يا أيها الذين آمنوا آمِنُوا بالله

عبد الرحمن بن إبراهيم العليان

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الإيمان
عناصر الخطبة
1/ حاجة المؤمن للإيمان ما دام على قيد الحياة 2/ أهمية الإيمان والمقصود به 3/ خطر الشرك وبعض صوره 4/ بعض ثمرات الإيمان ومنافعه 5/ بعض صفات المؤمنين

اقتباس

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ) فلهذا خُلِقتم، ومن أجل هذه الغايةِ سُخِّرَتْ لكم الأرضً بِسُبُلِها وفجاجِها، وَجُعِلَ فيها رواسِيْ من فوقها، ووُضِعَتْ فيها مصالحُ معاشِكم، وما تقوم به حياتُكم. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ) فلم يُرْسِلِ الله رسلَه، ولم ينزلْ كُتُبَه، ولم يشرعِ الشرائعَ، إلا...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد للهِ الملكِ القدوسِ المؤمن، العليمِ بخلقه، من يُسِرُّ القولَ، ومن يُعلِن، أحمده سبحانه وأشكرُه على نعمِه المتوالية، في القديمِ والحديثِ، والظاهرِ والباطِن.

وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ)[السجدة: 7]، ربُّ العالمين، ووليُّ الصالحين، شهادةَ من أسْلَمَ وجهَه للهِ وهو مُحْسِن.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي أرسله ربه بالنورِ التام، والدينِ المهيمِن، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فاتقوا اللهَ -أيها المؤمنون- اتقوه في خفايا أعمالِكم، ومَا تُكِنُّ صدُورُكُم، وما تعلِنون، اتقوه في خَلْوَتِكُمْ وَجَلْوَتِكُمْ، وَفِي سَفَرِكُمْ وَإَقَامَتِكُمْ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ، وَوَالِدِيكُمْ والأقربين منكم، وفيما تَأْتُون وما تَذَرُون، وما تُقَدِّمُون وما تُأَخِّرُون، وأعدوا ليومٍ تشيب فيه الولدان، ويؤخَذُ بالنواصِي، وتبلى فيه السرائر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) [النساء: 136].

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا)؛ فلا يزال المؤمنُ في حاجة إلى الإيمانِ ما لمْ يفارقْ هذهِ الحياة، إلى الإيمانِ الحقِّ في براهينِه وزيادتِه وآثاره؛ كيف لا والإيمان يخلَقُ في القلوبِ كما يخلَقُ الثوب، وهو يتسرَّبُ من القلوبِ تسربَ الماءِ من الإناءِ المثقوب، ما لمْ يُتَعاهَدْ بالتجديدِ والصيانة؟

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ)، فلهذا خُلِقتم، ومن أجل هذه الغايةِ سُخِّرَتْ لكم الأرضً بِسُبُلِها وفجاجِها، وَجُعِلَ فيها رواسِيْ من فوقها، ووُضِعَتْ فيها مصالحُ معاشِكم، وما تقوم به حياتُكم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ) فلم يُرْسِلِ الله رسلَه، ولم ينزلْ كُتُبَه، ولم يشرعِ الشرائعَ، إلا من أجل هذه الحقيقةِ العليّة، ولم يخلقِ اللهُ الموتَ والحياة، ولم يجعل الليلَ والنهارَ، إلا لتحقيق هذه الغايةِ الرضيّة.

 

(آمِنُوا بِاللَّهِ) تؤولوا إلى أكنانِ الدعة، وأكنافِ السَّعة، وتكُنْ لكم العزةُ الموعودة، والوَلايةُ للهِ الحقّ: (هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا) [الكهف: 44].

 

وبقدر الإيمانِ باللهِ الواحدِ الديان، تُفْتَحُ مصاريعُ الهدى، ويُخرَجُ من الظلمات إلى النور: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة: 257].

 

(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن: 11].

 

وحين يَتَخَبَّطُ الناسُ في أوحالِ الفتن، ويمسُّهم السوء، وَتَطْرُقُ أبوابَهم المصائبُ والنوائب؛ فإن المؤمنين يأوون إلى ركن شديد، يُنجِزُ لهم تعالى ما وعدهم من النصرِ والتمكين والفرجِ والسكينة: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) [محمد: 11].

 

ويومَ تَتَكاثَرُ الشبهات، وَيَتَسَلَّلُ الزيغُ إلى قلوبِ فئامٍ من الناس، ويرتدُّون على أعقابِهم، ويسخَرُ الكافرون والمنافقون من الذين آمنوا، ويتخذون دينهم سِخريّا، فإن المؤمنين يثبِّتُهُمُ اللهُ بالقول الثابت، ويهديهم الوليُّ الحميدُ -جل في علاه- بإيمانهم إلى إصابةِ الحقِّ، والعضّ عليه بالنواجذ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) [يونس: 9].

 

ويقول ربنا -سبحانه-: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الحج: 53 - 54].

 

أيها المؤمنون: الإيمانُ باللهِ -تعالى- هو أحدُ أركانِ الإيمانِ الستة، التي لا يصح إيمان امرئٍ حتى يؤمنَ بها جميعِها، وكل الأركان إنما ترجع إلى الإيمان بالله -سبحانه-، فهو منزل كُتُبِه، وخالقُ ملائكتِهِ ورسلِه، وهو مقدِّرُ المقادير، ومالكُ يومِ الدين.

 

الإيمانُ باللهِ -تعالى- هو الإقرارُ التامُّ بربوبيةِ اللهِ -تعالى-، وأنه الخالقُ لكلِّ شيء، وبما وَصَفَ به نفسَه، وَوَصَفَه به رسولُه -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ولا تكييفٍ ولا تمثيل، وأنه الإلهُ المستحِقُّ للعبادة دون سواه، والكفرُ بالطاغوت، والعملُ بمقتضى ذلكم كلِّه؛ فمن فعل ذلك فقدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَفَازَ وَرَبِحَ، وَحَازَ السعادةَ مِنْ أَطْرَافِهَا، واسْتَمْسَكَ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا) [البقرة: 256].

 

وهو في استثناءٍ مِنَ الخسران، حِينَمَا كُتِب على بَنِي الإنسان: بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1-3].

 

ولا أمانَ للمرءِ في الحياةِ الدنيا، ولا يومَ الفزعِ الأكبرِ، إلا بالإيمانِ السالمِ من لَبْسِهِ بالشركِ بالله -تعالى-، وكلما كانت الأمةُ المسلمةُ أكثرَ إيمانًا بربها، واعتمادًا على خالقِها، وأقوى عنايةً وحمايةً لهذا الجنابِ الكريم؛ كان حظُّها من الأمنِ أوفرَ وأكثر، والضدُّ بالضد: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].

 

وما تسلَّطَ مَنْ تسلَّطَ من الأعداء في القديم والحديثِ إلا حينما أُهمِلَ جانبُ التوحيد، وعُظِّمَ غيرُ الله -تعالى-، وَأُشرِكَ به ما لم يُنَزِّلْ به سُلْطَانا، وَطِيفَ بالقبورِ والمشاهدِ كما يطافُ بالكعبة، ودُعي أصحابها، وَسُئلُوا قضاءَ الحاجات، وكَشْفَ الكُرُبات، ولقد حدَّثَنا التاريخُ أن التتار لما دهموا بلادَ الشام، قال بعضُ شعراءِ القبورية:

 

يا خائفينَ من التترْ *** عوذوا بقبرِ أبي عمرْ

يُنجِيكُمُ من الضَّرَرْ

 

فلم يزدهم هذا إلا وهنا إلى وهنهم، فقد دخل التترُ ودَمَّروا البلاد، وعاثوا فيها بالفساد، حتى أصلح الله الحالَ بعلماءِ الأمةِ الربانيين، كشيخِ الإسلام ابنِ تيميةَ -رحمه الله-، فَنَصَرَهُمُ اللهُ -تعالى- على عدوِّهم.

 

وأيًّا كانت صورُ الإشراكِ بالله -تعالى-، من نسبة الفضل إلى غيره، كمن ينسبون إنزالَ المطرِ إلى نوءِ كذا، أو أن الكسوفَ والخسوفَ والزلازلَ ونحوَها إنما تحدثُ بأسبابٍ طَبعية لا ارتباطَ لإرادةِ الله -تعالى-، وخَلْقِه فيها، أو دعوى أن أحدًا يعلمُ الغيبَ سواه، كمن يدَّعون قراءةَ الكفِ والفنجان، أو يدعون المكاشفةَ بما يحدُث خلالَ عامٍ جديد، أو شهرٍ أوشكَ حلولُه، أو يوم جديد، وهو القائل سبحانه: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل: 65].

 

وكذا استبدالُ حكمُ القوانين الوضعيةِ بحكمه تعالى، والرضا بها، واعتقادُ أنها خيرٌ من حكم الله -تعالى-، أو اتخاذُ وسائطَ يزعم أصحابُها أنهم شفعاؤُهم عند الله -تعالى-، وغيرُها من صورِ الشركِ ومظاهرِه.

 

إنه لا مَخْرَجَ لأمةٍ تلقَّت النكباتِ والفتن، وسُلِّطَ عليها الأعداء، وهي تَمُدُّ عينيها إلى الأمانِ التام، والاستخلافِ في الأرضِ والتمكينِ إلا بالإيمانِ الحق، المورثِ لنصر الله ومدافعتِه عن المؤمنين: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55].

 

اللهم اهدنا صراطك المستقيم، وأتمم لنا نورنا بكتابِك الكريم، وهدْيِ نبيِك القويم.

 

اللهم صل وسلم عليه أفضلَ الصلاةِ، وأتمَّ التسليم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وليِّ المؤمنين، ومزكِّي قلوبِ المتقين، والصلاةُ والسلامُ على خير المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فإن من ثمراتِ الإيمان بالله -تعالى-: حصولَ الحياةِ الطيبةِ الهنيئة، إذْ إنَّ أمرَ المؤمن كلَّه خير له؛ إن أصابته سراءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صَبَرَ فكانَ خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، وفي هذا يقول أصدقُ القائلين تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].

 

والمؤمنون تكفَّرُ عنهم سيئاتُهم، ويُصلَحُ بالُهم: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) [محمد: 2].

 

ويؤتيهم المولى ضعفَيْنِ من رحمته، ويَجْعَلُ لهم نورا يمشون به في الدنيا يعرفون به الحق من الباطل، والخيرَ من الشر، ويوم القيامة يسيرون بنور الله -تعالى- يوم أن ينقطعَ عن المنافقين النورُ، ويتركون في ظلماتٍ لا يبصرون: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد: 28].

 

بالإيمان الحق تنال محبةُ الله -عز وجل- وَوَلايتُه، ومن يحبَّه اللهُ يكنْ سَمْعَهُ الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصرُ به، وَيَدَهُ التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، فلا يفعل إلا ما يرضي اللهَ -تعالى-، ولئن سأله ليعطينَّه، ولئنِ استعاذَهُ ليُعيذَنَّه، ويضعُ له القبولَ في أرضه، ويرفعه درجات: (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11].

 

وما منع كثيرا من الناس أن تُفتَح لهم البركاتُ، وتنزِل عليهم الرحماتُ، إلا بإعراضهم عن الإيمانِ باللهِ الواحدِ القهار: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [المائدة: 65- 66].

 

ويقول اللطيف الخبيرُ -سبحانه-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].

 

أيها المؤمنون: المؤمنون حقًا هُمْ أُولُو عَزْمٍ من أمرِهِمْ، يمنعُهم إيمانُهم عن الرضا بالدون، والاشتغالِ بصفقةِ المغبون، يسارعون إلى المعالي، ويتسابقون إلى الفضائلِ والمكارم؛ فالإيمان قَيْدُ الفتك، لا يفتك مؤمن، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرقُ وهو مؤمن، ولا يشربُ الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهبُ نُهْبةً ذاتَ شرفٍ يرفع الناسُ إليه فيها أبصارَهم حينَ يتنهبُها وهو مؤمن، كما صح بذلكم الخبر عن سيد البشر -صلواتُ ربي وسلامه عليه-.

 

وحين يَظْلِمُ المؤمنُ نفسَه، فإنه توّابٌ منيب، أوابٌ حفيظ، إذا ذُكرَ اللهُ وَجِلَ قلبُه، وإذا تُلِيَتْ عليه آياتُه زادَتْه إيمانا، وإذا ذُكِّرَ تَذَكَّر وانتفَعَ بالذكرى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات: 55].

 

المؤمنون محفوظون بحفظ الله من الشيطان الرجيم، فلا يفتنهم ولا يستجيبون له: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل: 99 - 100].

 

فَلْيَبْشِرِ المؤمنون بالبُشْرَى في الحياةِ الدنيا وفي الآخرة، وبجناتٍ ونهر، فَلَهُمْ عند ربهم الحسنى وزيادة: النظرُ إلى وجه الله الكريم -تعالى وتبارك-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 63 - 64].

 

وقد أعد لهم ربهم ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر: (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس: 9 - 10].

 

هذا وصلوا وسلموا على خير من آمن بربه واتقى، ودعا إلى ربه حقا وصدقا.

 

اللهم صل وسلم على النبي الخاتم لرسلك، المبلغِ لدينك، الهادي إلى صراطك، وارضَ اللهم عن آل بيته الشرفاء السادة، وأصحابه البررة، وعن أمهات المؤمنين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وأرضنا وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم هب لنا إيمانًا نهتدي به، ونورًا نقتدي ونمشي به.

 

اللهم وهب لنا صحة في إيمانًا، وإيمانًا في حسن خلق، ونجاحًا يتبعه فلاح، ورحمة منك وعافية، ومغفرةً منك ورضوانا.

 

اللهم إنا نسألك إيمانًا لا يرتد، ونعيمًا لا ينفد، وقرةَ عين الأبد، ومرافقة نبيك -صلى الله عليه وسلم- في أعلى جنان الخلد.

 

اللهم أحينا مؤمنين، وأمتنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، غيرَ خزايا ولا ندامى ولا مفتونين.

 

اللهم حبِّبْ إلينا الإيمان وزينْهُ في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

 

اللهم إنا نسألك إيمانًا تامًا، ويقينًا صادقًا، واحفظنا بالإيمان قائمين، وقاعدين وراقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين.

 

اللهم اجعلنا من المؤمنين حقًا، الذي ذاقوا حلاوة الإيمان؛ فإذا (ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2].

 

 

المرفقات

أيها الذين آمنوا آمِنُوا بالله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات