الصراط

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/ لا نجاة إلا بالعبور على الصراط 2/ أقسام العابرين على الصراط 3/ العبور على الصراط وإعداد العدة لذلك 4/ على قدر لزوم العبد للصراط المستقيم يكون عبوره على الصراط

اقتباس

وعلى قدر لزوم العبد لهذا الصراط وسيره عليه سرعةً وبطئا، ثباتًا واستقامة.. تكون حاله يوم القيامة على الصراط الذي يُنصب على متن جهنم؛ فأسرع الناس سيرًا عليه هنا أسرعهم سيرًا عليه يوم القيامة، وأبطؤهم هنا أبطؤهم هناك ومن نكَب على الصراط نُكِب يوم القيامة فكان -والعياذ بالله- من المكدوسين في النار.. وكما أن الصراط عليه كلاليب وخطاطيف تخطف الناس بأعمالهم، فإن في هذه الدنيا ..

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له؛ إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، المبعوثُ رحمةً للعالمين وقدوةً للسالكين؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى ربكم وراقبوه سبحانه مراقبةَ من يعلمُ أنَّ ربه يسمعُه ويراه، وتقوى الله جل وعلا هي خير زادٍ يبلِّغ إلى رضوان الله قال الله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:197].

 

أيها المؤمنون: موطن نجاةٍ لا مثيل له وفوزٍ لا نظير له -ألْهم الله قلوبنا أجمعين حُسن الاستعداد له-؛ إنه -يا معاشر العباد- موطن الزحزحة من النار. وتأمل -رعاك الله- هذا الأمر العظيم والخطْب الجسيم في قول ربنا -جل في علاه-: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران:185].

 

أيها العباد: إن هذه الزحزحة نجاةٌ لا مثيل لها وفوزٌ لا نظير له، لاسيما -أيها المؤمن- أن من وراء هذه الزحزحة خطبًا عظيمًا ونبئًا جسيما؛ تأملوا في ذلك قول الله -جل في علاه-: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) [مريم:71-72].

 

الخطب -عباد الله- أن لا نجاة ولا فوز ولا دخول للجنة إلا بالعبور من فوق صراطٍ يُنصب يوم القيامة على متن جهنم، وقد فسَّر النبي -عليه الصلاة والسلام- ورود النار في هذه الآية بالعبور من فوق الصراط، روى الإمام مسلم في كتابه الصحيح من حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا يَدْخُلُ النَّارَ أحد بايع تحت الشجرة" فقَالَتْ حفصة رضي الله عنها: أليس الله قد قال: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا)؟، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "ألم تسمعيه قال: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)!! ".

 

فالنجاة -عباد الله- عبورٌ على متن جهنم على سواء النار؛ نعم من فوقها صراط أدق من الشعر وأحد من السيف، يؤمر الناس في ذلك اليوم العظيم بالمرور من فوق ذلكم الصراط، ويكون الناس في مرورهم وسيرهم متفاوتون تفاوتًا عظيما؛ خرَّج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْجِسْرُ؟ قَالَ: "دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَالطَّيْرِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ". زاد مسلم؛ قال أبو سعيد رضي الله عنه: "بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ".

 

وقد قسَّم النبي -عليه الصلاة والسلام- الناس في هذه النجاة من عدمها إلى أقسام ثلاثة:

 

1- ناجٍ مسلم لا يصيبه شيء أصلا.

 

2- ومخدوشٌ مرسل؛ أي ناج من النار لكن يصيبه ما يصيبه.

 

3- ومكدوسٌ في نار جهنم؛ عياذًا بالله تبارك وتعالى من ذلك.

 

أيها المؤمنون: إن كل مؤمن يتأمل في هذه النصوص يكون على يقين -لا شك فيه ولا ريب- من هذا الورود على نار جهنم، لكنه في شك من النجاة. أليس من الجدير -أيها العباد- أن يعَدَّ لهذا الموطن عدته؟ وأن يهيأ له زاده؟ وأن يلحَّ العبد في هذه الحياة على الله -جل في علاه- أن يجعله من الناجين الفائزين؟ وهو -سبحانه- لا يخيِّب من دعاه ولا يرد من ناجاه.

 

أيها المؤمنون: كم هو عظيمٌ بالمرء أن يكون مستحضرًا لهذا الصراط مستذكرًا لهذا المرور حتى يكون في ذلك حافزًا له على فعل الخيرات، واجتناب الموبقات المهلكات؛ روى عبد الله بن المبارك في كتابه الزهد وغيره؛ أن عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه- كان يومًا عند امرأته فبكى فبكت، فقال لها وما يبكيك؟ قالت رأيتك تبكي فبكيت لبكائك، فقال -رضي الله عنه-: "إني ذكرت قول الله -جل وعلا-: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) [مريم:71] فلا أدري أأكون من الناجين أم لا!!"، هكذا قال عبد الله بن رواحة الصحابي الجليل؛ فما عسى حالنا أن تكون أيها العباد!!.

 

نعم -أيها المؤمنون- لابد من إقبالٍ صادق على الله وإلحاحٍ عليه بالدعاء وبذلٍ لأسباب النجاة والفوز يوم لقاء الله.

 

أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا أجمعين من الناجين، ومن النار مزحزحين، وعلى الصراط من العابرين المارين الناجين ولجنات النعيم من الداخلين.

 

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كثيراً، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى.

 

عباد الله: لقد نصب الله -جل وعلا- للعباد في هذه الحياة صراطًا مستقيما وسبيلًا قويما أمرهم بسلوكه واتباعه ولزومه والثبات عليه، قال الله -جل وعلا-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].

 

أيها العباد: وعلى قدر لزوم العبد لهذا الصراط وسيره عليه سرعةً وبطئا، ثباتًا واستقامة.. تكون حاله يوم القيامة على الصراط الذي يُنصب على متن جهنم؛ فأسرع الناس سيرًا عليه هنا أسرعهم سيرًا عليه يوم القيامة، وأبطؤهم هنا أبطؤهم هناك ومن نكَب على الصراط نُكِب يوم القيامة فكان -والعياذ بالله- من المكدوسين في النار.

                       

عباد الله: وكما أن الصراط عليه كلاليب وخطاطيف تخطف الناس بأعمالهم، فإن في هذه الدنيا خطاطيف متنوعة تخطف الناس عن الصراط المستقيم وهي الشبهات والشهوات؛ فمن خطفته كلاليب الدنيا بشهواتها وشبهاتها كان عرضةً يوم القيامة لأن تخطفه الكلاليب التي على جنبتي الصراط يوم القيامة.

 

واعلموا -رعاكم الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإنَّ يد الله على الجماعة.

 

وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بهَا عَشْرًا".

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعينا، وحافظًا ومؤيدا، اللهم انصر إخواننا وجنودنا المرابطين في حدود البلاد، اللهم وانصرهم نصرًا مؤزرا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، اللهم ألْهمه الصواب والسداد، اللهم وفِّقه فيما يأتي ويذر، اللهم ارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم ولِّ على المسلمين أينما كانوا خيارهم واصرف عنهم شرارهم.

 

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات