إسباغ الوضوء وفضله

الشيخ د صالح بن مقبل العصيمي

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الطهارة
عناصر الخطبة
1/ مكفرات الذنوب الثلاثة 2/ معنى: إسباغ الوضوء على المكروهات 3/ فضل إسباغ الوضوء 4/ أمورٌ تعين على إسباغ الوضوء

اقتباس

والمراد بـإسباغه على المكروهات يحمل معاني متعددة، منها: حينما تكون الأجواء باردة، والماء باردا، وحينـما تكون المياه حارة، في الأجواء الحارة، وكذلك في حال الاستيقاظ، والنفس كسولة، وفي كل حال تكره فيها النفس الوضوء، كحال نزول المصائب، قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45].

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الـحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد: فاتقوا الله-عباد الله- حق التقوى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى. واعلموا بأن خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

 

عباد الله: حديثنا اليوم عن مكفرة من مكفرات الذنوب، اختصم فيها الـملأ الأعلى؛ حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رأيت ربي -تبارك وتعالى- في أحسن صورة، فقال: يا محمد، قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: ما هن؟ قلت: مشْي الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء في المكروهات" رواه الترمذي بسند حسن.

 

وفي هذه الخطبة سوف نتحدث عن إحدى المكفرات التي تكفر الذنوب والخطايا؛ ألا وهي إسباغ الوضوء عند المكروهات، وإتمامه، وإبلاغه مواضعه الشرعية.

 

والمراد بـإسباغه على المكروهات يحمل معاني متعددة، منها: حينما تكون الأجواء باردة، والماء باردا، وحينـما تكون المياه حارة، في الأجواء الحارة، وكذلك في حال الاستيقاظ، والنفس كسولة، وفي كل حال تكره فيها النفس الوضوء، كحال نزول المصائب، قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45].

 

وجـميع ما سبق يصدق عليه الـحديث، وإن كان الأقرب إسباغ الوضوء في شدة البرد؛ لأنه يشق على النفس وتتألم به، وكل ما يؤلم النفس ويشق عليها من العبادات فإنه كفارة للذنوب، وشهد لذلك قول النبـي -صلى الله عليه وسلم-: "إسباغ الوضوء على السّبرات" رواه الطبراني بسند صحيح، والسّبرة هي شدة البرد.

 

وقد تكاثرت النصوص على أن إسباغ الوضوء يكفر الخطايا؛ ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عثمان -رضي الله عنه- أنه توضأ ثم قال: " رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: "من توضأ هكذا، غفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة".

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من توضأ فأحسن الوضوء؛ خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره" رواه مسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا توضأ العبد المسلم -أو المؤمن- فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء -أو مع آخر قطر الماء-، فإذا غسل يديه، خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء -أو مع آخر قطر الماء-، فإذا غسل رجليه؛ خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء -أو مع آخر قطر الماء- حتى يخرج نقيا من الذنوب" رواه مسلم.

 

عباد الله: كذلك وردت الأحاديث بحصول الثواب على الوضوء، زيادة على تكفير السيئات قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد يتوضأ فيُبلِغ -أو فيُسبغ- الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبد الله ورسوله؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء" رواه مسلم.

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "تبلغ الحلية من المؤمن، حيث يبلغ الوضوء" رواه مسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" أخرجه البخاري.

 

بل وجاء في الحديث أن إسباغ الوضوء شطر الإيمان؛ لما رواه النسائي بسند صحيح. وعند مسلم: "الطهور شطر الإيمان". ولعل الـمقصود بشطر الإيـمان؛ أي: شطر الصلاة.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على عظيم نعمه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى.

 

عباد الله: إن معرفة ثواب الأعمال ييسرها، وكما قال بعض العلماء: "من لم يعرف ثواب الأعمال، ثقلت عليه في جميع الأحوال".

 

وعلى المسلم عند العبادات استحضار اطلاع الله -عز وجل- عليه وهو يتوضأ؛ فيحسن الوضوء، ويتحمل المشاق ويُكره النفس، على الطاعة، قال -تعالى-: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم:65].

 

ومن الأمور المعينة على إسباغ الوضوء؛ معرفة أن الله -جل وعلا- يحب المتطهرين؛ فلـيـحرص الـمؤمن على الطهارة الكاملة؛ فـيزيل الأوساخ بالـحجارة أو الـمناديل الورقية، ثـم ينضحـها بالـماء، قال -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222]. فمن امتلأ قلبه من محبة الله؛ أحب ما يحبه، وإن شق على النفس وتألمت به.

 

اللهم ردنا إليك ردا جـميلا، ولا تـجعل فينا ولا بيننا ولا حولنا شقيا ولا مـحروما، اللهم أصلح لنا النــيــة والذرية والأزواج والأولاد، اللهم احم بلادنا وسائر بلاد الإسلام من الفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم ارفع به راية السنة، واقمع راية البدعة.

 

اللهم احقن دماء أهل الإسلام في كل مكان، اللهم ول عليهم خيارهم واكفهم شر شرارهم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

 

اللهم انصر المجاهدين على حدود بلادنا، واربط على قلوبـهم، وثبت أقدامهم، وانصرهم على القوم الظالميـن، واخلفهم في أهليهم بـخيـر.

 

اللهم أكثر أموال من حضر، وأولادهم، وأطل على الخير أعمارهم، وأدخلهم الجنة. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على الـمرسلين، والحمد لله رب العالمين. وقوموا إلى صلاتكم يرحـمـكم الله.

 

 

 

المرفقات

الوضوء وفضله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات