وقفات مع تأخر الغيث

عمر القزابري

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الخلق والآفاق
عناصر الخطبة
1/حاجة الإنسان لربه وافتقاره إليه 2/ الفرق بين عبودية الاختيار وعبودية الاضطرار 3/ الحاجة والاضطرار إلى المطر 4/ رحمة الله بإنزال المطر 5/ أسباب احتباس المطر وتأخره 6/ مأساة المسلمين في بلاد الشام

اقتباس

إن من رحمة الله: أن يسوق العباد إليه بسياط الانحباس، فإذا رجعوا وأنابوا تفجرت عين الإنبجاس؛ إننا في حاجة إلى توبة مخلصة، مصحوبة بضراعة، تخرج مخدوشة بالتذلل من قلب خاضع، منغمس في تراب الاخبات، والخضوع لله، في حاجة إلى توبة تسوق الدموع إلى الأرض الجرز، فإن الدموع هي رشح النفس.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، والمختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس من دونه منتهى، ولا ورائه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدسًا لا عدمًا، وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعما عُما، وبعث فيهم رسولاً من أن أنفسهم عربًا وعجمًا، وأذكاهم محتدًا ومنما، وأشدهم بهم رأفة ورحمة حاشاه ربه عيبًا ووصمًا، وزكاه روحًا وجسمًا، وآتاه حكمة وحكمًا، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذّب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى، صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا.

 

معاشر الصالحين: إن العبد عبد في جميع أحواله، في غناه وفقره، في صحته وسقمه، في كونه ملكًا أو مملوكًا، أو زيرًا أو موزورًا، أو قويًا أو ضعيفًا، في كل حركاته وسكناته، وهذه العبودية هي تاج على رؤوسهم للمعرفة، الذين يرون غاية شرفهم في كونهم عبيدًا لله، ولقد كان سيد العارفين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يترنم بهذه اللفظة في محابه ومناجاته: "وأنا على عهدك ووعدك" كان يتلذذ بهذه المناجاة.

 

وهذا أحد الأئمة كثيراً ما يقول:

 

ومما زادنـي شـرفـًا وفخـرًا *** وكـدتُ بأخمصي أَطأُ الثريَّا

دخولي تحت قولك: يا عبادي *** وأن صيَّرت أحمد لـي نبيّا

 

هكذا أهل الله، يتشرفون بكونهم عبيداً لرب عظيم، حليم كريم، شرفهم بالنسبة إليه، والكل عبيد لله، سواءً من رضي أو من لم يرض.

 

ولكن شتان بين الفريقين؛ شتان بين عبودية الاختيار، وعبودية الاضطرار -أيها الأحباب-: لا ملجأ لنا سوى الله، ومالنا باب غير بابه، نعمل الخير فنتضرع إليه أن يقبله، نعمل الخير ونتضرع له أن يقبله، ونقترف الذنب فنسأله أن يغفره، ونحن ضعاف فقراء، محاويج، لا حول لنا ولا قوة، ولا حيلة ولا وسيلة، إلا التعلق بمن بيده مقاليد كل شيء، بمن يقول للشيء كن فيكون، إنه الله، جبار السماوات والأرض، رحيم الدنيا والآخرة، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام.

 

أيها الأماجد: نحن اليوم في غاية الاضطرار إلى نزول الأمطار، فقد بدأت وخزات القنوط تفعل فعلها في النفوس، ولا شك أن لله الحكمة البالغة في كل شيء، فقد يسوق أحياناً عباده إليه بالوجد، وقد يسوقهم إليه بالفقد، وقد يكون المنع هو عين العطاء، وأي عطاء أعظم من أن تعرف ذنبك؟ فتلجأ إلى ربك، متبرئًا من حولك وطولك، معترفًا بذنبك، متدثرًا بالاستغفار، عازمًا على حل عقدة الإصرار.

 

أيها الأحباب: من مأثورات السلف الخالدة: "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة".

 

ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أكد ذلك وبينه في حديث عظيم، يجب التوقف عنده ملياً، والنظر فيه بكرة وعشياً، ففيه بيان شاف كاف من سيد البرية، وإمام البشرية، وفيه تأسيس لقيمة عظيمة، وهي محاسبة النفس، من خلال ربط العقوبة بالذنب، وذلك حتى يكون العبد في مقام المراقبة والمعاتبة والمحاسبة في كل حين، وحتى لا يكون هملاً في عتبات الضياع، لا يحس بذنب، ولا تحن روحه إلى توبة.

 

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "أقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا معشر المهاجرين: خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة الْمُؤْنَةِ، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض مافي أيديهم، ومالم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" [رواه ابن ماجة].

 

إنها كلمات النبوة التي تضع اليد على الداء، وتدل على الدواء، فهلا رجعت الأمة إلى الهدي النبوي؟ الذي يريد أن يخرج الناس من ظلمات الانتكاس والارتكاس إلى أنوار القرب والاستئناس؟

 

إن الله -تعالى- لم يخلق العباد عبثاً، ولم يتركهم سدى، وإنما خلقهم لأمر عظيم، أمر أشفقت منه السماوات والأرض والجبال؛ إنه مقام التكليف: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون: 115 - 116] تعالى الله أن يكون هذا مراده من خلق العباد!

 

ولله در القائل:

قَدْ هَيَّؤوكَ لأَمْرٍ لَوْ فَطِنْتَ لَهُ *** فَارْبأ بِنَفْسِكَ أَنْ تَرعَى مَعَ الهَمَلِ

 

إن من رحمة الله: أن يسوق العباد إليه بسياط الانحباس، فإذا رجعوا وأنابوا تفجرت عين الإنبجاس؛ إننا في حاجة إلى توبة مخلصة، مصحوبة بضراعة، تخرج مخدوشة بالتذلل من قلب خاضع، منغمس في تراب الاخبات، والخضوع لله، في حاجة إلى توبة تسوق الدموع إلى الأرض الجرز، فإن الدموع هي رشح النفس.

 

فالتوبة -أيها الكرام- هي مبدأ طريق السالكين، لا ينفكون عنها في أي حين، ولا علاج أبداً لكل أمراضنا إلا بفيئة إلى ربنا، ولنجعل الاستغفار ديدننا؛ فإن الله لا يعذب المستغفرين: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33].

 

فهل من همة مرقية؟ وهل من توبة مزكية؟

 

وإن الكيس الفطن هو من يسعى في خلاصه من نار تلظى، يصلاها أهل الإعراض والغفلات، فإن الله -تعالى- علق الفلاح على التوبة، فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].

 

يقول ربنا -جل وعلا- حاكياً عن نوح -عليه السلام-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح:10 - 13].

 

قال ابن عباس في تفسيرها: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) أي ما لكم لا تخافون لله عظمة؟

 

أحبابي: إن ربنا رحيم ودود، وخزائنه مَلأَى لا تنفذ أبدًا: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ) [النحل: 96].

 

وكما أن لربنا نفحات، فإن له إشارات ووسائل تحمل اللفحات، يفهمها أهل المعنى، أهل التلقي الذين يتلقون الإشارات بقلوبهم، فإذا كان الواحد منا يعاتب من يحب من أبناء وإخوان وأصدقاء، وغير ذلك، بالمنع، فإن الله -تعالى- وله المثل الأعلى يضيق أحياناً على عباده ليرد الشارد، ويفكر الغافل، فإننا لم نخلق -أيها الأحباب- عبثاً نمشي في هذه الأرض رعياً للشهوات، أو نفعل ما نشاء تحت دعوى الحريات، أو نحطم سياج الشرع، أو نلغي القيم، وإنما كان وجودنا على هذه الأرض من أجل العبودية: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].

 

وكل حركاتنا وسكناتنا، هي تحت الرقابة الإلهية: (وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) [المؤمنون: 17].

 

(سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) [الرعد: 10].

 

(وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [يونس: 61].

 

يا غافلًا ليس مغفولًا عنه، اعلم أن نظراتك، بل وخطراتك، كل ذلك لا يخفى عن ربك منه شيء، فإنه سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى.

 

وهذه مسألة استحضار الرقابة الإلهية، هي مسألة أساسية في تنمية ملكة التقوى.

 

جعلني الله وإياكم ممن ذكر فنفعته الذكرى، وأخلص لله عمله سراً وجهراً، آمين، آمين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الحي الذي لا يموت، المتفرد بالعظمة والجبروت، الذي بيده الملك والملكوت، وصلاة ربي وسلامه على الخاضع لجلال مولاه، المتبتل في محاريب التذلل والخضوع لربه، المتضرع في كل أحواله، الذاكر في كل أحيانه، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وحزبه وأنصاره، وعلى من اتبع هداهم إلى يوم الدين.

 

معاشر الصالحين: إننا في مهلة استخلاف: (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: 129].

 

واللبيب من يحسن التقاط الإشارات، ويفهم المعاني المشرقات.

 

كلنا يريد المطر، ولكن قليلاً منا يفكر في أسباب احتباسه، وتأخره، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث السابق قرر أن مسألة انحباس ومنع القطر، مترتبة على كسب العباد، وبما يحدثونه من صلاح أو فساد: "وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء" منع يقابله منع.

 

وقال كذلك صلى الله عليه وسلم في ذات الحديث: "ولم ينقص الميكال والميزان إلا أخذوا بالسنين، بالجفاف، وشدة المؤونة" فهل سنبقى للغفلة أسارى؟ وهل سنعيش في التيه حيارى؟.

 

أعمارنا تمر وتمضي، والرقيب يسجل ويحصي، والفيئة متأخرة، والنفوس عن الحق مائلة، فمتى الخلاص؟ أمة استوطنها الظلم، وبدت فيها الفحشاء، وأصل فيها للبدع والخرافات، ولا زالت للسحرة فيها سوق رائدة.

 

أمة بنيت اقتصادياتها على الربا، واستحل فيها القتل، روسيا تقتل في سوريا، ومبغضو أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمكن لهم، وإذا حذرت أو نبهت، وسموك بالطائفية، ما هذه الدوامة البلهاء؟!

 

واحد يسب أبا بكر وعمر وعثمان، وسائر الصحب، ويتهم أمنا عائشة -رضي الله عنها- يتهمها بالفاحشة، وعندما يتنادى الصادقون: أوقفوا هذا المنكر؛ تتعالى أصوات المعوقات والمرتزقة: أن كفانا طائفية!

 

من أي جحر يتكلم هؤلاء؟ أي سبق الأطهار بالليل والنهار، ثم يتهم الغيور بالطائفية؟

 

إخواننا من أهل السنة يبادون بالآلاف، يقتلون، يذبحون في العراق في سوريا، وعندما يقول أحد: اللهم إن هذا منكر، يقولون: هذه طائفية.

 

أيها الأحباب: إن الله يغار وغيرته سبحانه أن تنتهك محارمه، وهل بقي شيء لم ينتهك في هذا الزمن؟ القرآن تكلم فيه، ودعا البعض إلى تعطيل بعض الأحكام التي فيه، وما رأوا أن الأمة قد عطلته كله.

 

نبينا -صلى الله عليه وسلم- تكلم فيه بعض من لا خلاق لهم، تكلموا في شرعته، وردوا النصوص، وأخضعوها لعقولهم المعتلة، وموازينهم المختلة.

 

الدنيا قد غرتنا واستهوتنا واستلهتنا، لسنا ندري ما قدمنا إلا ما فرطنا.

 

راقت سوق الإسفاف، وحُمل أصحاب العبث على الأكتاف، وغدى الطعن في الدين حرية رأي، وأصبح منظر الخمر مألوفاً، وشربه مستساغاً، وكشفت الأجساد، وعم الفساد، والظلم والفتن والغش ساد، أو كاد، وأصبحت المروءة تمتحن، والأمانة تنسحب، إنها معاصي عظيمة، وإن للمعاصي آثار، وللمخالفات مُخلفات، وللذنوب ندوب.

 

أيها الأحباب: ليس كل ناقد حاقداً، ولا كل مندد متمرداً، ولا كل متألم متشائماً، وإن الواحد منا يعرض نفسه دائمًا للمحاسبة والمسائلة، ولسع الحقيقة أفضل من عسل الوهم.

 

وإني -والله- أول من ألوم نفسي المقصرة المفرطة في جنب الله، بل أظن أن الغيث حبس بسبب ذنوبي وعيوبي.

 

الربا حرب على الله ورسوله، فهل أنتم منتهون؟

 

الزنا خراب ودمار وسبيل سيئة، فهل أنتم منزجرون؟

 

أكل أموال الناس بالباطل ظلم عظيم، فهل أنتم متوقفون؟

 

الغيبة قرض للأعراض، وصورة للأعراض، فهل أنتم مقلعون؟

 

يا أمة الإسلام: هذه الشام تباد، وهذه مضايا محاصرة، يأكل أهلها أوراق الشجر على مرأى ومسمع من العالم، وكلنا رأى ذلك الطفل الذي يبكي ويقسم أنه لم يأكل من أسبوع، لم يجد ما يأكله.

 

على مرأى ومسمع العالم الأصم والأبكم، إلا عن مصالحه ومطامع، أهلنا في مضايا محاصرون لا أكل ولا دواء، ولا لباس.

 

مضايا كيف يمضي الوقت فيك *** ألا لله حمق بني أبيك

يموت الناس شبعاً في فجاج *** وفي ضيق يموت الناس فيك

برئنا من خلال اللؤم فينا *** وما يجدي تقعرنا بنيك؟

 

نعم -أيها الأحباب- أمتنا تباد، وتوجه إليها السهام من كل جانب، ونحن غرقى في شهواتنا، في اختلافاتنا، في صراعاتنا.

 

أيها الأحباب: أي ضعف أصاب هذه الأمة حتى أصبحت ترى أبناءها يبادون ويحاصرون، ويأتي من أقاصي الدنيا من يحطمهم ويقتلهم ويبديهم، ولا نسمع إلا تنديداً على خجل، أو اعتراضاً على وجل؟ أيظن الناس أن تلك الدماء رخيصة عند الله؟! لا ورب الكعبة إن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة الكعبة: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) [الطارق: 13- 14].

 

نصر على المعاصي ونريد الأمطار، نتكبر ونتجبر ونريد الأمطار، نتعامل بالربا ونريد الأمطار! يسخر بعضنا من الشرع الحنيف ونريد أمطاراً!

 

هذا كتاب ربنا بين أيدينا، بأوامره وزواجره، وحكمه وأحكامه، فكيف تعاملنا معه؟ هل نتعامل فقط مع الحرف إجراء مع اللسان؟ أم نقرأه بلسان القلب المتدبر العازم على إعادة البناء؟ وما جاء فيه من بينات وبصائر، فإن التغني بالحرف لا يكفي في التغيير، ما لم يصحبه تدبر موصل إلى رياض العمل: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

 

وإن حال الأمة يدعو كل فرد فيها إلى التغيير.

 

تغير أنت فقد يتغير بتغيرك خلق كثير، تغير في بيتك، مر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن الواحد قد يكون أمة إذا حمل هذا الدين، وإذا دفعته الغيرة على تبليغه وتمكينه، وأولى الناس بذلك أقربهم إليك.

 

بماذا نهتم؟ بأجساد أبنائنا؟ ونغفل أرواحهم؟ لماذا نجعلهم لغزاة تحطيم القيم، وتحطيم الأخلاق؟

 

إن القرآن كما أراده منزله سبحانه وتعالى هو القرآن المزكي المرقي.

 

القرآن المحقق لسلامة العلائق من المكدرات، من حسد وحقد وبغي وعدوان وتملق.

 

هو القرآن المربي المهذب للسلوك، هو القرآن الذي يمنح المسلم قلبًا حيًا يشعر بمعاناة إخوانه، ويرفق بحالهم.

 

القرآن المخلص من لوثات نرجسية، وحب ذات، وتقديس اللذات.

 

فلنفر -عباد الله- إلى التوبة، ليس من أجل الأمطار، فتلك توبة الصغار، ولكن من أجل الصلح مع العزيز الغفار، من أجل النجاة من النار، وإلا فإن الأمطار ستأتي؛ لأن ربنا رحيم ودود.

 

قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "وفي بعض الكتب المنزلة يقول الله -تبارك وتعالى-: عبدي، إلى كم تستمر على عصياني، وأنا غذيتك برزقي وإحساني؟ أما خلقتك بيدي؟ أما نفخت فيك من روحي؟ أما علمت فعلي بمن أطاعني، وأخذي لمن عصاني؟ أما تستحي تذكرني في الشدائد وفي الرخاء تنساني؟ عين بصيرتك أعماها الهوى. قل لي: بماذا تراني؟ هذا حال من لم تؤثر فيه الموعظة، فإلى كم هذا التواني؟ إن تبت من ذنبك، أتتك أماني. اترك داراً صفوها كدر، وآمالها أماني، بعت وصلي بالدون، وليس لي في الوجود ثاني، ما جوابك إذا شهدت عليك الجوارح بما تسمع وترى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا) [آل عمران: 30].

 

اللهم أصلح أحوالنا...

 

 

 

المرفقات

مع تأخر الغيث

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات