التشويق إلى الحج وفضل العشر

فواز بن خلف الثبيتي

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ أهمية عشر ذي الحجة وفضلها 2/ بعض العبادات المشروعة في العشر 3/ وجوب تعلم صفة الحج 4/ حكم الأضحية وبعض شروطها وآدابها 5/ استغلال الوقت في طاعة الله والتحذير من المعاصي

اقتباس

مدار الفلاح للمؤمنين بالتوبة إلى الله، ولن تكون توبة بلا عزم ولا ندم، بل بالعزم على ترك الذنوب والمعاصي، والندم على ما مضى من تفريط وضياع وآثام، تكون التوبة صادقة مع عمل للطاعات والقربات في الأفعال والأقوال الصالحات. فالدنيا فرص، والتوفيق لاستغلال...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله العالم بعدد الرمل والنحل والقطر، ومصفالوقت والزمنوالدهر، الخبير بخافي السر، وسامع الجهر، القدير على ما يشاء بالعز والقهر، أقرب إلى العبد من العنق إلى النحر، الكريم في منحه وعطاياه، القهار لمن خالفه وعصاه، خلق آدم بيده فسواه، واستخرج ذريته كالذر وتاب عليه ربه وهداه، أحمده حمدا ليس له نهاية، وأقر له بالتوحيد، فكم دلت عليه من آية، أصلي وأسلمعلى عبده ورسوله، محمد الذي ما ردت له راية، وعلىاتباعه الذين بلغوا عنه كل آية، فبلغوا بذلك الغاية.

 

أما بعد:

 

فأوصيكم -أيها الناس- بتقوى الله -عز وجل- التي أوصى بها الأولين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء: 131].

 

أيها الإخوة في الله: إن من فضل الله -تعالى- علينا: أن جعل لنا مواسم للطاعات، نستكثر فيها من العمل الصالح، ونتنافس فيها، فيما يقربنا إلى ربنا.

 

والسعيد من اغتنم هذه المواسم ولم يجعلها تمر عليه مروراً عابراً.

 

ومن هذه المواسم الفاضلة: عشر ذي الحجة التي أقسم الله بها في كتابه الكريم، ولا يقسم الله إلا بأمر عظيم، فهذه الأيام عظيمة عند الله لإقسامه بها: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1 - 2] وكفاها بهذا شرفاً.

 

وهى أيام شهد لها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنها أفضل أيام الدنيا، صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر" -يعني عشر ذي الحجة- "قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله، قال: ولا مثلهن في سبيل إلا رجل عفر وجهه بالتراب".

 

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء".

 

وهذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يحسن استقبالها واغتنامها.

 

ومن أفضل الأعمال التي يحبها الله ويحب أهلها: التوبة والتوابين، وهو العمل الذي حري بالمسلم أن يستقبل به العشر الفاضلة: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].

 

فمدار الفلاح للمؤمنين بالتوبة إلى الله، ولن تكون توبة بلا عزم ولا ندم، بل بالعزم على ترك الذنوب والمعاصي، والندم على ما مضى من تفريط وضياع وآثام، تكون التوبة صادقة مع عمل للطاعات والقربات في الأفعال والأقوال الصالحات.

 

فالدنيا فرص، والتوفيق لاستغلال موسم الخيرات نعمة من الله لا يوفق لها كل أحد؛ فكم من عبد تمر عليه هذه المواسم وأمثالها ولا تغير فيه شيئاً ولا تحدث فيه جديداً أو حسنًا، بل قد يزداد فيها بعداً وسوءاً وعصياناً -نسأل الله السلامة-.

 

ويقول أبو عثمان النهدي: كان السلف يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم.

 

وما امتازت عشر ذي الحجة بالفضل إلا لاجتماع أمهات العبادة فيها؛ من الصلاة والصيام؛ وخاصة صيام يوم عرفة، ومن الصدقة والحج، وذكر الله -عز وجل-، فهي أيام حث النبي -صلى الله عليه وسلم- الإكثار فيها من التهليل والتكبير والتحميد، فيستحب الإكثار في هذه الأيام من ذكر الله تهليلا وتكبيرا وتحميدا، ليلاً ونهاراً، في المساجد والبيوت والأسواق.

 

كما ينبغي للمسلم: الحرص على قراءة القرآن، والاستغفار، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان، وبذل المعروف، وعيادة المرضى، والإكثار من نوافل الصيام، والصلاة، وغيرها من أعمال البر والطاعة.

 

فالسعيد من عمر أوقاته بالصالحات، وتاب إلى ربه وعاد إليه قبل الممات.

 

فلير الله من نفسك -يا عبد الله- في هذه الأيام خيراً.

 

أيها الإخوة في الله: أفضل الأعمال في هذه العشر: حج بيت الله الحرام، وخاصة لمن لم يسبق له الحج، وهو واجب وفرض، متى ما قدر عليه، وتيسرت له الراحلة والزاد، فإن أخره كان آثماً عاصياً لله رب العالمين، والله غني عنه، وعن حجه، وعبادته، قال تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97].

 

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجلوا الخروج إلى مكة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة".

 

وبعض الناس اليوم -وللأسف- وهم كثير وخاصة من الشباب والنساء، يؤخرون الحج، ويتعذرون عنه بأعذار واهية، يؤخرون الحج وهم قادرون مستطيعون، بل يسافر أحدهم إلى خارج البلاد أحياناً للسياحة والتنزه، وبيت الله عنده ولا يحج إليه، فهؤلاء آثمون عاصون لربهم ولنبيهم -صلى الله عليه وسلم-، وهم على خطر في دينهم؛ فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فننظر كل من كانت له جِدة ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين".

 

وصدق رضي الله عنه؛ فكيف يكون مسلماً حقاً وصدقاً من تتيسر له فرصة الحج ولا يحج وهو قد بلغ الثلاثين أو الأربعين، وبعض قد يكون متجاوزاً لها ولم يحج في حياته؟

 

بل -ونعوذ بالله من عمى القلوب- قد يذهب بعضهم إلى الحج من أجل تجارة أو عمل، أو نحو ذلك، ويقف بالمشاعر كلها، ولا يحج؛ فأين إسلام مثل إسلام هذا العبد الضال عن الهدى؟ قال علي -رضي الله عنه-: "من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً".

 

عباد الله: اتقوا الله في دينكم، وسارعوا بحج بيت ربكم قبل أن يحال بينكم وبينه؛ فعن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "استمتعوا من هذا البيت، فإنه قد هدم مرتين، ويرفع في الثلاثة".

 

وقال مبيناً لنا فضائل الحج: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".

 

وقال: "أفضل الأعمال، الإيمان بالله وحده، ثم الجهاد، ثم حجة برة، تفضل سائر العمل كما بين مطلع الشمس إلى مغربها".

 

وقال عليه الصلاة والسلام: "ما أهل مهل قط، ولا كبر مكبر قط، إلا بشر بالجنة".

 

وقال: "أديموا الحج والعمرة -أي تابعوا بينهما- فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد".

 

وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل أفلا نجاهد؟ قال: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور" [متفق عليه].

 

وقال: "جهادكن الحج" [البخاري].

 

وعن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: لما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: ابسط يدك فلأبايعك، فبسط فقبضت يدي، فقال: "مالك يا عمرو؟" قلت: "أشترط" قال: تشترط ماذا؟" قلت: أن يغفر لي، قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله" [رواه مسلم].

 

والحاج دعوته مستجابة؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم" [صححه الألباني].

 

والحاج في ذمة الله وحفظه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة في ضمان الله -عز وجل-: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازياً في سبيل الله، ورجل خرج عاجاً" [صححه الألباني].

 

وفي الحديث الذي رواه الطبراني وحسنه الألباني، عن ابن عمر -رضي الله عنهم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل وَطْأَةٍ تَطَأُهَا راحلتك يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو عنك بها سيئة، وأما وقوفك بعرفه فإن الله -عز وجل- ينزل إلى السماء الدنيا، فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي، جاؤوا شعثاً غبراً من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي، ولم يروني، فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج -أي متراكم- أو مثل أيام الدنيا، أو مثل قطر السماء ذنوب غسلها الله عنك، وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك، وأما حلقك رأسك، فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك".

 

فلا تحرم نفسك -يا عبد الله- ولا تحرم أهلك وأولادك هذا الفضل العظيم، وهذه الأجور والهبات، فكلنا -والله- بأمس الحاجة إلى الحسنات، ومغفرة الذنوب والسيئات، وأن نكون من الفائزين في الآخرة بالجنات، التي وعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بها صاحب الحج، فقال: "والحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة".

 

والحج المبرور، هو الذي لا يخالطه إثم؛ كالرياء، وتأخير الصلاة عن وقتها، أو الغفلة عن ذكر الله، وسماع الأغاني والملهيات، أو شرب المحرمات، أو السب والأذى، ونحوها من الآثام.

 

وقيل: هو المتقبل.

 

وقيل: الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق.

 

وقيل: هو الحج الذي لا يعصى الله فيه ولا بعده.

 

وعن الحسن البصري قال: الحج المبرور أن يرجع زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة.

 

وعلامته: أن يزداد الحاج بعد حجه خيراً، ولا يعاود المعاصي كما كان.

 

وكل هذه الأقوال في الحج المبرور متقاربة وصحيحة، ويشملها، فلا بد للحج من إخلاص لله في النية، ومتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم- في المناسك، وأعمال الحج.

 

ولابد ليكون الحج مبروراً من أن يكون المال الذي يحج به العبد مالاً حلالاً؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، والمال السحت ليس له إلا النار.

 

إذا حججت بمال أصله سحت *** فما حججت ولكن حجت العير

لا يقبل الله إلا كل طيبة *** ما كل من حج البيت الله مبرور

 

ولهذا قال بعض السلف: الركب كثير، والحاج قليل.

 

فبادر -يا عبد الله- واعزم على أداء حج مبرور متقبل، وإياك والتسويف والتأجيل؛ فإن من ورائنا خطب جليل، وإياك والفتور والكسل؛ فأنت مأمور بتقوى الله، وإحسان العمل.

 

فاخرج وناد صادقاً:

 

إليك إلهي قد أتيت ملبياً *** فبارك إلهي حجتي ودعائياً

قصدتك مضطراً وجئتك باكياً *** وحاشاك ربي أن ترد بكائياً

كفاني فخراً أنني لك عابد *** فيا فرحتي إن صرت عبداً مواليا

أتيت بلا زاد وجودك مطمعي *** وما خاب من يهفو لجودك ساعياً

إليك إلهي قد حضرت مؤملاً *** خلاص فؤادي من ذنوبي ملبياً

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان حليماً غفوراً تواباً رحيماً.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له توفيقه وامتنانه...

 

أما بعد:

 

فيقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "خذوا عني مناسككم".

 

فمعرفة كيف حج النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، ومعرفة أركان الحج وواجباته وسنته، والأخطاء التي يقع فيها كثير من الحجاج، وكيف يكون حجك مبروراً أمر واجب وميسور؛ وخاصة في هذه الأيام؛ فالكتب ذوات الحجم الصغير والأشرطة، والإصدارات والمطويات، عن الحج أكثر من أن تحصر، تستطيع يا من عزمت على الحج وبلا مبالغة: أن تشتري عن صفة الحج والعمرة، وكيف يكون حجك مبروراً، وعن أخطأ يقع فيها كثير من الحجاج والمعتمرين، وفتاوى تخص النساء في الحج، وأدعية الحج، ويوم عرفة، ويوميات حاج، وأعمال الحج، مجدولة يومياً، وعن يوم عرفة وفضله، فقط بخمسة ريالات، بل بريال واحد تشتري ستة كتب عن الحج؛ فما عليك إلا التزود من العلم النافع لعملك الصالح، حتى يكون مقبولاً على هدى رسولك -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها الإخوة في الله: أما من لم يرد الحج، فيستحب له أن يضحي، وهي سنة مؤكدة في حقه.

 

وقال بعض أهل العلم: بل هي سنة واجبة على أهل كل بيت مسلم قدر أهله عليها؛ فعلها أبو الأنبياء إبراهيم ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وحث ورغب نبينا -صلى الله عليه وسلم- فيها أمته، حتى قال محذراً من تركها: "من كان له سعة -من مال- ولم يضح، فلا يقربن مصلانا".

 

وهي من أفضل ما يتقرب به إلى الله يوم النحر.

 

وشرع لمن أراد أن يضحي أنه إذا دخل شهر ذي الحجة؛ إما برؤية أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً، أنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو جلده، حتى يذبح أضحيته؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره".

 

هذا إذا كان ناوياً على الأضحية من بداية العشر أو قبلها، أما إذا نوى الأضحية أثناء العشر، في اليوم الخامس أو السادس أو الثامن، فإنه يجب عليه أن يمسك عن شعره وأظفاره من حين نيته، ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية.

 

وهكذا الحكم الخاص بمن يضحي، فالنهي يخص صاحب الأضحية، ولا يعم الزوجة، ولا الأبناء، إلا أن تضحي الزوجة عن نفسها، أو يضحي أحد الأولاد عن نفسه بأضحية تخصه، فإنهما حينئذ يمسكان.

 

ومن أخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أثناء العشر، وقد نوى الأضحية فقد ارتكب محرماً، وعليه أن يتوب إلى الله -تعالى-، ولا يعود، ولا كفارة عليه، والأضحية متعينة عليه لا تسقط عنه، حتى ولو أخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو بشرته.

 

وإذا كان الأخذ عن نسيان أو جهل، أو سقط الشعر بلا قصد، أو احتاج إلى قص ظفر قد انكسر فيؤذيه، فلا شيء عليه حينها ولا حرج.

 

والحكمة في كل هذا لغير الحاج؛ هو أن يشارك الناس أهل المناسك في التقرب إلى الله -عز وجل-، بترك الأخذ من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم كما يتقرب المحرم بذلك، وأن يذبحوا أضاحيهم، كما يتقرب الحاج إلى الله بذبح نسكه.

 

وهي إحياء لسنة أبي الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- لما فدى الله ابنه إسماعيل.

 

وفيها: توسعة على الفقراء والمساكين: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحـج: 36].

 

أيها الإخوة الله: استغلوا ما أنتم مقبلون عليه من أيام فاضلة، وإجازة مباركة عن شواغل الدنيا بما يقرب إلى الله -عز وجل- من أنواع الطاعات والقرب.

 

وإياكم وصنيع بعض السفهاء الذين لا هم للواحد إلا السفر إلى بلاد الضياع والرذيلة والغفلة عن الله وطاعته وذكره، فيعود الحجاج من حجهم بربهم، ويعود هو بوزره وإثمه، وآثام فوق ظهره؛ لما سببه من ضياع زوجة وأبناء وبنات، هم أمانة في عنقه، ومسئول عنهم.

 

وما هكذا تقضي عشر ذي الحجة وما بعدها من أيام، وليس معنى هذا أن يمنع الإنسان نفسه وأولاده وأهله الترويح المباح والمتعة المباحة، فقد كان السلف -رحمهم الله- مع اجتهادهم في العبادة والعلم يروحون عن أنفسهم، فلا يتجاوز أحدهم حدود الشرع المطهر، بعيداً عن المحرمات أو المكروهات.

 

ترويحهم وضحكهم لم يكن ليضعف إيمانهم، ولا ليفسد أخلاقهم، لم يكن مطغياً معتدياً على أوقات الصلاة، وذكر الله، وصلة الأرحام، وغيرها.

 

إجازة في طاعة الله، ليس فيها امرأة تتبرج، أو شهوة تتهيج، أو نزعة إلى الشر تتأجج، كان السلف يروحون عن أنفسهم بعيداً عن سهر في ليل طويل، وسمر فارغ هزيل؛ لأنهم يعلمون أن الله عليهم في ليلهم ونهارهم حقوق وواجبات، وأن هذه الإجازات وأوقات الفراغ مواطن شر إن لم تستغل.

 

فكم من سهرة عابرة أسقطت شاباً في المخدرات؟ وكم من إجازة أوقعت فتاة وأسرتها في المهلكات؟

 

نسأل الله أن يحفظ علينا وعليكم وذرياتنا وأوقاتنا من كل ما يشينها.

 

 

المرفقات

إلى الحج وفضل العشر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات