العلم .. فضائله وثماره

عبدالمحسن بن محمد القاسم

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ فضائل العلم في القرآن والسنة 2/ عظم مكانة العلماء وأهل العلم 3/ وصايا لطلاب العلم 4/ حاجة الأمة لنشر العلم وتعلمه وتعليمه

اقتباس

يجبُ على كُلِّ مُسلمٍ السعيُ في تحصيلِ الفرضِ من العلمِ، والذي يُصحِّحُ به توحيدَه وعبادتَه من صلاتِه وصومِه وغيرِهما، وأن يبذُل زمنًا من وقتِه في ذلك، ولا يستثقِلُ حِلَقَه ومجالِسَه، وعلى طالبِه تعظيمُ قدره، وسُؤالُ الله النافِع منه، مع حُسن الظنِّ به - سبحانه - ومُلازمة التقوى فهي خيرُ عونٍ لنَيلِه. وأن تكون نيَّتُه خالِصةً لوجهِ الله، لا يُمارِي بعلمِه السُّفهاء، ولا يُجادِلُ به العلماءَ، ومن عمِلَ بما علِمَ أورثَه الله علمَ ما لم يعلَم...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فتقوى الله نورُ البصائر، وبها تحيَا القلوبُ والضمائِر.

 

أيها المسلمون:

عبادة الله وحدَه هي حكمةُ الخلق والأمر، ولأجلِها بُعِثَت الرُّسُل وأُنزِلَت الكتب، وبها شرفُ الخلق وسعادتُهم وفلاحُهم ونجاتُهم، ومنازِلُ العباد عند الله بحسب منازِلهم فيها، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13].

 

ومن فضلِ الله وكرمِه أن نوَّع العبادات ليُنوِّع لخلقِه اللذَّات، ويُعلِيَ لهم بها الدرجات، وعبادةٌ في الدين عظيمةٌ سابقةٌ لغيرها، ومُصحِّحةٌ لما سِواها، الظافرُ بها فائزٌ، والمُفرِّطُ فيها نادِم.

 

امتدحَ الله أهلَها وفضَّلَهم لأجلها، تهدِي العبدَ إلى ربِّه وتُنيرُ له دروبَ حياته، كمالُ الإنسان ونجاتُه مُتوقِّفٌ عليها، وما عُبِد الربُّ بمثلِها، فبِها يُعرفُ ويُعبَدُ ويُذكرُ ويُمجَّد، ويُعلمُ حقوقُ الخالِقِ والمخلُوقين، ويُميَّزُ الحلالُ من الحرام.

 

تُؤنِسُ صاحبَها في الخلوَة، وتُذكِرُه عند الغفلة، طلبُها طاعةٌ، وبذلُها قُربةٌ، زينةٌ لأهلها وأمانٌ لأصحابِها، تُنيرُ القلوبَ والبصائِر، وتُقوِّي الأذهانَ والضمائِر، أهلُها للأرض كالنجوم للسماء، فبهم يُقتَدى، وهم زينةٌ للبريَّة وجمالُها، وحصنُ الأمة ودِرعُها، ولولاهم لطُمِسَت معالمُ الدين.

 

بها صلاحُ الأمة ورِفعتُها، واستقامةُ النفوس وزكاتُها، وهدايةُ البشريَّة وسعادتُها، وتحصينُ الأجيال وسلامتُها. الحاجةُ إليها فوقَ كلِّ الحاجات، وبدونِها خرابُ العالَم وفسادُه.

 

قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "الناسُ أحوجُ إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعامَ والشرابَ يُحتاجُ إليه في اليوم مرَّةً أو مرَّتين، والعلمُ يُحتاجُ إليه في كل وقتٍ".

 

أمَّتُنا أمةُ علمٍ، أولُ آيةٍ أُنزِلَت في الحثِّ عليه: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق: 1].

قال ابن كثيرٍ - رحمه الله -: "فأولُ شيءٍ نزلَ من القُرآن هذه الآياتُ الكريماتُ المُبارَكاتُ، وهنَّ أولُ رحمةٍ رحِمَ الله بها العبادَ، وأولُ نعمةٍ أنعمَ الله بها عليهم".

 

سمَّى الله ذاتَه بالعليم، ووصفَ نفسَه بالعلم، وتعرَّف إلى خلقِه به، فقال: (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 4، 5].

 

والرسالةُ كلُّها علمٌ وعمل، فالعلمُ شطرُها، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى) [التوبة: 33] أي: بالعلم النافع (وَدِينِ الْحَقِّ) أي: بالعمل الصالِح.

 

لا شيءَ أطيَبُ للعبد وأصلَحُ لقلبِه من محبَّة الله ولا سبيلَ إلى ذلك إلا بالعلمِ، هو الحكمةُ التي يُؤتِيها الله من يشاءُ من عبادِه، قال - سبحانه -: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [البقرة: 269].

 

امتنَّ الله على آدم - عليه السلام - وأظهرَ فضلَه على الملائكة بعلمِ: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 31].

 

واصطفَى الله - سبحانه - بالعلم أنبياءَه ورُسُلَه ومن شاءَ من خلقِه، فبشَرَت الملائكة امرأةَ إبراهيم بإسحاق غُلامٍ عليم.

 

ويُوسُف - عليه السلام - قال الله عنه: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) [يوسف: 22]، وتحدَّث بنعمةِ الله قائلاً: (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف: 55].

ومُوسى - عليه السلام - أُكرِم بذلك، فقال الله: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) [القصص: 14].

 

وقال عن داود وسليمان - عليهما السلام -: (وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) [الأنبياء: 79].

وذكَّر به عيسى - عليه السلام - فقال: (اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) [المائدة: 110].

 

والخضِرُ لما فضَّلَه الله بعلمٍ ليس عند غيرِه، رحلَ إليه نبيٌّ من أُولِي العزم، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) [الكهف: 65].

وجنودُ سُليمان - عليه السلام - كان أعلمُهم أقواهم، (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النمل: 40].

 

وعدَّد الله نعَمَه على رسولِه - صلى الله عليه وسلم - وجعلَ العلمَ من أجلِّها قدرًا، فقال: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) [النساء: 113].

ولم يأمُره - سبحانه - بالاستِزادة من شيءٍ إلا من العلمِ، فقال: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه: 114].

 

العلمُ ميراثُ الأنبياء، والوارِثون لعلمِهم خيرُ الخلق بعدَهم، وأقربُ الناسِ إليهم، قال - عليه الصلاة والسلام -: «العلماءُ ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورِّثُوا دينارًا ولا دِرهمًا، إنما ورَّثُوا العلم، فمن أخذَ به أخذَ بحظٍّ وافِر» (رواه الترمذي).

 

استشهَدَ - سبحانه - أهلَ العلم على ألوهيَّته، فقال: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ) [آل عمران: 18].

وبالعلمِ يُخشَى الله ويُطاع، (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28].

قال الزُّهريُّ - رحمه الله -: "ما عُبِد اللهُ بمثلِ العلم".

نَيلُه خيرٌ وفلاح: «من يُرِد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدين» (متفق عليه).

 

وخيارُ الناسِ أعلمُهم، قال - عليه الصلاة والسلام -: «خيارُهم في الجاهليَّة خيارُهم في الإسلام إذا فقِهوا»؛ متفق عليه.

العلمُ ميزانُ تفاوُت الأعمال ودرجاتها، وبه صلاحُ العلم وزكاتها، ولن تصفُو للمرءِ عقيدتُه ويُحقِّق الإخلاصَ لربِّه إلا بالعلمِ، قال - سبحانه -: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) [محمد: 19]، فبدأَ بالعلمِ قبل القول والعمل.

 

وما دامَ العلمُ باقيًا في الأرض فالناسُ في هُدًى، ومن عبَدَ الله بغير علمٍ كان ما يُفسِدُ أكثرَ مما يُصلِحُ، وما فشَا الشركُ والبدعةُ إلا لقلَّة العلم والبُعد عن أهله، والضلالُ ثِمارُ الجهل، ولذا أمرَنا الله بالاستِعاذة من طريق أهل الضلال في كل ركعةٍ من صلاتِنا: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة: 7].

 

والله نفَى التسويةَ بين أهل العلم وغيرِهم، فلا يستوُون كما لا يستوِي الحيُّ والميِّتُ، والأعمَى والبصيرُ، قال - سبحانه -: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر: 9].

 

بالعلم حياةُ العباد ونورُهم، (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) [الأنعام: 122].

 

وحُسنُ السَّمت والفقهِ في الدين من أخصِّ صِفات المُؤمنين، فصُدورُهم مُستنيرةٌ بالعلمِ: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [العنكبوت: 49].

 

وخصَّ الله أهلَ العلم بتعقُّل أمثال القرآن العظيم وإدراك معانيها، (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت: 43].

 

الرحمةُ تغشَى مجالِسَ العلم، والسَّكينةُ تتنزَّلُ عليهم، والملائكةُ تحُفُّ أهلَها، «وإن الملائكةَ لتضَعُ أجنحَتَها رِضًا لطالِبِ العلمِ» (رواه الترمذي).

 

قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "ولو لم يكُن في العلمِ إلا القُربُ من ربِّ العالَمين والالتِحاقُ بعالَم الملائكة وصُحبةُ الملأ الأعلى، لكفَى به فضلاً وشرفًا، فكيف وعزُّ الدنيا والآخرة منُوطٌ به ومشرُوطٌ بحُصولِه".

 

أهلُ العلم بالله وبأمره ونهيِه هم للأمة خيرُ قُدوة، نفعُهم مُتعدٍّ إلى الغير بعد نفعِ أنفُسهم، ولهذا الكلُّ يُثنِي عليهم ويدعُو لهم، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن اللهَ وملائكتَه وأهلَ السماوات والأراضِين، حتى النَّملة في جُحرها، وحتى الحُوت ليُصلُّون على مُعلِّم الناس الخير» (رواه الترمذي).

 

السعيُ في تحصيلِه من العمل في سبيلِ الله، قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: "من رأى الغُدوَّ والرَّوَاح إلى العلمِ ليس بجِهادٍ فقد نقَصَ في عقلِه ورأيِه".

 

التنافُسُ فيه محمودٌ، فلا حسَدَ إلا في اثنتَين: مُحسنٍ بعملِه أو مالِه، وما عداهُ لا يُغبَطُ أهلُه عليه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا حسدَ إلا في اثنتَين: رجلٍ آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلَكَته في الحقِّ، ورجلٍ آتاه الله حكمةً فهو يقضِي بها ويُعلِّمُها»؛ متفق عليه.

 

وقد تظاهَرَ الشرعُ والقدرُ أن الجزاءَ من جنسِ العمل، والعلمُ يدلُّ على الله من أقرَبِ الطريقِ إليه؛ فمن سلَكَ طريقَ العلم وصلَ إلى الله وإلى الجنةِ من أقربِ الطُّرق وأسهَلها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «ومن سلَكَ طريقًا يلتمِسُ فيه علمًا سهَّل الله به طريقًا إلى الجنة» (رواه مسلم).

 

العلمُ الشرعيُّ حصنٌ للأمة من الفتن؛ قال الإمام مالكٌ - رحمه الله -: "إن أقوامًا ابتغَوا العبادةَ وأضاعُوا العلمَ، فخرجوا على أمةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - بأسيافِهم، ولو ابتغَوا العلم لحجَزَهم عن ذلك".

 

ولعظيم نفعِه جاء الأمرُ بإبلاغِ ولو شيءٍ منه ونشرِه في الآفاق؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «بلِّغُوا عنِّي ولو آية» (رواه البخاري).

 

والله أمرَ بسُؤال أهل العلم والرجوعِ إليهم: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 43].

ودعا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأهله بالنَّضارة، وهي البهجةُ وحُسن الوجه، والفرحُ، وانشِراحُ الصدرِ، فقال: «نضَّر الله امرأً سمِع منَّا شيئًا فبلَّغَه كما سمِع، فرُبَّ مُبلَّغٍ أوعَى من سامِع» (رواه الترمذي).

 

ودعا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمن يحبُّه أن يكون من أهل العلم، فقال لابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: «اللهم فقِّهه في الدين» (رواه البخاري).

 

بالعلمِ رِفعةُ الدرجات في الحياة وبعد الممات، قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11].

 

قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "من علِمَ وعمِلَ وعلَّم فذلك يُدعَى عظيمًا في ملكُوت السماء".

ونفعُه يلحَقُ صاحبَه بعد الموت؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إذا ماتَ الإنسانُ انقطعَ عملُه إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارِيةٍ، أو علمٍ يُنتفَعُ به، أو ولدٍ صالِحٍ يدعُو له» (رواه مسلم).

 

وأفضلُ العلم وأجلُّه وهو الممدُوحُ في النصوص: ما نبعَ من الكتاب والسنَّة، وأعظمُه العلمُ بالله وأسمائِه وصفاتِه، وهو الغايةُ من خلقِ الله وأمره؛ قال - سبحانه -: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12].

 

ويجبُ على كُلِّ مُسلمٍ السعيُ في تحصيلِ الفرضِ من العلمِ، والذي يُصحِّحُ به توحيدَه وعبادتَه من صلاتِه وصومِه وغيرِهما، وأن يبذُل زمنًا من وقتِه في ذلك، ولا يستثقِلُ حِلَقَه ومجالِسَه، وعلى طالبِه تعظيمُ قدره، وسُؤالُ الله النافِع منه، مع حُسن الظنِّ به - سبحانه - ومُلازمة التقوى فهي خيرُ عونٍ لنَيلِه.

 

وأن تكون نيَّتُه خالِصةً لوجهِ الله، لا يُمارِي بعلمِه السُّفهاء، ولا يُجادِلُ به العلماءَ، ومن عمِلَ بما علِمَ أورثَه الله علمَ ما لم يعلَم.

 

وبعدُ .. أيها المسلمون:

فقد وعدَ الله أن من طلبَ العلمَ يسَّره له وأعطاه منه ما لم يحتسِبه بكرمِه - سبحانه -، فقال: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) [العلق: 3].

 

وطريقُ العلم سهلٌ يسيرٌ، حفظٌ لكتاب الله العظيم، وشيءٌ من سُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومُختاراتٌ من مُتون أهل العلم، مع فهم ما تقدَّم والعمل به، ومن زادَ في طلبِه زادَت رِفعَتُه. وبهذا ينالُ المرءُ رِضا الله وأعالِي الجِنان.

 

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: 122].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

 

أيها المسلمون:

العلماءُ بالله وبأمره ونهيِه من السابِقين واللاحِقين لا يُذكَرون إلا بالجَميل، فحقُّهم على الأمة عظيم، بمحبَّتهم واحتِرامهم وتوقيرهم والرجوعِ إليهم والأخذ عنهم، وتعظيمُ أهل العلم من تعظيم الدين؛ فهم حمَلَتُه والمُؤتَمَنون عليه، ومن حادَ عن هذا الطريق فقد ضلَّ سواءَ السبيل.

وبُغضُهم ومُعاداتُهم نقصٌ في العقل، وانحِرافٌ عن الفِطرة، وذاك مُؤذِنٌ بحربِ الله وعقوبتِه؛ قال الله تعالى في الحديث القُدسيِّ: «من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ» (رواه البخاري).

 

قال النوويُّ - رحمه الله -: "قال الإمامان أبو حنيفة والشافعيُّ - رحمهما الله -: إن لم يكُن العلماءُ أولياءَ الله فليس لله وليٌّ".

 

ثم اعلَموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين، الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانُوا يعدِلُون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلادِ المُسلمين.

 

اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم رُدَّهم إليك ردًّا جميلاً، اللهم اجعَل ديارَهم ديارَ أمنٍ وأمانٍ يا قوي يا عزيز.

 

اللهم انصُر جُندَنا، اللهم ثبِّت أقدامهم، اللهم سدِّد رميَهم، اللهم ارزُقهم الإخلاصَ يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم وفِّق إمامَنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ووفِّق جميعَ وُلاة أمور المُسلمين للعمل بكتابِك وتحكيم شرعِك يا ذا الجلال والإكرام.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

اللهم إنا نسألُك العلمَ النافعَ والعملَ الصالحَ.

 

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].

 

عباد الله:

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكرُوه على آلائِه ونعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

.. فضائله وثماره

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات