسول الله يحضر معهم في موائدهم وفي ليلة الإسراء, كاذبون ثم كاذبون ثم كاذبون, رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قبره لا يبعث إلا في يوم القيامة, وهو أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة.

 

ثم يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أنا أول شافع وأول مشفع"، عليه من ربي أفضل الصلاة والسلام, فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف, وما جاء فيما معناهما من الآيات والأحاديث تدل كلها على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيره من الأموات, إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة, وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين المحققين المنصفين, وليس الجهال الذين ألَّفوا القصائد الشركية, الذين ألهوا فيها رسول الله وجعلوه فوق منزلته من العبودية, فحسبهم من الله ما عليهم من العذاب, إنهم فتنوا الكثير من الجهال بقصائدهم التي خرفوا بها وجعلوا رسول الله فوق منزلته.

 

يا عباد الله: إنهم يتوسلون برسول الله, إنهم يسألونه الشفاء, إنهم يسألونه قضاء الحوائج وهو ميت -صلى الله عليه وسلم-, عبد لا يُعبد, ورسول يصدق, ويتبع فيما شرع وفيما بلغ عن ربه -جلَّ وعلا-, أما عبادته والتوسل به والاستغاثة به فهي شرك أكبر وصاحبها إذا مات على هذا بغير توبة فهو مخلد في النار.

 

لا تغتروا -يا أهل هذه البلاد- بالذين يأتون من بعيد وقد تكبدوا المشاق, تكبدوا المسافات الطويلة ثم إذا أتوا إلى قبر محمد -صلى الله عليه وسلم- جعلوا يندبون يسألونه قضاء الحوائج, يسألونه شفاء المرضى, يسألونه العطاء, وهو لا يقدر على هذا -صلى الله عليه وسلم-.

       

بل من أراد أن يحوز على شفاعته -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة فعليه أن يتبع شرعه القويم ويتمسك به واسمع ما قال -صلى الله عليه وسلم-, يقول: "أنا سيد الناس يوم القيامة, هل تدرون مما ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟

 

فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم, ويأتون آدم -عليه السلام- فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر, خلقك الله بيده, ونفخ فيك من روحه, وأمر الملائكة فسجدوا لك, وأسكنك الجنة, ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟

 

فيقول: إن ربي غضب غضباً لم يغضب قبله مثله, ولم يغضب بعده مثله, وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت.. نفسي نفسي نفسي.., اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى نوح.

 

فيأتون نوحاً -عليه السلام- ويقول مثل ما قال آدم: نفسي نفسي نفسي.., اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى إبراهيم.

 

فيأتون إبراهيم ويقول مثل ما قال نوح يعتذر ويقول: نفسي نفسي نفسي.., اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى موسى -عليه السلام-.

 

فيأتون موسى ويعتذر ويقول: نفسي نفسي نفسي.., اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى.

 

فيأتون عيسى فيقول مثل ما قال من قبله: اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-...".

 

وهذا يوم القيامة اذهبوا إلى محمد في عرصات القيامة ليس في الدنيا، يأتي من مكان بعيد ويطوف بقبر محمد, ويتوسل بقبر محمد, ويسأله قضاء الحوائج, ويسأله رد الغائب, ويسأله شفاء المريض, ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميت لا يقدر على شيء, نعم محمد ميت -صلى الله عليه وسلم-, وروحه في عليين في دار الكرامة.

 

يوم القيامة إن كنت تريد الشفاعة فانهج نهج محمد -صلى الله عليه وسلم-, يا عبد الله! أطع الله وأطع الرسول, اسمع رسول الهدى, اسمع صاحب اللواء المحمود, والحوض المورود, والشفاعة الكبرى ماذا يقول؟ يقول: "فيقول عيسى: نفسي نفسي نفسي.., اذهبوا إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-, فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله, وخاتم الأنبياء, وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر, اشفع لنا إلى ربك, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟

 

فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي, ثم يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحدٍ قبلي, ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك سل تعطه, واشفع تشفع.

 

فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب.. أمتي يا رب.., فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب, ثم قال: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر , أو كما بين مكة وبصرى" متفق عليه.

 

فيا عباد الله: اغتنموا الأوقات بصالح الأعمال, ثم اعلموا أن أناساً يُردون عن حوض محمد -صلى الله عليه وسلم-, من قبل الملائكة فيقول: أمتي أمتي.. فيقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك, فاحذروا من البدع يا عباد الله احذروا من مضلات الفتن، فإحياء ليلة الإسراء والمعراج وإحياء المولد النبوي بدعة, لم ترد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, ولم يحث عليها, ولم يفعلها الخلفاء الراشدون.

 

ثم الطامة الكبرى التوسل بالقبور, وعبادة الأضرحة فإنها شرك أكبر, وصاحبها إذا مات على ذلك الشرك فإنه مخلد في النار, بلغوا هذا البلاغ إلى من يعتقد أن التوسل بالصالحين وعبادتهم من دون الله ودعائهم من دون الله, وقولهم: المدد المدد! وقول: الغوث الغوث! وقول: الشفاء الشفاء! من أولئك أهل القبور والأضرحة بلغوهم أنه شرك أكبر, وصاحبه إذا مات على ذلك فإنه مخلد في النار, فبينوا لهم ذلك -يا عباد الله- لعل الله أن يهديهم على أيديكم, ولعل الله أن ينقذهم في باقي حياتهم, ويستعدوا لما أمامهم من أهوال القيامة ومن الحشر والنشر.

 

وفقنا الله وإياكم جميعاً لتحقيق التوحيد, اللهم اجعلنا من الذين يحققون التوحيد, فإن الشيخ محمد عبد الوهاب عقد باباً وقال: باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عقاب, فعليك -يا عبد الله- بتحقيق التوحيد, عليك بتجريد التوحيد, من شوائب الشرك والبدع ومضلات الفتن.

 

اللهم صلِّ على نبينا محمد الذي بلغ البلاغ المبين, اللهم صلِّ على نبينا محمد الذي نصح الأمة, اللهم صلِّ على نبينا محمد الذي ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, حيث أمرنا الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56] فأكثروا من الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

سأل أبو هريرة -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحق الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه"، من قالها خالصة حلت له شفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم-, وأيضاً قال لنا: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول, ثم سلوا لي الوسيلة, فإنه من سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة يوم القيامة".

 

 إذا انتهى المؤذن من قول: لا إله إلا الله تقول: "اللهم رب هذه الدعوة التامة, والصلاة القائمة آت نبينا محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته", فإنك إذا دعيت لرسول الله بهذه الدعوة حلَّت لك شفاعته يوم القيامة.

 

اللهم شفع فينا رسولك محمداً -صلى الله عليه وسلم-, يوم لا ينفع مال ولا بنون, إلا من أتى الله بقلب سليم, اللهم احشرنا في زمرة محمد -صلى الله عليه وسلم-, اللهم اسقنا من حوض نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً يا رب العالمين.

 

أكثروا من الصلاة على رسول الله فقد حثنا على ذلك وقال: "أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة ويوم الجمعة؛ فإن صلاتكم معروضة عليّ" أكثروا عليه من الصلاة؛ فإنه من صلّى عليه صلاة صلّى الله عليه بها عشراً".

 

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد, وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم رد المسلمين إلى دينهم الصحيح, اللهم وفق علماء المسلمين وأيقظهم من رقدتهم حتى يبينوا للناس أن الأضرحة وما فيها لا تنفع أحداً, بل تضرهم إذا داوموا على التوسل بها, وعبادتها, وسؤالها قضاء الحاجات فإنها تضرهم؛ لأن من مات على ذلك فإنه مشرك والمشرك مخلد في النار.

 

بينوا ذلك يا علماء الإسلام والمسلمين! جددوا العقيدة في قلوب المسلمين, نشئوا الناشئة.

 

أيها المدرس: إنك داعية إلى الله في خلقك, وفي آدابك, وفي سلوكك, إما أن تكون داعية إلى الخير, وإما أن تكون داعية إلى الشر, فاحذر أن تكون من دعاة الشر, احذر أن تكون من دعاة السوء, وكن داعية إلى الله، أخبر الطلاب بما يجب عليهم من تحقيق توحيد الله, وحذّرهم من البدع التي تسمع في المجلات وفي غيرها من مجالات الإعلام والإذاعات المجاورة لنا, إننا نسمعهم وهم يحتفلون بعيد ليلة الإسراء والمعراج, ويحتفلون بالموالد, أخبر الطلاب أيها المعلم! إنها أمانة في عنقك, أخبرهم أنها بدعة, ولم يحث عليها رسول الله ولا الخلفاء الراشدون ولا يعملها أحد من علماء الأمة المنصفين.

 

أيها الأئمة! -أئمة المساجد- عليكم مسئولية عظيمة, بينوا للمسلمين العقيدة, التي كاد البعض من الناس أن يزيغ عنها, (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8].

 

اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين, اللهم أصلحهم وارزقهم الجلساء الصالحين الناصحين, اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا, اللهم أصلح فساد قلوبنا, اللهم اشف مرض قلوبنا, اللهم ردنا إليك رداً جميلاً, يا رب العالمين, اللهم يا مغيث اللهفات ومفرج الكربات, محيل الشدائد والبليات, فرج للمسلمين ما هم فيه من البدع والمضلات التي أحدثت يا رب العالمين, اللهم طهّر بلاد المسلمين عامة من هذه البدع, ومن هذه المحدثات يا رب العالمين.

 

اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه, وجنبنا ما تبغضه وتأباه, اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط ومضلات الفتن جميعها ما ظهر منها وما بطن عنا وعن جميع المسلمين عامة يا رب العالمين.

 

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اغفر لنا في هذه الساعة أجمعين, وهب المسيئين منا للمحسنين, واجمعنا ووالدينا ووالد والدينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات في جنات الفردوس الأعلى برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم اجمعنا جميعاً في جنات الفردوس الأعلى, واجمعنا بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في جنات النعيم يا رب العالمين, ومتعنا بالنظر إلى وجهك الكريم, إنك على كل شيء قدير.

 

واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم, وصلوا على رسول الله..

 

 

المرفقات

الإسراء والمعراج

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات