الحث على التوبة

فريح بن محمد الفريح

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/سعة مغفرة الله 2/خطر مواقعة الذنوب بحجة الاعتماد على سعة مغفرة الله 3/الحث على ملازمة التوبة والاستغفار 4/أوقات الاستغفار 5/صيغ الاستغفار وأنواعه 6/الجمع بين الاستغفار والتوبة 7/ثمرات الاستغفار 8/أهمية التوحيد وفضله 9/خطر الشرك 10/اللجوء إلى الله 11/خطر القنوط من رحمة الله

اقتباس

عباد الله: هذا حديث عظيم تضمن أمورًا ثلاثة تحصل بها المغفرة: الأمر الأول: الدعاء مع الرجاء، وهو في قوله: "إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي". ففيه: أنه لا بد من الجمع بين الدعاء ورجاء الإجابة، فلو دعا دون رجاء لم يستجب له؛ لأن...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا ربكم وتوبوا إليه من ذنوبكم، ولا تقنطوا من رحمته مهما بلغت ذنوبكم، فإنه يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها؛ كما روى أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله -تعالى-: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة"[رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].

 

عباد الله: هذا حديث عظيم تضمن أمورًا ثلاثة تحصل بها المغفرة:

 

الأمر الأول: الدعاء مع الرجاء، وهو في قوله: "إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي".

 

ففيه أنه لا بد من الجمع بين الدعاء ورجاء الإجابة، فلو دعا دون رجاء لم يستجب له؛ لأن ذلك قنوط من رحمة الله، والقنوط من رحمة الله ضلال؛ كما قال تعالى: (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ) [الحجر: 56].

 

وإن رجا دون دعاء لم ينفعه هذا الرجاء؛ لأنه لم يفعل السبب الذي يحصل به المطلوب، والله قد ربط الأمور بأسباب لا بد من فعلها، ومن تركها كان عاجزًا مهملاً؛ كما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني".

 

وفي قوله تبارك وتعالى: "غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي" بيان سعة مغفرة الله، وأنه مهما كثرت ذنوب العبد فإن الله يغفرها له، ولا يتعاظم كثرتها؛ لأنه سبحانه لا يتعاظمه شيء، ما دام العبد قد أتى سبب المغفرة.

 

أما من يكثر من الذنوب ويترك التوبة اعتمادًا على سعة مغفرة الله وعفوه فإنه خاسر؛ لأنه أمن مكر الله، والله -تعالى- يقول: (أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99].

 

ومكر الله هو استدراجه للعاصي ثم أخذه بالعقوبة على غرة وغفلة، قال الحسن البصري -رحمه الله-: "المؤمن يعمل بالطاعات، وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن".

 

الأمر الثاني: مما تضمنه الحديث: بيان أن الاستغفار ، وهو طلب المغفرة: لا يبقي من الذنوب شيئًا، بل يمحوها ولو كبر حجمها وبلغ ارتفاعها العنان، وهو السحاب، فإن الله يغفرها.

 

وقد أمر الله بالاستغفار في مواضع من كتابه، ومدح أهله، ووعدهم بمغفرة ذنوبهم، وتكفير خطاياهم، ولا بد مع الاستغفار من عدم الإصرار على الذنب، بمعنى أن المستغفر يترك الذنوب المستغفَر منها، فإن لم يتركها لم ينفعه الاستغفار؛ لأنه حينئذ يكون استغفارًا باللسان فقط، والله -تعالى- يقول: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].

 

وللاستغفار ساعات يرجى قبوله فيها أكثر من غيرها؛ كأدبار الصلوات ووقت الأسحار، قال تعالى: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) [آل عمران: 17].

 

وقال: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 18].

 

وأفضل أنواع الاستغفار: أن يبدأ العبد بالثناء على الله، ثم يثني بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة؛ كما ثبت في الصحيح عن شداد بن أوس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".

 

وينبغي الإكثار من الاستغفار اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد ثبت عنه أنه قال: "والله، إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".

 

وينبغي أن يقرن الاستغفار بالتوبة، فيقول: أستغفر الله وأتوب إليه؛ كما في هذا الحديث، وكما في قوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ) [هود: 90].

 

وذلك ليجمع بين الاستغفار باللسان والإقلاع عن الذنب بالقلب والجوارح، وهذا معناه عدم الإصرار على الذنب.

 

واعلموا -يا عباد الله- أن الاستغفار سبب للخصب، جالب للبركة، مكثر للنسل، مبعد للعذاب، مفرّج للهموم، منفّس للكروب.

 

الأمر الثالث: مما تضمنه هذا الحديث: أن التوحيد هو الشرط الأعظم، بل هو الأساس لمغفرة الذنوب، فمن فقده فقد المغفرة: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) [النساء: 48].

 

وفي هذا الحديث: "يقول الله -تعالى-: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة".

 

وقراب الأرض ملؤها، أو ما يقارب ملأها.

 

دلّ الحديث على أن الموحد ترجى له المغفرة ولو كثرت ذنوبه، فإن ما معه من التوحيد يكفر الله به الذنوب مهما عظمت، ومهما كثرت، وهذا مقيد بمشيئة الله -عز وجل-؛ كما قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ)[النساء: 48].

 

أي: ما دون الشرك لمن يشاء.

 

ففيه: فضل التوحيد، وبيان ما يكفر من الذنوب، وأن من لقي الله به ومات عليه فإنه ترجى له المغفرة.

 

وفيه: التحذير من الشرك؛ لأنه لا يغفر لصاحبه ولو أتعب نفسه بالعمل ولسانه بالاستغفار، ولو أنفق ما في الدنيا فلن يقبل منه، ولن يغفر له ما دام على الشرك.

 

ولكن ما هو الشرك الذي هذا خطره؟

 

إنه عبادة غير الله مع الله؛ كعبادة الأصنام والقبور والاستعانة بالأموات، ودعائهم من دون الله، وطلب المدد منهم، والتوسل بهم، والظن بأنهم يقربون من الله زلفى، وكذا السحر فإنه مخرج من الملة ولا يغفره الله -سبحانه-.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصاً له الدين، وأشهد أن محمدًا خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم-، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، ووثقوا صلتكم به؛ بطاعته وفعل ما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه والإكثار من دعائه، فإنه لا غنى بكم عنه طرفة عين، وهو يأمركم بدعائه واستغفاره مع غناه عنكم، وأنتم تعرضون عنه مع فقركم، وحاجتكم إليه، وهذا من عجائب هذا الإنسان.

 

(وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ)[الشورى: 48].

 

أي: لا يعرف إلا الساعة الراهنة التي هو فيها، فإن أصابته نعمة أشر وبطر، وإن أصابته محنة يئس وقنط، هذه طبيعة الإنسان إلا مَن مَنَّ الله عليه بالإيمان، فإن المؤمن كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر وكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن".

 

وكذلك هذا الإنسان هو دائمًا في حاجة إلى ربه، لكنه لا يدعوه تكبرًا؛ كما قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60].

 

وقال: (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) [الأعراف: 55].

 

وكذلك هذا الإنسان لا يستغفر ربه وهو محمَّل بالذنوب، ومعرض لعقوباتها، لكنه لا يستغفر إما لأنه أمن مكر الله، أو لأنه قانط من رحمة الله، كما قال تعالى عن المنافقين: (أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ) [التوبة: 126].

 

فاتقوا الله -عباد الله-، وأكثروا من دعائه واستغفاره، وأخلصوا له العبادة، يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم.

 

واعلموا: أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة...

 

 

 

المرفقات

على التوبة2

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات