التقوى وحسن الخلق

الخضر سالم بن حليس اليافعي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ الوصية النبوية بلزوم التقوى ومحو السيئات بالحسنات وحسن الخلق 2/ وقفات مع تلك الوصية 3/ فضل يوم الجمعة والاغتسال فيه

اقتباس

ينقل لنا هذان الصحابيان الكريمان ثلاثاً من وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- يوصينا بها، ويحثنا عليها، وهي من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم-، إذ جمعت في كُلَيْماتٍ يسيرات ما يُقرِّبُ العبد إلى ربِّه، ويُعْلي مكانَه عندَه، ويُحَبِّبُ العبدَ إلى الخَلْقِ، ويقوِّي الترابط بينهم ..

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد: عن أبي ذر جُنْدُب بنِ جُنادَةَ وأبي عبدِ الرحمنِ معاذِ بنِ جبلٍ -رضي الله عنهما-، عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" رواه الترمذي، وَقالَ: حديث حسن.

 

ينقل لنا هذان الصحابيان الكريمان ثلاثاً من وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم-  يوصينا بها، ويحثنا عليها، وهي من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ جمعت في كُلَيْماتٍ يسيرات ما يُقرِّبُ العبد إلى ربِّه، ويُعْلي مكانَه عندَه، ويُحَبِّبُ العبدَ إلى الخَلْقِ، ويقوِّي الترابط بينهم...

 

الوصية الأولى:  "اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ" باجتناب النواهي؛ مهابةً وتعظيماً وحبًّا لله وخوفاً وخشية من أليم عقابه، وفعل الأوامر؛ طاعة لله وحبًّا وتقرباً واتباعاً لنبيه ورغبة في ثواب الله والرفعة عندَه، فيتقي العبد ربه في كل مكان، وكل زمان، وكل حال.

 

"اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ".

 

الوصية الثانية: "وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا". إن أسرف العبد على نفسه، وخالف أمر ربه، وتجاوز حدوده، ووقع في معصيته فأتبعها بالحسنات، فإن الله -تعالى- قال: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114].

 

ومن أعظم الحسنات التي يجب أن تَتْبَعَ السيئاتِ التوبةُ منها، فهي من أفضل الحسنات، وأحبِّها لرب العالمين.

 

وفي الصحيحين، من حديث أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اللهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ، سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضٍ فَلاَةٍ".

 

ولذلك فتح الله أبواب المغفرة، ومحو الذنوب، وتكفير السيئات بالأعمال الصالحات، إذا أخلص بها العبد لربه، وأتى بها كما يحب -جلَّ وعلا-.

 

وفي صحيح مسلم، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  كَانَ يَقُولُ: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ".

 

"اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ".

 

الوصية الثالثة: "وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ"، أي: عامل الناس بخلق حسن تحمد عليه ولا تذم؛ بصدق القول، وحسن المخاطبة، وطلاقة الوجه، وأداء الحقوق، والتسامح والعفو.

 

وقد ميز النبي -صلى الله عليه وسلم-  أصحاب الأخلاق الحسنة بأعلى درجات الجنة فقال -صلى الله عليه وسلم- : "أنا زعيم -أي: ضامن- ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك المِراءَ وإن كان مُحِقاً، وببيت في وَسَطِ الجنةِ لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسُنَ خُلُقُه".

 

وعن أَبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكْمَلُ المُؤمِنِينَ إيمَاناً أحْسَنُهُمْ خُلُقاً، وخِيَارُكُمْ خياركم لِنِسَائِهِمْ" رواه الترمذي وَقالَ : حديث حسن صحيح.

 

وكان حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- من أحسن الناس خُلُقاً، وأكرمِهم تعاملاً؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا".

 

وعن جابر -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  قَالَ: "إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ، وَأقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ، أحَاسِنَكُم أخْلاَقاً، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إلَيَّ وَأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيَامَةِ، الثَّرْثَارُونَ -وهم كَثِيرُو الكَلاَمِ تَكَلُّفاً-، وَالمُتَشَدِّقُونَ -المُتَطَاوِلُ عَلَى النَّاسِ بِكَلاَمِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَلءِ فِيهِ تَفَاصُحاً وَتَعْظِيماً لِكَلامِهِ- وَالمُتَفَيْهقُونَ"، قالوا: يَا رسول الله، قَدْ عَلِمْنَا: الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ، فمَا المُتَفَيْهقُونَ؟ قَالَ: "المُتَكَبِّرُونَ" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

 

وَالمُتَفَيْهِقُ: هُوَ الَّذِي يَمْلأُ فَمَهُ بِالكَلاَمِ وَيَتَوَسَّعُ فِيهِ، ويُغْرِبُ بِهِ -يأتي بالكلمات الغريبة-؛ تَكَبُّراً وَارْتِفَاعاً، وَإظْهَاراً للفَضيلَةِ عَلَى غَيْرِهِ.

 

وروى الترمذي عن عبد الله بن المباركِ -رحِمه الله- في تفسير حُسْنِ الخُلُقِ، فقَالَ: هُوَ طَلاَقَةُ الوَجه، وَبَذْلُ المَعروف، وَكَفُّ الأذَى.

 

"اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ".

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن هذا اليوم خير الأيام، وأنه قد أمر فيه بالاغتسال قبل الخروج لصلاة الجمعة؛ ففي الصحيحين من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  قَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ".

 

وكان الفاروق عمر -رضي الله عنه- ربما عاتب بعض المتأخرين عن صلاة الجمعة؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- بَيْنَمَا هُوَ قَائمٌ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرينَ الأَوَّلَينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هذِهِ؟! قَالَ: إِنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذينَ، فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ، فَقَالَ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا؟! وَقَدْ عَلِمتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ" متفق عليه...

 

 

 

 

المرفقات

وحسن الخلق

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
30-06-2023

  • الله المستعان