عاملوا الله

عادل العضيب

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ الثقة واليقين برب العالمين 2/ التعلق بالله تعالى والإخلاص له في القول والعمل 3/ نظرات في أحوال ووصايا الصالحين في التعلق برب العالمين 4/ بكم اشترى عمر ظلامته من العجوز؟ 5/ ثمرات التعلق بالله والإقبال عليه 6/ الانطراح بين يدي الله والتذلل إليه.

اقتباس

عاملوه وحده بصدق ويقين وإخلاص، فمن عامل الله كان الله له، فرّج همه، ونفّس كربه، ويسّر أمره، وهدَى قلبه، وأصلح حاله، وحفظه في دينه ونفسه وأهله وماله... من عامل الله حقًّا إذا نزل به بلاء أو حلَّ به مصاب، أو تسلط عليه همّ أو غم أو تربص به متربص إذا تعسرت عليه الأمور بسط سجادته في ظلام الليل، ثم بث الشكوى للذي يعلم السر وأخفى، أولئك هم الذين عرفوا كيف يعاملون الله..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد: عباد الله...

يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا *** وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه

كم نطلبُ الله في ضرّ يحل بنا *** فإن تولت بلايانا نسيناه

ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا *** فإن رجعنا إلى الشاطئ عصيناه

ونركب الجو في أمن وفي دعة *** فما سقطنا لأن الحافظ الله

 

لأن الحافظ الله، هو الله، عاملوه ولا تعاملوا أحدا سواه، فما طابت الحياة إلا بذكره، ولا طابت الجنة إلا بالنظر إلى وجهه.

فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بين وبينك عامرُ *** وبيني وبين العالمين خرابُ

إذا صح منك الوِد فالكل هين *** وكل الذي فوق الترابُ تراب

 

عاملوه تسعدوا وترزقوا وتنصروا، فهو خير الحافظين، وهو أرحم الراحمين.

عاملوه ولا تعاملوا خلقه، فمن عامل الله وأرضاه رضي عنه وأرضى عنه الناس، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس".

 

عاملوه وحده بصدق ويقين وإخلاص، فمن عامل الله كان الله له، فرّج همه، ونفّس كربه، ويسّر أمره، وهدَى قلبه، وأصلح حاله، وحفظه في دينه ونفسه وأهله وماله.

 

قال عليه الصلاة والسلام وهو يوصي ابن عباس الغلام الصغير يوصيه ويربيه على أن يعامل الله ليكون الله له "يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشي لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رُفِعت الأقلام وجفت الصحف".

 

وفي رواية "احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر من الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا".

 

عاملوا الله، فوالله ما عامل عبد ربه فندم، لكن اجعلوه الخيار الأول والأخير، لا تطرقوا أبواب البشر، فإن لم ينفعوكم طرقتم بابه، فربكم أعظم من ذلك وأجل.

 

عبد الله: الناجحون في هذه الحياة والفائزون يوم القيامة هم الذين عاملوا الله وصححوا العلاقة بالله.

 

أعظم الناجحين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يعامل أحدا إلا الله، يقول له الصديق وهما في الغار: "يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى أخمص قدمه لرآنا"!! فيقول الذي ما عامل إلا الله: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا".

 

وأبو بكر -رضي الله عنه- هو السابق المقدم على أمة محمد؛ لأنه عامل الله قال أبو بكر بن عياش: "ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه"، ما الذي وقر في قلبه؟ لقد وقر حبّ الله وتعظيمه في قلبه.

 

وهذا فاروق الإسلام عمر -رضي الله عنه- يمر على الناس مستتراً ليتعرف على أخبار رعيته فرأى عجوزاً فسلم عليها، وقال لها: "ما فعل عمر؟ قالت: لا جزاه الله عني خيراً، قال: ولِمَ؟ قالت: لأنه والله ما نالني من عطائه منذ ولي أمر المؤمنين، فقال لها: وما يُدري عمر بحالك وأنتِ في هذا الموضع؟ قالت: سبحان الله، والله ما ظننت أن أحداً يلي عمل الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها، فقال لها يا أمة الله بكم تبيعيني ظلامتك من عمر، فإني أرحمُه من النار، قالت: لا تهزأ بنا يرحمك الله، فقال لست بهازئ، فلم يزل بها حتى اشترى ظلامتها بخمسة وعشرين ديناراً.

 

وبينما هو كذلك إذ أقبل علي وابن مسعود -رضي الله عنهما- فقالا: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فوضعت العجوز يدها على رأسها، وقالت واسوأتاه أشتمت أمير المؤمنين في وجهه!!

 

 فقال لها عمر: لا بأس عليك يرحمك الله، ثم طلب رقعة، وكتب "بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى عمر من فلانة ظلامتها منذ ولي إلى يوم كذا وكذا بخمسة وعشرين ديناراً، فما تدعي عند وقوفها في المحشر بين يدي الله -تعالى- فعُمرُ منه بريء، شهد على ذلك عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود".

 

فعل عمر هذا لأنه عامل الله، فهذه العجوز لا ناصر لها إلا الله، فخاف الله من عامل الله.

 

وهذا الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يقول: "لولا القيامة لكان غير الذي ترون"؛ لأنه عامل الله فخاف من الوقوف بين يدي الله.

 

عباد الله: عاملوا الله بالإحسان، واعبدوه عبادة من يعلم أن الله يراه ويعلم سره ونجواه.

كانت عجوز في عبد القيس تقول لأولادها: "يا بني عاملوا الله على قدر إحسانه إليكم وأياديه إليكم، فإن لم تطيقوا فعلى قدر نعمه، إن المتقين ألفوا الطاعة فاستوحشت جوارحهم من غيرها، فإن عرض لهم الملعون بمعصية مرت المعصية بهم محتشمة فهم لها منكرون. يا بني عاملوا الله على قدر إحسانه إليكم وأياديه إليكم، فإن لم تطيقوا فعلى ستره فإن لم تطيقوه فعلى الحياء منه".

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) [النساء: 108].

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فيا معاشر المسلمين: من عامل الله حقاً، وثق به وتوكل عليه، وفوّض الأمر إليه، من عامل الله حقاً فعل الواجبات وترك المحرمات، من عامل الله لم يضيع أعظم رابط وصلة بالله الصلاة..

 

من عامل الله لم يهجر كلام الله، كما يفعل بعضهم يقضي الساعات على الأجهزة والبرامج لا يكل ولا يمل، ويعجز عن نصف ساعة يتلو فيها كتاب الله، قلوب مريضة تلك التي هجرت كلام الله، قال عثمان -رضي الله عنه-: "لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام الله".

 

ومن عامل الله لم يفتر لسانه عن ذكر الله، فهو يسمع قول الله: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152].

 

من عامل الله لم يجعل الله أهون الناظرين إليه..

من عامل الله لم يظلم، ولم يعتدِ على ضعيف، ولم يأكل مال مسكين، ولم يتلاعب بعرض مسلم.

 

ترى بعض الناس ما أجمل المنطق! وما أحلى الكلام إذا كان أمام الناس، لا تسمع منه زلة، لكن إذا خلا فلا يراه إلا الله فما أقبح المقال والفعال.

 

خاف الناس، واستحى من الناس، وطلب رضا الناس؛ لأنه عامل الناس، ولم يعامل رب الناس.

 

عباد الله:

من عامل الله حقًّا إذا نزل به بلاء أو حلَّ به مصاب، أو تسلط عليه همّ أو غم أو تربص به متربص إذا تعسرت عليه الأمور بسط سجادته في ظلام الليل، ثم بث الشكوى للذي يعلم السر وأخفى، أولئك هم الذين عرفوا كيف يعاملون الله..

 

(وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 118].

 

 

المرفقات

الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات